علمت “العربي الجديد” من مصادر مطلعة، أن القاهرة رفضت محاولات إماراتية للتوسّط وتقريب وجهات النظر مع قائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو (حميدتي) والتوصل إلى تفاهمات معينة تخصّ أزمة السودان المتواصلة، وشدّدت على دعمها الكامل للحكومة السودانية ورئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وذلك في ظل تحولات إقليمية بارزة تشمل مبادرات تركية للتوسط في النزاعات بالمنطقة.

عرض تركي لوساطة في أزمة السودان
وفي خطوة قد تعيد تشكيل خريطة التحالفات الإقليمية في أفريقيا، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استعداد بلاده للوساطة في أزمة السودان بين الخرطوم والإمارات لحلّ الخلافات بينهما، وفقاً لبيان صادر عن الرئاسة التركية. جاءت هذه المبادرة خلال مكالمة هاتفية بين أردوغان والبرهان، يوم الجمعة الماضي، ناقش فيها الطرفان العلاقات والقضايا الإقليمية. وتسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها في القارة الأفريقية من خلال استراتيجيات متعددة تشمل التعاون الاقتصادي، والمساعدات الإنسانية، والأدوار الدبلوماسية.
وساطة أنقرة المقترحة في أزمة السودان بين البرهان والإمارات تضاف إلى محاولاتها السابقة للوساطة بين دول أخرى، مثل الصومال وإثيوبيا. ويعتبر السودان نقطة ارتكاز مهمة في التوازنات الإقليمية نظراً إلى موقعه الجغرافي وعلاقاته التاريخية مع مصر ودول الخليج. وتعكس الخلافات بين السودان والإمارات تعقيدات السياسة الإقليمية في مرحلة ما بعد الثورة السودانية، إذ تتشابك المصالح الاقتصادية والسياسية.
ويعكس دخول تركيا وسيطاً في هذا السياق طموحها لتعزيز دورها في السودان، خصوصاً مع وجود تاريخ من العلاقات القوية بين أنقرة والخرطوم. وتمثل المبادرة التركية فرصة لإعادة التفكير في طبيعة العلاقة بين مصر وتركيا في القارة الأفريقية. ويعتبر السودان، دولة جوار لمصر وشريكاً استراتيجياً، له أهمية خاصة بالنسبة للقاهرة، وسط تساؤلات حول إمكانية حصول تنسيق مصري تركي في هذا الملف بما يخدم استقرار السودان.

أزمة إثيوبيا مثالاً
ورغم التوترات السابقة، تجمع القاهرة وأنقرة مصالح مشتركة في الحفاظ على استقرار السودان، نظراً إلى تأثير ذلك على القضايا الإقليمية، مثل مياه النيل وأمن البحر الأحمر. وإذا نجحت تركيا في تقديم نفسها وسيطاً فعّالاً، فقد يؤدي ذلك إلى تعزيز حضورها في أفريقيا. ومع ذلك، فإن تأثير ذلك على مصر يعتمد على طبيعة العلاقة بين البلدين في هذا الملف، وفي حال وجود تنسيق مصري تركي، قد يتحول هذا الدور إلى فرصة لتعزيز التعاون الإقليمي.
وبحسب مراقبين، تواجه مصر تحدياً مزدوجاً يتمثل في الحفاظ على علاقاتها القوية مع السودان والإمارات، وفي الوقت نفسه متابعة التحركات التركية. وقال الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة إسطنبول أيدن، عمار فايد، لـ”العربي الجديد”: “أعتقد أن الوساطة التركية ليست إضعافاً للموقف المصري، ولكنها علامة على هذا الضعف، أي أن الحاجة للوساطة التركية ناتجة عن تراجع تأثير مصر، رغم أن الطرفين (الإمارات والجيش السوداني) حليفان لمصر”. وأضاف: “اللافت أن هذه الوساطة في ما يبدو تأتي بطلب إماراتي، بعد أن رفض الجيش السوداني محاولات سابقة من الإمارات لتقريب وجهات النظر، في ظل استمرار دعم الإمارات لقوات الدعم السريع عسكرياً”. وتابع: “ربما تكون قدرة تركيا على إقناع الجيش السوداني والتأثير عليه نابعة من طبيعة الدعم العسكري التركي لهذا الجيش. بالإضافة إلى أن نجاح تركيا الأولّي في تهدئة التوتر بين إثيوبيا والصومال، دفع الإمارات للرهان على الدبلوماسية التركية لتدخل آخر في السودان”.

من جهته، رأى السفير السوداني السابق لدى الولايات المتحدة، الخضر هارون، أن دخول تركيا على خطوط الأزمات في أفريقيا، وآخرها التوسط بين الصومال وإثيوبيا، يمكن أن يخلق مساحة للتفاهم والتعاون مع مصر. وأوضح هارون في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “تركيا موجودة في الصومال (مقديشو) منذ زيارة أردوغان وزوجته أمينة لتلك الدولة قبل سنوات، ومصر عزّزت وجودها بإرسال جنود إلى الصومال بعد محاولة إثيوبيا الانتقاص من سيادة هذا البلد بالاتفاق مع إقليم صوماليلاند”. واعتبر أن “هذا تقاطع في مصلحة الصومال كدولة بلا شك، ومثل هذا التعاون بين مصر وتركيا لتثبيت كيان دولة معترف بسيادتها دولياً وتربطها بالدولتين علاقات تاريخية، يقع خارج نطاق مجرد التنافس بين مصر وتركيا، لا سيما أن تحسناً قد طرأ أخيراً في علاقات أنقرة والقاهرة”. وأضاف هارون: “لا أرى خطراً لتوسع إثيوبي في البحر الأحمر يتجاوز وصول هذا البلد إلى منفذ مائي على البحر الأحمر يعد ضرورياً لاقتصاده، فمحاولة تجاوز ذلك يخلق حساسيات وتوترات مع الجارة إريتريا ويزعزع استقرار المنطقة”.
أما بالنسبة للمسعى التركي للتوسط بين السودان والإمارات، فيشكل برأي هارون، “فرصة مواتية لمصر في التحرك، ويشكّل تخفيفاً معقولاً يعصم علاقات مصر التجارية والاقتصادية الحسنة مع الإمارات من الضرر، طالما أنه يأتي في إطار متعدد لا ثنائي بحت. وإذا كانت تركيا، التي يشوب علاقاتها التوتر مع الإمارات، تتحرك بهذه الطريقة، فإن مصر أولى بأن تلعب هذا الدور دون حساسيات كبيرة”، وفق رأيه.

العربي الجديد

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: العربی الجدید أزمة السودان

إقرأ أيضاً:

مصر تدعم وحدة الدولة السودانية ومؤسساتها .. «الدعم السريع» يستولي على قاعدة «جبل عيسى» قرب الحدود الليبية

كمبالا: أحمد يونس القاهرة: «الشرق الأوسط» أعلن وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، يوم الأحد، أن القاهرة تدعم الدولة السودانية ومؤسساتها، وتحرص على سرعة استعادة الأمن في السودان، مضيفاً أنه «يجب التركيز على الحلول التي تضمن بقاء السودان موحداً ومستقراً».

من جهة أخرى، قالت الممثلة المقيمة في السودان للأمم المتحدة، كلمنتاين سلامي، إن هناك ملايين الأشخاص في السودان يواجهون الجوع، مشيرةً إلى أن السودان من بين البلدان الأربعة الأولى على مستوى العالم التي تعاني من أعلى معدلات انتشار سوء التغذية الحاد. وشددت سلامي على الحاجة الماسة لتمويل عاجل لدعم السودان، قائلةً إن المجتمع الإنساني يقدم المساعدات الغذائية والتغذوية، لكن الموارد آخذة في النفاد.

ميدانياً، أعلنت «قوات الدعم السريع» الاستيلاء على قاعدة عسكرية تابعة للجيش السوداني في منطقة المالحة قرب الحدود مع دولتي ليبيا وتشاد، وذلك بعد إعلانها قبل يومين عن السيطرة على مدينة المالحة الاستراتيجية. وأوضح إعلام «الدعم السريع» أن قواته سيطرت على قاعدة «جبل عيسى» التابعة للجيش في عمق الصحراء في محلية المالحة بولاية شمال دارفور غرب السودان، وبث مقطع فيديو لقوات تابعة له تستعرض القاعدة، فيما هدد أحد المتحدثين في الفيديو باستهداف مناطق في شمال البلاد، عقب استيلاء قواته على المالحة وقاعدة «جبل عيسى».

وجاءت تصريحات «قوات الدعم السريع» بانتصاراته في معارك صحراء شمال دارفور، عقب إعلان الجيش اقترابه من السيطرة على وسط مدينة الخرطوم، صباح الأحد، واستعادة القصر الجمهوري، الجمعة الماضي، فيما أكد شهود أن «قوات الدعم السريع» انسحبت من القصر ووسط العاصمة، وسط حصار مطبق تفرضه عليها قوات الجيش.

مقتل 3 مدنيين
وقتل 3 مدنيين، طفلان وامرأة، يوم الأحد، في قصف من «قوات الدعم السريع» على مدينة أم درمان، الواقعة في الخرطوم الكبرى، وفق ما أفاد مصدر طبي. وأضاف المصدر في مستشفى «النو» أن القصف أسفر أيضاً عن إصابة 8 آخرين. وأفاد شهود عيان بأنهم سمعوا صوت سقوط 7 قذائف على أحياء مدنية تحت سيطرة الجيش. وقصفت صباح يوم الأحد بالمدفعية والطيران المسير، محلية كرري، بالأخص منطقة كرري العسكرية، حيث يتمركز الوجود الأكبر للجيش في العاصمة، وذلك ضمن استهداف ممنهج بالمدفعية والطائرات المسيرة للمنطقة ظلت «قوات الدعم السريع» تنفذه في تلك المنطقة.

وكان الجيش السوداني قد نجح في السيطرة على مواقع استراتيجية، خلال اليومين الماضيين، من بينها القصر الرئاسي وبنك السودان والمتحف الوطني. وقال الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني نبيل عبد الله إن «قوات الدعم السريع» تكبّدت خسائر كبيرة في الأرواح خلال محاولتها الانسحاب من بعض المناطق التي كانت فيها وسط الخرطوم، مما يعكس تصاعد حدة الصراع في المنطقة.

يذكر أن الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» يخوضان قتالاً منذ أبريل (نيسان) عام 2023 للسيطرة على الحكم في البلاد، أسفر عن أزمة إنسانية ونزوح داخل البلاد وإلى خارجها، ومقتل آلاف الأشخاص، حسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف).

وحقق الجيش انتصارات كبيرة على «قوات الدعم السريع» بدأت في سبتمبر (أيلول) الماضي، بعبور جسر الحلفايا، ما مكنه من استعادة مدينة بحري، ومصفاة البترول، ومناطق شرق النيل، إضافة لأحياء بوسط الخرطوم وجنوبها، من بينها أحياء اللاماب، والحلة الجديدة، والقوز، والسجانة، إضافة إلى المنطقة الصناعية بما فيها مطبعة العملة.

استعادة الوزارات والمؤسسات
وأكمل الجيش عملياته القتالية ضد «الدعم السريع» باسترداد القصر الجمهوري، ومعظم الوزارات والمؤسسات الحكومية والبنك المركزي ومباني جامعتي السودان والنيلين، ومنطقة المقرن، والسوق العربي، وجسور الفتيحاب، والنيل الأبيض، وتوتي، والمك نمر، والنيل الأزرق، وكوبر.

وفي مدينة أم درمان، حقق الجيش تقدماً لافتاً في منطقة أم بدة والمناطق الجنوبية الغربية من المدينة، وسط تراجع لافت لـ«قوات الدعم السريع» باتجاه سوق ليبيا الشهير.

ولا تزال «قوات الدعم السريع» تسيطر على مطار الخرطوم، وأحياء شرق مقر القيادة العامة للجيش مثل البراري، والمنشية، والرياض، والطائف، والمدخل الغربي لجسر المنشية، وتمتد مناطق سيطرة «الدعم السريع» في هذه الناحية جنوباً حتى مدينة سوبا، والمدخل الشرقي لجسر سوبا.

وفي جنوب غرب الخرطوم، لا تزال «قوات الدعم السريع» تسيطر على أحياء الخرطوم 2، والخرطوم 3، وامتداد الدرجة الثالثة، والديوم، والصحافة، وجنوب الحزام الأخضر، وكامل محلية جبل أولياء التي تعد المخرج الوحيد للقوات من الخرطوم.

   

مقالات مشابهة

  • مصر تدعم وحدة الدولة السودانية ومؤسساتها .. «الدعم السريع» يستولي على قاعدة «جبل عيسى» قرب الحدود الليبية
  • قائد في الجيش السوداني يكشف أدق تفاصيل خسائر الدعم السريع وسط الخرطوم 
  • قائد في الجيش السوداني يكشف عدد قتلى الدعم السريع وسط الخرطوم
  • الجيش السوداني يستعيد قرية حبيبة ويطارد قائد بارز في الدعم السريع
  • صلاح حليمة: تضامن شعبي واسع مع الجيش السوداني في مواجهة قوات الدعم السريع
  • قائد كتائب البراء يكشف مصير قوات الدعم السريع وسط الخرطوم
  • قيادي بالدعم السريع في السودان: فقدنا القصر الرئاسي لكن لم نخسر الحرب
  • ٧٠ في المئة من قوات درع السودان التحقت بعد إنسلاخ كيكل عن الدعم السريع
  • الجيش يحبط محاولات الدعم السريع تفجير جسر حيوي
  • جيش السودان يبسط سيطرته على القصر الجمهوري ومليشيا الدعم السريع تعترف بالخسارة