حسن ابراهيم حسن الافندي
هذا نهارك واندحر...وأتى مساؤك للسمر
فارسل قريضك بلسما...ويراع مثلك ينتظر
واعزف بكل موتّر...وانظم به حلو السِير
واهجر جروحك خلها...فالذاهبون ذوو قدر
كل ابن آدم للفنا...يوما إذا هو قد فكر
كل سيأخذ قسطه...عمرا ويأنس بالحفر
شأن الحياة ومن يعش...بين المهالك يختبر
فانزع شبابك للهوى.
زدني وزدني مولعاً...هذا الشباب قد استعر
واسبق غريمك في الهوى...واطلب لربات الخفر
ما الحب إلا بالكؤو...س وبالشفاه وبالسهر
ما الحب إلا متعة...للجسم إن هو استتر
اخلعه طهرك والتثم...ثوب الملذات الأخر
ما أنت إلا نحلة...تمتص من زهر ثمر
لتعود تنسج للملا...شتى المغازل والصور
أنا قد نكرت حبيبتي...لما هواها لي نكر
فاسمع نصيحة من يفي...إن النصيحة لا تشر
الشعر لا وقف على...محبوب قلب قد هجر
أبدا ولا هو سائر... تبع الحبيب إذا سفر
الشعر لما أن يرى...وجها جميلا كالقمر
يحلو إليك فتنثني...بين القوافي والفِكَر
الشعر لا يبقي متى ...ما قد طرقت ولا يذر
في كل بادية الصدو...د وكل مرهوب خطر
*****
قال الرفاق وأجمعوا...لما رأوني مزدجر
بين العواطف والبكا...ومع الكآبة والضجر
فأجبتهم والعين تُكذب من مدامعها الخبر
بسي فلا أرجو بكم...كنف الحياة المنتظر
اللهَ أخشى وعده...في كل منهي أمر
والذاهبون وإن نأوا...عني فلي جم العبر
لا تظلموا الموتى وإن...طال الزمان وانهصر
أخشى عليك لقاءهم...قول المعري للبشر
والعمر إن يغدو لموت فالنعيم به أضر
لا أسمع النصح ولا...أقتفي فيه الأثر
هذا الحبيب بحبه...لغدوت أشعر من شعر
حب تعيش حياله...دنيا الأماني والغِيَر
في كل آونة تمر...علي آلاف الصور
هذي بطرف ناعس...والخصر بالصدر فتر
والبعض منّى نفسه...شيئا عظيما وادخر
ومن العجائب أن ترى...حلم الجميلة في صغر
ومن الغرور أظنه...سعيا ضئيلا يحتقر
طاف الخيال ولا تني...ترجو الغرائر للقدر
لكن قلبي لم يعد...للأخريات به وكر
ولقد عشقت وقد غدا...شعري يواتيني الدرر
يحكي حنينا باعثا...في النفس متقد الشرر
يحكي جحيما في النوى...يحكي نعيما في السهر
كذب الذي زعم الهوى...معناه قبلات تُسر
أو رام فيه لجسمه...لذات ليل احتضر
الحب يجمع أنفسا...في أسمى ما عرف البشر
الحب ويحك لم يدم...في ظل قسوة من غدر
والغدر جرم للذئاب وقد تجاوز للكبر
فاصرف أمورك حازما...إن التعقل في الحذر
واهجر شرورك واتئد.. ما دمت تملك للبصر
الحب أصبح ديننا...والدين قدس معتبر
من مات معتنقا له...وجد النعيم المنتظر
أما يدنس شرعه...ما كان ذنبا يغتفر
********
قدمتها إذاعة أمدرمان من منصة المعهد العلمي بأمدرمان 1965 ضمن احتفالات البلاد بالذكرى الأولى لثورة أكتوبر الخالدة واستدعتني الظروف لإلقاء هذه القصيدة بجانب قصيدة المناسبة عندما وصل إلي مواطن وحلف بالطلاق ألا أغادر المنصة قبل إلقاء قصيدة أخرى وما كنت ساعتها مستحضرا بالذاكرة سوى هذه القصيدة
وقد علق عليها شعرا الشاعر الأردني د. طاهر عبد المجيد , أغسطس 06, 2010 بمجلة الأدب العربي قائلا:
أخي وأستاذي الشاعر العزيز حسن الأفندي:
ماذا سآخذ أو أذرْ...لسواي من هذي الدررْ
وأنا المتيَّم بالجمال وبالقصيد وبالعبرْ
هذي القصيدة روضة...خضراء يسكنها المطرْ
ما غاب عنها لحظة...إلا أتاها واعتذرْ
فيها الذي يسبي القلوب وما يلذُّ من الثمرْ
فيها البليغُ من المعاني والجليلُ من الفِكرْ
فيها من الإيقاع موسيقى يطيب بها السهرْ
وتظل تعزفها الحروف بنشوةٍ حتى السحرْ
هي لوحة فنية...عذراء يحسدها القمرْ
لِمَ لا ولو أبدت خفيَّ جمالها نطق الحجرْ
وهي التي ما أعرضت...عن مُعجبٍ إلا انتحرْ
يا صاحبي أحرجتني...بجمالها اللا منتظرْ
ووضعتني في موقفٍ...صعبٍ يحيطُ به الخطرْ
فإذا ظفرت بها أنا...وحدي سيحسدني البشرْ
وأخاف من إعجابهم...أن يخدشوها بالنظرْ
وإذا تقاسمها الجميــع فسوف يلحقها الضررْ
من أجل هذا قلتُ: لا...لابدَّ من أخْذ الحذرْ
ولقد وجدتُ من المناسب أن أقول لمن حضرْ
عذراً دعوها لي أنا...ولتأخذوا عنها صورْ
وأنا الذي سيصونها...من معجب لم يُختبرْ
أو ناقدٍ لم يحترف...نقد النفيس من الدررْ
أو ناقدٍ متسرِّعٍ...يغريه بالنقد الخبرْ
أو حاسدٍ من غيظهِ...فَقدَ البصيرة والبصرْ
ولسوف أحفظها هنا...لكَ حيث لا يُقفى أثرْ
وأكون حارسها الذي...من أجلها ترك السفرْ
هذا قراري بلِّغوهُ كأنهُ عنكم صدرً
فلربما غضب الذي...بغيابه لم يُستشرْ
وتريَّثوا في رفضهِ...فالنار أولها شررْ
والحرب ليست لعبة...للهاربين من الضجرْ
ولكي تطيب نفوسكم...قولوا: لقد حكم القدرْ
إلا إذا من صاغها...بخلاف هذا قد أمرْ
بعد هذه القصيدة أعتقد أنك ستعذرني على التأخير وتغير رأيك في طول لساني
دمت بألف خير
thepoet1943@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
مؤمن الجندي يكتب: أزرار السوشيالجية
في مسرح الحياة، يقف بعض الأشخاص تحت أضواء الحب الجماعي، ملايين القلوب تتسابق لتقديم محبتها وإعجابها، وتُغرقهم بفيض من المشاعر التي تجعلهم في مقام القداسة البشرية.. ولكن فجأة، وكأن عاصفة غاضبة اجتاحت الميدان، يتبدل الحب والإعجاب إلى نقد لاذع، والقلوب التي كانت تنبض باسمهم، تخفت وتنسحب دون تفسير واضح! فما الذي يدفعهم لإظهار العكس؟ وكيف يمكن لذلك الشخص المستهدف استعادة ذلك الحب الذي بدا يومًا وكأنه لن ينتهي؟
مؤمن الجندي يكتب: كيف يُروى الغياب بعد الرحيل؟ مؤمن الجندي يكتب: قصة عمر بين الشوك والضوء مؤمن الجندي يكتب: ما الذي لا يستطيع المال شراؤه؟ مؤمن الجندي يكتب: قلوب بلا أقنعةحين يتعلق الملايين بشخص، يكون ذلك في العادة بسبب قيم أو مهارات أو مواقف ألهمتهم، وربما لملامح كاريزمية جعلت هذا الشخص رمزًا لهم.. لكن، الحب الطاغي يسحب دائمًا الوعي وينبض من القلب، وقد يطلق في كثير من الأحيان موجة شعورية.. وهذا النوع من الحب هش بطبيعته؛ لأنه يقوم على التوقعات المثالية، وحين يخطئ هذا الشخص – كبشر طبيعي – تتحول التوقعات إلى خيبة أمل، وخيبة الأمل إلى غضب جماعي.
محمود الخطيب، رمز الأهلي التاريخي، كان دائمًا محط حب الجماهير بفضل نجاحاته لاعبًا ورئيسًا للنادي وقبلهما كقدوة حسنة في الأخلاق.. ومع ذلك، شهدت الفترة الأخيرة تحول بعض الجماهير لمهاجمته بسبب التأخر في إبرام صفقات جديدة وقرارات أخرى لم ترقَ لتطلعاتهم.. هذا التحول يعكس هشاشة الحب الجماعي الذي سرعان ما ينقلب تحت ضغط التوقعات العالية وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي التي تُضخم الخلافات.
هذا الانقلاب "السوشيالي" على الخطيب من وجهة نظري يرتبط بغياب الوعي الجماعي، حيث تنجرف بعض الجماهير خلف موجات النقد دون إدراك لحجم التحديات التي يواجهها، أو حتى لطريقة النقد نفسها كيف تكون؟ استعادة الثقة تتطلب شفافية وقرارات قوية من الخطيب، وأيضًا وعيًا من الجماهير بأن الرموز العظيمة تخطئ أحيانًا، لكنها دائمًا تملك القدرة على التصحيح.
السوشيالجية.. ومشهد التدمير الجماعينحن اليوم نعيش عصرًا جديدًا، حيث تلعب فئة "السوشيالجية" – أولئك الذين يعيشون على مواقع التواصل الاجتماعي – دورًا محوريًا في صياغة الرأي العام.. لكن المعضلة تكمن في أن الوعي لديهم كثيرًا ما يغيب أمام إغراء التصدر والجدل! فبدلًا من أن يُقيموا المواقف بعقلانية، ينجرون خلف التيار، ويصبحون وقودًا للتوجهات الجماعية، سواء كانت في اتجاه الحب أو الكراهية.
أرى أن الحل لهذه الظاهرة يتطلب إعادة بناء الوعي الجماعي، وتعليم الشباب أن الحب والكراهية ليسا مجرد أزرار يمكن الضغط عليها بسهولة.. علينا أن ندرك أن البشر خطاءون بطبعهم، وأن الشخصيات العامة ليست رموزًا مثالية، بل هي مرآة لعواطفنا وتوقعاتنا.
في النهاية، الحب الجماعي ليس دائمًا دليلًا على القيمة، والكراهية الجماعية ليست حكمًا مطلقًا.. وما بين الحب والكراهية، يقف الوعي كحكم عادل، قد ينقذنا من الظلم ويُعيدنا إلى جوهر الإنسانية.
للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا