تعتبر الحروب والتغير المناخي من أخطر التحديات التي تهدد استدامة الموارد الطبيعية واستقرار المجتمعات البشرية. فمنذ بداية الثورة الصناعية، شهد العالم ارتفاع في درجات الحرارة العالمية بمعدل تجاوز 1.1 درجة مئوية، كما تشير إليه تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. وقد ترتب على هذا التغير الحاد في المناخ تهديدات واسعة على النظم البيئية وتدهور مستمر في الموارد الحيوية التي تُمدّ البشرية باحتياجاتها الأساسية.
ولا يمكن حصر الآثار السلبية للتغير المناخي في مجرد ذوبان الأنهار الجليدية وارتفاع مستوى سطح البحر؛ بل في الظواهر التي أصبحت تُهدد المدن الساحلية والجزر الصغيرة بالغرق وتآكل الأراضي الرطبة الصالحة للزراعة. ووفقاً لتقديرات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، قد يرتفع مستوى سطح البحر بما يصل إلى 1.1 متر بحلول عام 2100 في حال استمرار معدلات الارتفاع الحالية في الانبعاثات الكربونية. هذا الارتفاع يشكل تهديداً صريحاً للأمن الغذائي ويضع المجتمع الدولي أمام أزمة بيئية وغذائية متعددة الأبعاد، تهدد حياة الملايين الذين يعتمدون على هذه المناطق لإنتاج الغذاء.
من جهة أخرى، الكوارث الطبيعية المتزايدة مثل الفيضانات والجفاف والعواصف الشديدة أصبحت تُسهم في تفاقم الأزمات الإنسانية. ففي عام 2020 وحده، تأثر أكثر من خمسين مليون شخص بالكوارث المرتبطة بالمناخ، بحسب تقارير الأمم المتحدة، ما أدى إلى خسائر بشرية ومادية ضخمة وأضرار جسيمة في قطاع الزراعة، وأسهم في نقص الإنتاج الغذائي وارتفاع الأسعار العالمية. ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة، يعاني نحو 690 مليون شخص من الجوع، ويلعب التغير المناخي دوراً كبيراً في تفاقم هذه المشكلة.
في ظل هذه الظروف الضاغطة، لا يمكن تجاهل الدور المُدمر الذي تلعبه الحروب والنزاعات على البيئة والموارد الحيوية، ، لا سيما في سياق التغير المناخي المتفاقم. فلم تعد الحروب مُجرد صراعات مسلحة بين الأطراف المتنازعة؛ بل أصبحت عاملاً رئيسياً يُضاعف آثار التغير المناخي، حيث تساهم في تدمير البيئات المحلية، واستنزاف الموارد الطبيعية، وتفاقم تلوثها.
فعلى سبيل المثال، أدى الصراع في سوريا إلى تدمير نحو 40% من بنية المياه والصرف الصحي، وترك ملايين السكان يعانون من نقص حاد في المياه، في وقت يعاني فيه الإقليم أصلًا من موجات جفاف متكررة ناجمة عن التغير المناخي.
وفي اليمن، تتشابك آثار النزاعات مع التغير المناخي، حيث يواجه أكثر من 20 مليون شخص شحًا حادًا في المياه نتيجة تدمير البنية التحتية وندرة المياه الجوفية المتجددة بفعل ارتفاع درجات الحرارة. وبالمثل، تدهورت البنية التحتية للمياه في ليبيا بشكل كبير بسبب النزاعات المستمرة، حيث خرج 80% من نظام المياه عن الخدمة، مما زاد من مخاطر انتشار الأمراض المنقولة بالمياه، مثل الكوليرا والتيفوئيد، بينما يفاقم التغير المناخي الأزمات من خلال تراجع الموارد المائية المتاحة وتصحر الأراضي الزراعية.
أما في قطاع غزة، فإن الوضع القائم يُفاقم من أزمة المياه في ظل تأثيرات التغير المناخي التي تؤدي إلى زيادة ملوحة المياه الجوفية. ووفق تقارير المرصد الأورومتوسطي والمعهد العالمي للمياه والبيئة والصحة، فإن 97% من المياه في غزة غير صالحة للشرب والاستهلاك البشري، مما يجعل سكان القطاع أكثر عرضة لتداعيات التغير المناخي والنزاعات معاً.
تُظهر هذه الأمثلة أن تداعيات الحروب والنزاعات لا تقتصر على التأثير في المحيط المحلي للدول المُتضررة، بل تمتد في تداخل معقد ومتبادل التأثير لتؤثر بشكل كبير على النظم البيئية الإقليمية. هذا التداخل لا يقتصر على تدمير الموارد الحيوية، بل يسهم أيضًا في تفاقم أزمة المناخ من خلال استنزاف الموارد الطبيعية، وتدمير البنية التحتية البيئية، وزيادة معدلات التلوث. هذه العوامل المترابطة تُهدد استقرار النظم البيئية وتُضعف القدرة على مواجهة تحديات التغير المناخي.
ومع تفاقم آثار التغير المناخي، ظهرت تحديات جديدة قد تؤدي إلى نزاعات محلية وإقليمية مُقلقة وأكثر ضراوة؛ إذ إن ندرة الموارد الأساسية كالمياه والغذاء أصبحت تمثل عاملاً مؤثراً في تأجيج النزاعات، خاصة في المناطق التي تعاني من الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، مثل منطقة الساحل وغرب أفريقيا. وتقدر مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن فترات الجفاف الطويلة في هذه المناطق أدت إلى نزوح أكثر من 4.2 مليون شخص وزيادة النزاعات بين المجتمعات المحلية، وهو ما يبين بأن التغير المناخي يتجاوز في كونه أزمة بيئية مُجردة، بل يمتد إلى ما هو أبعد، ليطول الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
كما أن التغير المناخي أصبح يغذي محور جديد للتنافس الجيوسياسي بين القوى العالمية التي تسعى للسيطرة على موارد النفط والغاز الطبيعي والمعادن غير المستغلة. وتقدر هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية بأن القطب الشمالي الذي يشهد ذوبان الجليد يحتوي على نحو 13% من احتياطيات النفط غير المكتشفة في العالم و30% من احتياطيات الغاز الطبيعي، وهو ما قد يضع منطقة القطب الشمالي في قلب توتر جديد بين الدول الكبرى ويجعل البيئة الهشة في تلك المنطقة عرضة لمخاطر الاستغلال الجائر.
وعلى الرغم من هذه التحديات الهائلة، إلا أنه لا زال الأمل قائماً في تخفيف آثار التغير المناخي من خلال التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية. ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (أيرينا)، يمكن لمصادر الطاقة المتجددة تلبية نحو 90% من احتياجات الكهرباء العالمية بحلول عام 2050، وهو ما سيسهم بدوره في خفض الانبعاثات الكربونية ويعزز الاستقرار المناخي.
إلى جانب ذلك، تعتبر حماية الغابات خطوة أساسية في الحد من تغير المناخ؛ إذ تشير منظمة الأغذية والزراعة إلى أن الغابات تمتص نحو 2.6 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً. أي أن تكثيف جهود مكافحة إزالة الغابات وبرامج إعادة التشجير يمكن أن يكون حلاً فعالاً للتصدي لأزمة المناخ. كما أن اعتماد استراتيجيات التكيف مع تأثيرات التغير المناخي، كتطوير أنظمة الري المستدامة وبناء الحواجز الطبيعية لحماية المناطق الساحلية، يعد جزءاً أساسياً من الحل الشامل.
ومع ذلك، من المنطقي أن ندرك بأن جهود مكافحة التغير المناخي وحماية الموارد الطبيعية لن تحقق نجاحاً حقيقياً دون استقرار وسلام دولي. ولتحقيق ذلك، ينبغي على الدول تبني سياسات متكاملة ومشتركة لمواجهة هذه الأزمة العالمية، وتكثيف التعاون في مجالات البحث والتطوير ونقل التكنولوجيا، إضافة إلى الالتزام الفعلي بتعهداتها ضمن اتفاقية باريس للمناخ.
كما يمكن للمبادرات المشتركة، مثل "الصفقة الخضراء الأوروبية"، أن تشكل نموذجاً للتعاون الدولي الفعال، بالنظر إلى ما حققته من نتائج وإنجازات ملحوظة كخفض انبعاثات الكربون بنسبة تتجاوز 20% منذ إطلاق الصفقة، وزيادة مساحة المناطق المحمية لتصل إلى 30% من أراضي ومياه الاتحاد الأوروبي، وتحسين كفاءة استخدام الطاقة في المباني والصناعات، وإنشاء صناديق التمويل الجماعية لتحقيق تحول بيئي شامل ومستدام.
عامةً، في ظل التحديات الوجودية التي يواجهها العالم، لا بد للحكومات والمنظمات الدولية التساؤل عن مدى استعدادها للتخلي عن المصالح الضيقة لصالح المصلحة الجماعية للبشرية. فلا يمكن اختزال التغير المناخي والنزاعات المُسلحة في كونها أزمات بيئية أو سياسية عابرة؛ بل كتهديدات وجودية تستدعي استجابة دولية فورية وحاسمة. ومن دون اتخاذ خطوات جادة ومسؤولة، فإنها ستترك إرثًا من الدمار والعجز للأجيال القادمة. تحمل المسؤولية البيئية هي ضرورة حتمية، ولا يمكن ترك الأمر للصدفة والمصير.
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
وزير الرى يبحث موقف وضوابط استخدام المياه الجوفية بنطاق الوادي الجديد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
استقبل الدكتور هاني سويلم وزير الموارد المائية والري اليوم الأحد، اللواء الدكتور محمد الزملوط محافظ الوادي الجديد؛ لمناقشة موقف المشروعات المائية بنطاق المحافظة، والضوابط الخاصة باستخدام المياه الجوفية، وإجراءات مراقبة وحوكمة السحب من الآبار حفاظًا على الخزان الجوفي،وذلك في ضوء توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية بالتنسيق المشترك بين وزارة الموارد المائية والري ومحافظة الوادي الجديد في مجال إدارة المياه الجوفية بنطاق المحافظة والاستخدام الرشيد للمخزون الجوفي.
وخلال الاجتماع، أكّد الدكتور سويلم على قيام أجهزة الوزارة المعنية بالمتابعة المستمرة للآبار الجوفية لضمان تطبيق كافة الضوابط والاشتراطات الخاصة باستخدامها، ومتابعة قراءات عدادات الآبار الجوفية المرخصة، بما يضمن الحفاظ على المخزون الجوفي ومنع السحب الجائر .
كما أكّد على أهمية تفعيل دور روابط مستخدمي المياه على الآبار الجوفية فى إدارة المياه الجوفية بالتنسيق مع أجهزة الوزارة المختصة، والتوسع في استخدام نظم الري الحديث بديلًا عن الري بالغمر بالمحافظة .
من جانبه، أكد اللواء الزملوط على أهمية الحفاظ على الخزان الجوفي وتحقيق التكامل بين مجهودات المحافظة والوزارة للارتقاء بمنظومة الموارد المائية بالمحافظة.
كما أكّد الطرفان على ضرورة التعامل بحرص مع المياه الجوفية والتأكيد على أهمية التنسيق المشترك بشأن تحديد إمكانيات الخزان الجوفي بأي منطقة قبل طرحها للاستثمار الزراعي، والتأكيد على التنسيق مع وزارة الزراعة فيما يخص اختيار الدورة الزراعية والمحاصيل المناسبة لتتناسب مع كمية المياه المستخرجة من كل بئر .