اقتصادنا ومصارفنا في 2025
تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT
في خضم التحديات والارتدادات للاحداث السياسية والامنية التي يمر بها بلدنا ودول الاقليم الجغرافي حاليا تدخل منهجية الاصلاح الاقتصادي والمصرفي مرحلة جديدة في عام 2025 بتعاون وتنسيق بين الحكومة والبنك المركزي مع الاصرار على الاستمرار بتنفيذ ستراتيجية الانتقال بالاقتصاد والقطاع المصرفي الى التعافي والتطور وتحقيق نسب نمو جيدة وفقا لتوقعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في العام القادم .
ومن ابرز الخطوات لاصلاح اقتصادنا الوطني هو التحولات الكبيرة لهيكلة وتطوير المصارف الحكومية والاهلية وعقد اتفاقيات مع شركات استشارية وتدقيقية عالمية رصينة لانجاز هذه المهام في 2025. ووفقا لمؤشرات قياسية تعتمد في تقييم قوة الاقتصاد ورصانة القطاع المصرفي ومن ابرزها هو كفاية الاحتياطيات الاجنبية النقدية والتي تجاوزت 100مليار دولار وبكفاية 140%لتغطية الاستيرادات والعمله المحلية المصدرة وانخفاض نسبة التضخم الى 3.7% بعد ان وصلت الى اعلى معدلاتها في نهاية 2022 وانخفاض الدين الخارجي الى مستوى لايتجاوز 19مليار دولار مع التأكيد على ان اهداف السياسة النقدية للبنك المركزي الواردة في قانونه النافذ تتمثل في تحقيق النمو والاستقرار الاقتصادي وان احد اهدافها الاساسية هو تحقيق الاستقرار في النظام المالي والنظام النقدي وتخفيض معدلات التضخم واستقرار اسعار السلع والخدمات في ظروف اقتصادية وامنية وسياسية بالغة التعقيد عانى منها العراق في 2023 و2024 .
وتبذل الحكومة جهودا واضحة لتثوير القطاعات الاقتصادية الفاعلة وهي الزراعة والصناعة والسياحة ورسوم الخدمات الكمركية والضريبية والارتفاع بحصتها في ايرادات الموازنة العامة الى 20%.
مما ادى بالبنك المركزي ان يتأخذ اجراءات عديدة بالتعاون مع الحكومة في تنظيم التجارة الخارجية وضبط السيطرة على التحويلات الخارجية والانتظام في النظام المالي والمصرفي العالمي والامتثال للمعايير الدولية والتحول الرقمي في القطاع المصرفي والعمل على اعداد واطلاق ستراتيجيتة الجديدة للاصلاح والتصنيف المصرفي في كافة حلقاته الاساسية على مستوى التعاملات المصرفية الداخلية والخارجية ابرزها هو تأمين الدولار الامريكي للتجار الكبار والمسجلين ولكل تاجر مهما كان تصنيفه بالسعر الرسمي . وهذا يؤكد وبما لايقبل الشك ان استراتيجية البنك المركزي واجراءاته خلال السنتين 2023و2024 حققت احد اهداف السياسة النقدية الاساسية وهو تخفيض معدل نسبة التضخم والمحافظة على المستوى العام لاسعار السلع والخدمات . ولابد ان نشير ان من ابرز مؤشرات قوة اقتصادنا وتعافية هو ماتوقعه صندوق النقد الدولي اخيرا من ان نسبة النمو الاقتصادي المتوقعة في 2025ستكون 5.3% بينما انكمشت بنسبة 2.2%في 2022والنسبة المتوقعة هي اعلى من نسب النمو في المغرب والكويت والبحرين وعمان والجزائر والاردن وقطر .وهو مؤشر على قوة اقتصادنا وهي نتيجة حتمية لبرامج الاصلاح الاقتصادي والمالي الذي تطبقه الحكومة والبنك المركزي منذ 2023.
المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز
كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار
إقرأ أيضاً:
تناقضاتنا بين النقدية والعقدية
ماجد المرهون
majidomarmajid@outlook.com
الإنسان كائنٌ مُتَّزن في مُعظم شؤون حياته وتترقَّى عاطفته ومشاعره بناءً على الأحداث التي يختبرها وباستمرار، وهذا على وجه العموم باستثناء الخصوص، لما تَفرضه عليهم ظروف مُعينة تقدَّر أهميتها حسب حاجتهم ومنفعتهم منها؛ وهي استثناءات محدودة ومشروطة لا يمكن تفريغ آراءها وقناعاتها بإسقاطها على الجميع من الذين ينتهجون وبشكل طبيعي تلقائي المعنى الإنساني القويم.
وقد يتناقض أحدهم أحيانًا في بعض الأمور نتيجة ترقي وعيه وفهمه، بحيث يرفض فكرةً كان يستوثق معتقدًا صدقها واعتمادها في مرحلة ما عندما يكتشف أنها لم تكن كذلك، ليعتنق فكرة جديدةً أخرى أكثر صلابة بعد مدة من الزمن تطول أو تقصر جراء ازدهار مقومات معرفته وعلمه فضلًا عن تجاربه الشخصية ومقارنات تجارب الآخرين كأمثلة استدلالية.
وقد تحدّثه نفسه في هذه الحالة بأنه وقع في التناقض كما قد يلقي الآخرون عليه تقريعهم بملامة تناقضاته، من خلال تَذكيره بفكرته السابقة أو القديمة التي كان يدافع عنها ويحاجج في تأييدها ويناضل لبرهنتها بالمقارنة مع مسار فكرته الجديدة التي قد تتعارض جزئيًا أو كليًا مع السابقة مع بقاء المبدأ الذي لايتنبه له الكثير ثابتًا، وهو مواكبة الأحداث ومسايرة التطورات وضرورات تغيير المواقف والآراء أحيانًا عندما تحين أهمية الاعتراف بخطأ سابق كانت كل الظروف والظَواهر إبَّانها تؤكد على صحته، بل وتَجزم بما لايترك مجالًا للشَّك أنه واقع حقيقي لا ولن يتغير.
لا يوجد ما يؤكد فرضية الذكاء الجماعي، وإنما لكل منَّا ذكاؤه الخاص، وهو متباين بين شخص وآخر، وبالتالي فإنَّ كل إنسان مفكّر بقدر ويرتقي فكره باستمرار، ولا بد أن يتمتع بمرونة التناقض بمقدار ترقيه المَعرفي وتطوره العقلي، ولا ضَير في ذلك ولا مانع من الاعتراف به. ولولا هذه التناقضات لما تشكَّل وعيه اللازم للتحليل المنطقي والقياس المعتمد على التجارب والمقارنات وتقديم الأولويات وتفضيل المعقولات، ونبذ معتقدات سابقة تشوبها الشبهات وربما الأخطاء بعد ما تبيَّنت له الحقائق ولنقس على ذلك "علاقات الثقة" في مفهومها المعنوي والبنيوي.
ربما كانت التناقضات قديمًا لا تظهر لنا بشكل مباشر إلّا بعد مرور فترة زمنية طويلة، عندما تتكشف الحقائق وتتجلى على أحداث كنَّا لا نشكك في مصداقيتها في حينها، ولكن فيما يجري اليوم ومع تسارع الأحداث وتنوع الأخبار وتعدد مَصادرها ونشاط نقلها، فإن التناقض- الذي قد يصل إلى درجة الإرباك- بات هو الحال السائد، بغيّة إيقاع الناس في دوامة الخلاف، وفصلهم في عدم الاتفاق إلى تيارين متضادين، ينافح كل منهما عن اعتقاداته وقناعاته، وينافس الآخر في إثبات حجته، فلا يلين هذا حتى لا يقال عنه متناقض، ولا يذعن ذاك لعدم تفريقه بين معنى التناقض والنفاق "ومن ظن أنه عَلم فقد جهل"، مع أن كلاهما يستند إلى نفس المبدأ الأصيل وهو الإصلاح والسلام وحب الخير للجميع.
وإذا انطلقنا من مفاهيم قديمة حول تأويل أحداث الآن، التي نعتقد جزمًا بوثاقتها وقياسًا على أحداث قبل 20 عامًا؛ فربما يكون فهمنا لبعضها قاصرًا أو خاطئًا؛ حيث إن بعدنا عن مركز الحدث يدفعنا لإطلاق أحكام مَبنية على مقارنات سابقة، ثم ننحى إلى تأكيد نتائجنا الكارثية مسبقًا قبل حدوثها. وقد شَيدنا كل ذلك البنيان على قاعدة توقعات رخوة لا تسْتند على أدلة متينة، وإنما استشهادات فردية وتحليلات شخصية أو استقراءات استشرافية، من خلال صورة عامة مجردة لبعض المَشاهد. ولعل ما يحدث في سوريا حاليًا، خير شاهد على ذلك؛ إذ تنهال علينا يوميًا توقعات في مُنتهى السلبية ومن أناس يبعُدون عن موقع الأحداث ومعايشتها بُعدًا تامًا ولا يستوعبون مشاعر عاشها جيل ونصف وربما لا يعرفون سوريا إلّا من الخارطة أو التلفزيون.
ينبغي على كل شخص أن يتمتع بعقلية نقديّة وأن يُدرك أن كل مانعتقده ونقوله إنما هو نتيجة بسيطة لما تَحصلنا عليه من معلومات عامة، وقد تكون سطحية ومتواضعة، لكنها صاغت ما نستنْتجه في مراد الوصول إلى نهاية قصة ما اعتقدناه وقلناه وقد لا تكون صحيحة؛ بل توقعات مجردة بنيَّت على تجارب وأحداث سابقة، وما تحصلنا عليه من معلومات فهي متغيّرة ودائمة التطور والتراكم، وسوف تكون نتيجة البناء عليها حتميًا متناقضة بسبب تحليلات هذا الخبير وذلك المختَّص وهذه القناة وتلك الإذاعة والجريدة.
إنَّ الاعتقاد بفكرة مضت عليها عشرات السنين دون مرونة كافية لتعديلها أو تغييرها، إنما هو موقفٌ جاف قابل للانكسار ويؤكد على البُعد الشديد عن الواقع وإمكانية تطويع العقلية النقدية في تغيير موقفها بحسب المعطيات، وأن من يفعل ذلك هو واقع في الخوف من الظهور بمظهر المتناقض الذي يبدّل أقواله ويُغير مواقفه، مع أن التناقض هنا ليس بالأمر الشائن؛ بل هو دليل قوة شخصية ونضوج وعي، تشي بأن صاحبها متكيف مع الواقع ومتأقلمْ مع المتغيرات نتيجة ما تحصل عليه من فهم ومَعرفة أدت إلى إعترافه بأن ما يعتقده سابقًا كان مشوبًا بقلة فهم وكلية في الإحاطة المعرفية التامَّة بما يحدث.
وأخيرًا.. إنَّ إدراكنا المُعمَّق لكل أو معظم ما يحدث حولنا اليوم، سيقودنا إلى فهمه، أو على الأقل تقديره، من وجهة نظر ورأي من يُعايش ويُحلل الحدث، وذلك بوضع أنفسنا في موضعهم والتساؤل: لمَ يفرح شعب دولةٍ ما بسقوط نظام استمر لأكثر من 50 عامًا؟ ولماذا تظهر في نفس الوقت تناقضات تحاول اجتراح خواتيم مغبشة أو في منتهى السوداوية؟!
إذن.. لنقبل التناقضات دون مُكابرة أو التمسّك بقناعاتنا القديمة، ولنبتعد عن تأثير الترديد والتقليد الذي قد يُوقِعُنا في جدليات اعتقاد الحقيقة.
رابط مختصر