هيومن رايتس ووتش: مقاتلون من الدعم السريع يغتصبون نساء وفتيات ويستعبدوهنّ جنسيا
تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT
قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن مقاتلين من "قوات الدعم السريع" والميليشيات المتحالفة معها اغتصبوا عشرات النساء والفتيات في حالات شملت الاستعباد الجنسي، في ولاية جنوب كردفان السودانية منذ سبتمبر/أيلول 2023.
• اختطف مقاتلون من قوات الدعم السريع" "هانية" البالغة من العمر 18 عاا من منزلها في بلدة فايو، جنوب كردفان، عندما كانت حاملا في شهرها الثالث.
• اختطف مقاتلون من قوات الدعم السريع" "هانية" البالغة من العمر 18 عاا من منزلها في بلدة فايو، جنوب كردفان، عندما كانت حاملا في شهرها الثالث. واحتجزوها في قاعدة عسكرية واغتصبوها مرارا لمدة ثلاثة أشهر قبل أن تهرب. © 2024 هيومن رايتس ووتش
• اغتصب مقاتلون من "قوات الدعم السريع" والميليشيات المتحالفة معها عشرات النساء والفتيات في حالات شملت الاستعباد الجنسي، في ولاية جنوب كردفان بالسودان منذ سبتمبر/أيلول 2023.
• العنف الجنسي المرتبط بالنزاع هو انتهاك خطير للقانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب، وجريمة حرب. قد يشكّل العنف الجنسي جرائم ضد الإنسانية عندما يُرتكب ضمن هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد سكان مدنيين.
على الدول الأعضاء في "الأمم المتحدة" و"الاتحاد الأفريقي" التحرك بشكل عاجل لمساعدة الضحايا، وحماية النساء والفتيات الأخريات، وضمان العدالة في هذه الجرائم الشنيعة.
(نيروبي) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن مقاتلين من "قوات الدعم السريع" والميليشيات المتحالفة معها اغتصبوا عشرات النساء والفتيات في حالات شملت الاستعباد الجنسي، في ولاية جنوب كردفان السودانية منذ سبتمبر/أيلول 2023. تؤكد أعمال العنف الجنسي هذه، التي تشكل جرائم حرب وقد تشكل جرائم ضد الإنسانية، على الحاجة الملحة إلى اتخاذ إجراءات دولية جادة لحماية المدنيين وتحقيق العدالة.
قالت امرأة نوبية عمرها 35 عاما إن ستة مقاتلين من قوات الدعم السريع يرتدون زيا باللون الكاكي اقتحموا مسكن عائلتها، وقال أحد الرجال: "يا نوبية، اليوم يومك". ثم اغتصبها الرجال جماعيا. قالت: "حاول زوجي وابني الدفاع عني، فأطلق أحد مقاتلي الدعم السريع النار عليهما وقتلهما. ثم استمروا في اغتصابي، الستة جميعهم".
قالت بلقيس والي، المديرة المشاركة لقسم الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش: "وصفت الضحايا تعرضهن للاغتصاب الجماعي أمام عائلاتهن أو لفترات طويلة، في حالات شملت احتجازهن للاستعباد الجنسي من قِبل مقاتلي قوات الدعم السريع. على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي التحرك فورا لمساعدة الضحايا، وحماية النساء والفتيات الأخريات، وضمان العدالة في هذه الجرائم الشنيعة".
في أكتوبر/تشرين الأول 2024، أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 93 شخصا حضوريا وعن بُعد، 70 منهم كانوا في مخيمات غير رسمية للنازحين في منطقة جبال النوبة بولاية جنوب كردفان، والتي تخضع حاليا لسيطرة الجماعة المسلحة "الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال" (الحركة الشعبية). كما خاضت قوات الدعم السريع، التي تقاتل القوات المسلحة السودانية للسيطرة على البلاد، قتالا مع الحركة الشعبية. أجرى الباحثون مقابلات مع سبع ضحايا اغتصاب، قالت إحداهن إنها احتُجزت مع 50 امرأة أخرى واغتُصبت مرارا على مدى ثلاثة أشهر. كما أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 12 شخصا قالوا إن قريباتهم أو صديقاتهم تعرضوا للاغتصاب، وفي كثير من الحالات في حوادث شهدوها بأنفسهم.
في المجمل، قدم الضحايا وشهود آخرون معلومات عن 79 فتاة وامرأة، تتراوح أعمارهن بين 7 و50 عاما، أبلغن عن تعرضهن للاغتصاب. كانت معظم الحوادث الموثقة اغتصابات جماعية وقعت منذ 31 ديسمبر/كانون الأول 2023، في بلدة حبيلة وحولها، وفي قاعدة لقوات الدعم السريع، وشملت أيضا ضحايا من بلدة فايو، على بعد حوالي 17 كيلومتر جنوب حبيلة، في جنوب كردفان.
قالت الضحايا والشهود إن المهاجمين كانوا جميعا أعضاء في قوات الدعم السريع يرتدون الزي الرسمي، أو أعضاء في ميليشيات حليفة، وقالت بعض الضحايا إنهن يعرفن بعض الرجال بالاسم من مجتمعهن. في الحالات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش، اغتصب مقاتلو قوات الدعم السريع 14 امرأة وفتاة في منازلهن أو منازل جيرانهن، غالبا أمام أفراد الأسرة. في خمس حالات، اغتصب المهاجمون النساء والفتيات بعد قتل أفراد الأسرة أو تهديدهم.
في تقرير منفصل نشر في 10 ديسمبر/كانون الأول، وثّقت هيومن رايتس ووتش عمليات قتل واختطاف وإصابات واسعة النطاق بين المدنيين، بالإضافة إلى أعمال نهب وحرق واسعة، في حبيلة وفايو وحولهما. تشكل هذه الانتهاكات والعنف الجنسي دليلا على الهجمات الواسعة التي تشنها قوات الدعم السريع على المدنيين في جنوب كردفان.
قالت امرأة عمرها 18 عاما إن مقاتلي قوات الدعم السريع أخذوها في فبراير/شباط مع 17 امرأة وفتاة أخريات من فايو إلى قاعدة عسكرية، حيث احتُجزن مع مجموعة من 33 امرأة وفتاة كن هناك أصلا. تحت السيطرة الكاملة لخاطفيهن من قوات الدعم السريع، احتُجزت النساء والفتيات في ظروف استعباد، وفي بعض الأحيان رُبطن بالسلاسل. كل يوم لثلاثة أشهر، اغتصب المقاتلون النساء والفتيات وضربوهن، ومن بينهن الضحية البالغة من العمر 18 عاما، وهي جرائم تشكل أيضا استعبادا جنسيا.
لم ترَ أي من النساء اللواتي قابلتهن هيومن رايتس ووتش أي وسيلة لمحاسبة المهاجمين. قالت إحداهن: "لا يوجد شيء يمكن لأي شخص أن يفعله من أجل العدالة. فقط أشكو إلى الله".
في 25 نوفمبر/تشرين الثاني، أرسلت هيومن رايتس ووتش ملخصا لنتائجها والأسئلة ذات الصلة إلى الجنرال محمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع، لكنها لم تتلقَّ أي رد.
تتوافق هذه النتائج مع تقرير صدر مؤخرا عن "البعثة المستقلة لتقصي الحقائق في السودان" التابعة للأمم المتحدة، والذي خلص إلى أن قوات الدعم السريع ترتكب العنف الجنسي على نطاق واسع، بما يشمل حالات عديدة من الاستعباد الجنسي. وثّقت هيومن رايتس ووتش اغتصاب عشرات النساء والفتيات من قِبل قوات الدعم السريع في دارفور عام 2023، والعنف الجنسي واسع النطاق المرتبط بالنزاع من قِبل قوات الدعم السريع، وفي حالات أقل، من قِبل القوات المسلحة السودانية في الخرطوم والمدن المجاورة منذ اندلاع القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في أبريل/نيسان 2023.
يشكل العنف الجنسي المرتبط بالنزاع انتهاكا خطيرا للقانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب، وهو جريمة حرب. قالت هيومن رايتس ووتش إن العنف الجنسي قد يشكل جرائم ضد الإنسانية عندما يرتكب ضمن هجوم واسع النطاق أو منهجي على سكان مدنيين. عندما يُحتجز الناس في ظروف الاستعباد – عندما يمارس آسروهم سيطرة تشبه حق الملكية عليهم – ويخضعون للعنف الجنسي، فإن ذلك يشكّل استعبادا جنسيا.
ينبغي للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي أن ينشرا فورا بعثة لحماية المدنيين في السودان، مفوّضة ومجهزة بالموارد اللازمة للتصدي للعنف الجنسي، منها الوقاية، والتوثيق، وتوفير الخدمات الشاملة لجميع الضحايا. ينبغي للدول الأعضاء في الأمم المتحدة أيضا تعزيز الدعم لبعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة، كما أوصى الأمين العام، للمساعدة في تمهيد الطريق نحو المساءلة الفعلية.
قالت والي: "يسلط هذا البحث الضوء على ما نسمعه منذ بعض الوقت حول حجم العنف الجنسي في السودان، مع دخول قوات الدعم السريع إلى المنازل واغتصاب النساء والفتيات مرارا. مع ذلك، حتى الآن، بالكاد حصلت الضحايا السودانيات على الخدمات، ناهيك عن جبر الضرر أو الجهود الفعلية لوقف هذه الجرائم المروعة".
(حُذفت أسماء الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات أو غُيِّرت لحماية هوياتهم.)
منذ بدء النزاع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في أبريل/نيسان 2023، فر مئات الآلاف إلى أراضٍ في جنوب كردفان تسيطر عليها الحركة الشعبية، وهي مجموعة مسلحة عناصرها إلى حد كبير من الإثنية النوبية وغير ضالعة مباشرةً في النزاع الحالي. شهدت المنطقة نزاعا طوال سنوات الـ 2010، ولكنها حاليا إحدى أكثر مناطق السودان استقرارا.
تخضع جيوب أخرى من جنوب كردفان لسيطرة القوات المسلحة السودانية، بينما تسيطر قوات الدعم السريع على بلدة الدبيبات ومحيطها. ثمة أجزاء من ولاية جنوب كردفان لا تخضع لسيطرة أي قوة معينة. تحالفت قوات الدعم السريع مع ميليشيات ذات أغلبية عربية وعاملت مجموعات إثنية معيّنة بما فيها المساليت والنوبيين بوحشية، بما يشمل القتل والإصابات والتعذيب والاحتجاز والاغتصاب بحق المدنيين من هذه المجتمعات، وتدمير منازلهم ونهب ممتلكاتهم.
عام 2017، وثّقت هيومن رايتس ووتش عرقلة المساعدات الإنسانية أثناء النزاع في جبال النوبة من قِبل القوات المسلحة السودانية والحركة الشعبية، بما فيه حرمان النساء والفتيات من الرعاية الصحية الإنجابية، بما فيها رعاية التوليد الطارئة. وجدت هيومن رايتس ووتش سابقا أن الرجال والفتيان تعرضوا أيضا للعنف الجنسي، في حالات شملت الاحتجاز.
أصدر قضاة "المحكمة الجنائية الدولية" عددا من مذكرات الاعتقال في قضايا ترتكز على تحقيق المحكمة في الجرائم المرتكبة في دارفور خلال العقد الأول من سنوات الـ 2000. وهي تشمل مذكرات ضد الرئيس السوداني السابق عمر البشير، الذي لا يزال هاربا من المحكمة الجنائية الدولية. لم تُقدَّم إلا قضية واحدة إلى المحاكمة، وهي قضية زعيم ميليشيا الجنجويد السابق علي محمد علي عبد الرحمن (علي كوشيب). قُدِّمت المرافعات الختامية في القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية بين 11 و13 ديسمبر/كانون الأول 2024.
الاستعباد الجنسي
قالت هانية (18 عاما) إن قوات الدعم السريع هاجمت فايو في إحدى ليالي فبراير/شباط، عندما كانت البلدة تحت سيطرة الحركة الشعبية. كانت هانية حاملا في شهرها الثالث. دخل مقاتلو قوات الدعم السريع منزل هانية واختطفوها مع فتاة عمرها 17 عاما كانت جارتها. قال أحد المقاتلين: "فقدنا عديدا من أولادنا ونحن بحاجة إلى أن ننجب غيرهم". هلل آخرون، وهتفوا "عرس مجاني"، وأطلقوا الرصاص الحي في الهواء. انطلق المقاتلون بسيارتهم مع هانية وجارتها و16 فتاة أخرى تعرفهن، تتراوح أعمارهن بين 11 عاما وما فوق، في حوالي 10 مركبات. قالت امرأة أخرى من سكان فايو إنها رأت مقاتلي قوات الدعم السريع يأخذون مجموعات من النساء والفتيات، من بينهن هانية، في ذلك الصباح.
قاد المقاتلون سياراتهم إلى معسكر كبير لقوات الدعم السريع في الدبيبات، على بعد حوالي 85 كيلومتر شمال فايو. قدّرت هانية أن عدد المقاتلين هناك كان 100 أو أكثر، وكانوا يحتجزون أصلا 33 امرأة وفتاة أخريات من حبيلة، أعمارهن بين 13 و28. على مدى الأشهر الثلاثة التالية، حسبما قالت، كان المقاتلون "يأتون في مجموعات من ثلاثة كل صباح لأخذ بعض الفتيات لاغتصابهن وإعادتهن. ثم في المساء، كانت مجموعة أخرى من ثلاثة تأتي، وتأخذ فتيات أخريات، وتغتصبهن".
لم يعط المقاتلون النساء والفتيات سوى القليل من دقيق الذرة البيضاء والماء كغذاء، ما جعلهن يتقيأن في كثير من الأحيان. قالت هانية إن المجموعة حاولت الفرار مرتين. بعد المرة الثانية ــ بعد حوالي شهر ونصف من أسرها ــ قيد المقاتلون الأسيرات معا في وضعيات الركوع:
صنعوا لنا مكانا يشبه الزريبة بالأسلاك والعيدان، مثل تلك التي توضع فيها بالحيوانات. كنا مقيدات بالجنازير. كل 10 فتيات بجنزير. إذا احتجنا إلى الذهاب إلى الحمام، كانوا يطلقون سراحنا لدقيقة واحدة فقط، وهي مدة غير كافية لفعل أي شيء، ليس لديك إلا هذه الدقيقة، كان عليكِ الركض ذهابا وإيابا.
ما تزال هانية تحمل آثارا جسدية من هذه التجربة: "أعاني من آلام أسفل ظهري. أصبحت ساقاي متيبستين جدا، إذا جلست، لا أستطيع تمديدهما. إذا نمت وساقاي ممدودتان، لا أستطيع تحريكهما دون مساعدة يديّ".
عندما قاومت هانية ذات مرة مقاتلا حاول اغتصابها، "بدأ يضربني بسوط له طرف معدني. جاء رجلان آخران وساعداه في ضربي"، بحسب قولها. نزفت هانية بشدة وانتهى بها الأمر في المستشفى لمدة 20 يوما، وبعد ذلك أعادها مقاتل، قالت إنه كان قائدا، إلى المعسكر وقيّدها مرة أخرى.
أصبحت فوزية، صديقة هانية وتبلغ من العمر 18 عاما أيضا، حاملا في الأسر. في نهاية المطاف، أشفق مقاتل من الدعم السريع على المرأتين الحاملين وساعدهما على الفرار بعد ثلاثة أشهر من اختطافهما وشهر ونصف من تقييدهما. قالت هانية إنها وفوزية وجدتا أسرتيهما في نهاية المطاف وسَعَتا إلى الحصول على الرعاية الطبية. قال الأطباء إن هانية كان لديها سوء التغذية، لكن طفلها لم تكن لديه مشاكل صحية عند الولادة، وهي لا تعلم ما حدث للنساء والفتيات اللواتي بقين في المعسكر في الدبيبات.
أكدت هانية وشخصان من أسرة فوزية للباحثين أن فوزية اختُطفت، وأصبحت حاملا، ثم هربت. كانت فوزية نفسها مختبئة ولا يمكن الوصول إليها عندما التقت هيومن رايتس ووتش بأفراد أسرتها لأنها، بحسب قول عمها، هددها أحد أقاربها بالقتل عقابا على "البقاء مع قوات الدعم السريع والحمل".
قالت هانية إنها سمعت مقاتلين في الدبيبات يقولون إن مجموعات أخرى من النساء والفتيات محتجزات في قاعدتين أخريين معروفتين لقوات الدعم السريع في المنطقة. قالت امرأة أخرى من منطقة فايو، جميلة (22 عاما)، إن مقاتلي قوات الدعم السريع الذين احتجزوها في مزرعة 15 يوما قرب فايو في يناير/كانون الثاني هددوا بأخذها إلى الدبيبات مرات عدة.
اغتصاب في منازل المدنيين
صباح 31 ديسمبر/كانون الأول 2023، بعد القتال الذي بنتيجته أخذت قوات الدعم السريع حبيلة من القوات المسلحة السودانية، تحرك مقاتلو الدعم السريع والمسلحون العرب التابعون لهم بين مساكن العائلات النوبية بمعظمها. قتلوا عديدا من المدنيين، واغتصبوا النساء والفتيات، ونهبوا ممتلكات العائلات، بما فيها الجرارات، والعربات، والأموال، والمجوهرات، والأثاث.
دخل عشرة مقاتلين من قوات الدعم السريع يرتدون الزي الرسمي مسكن دانا (35 عاما)، وابنتها ليلى (21 عاما)، وقتلوا ثمانية رجال من العائلة بينهم زوج دانا، وزوج ليلى، وستة أقارب آخرين على الأقل. قالت دانا وليلى إن المقاتلين دخلوا منزلهما حيث كانت النساء والأطفال، واغتصبوهما، بالإضافة إلى خمس نساء أخريات: ابنة أخرى لدانا، وجارة، وثلاث قريبات، بينهن فتاة عمرها 16 عاما.
قالت دانا: "بينما كانوا يغتصبوننا، قالوا لبعضهم البعض، هؤلاء النوبة عبيدنا، يمكننا أن نفعل أي شيء نريده". قالت دانا إن رجلين اغتصباها. قالت ليلى إن رجلا اغتصبها.
قالت انتصار (27 عاما) إنه بمجرد انتهاء القتال وسيطرة قوات الدعم السريع على حبيلة، جاءت إلى شارعهم مجموعة من مقاتلي قوات الدعم السريع المسلحين، جميعهم باستثناء واحد يرتدون الزي الكاكي. دخل الرجل الذي كان يرتدي ملابس مدنية مسكن انتصار، حيث وجه بندقيته نحوها واغتصبها أمام والدتها ووالد زوجها.
قالت نسرين (35 عاما)، إنها كانت مع زوجها وخمسة أطفال في مسكنهم عندما دخل ستة مقاتلين من قوات الدعم السريع يرتدون الزي الرسمي. تذكرت أن أحد الرجال قال لها: "يا نوبية، اليوم يومك". ثم ألقاها الرجال على الأرض وبدأوا باغتصابها جماعيا:
حاول زوجي وابني الدفاع عني، فأطلق أحد مقاتلي الدعم السريع النار عليهما وقتلهما. ثم استمروا في اغتصابي، الستة جميعهم. كانوا يقولون لي: "يا نوبيات، سنغتصبكن أنتن وأزواجكن".
قالت نسرين إنها رأت الرجال يغتصبون أيضا بنتَيْ جيرانها، وعمرهما 13 و15 عاما. وجدت هيومن رايتس ووتش سابقا أن الرجال والفتيان السودانيين تعرضوا أيضا للعنف الجنسي في حالات شملت الاحتجاز.
في 2 يناير/كانون الثاني، قالت سلمى (30 عاما) إنها رأت أربعة مقاتلين من قوات الدعم السريع يرتدون الزي الرسمي الكاكي يقتحمون مسكن جارتها المجاور. من خلال السياج بين المنازل، رأت سلمى الرجال يضعون البنادق على رأسَي شقيقتين، وعمر كلاهما حوالي 30 عاما. اغتصب الرجلان كلا منهما ثم أمراهما بالمغادرة وإلا فسوف تقتلان، ثم غادرا. قالت سلمى إن إحدى المرأتين كانت تنزف بشدة ولم تتمكن أي منهما من النهوض أو المشي.
في 5 يناير/كانون الثاني، دخل ستة مقاتلين من قوات الدعم السريع يرتدون الزي العسكري إلى الحوش الذي تسكن فيه حسينة (35 عاما) وزوجها، وأطلقوا النار على زوج حسينة وقتلوه عندما قال لهم مرارا ألا يسرقوا ماشية الأسرة. ثم سرق المقاتلون ماشية الزوجين وعربتهما وكل أموالهما. بدون وسيلة للمغادرة، بقيت حسينة في المنزل مع أطفالها الستة. قالت حسينة إن المقاتلين عادوا بعد ثلاثة أيام:
قال أحدهم، "نريدك. ما رأيك في ذلك؟" قلت، "لا أريدك". أجاب، "إذا كنت تريدينا أو لا تريدينا، فلا يهم. ستعطينا [ما نريد]"... اغتصبني الثلاثة، ثم غادروا. في المساء نفسه، عاد ثلاثة آخرون واغتصبوني مرة أخرى وأمروني بالبقاء في منزلي.
قالت حسينة إن مجموعات من المقاتلين كانت تأتي إلى منزلها وتغتصبها جماعيا كل يوم تقريبا طوال الشهر التالي، حتى سيطرت الحركة الشعبية على حبيلة، ففرت بعد ذلك.
قالت سارة (36 عاما)، من فايو، إنه في فبراير/شباط، اليوم الذي أخذ فيه مقاتلو قوات الدعم السريع هانية وفوزية، اقتحم منزلها أربعة من سكان فايو يرتدون الزي الكاكي ويحملون السلاح مع قوات الدعم السريع، ثلاثة منهم تعرفهم. اختبأت ابنتها البالغة من العمر 15 عاما تحت السرير. قال أحد المقاتلين لزوجها، "يا نوبي، سنقتلع عينيك"، بينما أمسك ثلاثة من الرجال بابنة أخت سارة البالغة من العمر 16 عاما ودفعوها إلى غرفة نوم، وأغلق الرابع الباب.
بعد فترة، خرج المقاتلون من الغرفة وسألوا زوج سارة عن ابنته. عندما قال إنه لا يعرف، أطلق أحد الرجال النار عليه وقتله. بعد أن غادروا، اندفعت سارة إلى الغرفة التي كانت فيها ابنة أختها، ووجدتها ملقاة على الأرض تنزف. قالت ابنة الأخ إن اثنين من الرجال اغتصبوها لكن الثالث لم يفعل، بعد أن رآها تنزف. قالت إن الرجل قال لها: "لو لم أكن أخاف الله لذبحتك". فرّت سارة وابنتها، تاركتَيْن ابنة أختها مع أحد أقاربها. سمعت لاحقا من أقاربها أن ابنة أختها حامل.
زهرة (32 عاما) من الدلنج، وهي بلدة تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية حيث نفذت قوات الدعم السريع توغلات منتظمة منذ أواخر 2023. قالت زهرة إنها في سبتمبر/أيلول 2023، خلال إحدى هذه التوغلات، رأت مجموعات من مقاتلي قوات الدعم السريع يدخلون البلدة على دراجات نارية ويهاجمون قاعدة القوات المسلحة السودانية في البلدة. خلال الهجوم، حسبما قالت، رأت مقاتلَيْن يدخلان حوش جيرانها بجانب بيتها ويغتصبان ابنة جيرانها، وهي فتاة عمرها 10 سنوات.
اغتصاب بعد فرار المدنيين من منازلهم
في يناير/كانون الثاني، قبل بضعة أسابيع من أسرها، فرت هانية من فايو عندما سيطرت قوات الدعم السريع على المنطقة لأول مرة. اختبأت هي ومدنيون آخرون لأسابيع في الأدغال في خارج البلدة. في أحد الأيام، رأت هانية مجموعة من حوالي 12 مسلحا عربيا، سبق أن رأتهم يعملون مع قوات الدعم السريع، يقتربون من مجموعة من النساء تعرفهن كن يحتمين في مكان قريب. هجم الرجال واغتصبوا فتاتين، أصغرهما عمرها 12 عاما، وأربع نساء، أكبرهن عمرها 50 عاما، عدة مرات على مدار ثلاث ساعات. أخيرا، جاء ثلاثة رجال يرتدون زيا كاكي اللون على دراجات نارية وعربات وأخذوا الفتاتين وامرأة عمرها 19 عاما، ولم ترَ هانية أيا منهن مرة أخرى.
قالت جميلة، التي احتجزها مقاتلو قوات الدعم السريع في مزرعة قرب فايو، إنها هربت بعد 15 يوما إلى قردود، وهي قرية قريبة. في نهاية يناير/كانون الثاني، نفذت قوات الدعم السريع عدة توغلات في المنطقة. قالت جميلة إن مقاتلي قوات الدعم السريع بزيهم الرسمي جاؤوا إلى قردود وفي ثلاث مناسبات على مدى 15 يوما اغتصبوا جماعيا فتاة عمرها 15 عاما، وثلاث نساء تتراوح أعمارهن بين 18 و26 عاما، كن فررن إلى هناك من حبيلة وفايو. بعد الهجوم الثالث، فرت جميلة والنساء الأخريات والفتاة معا إلى الأراضي التي تسيطر عليها الحركة الشعبية، حيث افترقن.
فرّت هبة (22 عاما) من منزلها في كادقلي، التي اجتاحها القتال أيضا، أواخر العام 2023. بينما كانت عائلتها تمر عبر ضواحي بلدة قريبة، اقترب منهم أفراد قوات الدعم السريع بزيهم الرسمي وأجبروهم على الركوع على الأرض، ثم أمروا الأسرة باتباعهم. رفضت عائلة هبة، فبدأ المقاتلون بإطلاق النار، فقتلوا والدها، ووالدتها، وزوجها. وقالت هبة إنه بعد ذلك:
قالوا، "إلى أين أنت ذاهبة؟ "سنستخدمك ثم نتخلص منك". كنت مستلقية على الأرض واغتصبني الخمسة جميعهم، واحدا تلو الآخر. كان أطفالي بجواري مباشرة، يشاهدون ويبكون. قالوا لأطفالي أن يصمتوا ثم اغتصبوا أختي أيضا.
التأثير على الضحايا
قالت جميع الناجيات اللواتي قابلتهن هيومن رايتس ووتش إنهن يجدن صعوبة في النوم، وتطاردهن ذكريات الماضي. كما قلن إن لديهنّ آلاما جسدية يومية، وخاصة في الظهر، وهو ما لم يكن حالهن قبل الهجمات.
قالت هبة: "كل مرة أحاول فيها النوم، أرى كيف قُتل والداي وزوجي، وأتذكر كل الأشياء التي فعلوها بي. أنا أتعذّب".
قالت هانية:
رأسي مليء بالأفكار السيئة ... أصبحت مشوشة الذهن. لا أستطيع العمل بشكل طبيعي، وأحيانا أعتقد أنني فقدت عقلي. لا أستطيع إنهاء حتى المهام البسيطة ... بعد كل القتل وسفك الدماء وما شهدته، لا أعتقد أنني سأكون بخير. كل يوم أشعر بالاكتئاب الشديد وأبدأ في البكاء.
الخدمات المقدمة للضحايا
لم تتمكن أي من الضحايا من الحصول على الرعاية الطبية فور اغتصابهن لأنهن أجبرن على الفرار من المنطقة أو استمر احتجازهن في ظروف الاستعباد. بمجرد وصولهن إلى المدن التي شعرن فيها بأمان أكبر، سعت ست من الناجيات السبع اللواتي تمت مقابلتهن إلى الحصول على الرعاية الطبية.
قالت النساء الست إن الأطباء أخبروهن جميعا أنهن "بخير" بعد فحصهن. في الحالات جميعها تقريبا، قالت النساء إن الأطباء أعطوهن نوعا من الأدوية قبل تسريحهن من المستشفى، إلا أنهن لم يكن متأكدات من نوعها. لم يتم علاج أي منهن في مستشفى قادر على إجراء اختبار فيروس نقص المناعة البشرية. في حالتين، أخذ الأطباء عينات من البول والدم، لكنهم لم يشرحوا بوضوح ما الذي كانوا يختبرونه، حسبما قالت المرأتان.
لم يكن لدى أي من الضحايا اللواتي تمت مقابلتهن أي شكل من أشكال الدعم النفسي-الاجتماعي. قالت هبة إن الطبيب الذي فحصها بعد الهجوم لم يتمكن من توفير الدعم النفسي-الاجتماعي لها، وقال لها أن تكون ممتنة لأنها لا تزال على قيد الحياة وأن "تركز على تربية أطفالها".
تحدث الباحثون إلى أربعة عاملين في الرعاية الصحية، بينهم موظفون ﻄبيون، يعملون في المرافق التي تقدم الرعاية إلى ضحايا العنف الجنسي، والذين قالوا إنهم تمكنوا من اختبار مرض الزهري والسيلان، المنتشران بمعدلات عالية بين السكان، وكذلك الحمل والكلاميديا. قالوا إن مستشفى واحدا فقط في جبال النوبة قادر على اختبار فيروس نقص المناعة البشرية. عندما سئلوا عما إذا كان بإمكان الضحايا الحصول على خدمات الإجهاض، قال العاملون في مجال الرعاية الصحية الذين تمت مقابلتهم إن هذه الخدمات غير متاحة.
الحصول على رعاية الإجهاض من حقوق الإنسان، وبموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، ينبغي للدول أن توفر فرصة فعليا للحصول على رعاية الإجهاض في حالات العنف الجنسي بما فيه الاغتصاب، وإزالة الحواجز التي تمنع النساء من ممارسة حقهن في الحصول على الإجهاض بموجب القانون.
ينبغي للمانحين زيادة الموارد لضمان حصول ضحايا العنف الجنسي من السودان على رعاية حقيقية، سواء ما زلن في السودان أو في البلدان المجاورة، بما فيها الرعاية الطارئة بعد الاغتصاب. يجب أن تعالج إدارة حالات ما بعد الاغتصاب مجموعة كاملة من الاحتياجات الصحية الجسدية: الوقاية بعد التعرض للوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية وغيره من الأمراض المنقولة جنسيا، وعلاج الجروح أو الإصابات والأمراض المنقولة جنسيا، ووسائل منع الحمل الطارئة، وإمكانية الإجهاض، ورعاية الطب النسائي الأخرى، بالإضافة إلى الدعم العاطفي أو الصحي النفسي الفوري والطويل الأمد. على الجهات المانحة مساعدة الضحايا اللواتي قد يرغبن في طلب الإنصاف ضد المسؤولين عن الجريمة.
توصيات إضافية
يحقق المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في الجرائم المزعومة المرتكبة منذ أبريل/نيسان 2023 في دارفور، لكن ولايته القضائية في السودان، الذي ليس عضوا في المحكمة الجنائية الدولية، تقتصر على تلك المنطقة بموجب إحالة من "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة" عام 2005.
في سبتمبر/أيلول 2024، أوصت بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة بأن يصوّت مجلس الأمن على توسيع اختصاص المحكمة الجنائية الدولية "لتغطية البلاد بأكملها". كما أوصت البعثة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالنظر في مسارات أخرى للعدالة "بالتوازي والتكامل" مع المحكمة الجنائية الدولية، مثل إنشاء محكمة خاصة للسودان لمقاضاة الجرائم الدولية وتشجيع المسؤولين القضائيين في البلدان الأخرى على التحقيق ومقاضاة المسؤولين المزعومين، بسبلٍ منها ممارسة الولاية القضائية العالمية. كما دعت البعثة السودان إلى التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على الدول أن تدعم بشكل عاجل تحقيق المحكمة الجنائية الدولية الجاري بشأن دارفور وتعمل على تنفيذ توصيات بعثة تقصي الحقائق بشأن المساءلة للتحقق من دورة الإفلات من العقاب في جميع أنحاء السودان والتي غذت انتهاكات حقوقية مستمرة.
ينبغي للأمين العام للأمم المتحدة وأعضاء مجلس الأمن الضغط على الأطراف المتحاربة لإنهاء العرقلة المتعمدة المستمرة للإمدادات الإنسانية وعمل الموظفين بسبل تشمل رفع القيود البيروقراطية الحالية فورا. ينبغي لهم أيضا إدانة نهب المساعدات والإمدادات الطبية من قبل قوات الدعم السريع.
أصل الخبر على الرابط أدنته:
https://www.hrw.org/ar/news/2024/12/15/sudan-fighters-rape-women-and-girls-hold-sex-slaves
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القوات المسلحة السودانیة المحکمة الجنائیة الدولیة قوات الدعم السریع على قوات الدعم السریع فی النساء والفتیات فی ینایر کانون الثانی دیسمبر کانون الأول ولایة جنوب کردفان هیومن رایتس ووتش البالغة من العمر سبتمبر أیلول 2023 الحرکة الشعبیة الأمم المتحدة للأمم المتحدة العنف الجنسی للعنف الجنسی امرأة وفتاة الحصول على مجموعات من قالت امرأة ثلاثة أشهر فتاة عمرها الأعضاء فی فی السودان مقاتلون من من النساء على الأرض لا أستطیع مجموعة من إن مقاتلی حاملا فی بما فیها بما فیه قال أحد أخرى من عندما ی من ق بل ت سارة
إقرأ أيضاً:
الجيش يتقدم على الدعم السريع.. هل لا يزال الحل السلمي خيارًا؟
تصاعدت مرة أخرى الدعوات المطالبة بتشكيل حكومة منفى من عدد من القوى المنضوية تحت لواء تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية المعروفة بـ (تقدم) برئاسة عبدالله حمدوك رئيس الوزراء السابق المستقيل.
وكان هذا المقترح قد طُرح من قِبل بعض أعضاء "تقدم" في اجتماعات هيئتها القيادية التي انعقدت في مدينة عنتيبي الأسبوع الماضي، لكنه لم يجد رواجًا بل عارضته بعض القوى داخل التنسيقية نفسها، ومن ثَم خلا البيان الختامي للاجتماعات من أي إشارة إليه ضمن مخرجات ما تم الاتفاق عليه، وهو ما اعتبره المراقبون وقتها استبعادًا للاقتراح.
لكن وعلى نحو مفاجئ تجددت هذا الأسبوع الدعوات لتشكيل حكومة منفى.
ويبدو أنّ الوضع العسكري الميداني قد دفع بشكل ما بهذا المقترح إلى الواجهة مرة أخرى، حيث تشير التقارير الواردة في هذا الصدد إلى تقدم كبير ومتسارع للجيش السوداني والقوات المتحالفة معه في كل جبهات المواجهة مع قوات الدعم السريع، خاصة في الجبهات الساخنة كالفاشر، ونيالا، والجنينة، والخرطوم بحري، وولاية الجزيرة، وهي الأكثر سخونة، حيث تتقدم القوات الحكومية فيها من 3 جهات؛ لتطوق قوات مليشيا الدعم السريع المتواجدة بكثافة في مدينة (ود مدني) عاصمة ولاية الجزيرة، منذ ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي.
إعلانوتزامن مقترح تشكيل حكومة المنفى مع مقترح آخر لتشكيل سلطات إدارية في مناطق سيطرة الدعم السريع. قدم هذا المقترحَ عددٌ من مستشاري قوات الدعم السريع المتحالفة مع تنسيقية (تقدم)، وقد تم تنفيذه بالفعل في بعض المناطق في نيالا والجنينة وبعض قرى ومدن ولاية الجزيرة.
ولكن هذه السلطات بلا فاعلية وتستند إلى شرعية الأمر الواقع فحسب، وتديرها عناصر عسكرية تابعة للدعم السريع، ليست مؤهلة لممارسة العمل الإداري، فضلًا عن تورط عناصرها في انتهاكات وعمليات قتل وتعذيب واعتقال في حق المدنيين بهذه المناطق والتجنيد القسري للشباب، ومصادرة ممتلكات الأهالي، وإجبارهم على مغادرة منازلهم، واتخاذها ثكنات عسكرية ومخازن للسلاح.
ويأتي تجدد الدعوة لهذين المقترحين متزامنًا مع تزايد الحديث عن مفاوضات مزمعة بين الدعم السريع والجيش على خلفية "اتفاق جدة" الذي تمَّ التوقيع عليه في 11 مايو/ أيار 2023، والذي ألزم الدعم السريع بالخروج من الأعيان المدنية ومنازل المواطنين والتجمع في نقاط تم تحديدها مسبقًا، وهو ما لم تنفذه الدعم السريع، فأصبح الاتفاق معلقًا، وفي حكم المجمد، وتحول إلى عقبة تواجه كل المحاولات اللاحقة لتسوية الأزمة، حيث تصرّ الحكومة السودانية على تنفيذ الدعم السريع لهذا التعهد كشرط للدخول في أي صيغة تسوية.
ويبدو المشهد الآن غاية في التعقيد، والخيارات أكثر ضيقًا أمام الدعم السريع بالنظر إلى وضعها العسكري الحرج. فالقبول بتنفيذ اتفاق جدة يبدو صعبًا للدعم السريع في هذا التوقيت لسببين:
الأول هو أن الحكومة السودانية تتمسك بتطبيق اتفاق جدة فقط على المناطق والأعيان المدنية التي كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع وقت توقيع الاتفاق (قبل أكثر من عام ونصف)، بينما تستثني المناطق التي سيطرت عليها القوات لاحقًا، مما يعني عدم شمول هذه المناطق في الاتفاق، وهو ما تعتبره قوات الدعم السريع خسارة كبيرة لمكاسبها الميدانية التي حققتها خلال الحرب. والثاني هو الوضع الميداني الضعيف للدعم السريع بحيث سيكون قبولها بتنفيذ اتفاق جدة وهي في هذا الحال استسلامًا وإذعانًا يشبه الهزيمة. إعلانويأتي تعقيد إضافي يمثل قيدًا آخر على خطوات الحكومة السودانية نحو القبول بخيار التفاوض مع الدعم السريع وجناحها المدني "تقدم"، ألا وهو تنامي تيار جماهيري شعبي آخذ في التصاعد يدعو إلى خيار الحسم العسكري على الأرض، ويعتبر أن أي ميل للتفاوض والتسوية بمثابة طوق نجاة للدعم السريع ينقذها من هزيمة وشيكة.
كما أنه يعيد قوات الدعم السريع وحليفها المدني إلى المشهد السياسي والحياة العامة في السودان بعد كل تلك الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها في حق المدنيين، والدمار الذي أحدثته في البنية الأساسية، للدولة طال حتى الموروث التاريخي القومي للسودان، والشرخ الاجتماعي العميق الذي خلفته هذه الجرائم، مما أحدث حاجزًا نفسيًا كبيرًا يصعب معه القبول بأي دور محتمل لهذا التحالف في مستقبل الحياة العامة بالسودان.
في ضوء ما سبق، فإن دعوات تشكيل حكومة منفى تضيف تعقيدًا جديدًا يجعل التوصل إلى حل سلمي للأزمة احتمالًا بعيد المنال؛ فتشكيل حكومة منفى يعني نزع الشرعية عن الحكومة السودانية وإغلاق الباب في وجه أي مساعٍ للحل التفاوضي.
وكما قلنا، فقد وُوجهت هذه الدعوة بالرفض حتى من بعض مكونات تنسيقية "تقدم"، التي ترى أن تشكيل حكومة منفى في هذا التوقيت هو مغامرة غير محسوبة النتائج، وستواجه بتحدٍّ كبير، وهو نيل الاعتراف الدولي في ظل وجود حكومة معترف بها دوليًا بالفعل وتسيطر على معظم إقليم الدولة.
كما أن الاعتراف الدولي بحكومة كهذه يعني عدم وصول المساعدات الإنسانية الدولية إلى مستحقيها، حيث لا قدرة لحكومة منفية أن تقدم تسهيلات ودعمًا لوجيستيًا لمنظمات الإغاثة.
هناك مخاوف أيضًا أن يفضي تشكيل حكومة منفى في نهاية المطاف إلى تقسيم البلاد، وبالتالي حدوث فوضى غير مرغوب فيها، وتصعب السيطرة عليها، مما يهدد الاستقرار الإقليمي، ويمتد أثره إلى السلم والأمن الدوليين، خاصة أن المنطقة تمور بالمشاكل وفي حالة غليان ولا تحتمل المزيد.
إعلانأما تشكيل إدارة مدنية في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، فهو خيار غير عملي، ولن يكون مجديًا في ظل استمرار القتال والحصار الذي يضربه الجيش على هذه المناطق، وتفوقه الواضح عبر سلاح الطيران، وبالوضع الهجومي الذي يتخذه هو والقوات المتحالفة معه، كما أنه من البديهي ألا تقبل الحكومة بوجود سلطة داخل الدولة تنازعها شرعيتها، وبالتالي ستكون هذه المناطق أهدافًا مشروعة لنيران أسلحتها المختلفة.
وهكذا يبدو المشهد السوداني قاتمًا، تزداد تعقيداته يومًا بعد يوم، وتأخذ الأزمة فيه شكل مباراة صفرية تتضاءل فيها فرص التسوية السياسية والحل السلمي، ويبرز بقوة خيار الحسم العسكري على الأرض.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية