من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي / الغوطة.. عناقيد عتب
تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT
#الغوطة.. #عناقيد_عتب
من أرشيف الكاتب #أحمد_حسن_الزعبي
نشر بتاريخ .. 24 / 2 / 2018
ما أبشع الموت عندما يداهم الطفولة الغافية، عندما يغتال الرسومات على “بيجاماتهم” فتموت الدببة والزرافات والعصافير فوق قلوبهم الطرية، ما أبشع الموت عندما يطوّق الدم القاني أعناقهم، ويسيل النزيف كآخر رضعات الحليب من زوايا أفواههم، ما أبشع الموت عندما يغتال الغزالة الماشية بين عشب أهدابهم، ويبعثر ريش أعمارهم، فيموتون دفعة واحدة كما كانوا ينامون دفعة واحدة أيام الشتاء الطويلة.
لمن يزهر شجر الغوطة هذا الربيع؟ لمن يرعى “براعمه”؟ لمن تزدهي كروم العنب، لمن تبوح بحصرم الألم وفي قلبها عناقيد “عتب”؟؟.. لمن وعيون الأطفال الموتى نصف مفتوحة على الحياة ونصف مفتوحة على الغضب!
ما أبشع الموت عندما يغمر الشعر الذهبي الخفيف غبار الإسمنت وطحين الجدار، والسقف الذي رسموا عليه بأصابعهم قبيل النعاس غيمة وكوخا وزهرة وقطعة حلوى، صار لحاف الموت الثقيل الذي جثى على صدورهم لحظة التفجير، ما أبشع الموت عندما يداهم من لم يحسنوا تهجئة الحياة بعد، من لم يشتمّوا رائحة زهر الليمون أول الربيع، ولم يقطفوا “نوّارة” اللوز البيضاء، ولم يفاوضوا “زهرة” الكرز بغرّة طفلة.. ما أبشع أن تعدَ الأم الصغار: “من ينام باكرا سأعطيه في الصباح التالي لوحا من الحلوى”، فيتسابقون إلى النوم لكنهم لا يستيقظون أبدا.. ما أبشع الموت لأنه موت وحسب!
هذا الربيع ستفتقد الغوطة الزائرين، ستفتقد حلقات المتنزّهين، بعدما اصطفت الجثث سطورا بيضاء في دفتر الموت الأسود، وسيفتقد الشجر أصوات العائلات وضحكات الأطفال، وثرثرات “الأرجيلة”، وغفوة العصرية، و”بلايز” المصطافين المربوطة على خصرها.. ستلوّح للريح مودّعة كل الذين اتكؤوا على سيقانها، وكل الذين افترشوا تحتها وعلقوا أحلامهم وكلامهم على أغصانها الصامتة، وستنعى أسرّة الأطفال التي اهتزت تحتها وداعبت بظل أوراقها الجفون النائمة.
هذا الربيع موجع، موحش، وغريب.. للخوخ شكل الرصاص، وللمشمش الحموي طعم الدمع المالح، وللوز رائحة “اليود”.. لا حلاوة في عروق الغوطة كلها، لقد أنهكها الحزن على “نوارها” الذي قطفته ريح السياسة وأصابع السلطة، وصرصر الصراعات الدولية..
لمن يزهر شجر الغوطة هذا الربيع؟ لمن يرعى “براعمه”؟ لمن تزدهي كروم العنب، لمن تبوح بحصرم الألم وفي قلبها عناقيد “عتب”؟؟.. لمن وعيون الأطفال الموتى نصف مفتوحة على الحياة ونصف مفتوحة على الغضب!.. لا شيء يستدعي الحياة.. فالسيقان بترت.. والأغصان كسرت.. والدراق الموسمي سقط أرضاَ.. عندما سمع أنين الأطفال.. كل الأشجار جعفر، كل الأطفال جعفر، فمن يحمل الراية من بعد “جعفر”، فزيد تحت ردم البيت، وعبد الله في ذمة الله، وخالد في “المهجر”!!! من يحمل الراية من بعد جعفر؟!
في الغوطة، التقط أحد الناجين صورة لقدم طفل قد قضى في الركام، قدمه هي الطالعة من الأرض المسوّاة، وكأنها بذرة كمثرى تطل من جديد، الجسد تحت الردم، والقدم إلى أعلى، ما أجملها من رسالة كتبت بالمقلوب، وكأن الطفل بموته يقول قدمي أعلى من رؤوسكم جميعا، ستمطر الدنيا وستكبر قدمي، وستطول وتطول لتطأكم جميعا، هي معراجي نحو الوطن وهي معراجي نحو الحرية.. أنا الغارق في الموت الصاعد برجلي إلى الحياة، هذه أولى رسائلي إليكم، فانتبه يا سامعي:
إذا ما هبت الريح وماج الجذع طويلا، تأكّد هذا تململي، فشجر الحور كعبي والأغصان أصابعي..
احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com
#168يوما
#الحرية_لاحمد_حسن_الزعبي
#أحمد_حسن_الزعبي
#كفى_سجنا_لكاتب_الأردن
#متضامن_مع_أحمد_حسن_الزعبي
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الحرية لاحمد حسن الزعبي أحمد حسن الزعبی هذا الربیع مفتوحة على
إقرأ أيضاً:
أرشيف ذاكرة ودور سياسي فعّال لمضافات الدروز بالسويداء
السويداء- رغم أن شيوخ العقل الدروز لم يمتهنوا العمل السياسي وتجنّبوه، وبقيت مضافاتهم بمنأى عنه، باعتبار أنها مختصّة بالشأن الاجتماعي العام، فإن مضافة الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، لم تنقطع منذ أواخر صيف عام 2023 وحتى اليوم عن تنفّس السياسة.
وتبدو هذه التجربة سابقة فريدة الدلالة، وتستقطب إليها الانتباه والتساؤل عن الجدوى من إقحام المضافات ذات الطابع الديني الرمزي بشؤون السياسة.
فمنذ بداية انتفاضة السويداء في أغسطس/آب 2023، دأب رجال السياسة المحليون والنشطاء المعارضون بصورة متواصلة على زيارة مضافة الشيخ الهجري، للتباحث بشؤون السياسة ومستجدات الحراك، حتى إن معظم الأجسام السياسية التي تشكلت خلال انتفاضة السويداء جرى إشهارها من تلك المضافة، كان آخرها التيار السوري العلماني عقب سقوط نظام بشار الأسد.
وقد تكون مضافة الشيخ حمود الحناوي، شيخ عقل الدروز في قرية سهوة البلاطة، لم تحظَ باستقطاب السياسة إليها كما فعلت مضافة الشيخ الهجري، نظرا لبعدها عن ساحة التظاهر وسط المدينة، وتقدّم الشيخ الحناوي بالعمر، لكن المضافات الدرزيّة المعروفة والكبيرة لم تنقطع عنها السياسة يوما.
يقول الباحث التاريخي إبراهيم جودية للجزيرة نت إن مضافة الطرشان وسط مدينة السويداء، والتي بنيت عام 1860 من قبل آل الحمدان، لعبت دورا سياسيا بارزا بعدما استولى عليها آل الأطرش عام 1869.
إعلانويضيف "ازدهر دور هذه المضافة مع بداية الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين، ثم مع بداية الانتداب الفرنسي للبلاد، حيث كانت مقرّا لاتخاذ القرارات المصيرية، مثل ذلك الاجتماع الذي عقد في المضافة لمنع حكم الكابتن "كاربيه" حاكم دولة جبل الدروز، ثم انطلقت مظاهرة شبابية سلمية باتجاه دار الحكومة، وجرى التصدّي لها بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، الأمر الذي أشعل شرارة الثورة السورية الكبرى".
"كما ازدادت مكانة هذه المضافة في عهد الشيخ عبد الغفّار الأطرش وحتى استقلال سوريا عام 1946، واستمر ذلك مع تطور مدينة السويداء، لكن دورها بدأ بالتضاؤل منذ عام 1960 وحتى وقتنا الراهن، بسبب استبداد السلطات المتعاقبة، والقبضة الأمنية التي حكمت سوريا"، حسب جودية.
وشهدت العديد من المضافات الدرزية الكثير من الأحداث المتصلة بالشأن السياسي والاجتماعي العام، حيث يذكر المترجم والباحث في أدب الرحلات والتراث، بأن كل قرية من قرى الجبل كانت تحوي مضافة مشهورة.
ويضيف في حديثه للجزيرة نت أن "المضافة القديمة لعائلة أبو حلا، والتي اندثرت، احتضنت اجتماعا سرّيا بين الزعيم إسماعيل الأطرش والأهالي الذين كانوا يخططون للثورة ضد آل الحمدان حين كانوا حاكمين للجبل، ولم يعلم بهذا الاجتماع، وأكد ذلك الحمدان وقتذاك، وهذا حدث في ستينيات القرن الـ19".
كما ذكر أن ثمّة حادثة مشهورة وقعت سنة 1898 في مضافة أسعد عزّي، حين لم يجد في بيته سمنا لإتمام وليمة المنسف لضيوفه، وكانوا من الفريق السياسي المناوئ لحكم آل الأطرش للجبل، لكن جاره من عائلة أبو عسلي والذي كان مواليا لحكم الأطرش أسعفه بالسمن، فقال حينها أسعد عزّي لضيوفه "تفضلوا على خير الله وخير علي أبو عسلي"، وبسبب هذا الموقف تأجل الصدام بين الطرفين لأكثر من 6 أشهر.
إعلانكما استقبلت هذه المضافة عام 1942 شارل ديغول عندما كان قائدا للمقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي لفرنسا، وهناك صور فوتوغرافيّة لديغول وهو يصافح أسعد عزّي الحفيد.
وشهدت مضافة خليل الجرمقاني في قرية عرمان حدثا تاريخيا أثناء المعركة التي دارت بين أهالي البلدة وحامية عثمانيّة جاءت إلى القرية وقتلت أحد أبنائها، حيث تحصّن عناصر تلك الحامية وكانوا قرابة العشرين بمضافة الجرمقاني، فما كان من سكان البلدة إلا أن فتحوا سقف المضافة، وقاموا بقتل أفراد تلك الحامية، ولا تزال آثار الرصاص محفوظة على باب تلك المضافة حتى اليوم.
وهناك مضافة شاهين أبو فخر في قرية كفر اللحف، التي شهدت اجتماعا ما بين سلطان الأطرش، القائد العام للثورة السورية الكبرى، والوطنيين الدمشقيين، الذين التفتوا إلى الدروز بعد معركة المزرعة الشهيرة.
بالإضافة إلى مضافة خليل الباسط في قرية ملح، والتي شهدت زيارة لسلطان الأطرش بعد إعلان الثورة على الفرنسيين، وفيها كُتبت معظم بيانات الثورة، مضافة علي الأطرش المشهورة في قرية قيصما، والتي التجأ إليها الثوار وكانوا يصطحبون ضابطا فرنسيا مأسورا اسمه سيكر، وبقي فيها يومين، ثم عاد الفرنسيون وأحرقوها بعد احتلالهم القرية.
يشكك الشاعر والباحث التاريخي محمد جابر بالدور السياسي للمضافة عند الدروز، ويقول للجزيرة نت إنه "لا يوجد دور سياسي بالمعنى الدقيق للمضافة، فالقرارات السياسية أو تلك المتصلة بالغزوات أو التصدّي لها، أو بالحروب ضد العثمانيين والفرنسيين لم تكن تُتخذ بالمضافات، نظرا لطابعها السريّ أحيانا، وإنما كانت تُتخذ في البريّة، أو في إحدى الخرائب".
ويوضح أن الدور الاجتماعي للمضافة فهو الأهم، حيث تعد الغرفة المخصصة لاستقبال الضيوف، ولإقامة الأفراح والأتراح، نظرا لأنها أكبر غرف البيت الدرزي، عدا عن كونها مخصصة للاستقبال، وإقامة المناسبات العامة، وكانت بمثابة نُزل وفنادق مجّانيّة.
إعلانوتاريخيا، لمعت أسماء العديد من المضافات الدرزية، وارتبطت بالثورة السورية الكبرى ضد الفرنسيين، الذين لم يتوانوا بدورهم عن هدم بعضها، متل مضافة حمد البربور، ومضافة علي عبيد، ومضافة حسين مرشد، وجميعهم كانوا من أعمدة الثورة ضد الفرنسيين، وهناك مضافات مشهورة في الجبل مثل مضافة حمزة درويش، ومضافة صالح عزيز، ومضافة معذّى المغوّش، ومضافة حمد عامر، ومضافة فضل الله هنيدي.
المضافات بعد الثورةخلال سنوات الثورة السورية ضد حكم الأسد، عاد بعض الزخم والنفوذ المفقود لدور المضافة الدرزية في الحياة العامة، ويوضّح ذلك شيخ عائلة نعيم في السويداء أدهم نعيم للجزيرة نت بقوله "تقلص دور المضافات في الفترة التي حكم فيها البعث البلاد، لكن وخلال فترة الثورة في مدينة السويداء، وبعد غياب القانون والمحاكم، لعبت المضافات دورا أساسيا في حل النزاعات وتحصيل الحقوق".
ويضيف أن "معظم المشاكل والخصومات كانت تحل بشكل عشائري، وأثبت الحل العشائري بأنه فعّال، فكانت المضافة هي المكان الذي يجتمع فيه الخصوم، ويتم اتخاذ القرار بالإجماع لتحديد من هو صاحب الحق ومن هو المُدان، ويتم اتخاذ إجراء مُلزم لجميع الأطراف، دون إغفال دور المضافة المهم بما يتعلق بالسلم الأهلي والمجتمعي، باعتبار أن مكانة المضافات مستمدة من عراقة المجتمع المحلّي".
وتعيش السويداء منذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024 حالة من الترقّب لأداء السلطة المركزية بدمشق، وتنقسم سياسيا بين من ينادي بوحدة سوريا، وبين الراغبين بقسط أوفر من اللامركزية الإدارية، وربما بالإدارة الذاتية لمحافظتهم.