دمشق- في ظل تصاعد التوترات العسكرية في شمال شرق سوريا، بات سد تشرين يواجه مخاطر غير مسبوقة، نتيجة النزاعات المسلحة التي تركزت مؤخرًا حول مدينة منبج القريبة منه، وهو ما يثير المخاوف حول استمرارية عمل السد الذي يعد من أهم شرايين الحياة في المنطقة، وسط تحذيرات من تداعيات قد تؤثر على أدائه وخدماته الحيوية.

فخلال الأيام الأخيرة، دفعت قوات المعارضة السورية -التابعة للجيش الوطني- بأرتالها باتجاه مدينة منبج في 7 ديسمبر/كانون الأول، وشنّت في اليوم التالي هجومًا منسقًا تحت مظلة غرفة عمليات "فجر الحرية"، بهدف استعادة السيطرة على المدينة بعد نجاحها في السيطرة على تل رفعت.

ودفع هذا التصعيد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) إلى التراجع تدريجيًا عن مركز المدينة، تنفيذًا لاتفاق أُبرم بوساطة أميركية-تركية، لكنه لم يخلُ من اشتباكات حول سد تشرين.

وفي هذا الإطار، قال القيادي في غرفة العمليات المشتركة أحمد النجم المعروف بلقب "أبو جراح عشارة"، للجزيرة نت، إن انسحاب "قسد" من المنطقة كان معقدًا، حيث رفضت بعض مجموعاتها الخروج من السد في البداية، وقامت بتخريب خزانات الكهرباء قبيل انسحابها الكامل، وأكد أن تلك الأعمال التخريبية زادت من تعقيد الوضع الإنساني في المنطقة، وأخّرت دخول فرق الصيانة إلى السد.

مقاتلون أكراد من وحدات حماية الشعب الكردية قرب سد تشرين بعد سيطرتهم عليه من مسلحي تنظيم الدولة (رويترز) الأضرار والصيانة

تسببت الاشتباكات المحيطة بتوقف سد تشرين عن العمل مما تسبب في ارتفاع منسوب المياه داخل البحيرة بشكل عطّل الخزانات وأدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن مناطق واسعة، بينما أكد المهندس زايد الناجي (اسم مستعار) للجزيرة نت أن الأعطال الموجودة حاليا لا تشير إلى انهيار السد.

إعلان

وأوضح محمد العثمان وهو أحد العاملين في مركز الحوار الإنساني، العامل في مجال فض النزاعات ودعم الجهود الإنسانية والرعاية الصحية، للجزيرة نت، أن توقف السد عن العمل لفترات طويلة أدى إلى تراكم المياه داخل خزاناته، مما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي عن المناطق التي يغذّيها السد، وأضاف أن مدير السد اضطر إلى إطلاق استغاثة عاجلة لتجنب تفاقم الأضرار التي قد تؤدي إلى توقفه بشكل كامل.

بينما أكد يعرب الخميس (اسم مستعار)، أحد العاملين في فرق الصيانة، أن الأضرار التي لحقت بالسد تتطلب تدخلًا عاجلًا لإصلاح الأجهزة الميكانيكية والكهربائية. وأوضح للجزيرة نت أن البنية الإنشائية للسد لم تتعرض لأضرار كبيرة، إلا أن الأجهزة الداخلية تأثرت بشكل كبير نتيجة ارتفاع منسوب المياه، مما أدى إلى توقف مولدات الكهرباء بشكل كامل.

وذكر سالم حمود (اسم مستعار)، وهو أحد أعضاء فرق الصيانة، أنه بدأ العمل في منطقة السد بالتعاون مع الهلال الأحمر ولجنة من الأمم المتحدة لتقييم الأضرار والبدء بعمليات الإصلاح، وأوضح أن الفريق عمل على تغيير الموظفين الذين ظلوا في السد لمدة 6 أيام متواصلة، لتخفيف الضغط عنهم وتمكينهم من إتمام أعمال الصيانة في ظل الظروف الصعبة المحيطة.

وعن التداعيات السياسية والعسكرية الأخيرة، أوضح الباحث عمار جلو، من مركز الحوار للأبحاث والدراسات، للجزيرة نت، أن ما يحدث في منبج هو انعكاس لتفاهمات إقليمية ودولية حول مستقبل قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

وأشار إلى أن هناك احتمالات لإعادة دمج هذه القوات ضمن الجيش السوري، أو الإبقاء عليها كقوة إدارية بالتعاون مع الدولة السورية المستقبلية، قائلا "ما نشهده في منبج قد يكون جزءًا من هذه التفاهمات".

مركز المياه والطاقة

يعتبر سد تشرين، الذي يقع على نهر الفرات -على بعد 30 كيلومترًا من مدينة منبج- أحد أهم المشاريع المائية في سوريا، وتم بناؤه عام 1991، وبدأ العمل به عام 1999 بسعة تخزينية بلغت 1.9 مليار متر مكعب، وبقدرة إنتاجية تصل إلى 630 ميغاواتا من الكهرباء، مما جعله مصدرًا أساسيًا للطاقة الكهربائية والمياه في المنطقة.

إعلان

ويغذي السد مناطق واسعة تشمل منبج والخفسة وغيرها، بالإضافة إلى استخدام مياهه لري الأراضي الزراعية المحيطة، لكنه ورغم إمكانياته الكبيرة، يعاني من تدهور في خدماته منذ بداية الثورة السورية، وفق ما أشار الصحفي عبد الله المحمد للجزيرة نت.

وذكر المحمد أن المشروع الأكبر للسد كان يهدف إلى ري أراضي منطقة مسكنة بالكامل، إلا أن الاشتباكات العسكرية المتواصلة وعدم صيانة تجهيزاته أثرت سلبًا على تحقيق تلك الأهداف بالوجه المطلوب، كما أكد أن مياه بحيرة تشرين الناتجة عن السد تعد مصدرًا رئيسيًا للري وتغذية المجتمعات المحيطة، إلا أن النزاعات أضعفت قدرته على تقديم هذه الخدمات الحيوية.

من جهة أخرى، تعد مدينة منبج نقطة إستراتيجية في شمال سوريا، لكنها خرجت منذ عام 2012 عن سيطرة النظام السوري لتصبح خاضعة لسلطة المعارضة، ثم انتقلت إلى قبضة تنظيم "الدولة الإسلامية" عام 2014، وبعد عامين، تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من السيطرة عليها بدعم من التحالف الدولي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات مدینة منبج للجزیرة نت سد تشرین

إقرأ أيضاً:

حوامل غزة يروين للجزيرة نت مأساتهن مع الحرب وسوء التغذية

غزة- جلست العشرينية، إسلام الشريف، بوجه شاحب وجسد أنهكه الحمل، تتفحص -بعيون غائرة مرهقة- نساء أخريات في ردهة مستشفى النساء والتوليد بمجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس، وقد تيقنت أن ما تشعر به وتعانيه ليس استثناء بالنسبة لامرأة حامل في زمن الحرب والحصار على قطاع غزة.

الشريف (26 عاما)، حامل في الشهر التاسع، ولديها طفلان، وتقيم مع أسرتها (10 أفراد) في خيمة جنوب غربي مدينة خان يونس، إثر نزوحها وجميع سكان مدينة رفح على وقع إنذارات إسرائيلية متزامنة مع قصف جوي ومدفعي وتقدم بري، عزل لاحقا المدينة وفصلها عن باقي القطاع في "محور موراغ".

وبفعل تجارب نزوح قسرية متكررة، وما يصاحبها من مخاوف وضغوط، أصيبت الشريف بما يعرف بـ"ضغط الحمل"، وبصوت يخنقه الحزن والقلق، تقول للجزيرة نت، "لم أكن أعاني من أي أمراض قبل هذه الحرب، أما اليوم فلا أشعر أنني بخير".

إسلام الشريف (يمين) لا تشعر أنها بخير وتخشى أن تضطر إلى الولادة القيصرية (الجزيرة) تدهور جسدي ونفسي

تخشى هذه الفلسطينية الحامل، أن تضطر إلى الولادة القيصرية، وتوشك على وضع جنينها في أي لحظة، وهي غير مهيأة لاستقباله حسب ما تقول، حيث لا تتوفر مستلزمات المولود من مواد غذائية وصحية وملابس.

كيف ستكون نفسيتي مع هذا الواقع المرير؟، تتساءل الشريف، وتواصل حديثها بألم "حياتنا سيئة جدا، ولم يسلم جنيني من هذا السوء، وأشعر بقلق شديد عليه، فوزنه أقل من الطبيعي ولا ينمو منذ شهرين، والأطباء يقولون، إن السبب سوء التغذية".

الأم نفسها تعاني من ضعف الدم، وارتفاع في وظائف الكبد، وانتفاخ وتورم في الجسد، وقد تدهورت حالتها بفعل الحصار المشدد، وإغلاق الاحتلال المعابر ومنع إدخال المساعدات الإنسانية والبضائع الغذائية منذ 2 مارس/آذار الماضي، وعودته بشراسة للحرب منذ 18 من الشهر ذاته.

إعلان

ومنذ اندلاع الحرب، يمنع الاحتلال إدخال اللحوم الحمراء والبيضاء الطازجة إلى القطاع، وللشهر الثاني على التوالي يمنع إدخال اللحوم المجمدة ومشتقات الألبان، وغالبية الأصناف الغذائية والفواكه، وسط ارتفاع هائل في أسعار البضائع والخضروات المتوافرة.

وأصيبت الشريف بجرثومة في معدتها، تسبب لها آلاما شديدة، يرجعها الأطباء إلى تناولها مياها غير نظيفة وأغذية غير صحية، وكلما اقترب موعد ولادتها يزداد قلقها.

View this post on Instagram

A post shared by UNICEF MENA (@unicef_mena)

تجارب مؤلمة

ويتعمق هذا القلق لدى الشريف مما يتناهى إلى مسامعها عن تجارب صعبة لنساء وضعن حملهن، وأصبن ومواليدهن بمضاعفات، إحداهن الثلاثينية، صباح أبو عزوم، التي ولدت حديثا بنتا سمتها "سهير"، وعانت بشدة أثناء الولادة لعدم قدرتها على "الطلق" لمساعدة الأطباء على استخراج الجنين.

لدى صباح (30 عاما)، 3 أطفال، لكنها تَعتبر ولادتها الأخيرة، الأصعبَ والأشد قسوة، فقد عانت في آخر فترات الحمل من "الضغط المزمن"، وخسرت 16 كيلوغراما من وزنها، وانخفض معدل الدم لديها إلى 9 درجات فقط.

وفي الفترة ذاتها نجا زوج صباح بأعجوبة، وقد أصيب بجروح بليغة من غارة إسرائيلية على خيمة أودت بحياة أفراد عائلته في مدينة رفح، قبل النزوح الأخير، وتقول "معاناة نفسية وجسدية، ومجاعة، وموت يلاحقنا في كل وقت ومكان، فكيف ستكون حياتنا كنساء وحوامل في غزة؟".

ووفقا لمنظمة الصحة العالمية فإن 90% من النساء الحوامل والمرضعات في غزة يعانين سوء تغذية حادا، ويحول نقص المعدات الطبية دون حصولهن على العلاج اللازم.

ويقدر عدد النساء الحوامل في غزة بـ55 ألف امرأة، ثلثهن يواجه حالات حمل عالية الخطورة، يولد نحو 130 طفلا يوميا، 27% منهم ولادة قيصرية، نحو 20% من المواليد الجدد يولدون قبل الأوان، أو يعانون من نقص الوزن، أو يعانون من مضاعفات، ويحتاجون إلى رعاية متقدمة تتناقص بسرعة.

إعلان

وبسبب حظر المساعدات، انخفضت إمدادات منظمة الصحة العالمية لصحة الأم والطفل، بما فيها مستلزمات الولادة القيصرية، والتخدير أثناء الولادة وتسكين الألم، والسوائل الوريدية، والمضادات الحيوية، والخيوط الجراحية، بشكل حاد، كما أن وحدات الدم اللازمة للولادات المعقدة شحيحة للغاية.

وأظهر تحليل حديث لمجموعة التغذية، استندت إليه المنظمة في بيان أصدرته بمناسبة أسبوع الصحة العالمي الممتد منذ 7 الشهر الجاري، أن ما بين 10% و20% من أصل 4500 امرأة حامل ومرضعة شملهن الاستطلاع يعانين من سوء التغذية، وقد أدى إغلاق 21 مركزا لعلاج سوء التغذية، بسبب انعدام الأمن أو أوامر الإخلاء، إلى تعطيل الرعاية الصحية لعشرات الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد.

تدهورت الحالة الصحية لفوزية أبو كوش وتوأمها من سوء التغذية (الجزيرة) ولادة برسم الحرب والجوع

وغير بعيد عن إسلام وصباح، تحتضن الثلاثينية فوزية أبو كوش توأمها "رنا" و"محمود"، وقد قرر الأطباء في مستشفى خاص، ولد فيه التوأم تحويله إلى مجمع ناصر الطبي، لتلقي الرعاية الطبية اللازمة، إثر إصابتها والتوأم بمضاعفات خطِرة.

وضعت أبو كوش (31 عاما) حملها قبل نحو شهرين، وتتفق مع أبو عزوم على أن تجربة الحمل والولادة في الحرب والمجاعة هي الأقسى.

ولدى هذه الأم 7 أطفال، وتقيم مع أسرتها في خيمة بمواصي خان يونس منذ النزوح عن مدينة رفح، وقد أصيبت أثناء الحمل بقلة الدم، واضطر الأطباء إلى منحها وحدات دم، وتقول للجزيرة نت، "كانت ولادتي صعبة للغاية، وبعدها تدهورت صحتي وصحة التوأم".

وأرجع الأطباء ما عانت منه أبو كوش إلى سوء التغذية، ومن جرائه، أيضا أصيب توأمها بالتهابات في الصدر وجرثومة في الدم، لعدم قدرتها على الرضاعة الطبيعية واضطرارها إلى إرضاع توأمها حليبا صناعيا لا يناسبه، وقد أدخل إلى العناية المركزة.

قسم حديث أنشئ لمتابعة أكثر من 350 حالة سوء تغذية لدى الرضع والأطفال في غزة (الجزيرة) حرب على الأمهات والأجنة

ومن الأم تتسلل تداعيات سوء التغذية إلى الجنين، وتقول مختصة النساء والتوليد الدكتورة، شيرين العلوي للجزيرة نت، إن معدلات الإجهاض تكثر لدى الحوامل في غزة، في الشهور الثلاثة الأولى من حملهن، وتكثر في الشهور المتأخرة من الحمل حالات الولادة المبكرة، "ويلاحظ أن من بين كل 10 مواليد يوميا لدينا هنا 7 منهم يعانون من انخفاض الوزن".

إعلان

وبحسب هذه المختصة، فإن غالبية الأمهات والحوامل في غزة يعانين من نقص في الحديد وضعف حاد في الدم، ويؤدي ذلك إلى الإرهاق والدوخة، وهذا ما يفسر ما حدث مع أبو عزوم وغيرها من الحوامل اللاتي، يفتقدن القدرة على الطَّلق أثناء الولادة، وتنخفض لديهن القدرة على تحمل أوجاع الولادة، وقد تؤدي الحالة النفسية وسيطرة الخوف والقلق -كما في حالة الشريف- إلى الولادة القيصرية.

وفي ظل الحصار الإسرائيلي المشدد وعدم توفر الأغذية الصحية المناسبة، وعدم توفر المدعمات باستمرار، تمتد آثار سوء التغذية إلى ما بعد الولادة، وتطال الأم والجنين، حيث تدفع الحاجة إلى مجابهة المجاعة لتناول المتاح من أطعمة غير صحية، تسبب تدهورا في الصحة الجسدية والنفسية.

ويراجع، يوميا قسما حديثا أنشئ لمتابعة حالات سوء التغذية للأطفال، أكثرُ من 350 حالة في الفئة العمرية من 6 أشهر إلى 6 سنوات، وتقول مختصة الأطفال الدكتورة، فداء النادي للجزيرة نت، "إن سوء التغذية نتيجة عدم توافر الغذاء والماء الصحيين، يصيب الغالبية من الأطفال بالتهابات في الجهازين الهضمي والتنفسي، ويؤثر على النمو السليم، والمناعة، فيصبحوا أكثر عرضة للإصابة بالأمراض".

مقالات مشابهة

  • حوامل غزة يروين للجزيرة نت مأساتهن مع الحرب وسوء التغذية
  • بيدرسن يدعو لرفع عقوبات «سوريا المنهكة» ويشدّد على أولوية التعافي.. دمشق تستعيد سد تشرين وآلية إقليمية لتعزيز الاستقرار
  • أعمال الصيانة الجذرية للعقود الجديدة للطرق
  • قوات الحكومة السورية تنتشر في محيط سد تشرين باتفاق مع القوات الكردية
  • قوات الحكومة السورية تنتشر في محيط شد تشرين باتفاق مع القوات الكردية
  • خطط ترامب لإلغاء 10 آلاف وظيفة صحية تهدد بتأخير تراخيص الأدوية
  • رفع كفاءة المنطقة المحيطة بموقف السلام النموذجى بعد نقل الباعة لأماكنهم الجديدة
  • بعد اتفاق «قسد».. بدء دخول قوات الجيش السوري والأمن العام إلى سد تشرين بريف حلب
  • عودة السوريين وتأثيرات الدعم الدولي.. هل يتحقق الاستقرار في البلاد؟
  • مراسل سانا بحلب: بدء دخول قوات الجيش العربي السوري وقوى الأمن العام إلى سد تشرين بريف حلب الشرقي لفرض الأمن والاستقرار للمنطقة، تنفيذاً للاتفاق المبرم مع قوات سوريا الديموقراطية