«معلومات الوزراء» يستعرض في تحليل جديد صناعة بناء السفن عالميا
تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلا جديدا حول «صناعة بناء السفن»، استعرض من خلاله مراحل وعمليات صناعة بناء السفن وواقع سوق تلك الصناعة عالميًّا، بالإضافة إلى عرض لأبرز التجارب الدولية في هذا المجال، والجهود المصرية في هذا الشأن، حيث أشار إلى أن صناعة بناء السفن تُعد إحدى الركائز الأساسية للنشاط الاقتصادي العالمي، وذلك نظرًا لما يشكله النقل البحري من أهمية بالغة في التجارة الدولية والاقتصاد العالمي، إذ يتم نقل أكثر من 80% من حجم التجارة الدولية في السلع من خلال البحر، وترتفع تلك النسبة في أغلب البلدان النامية، وهو ما يعني توافر الطلب على السفن الجديدة بشكل مستمر، وتهيمن منطقة شرق آسيا على صناعة بناء السفن، إذ استحوذت الصين وكوريا الجنوبية واليابان على النسبة الكبرى من إجمالي الإنتاج العالمي لتلك الصناعة في عام 2022.
وأوضح التحليل، أن عملية بناء السفن تُعد واحدة من أكثر أنظمة الأعمال والإنتاج تعقيدًا، وذلك نتيجة التعقيد في منتجاتها النهائية، حيث تتطلب تلك العملية عددًا كبيرًا من المكونات والمنتجات الوسيطة، مضيفاً أن أن عملية بناء السفن تنقسم إلى ثلاث مراحل تشمل: عملية بناء هيكل السفينة، وعملية التجهيز، وعملية الطلاء.
وتتم عملية بناء الهيكل عبر تصنيع مكونات هيكل السفينة، ثم بعد ذلك يتم تجميعها ولحامها لتصبح منتجات وسيطة في صورة مجمعة، ثم يتم رفعها إلى الرصيف لتجميعها في الهيكل، ويدخل في تلك المرحلة العديد من المنتجات الوسيطة كالحديد والألومنيوم والنحاس والخشب واللدائن الهندسية والأسمنت والسيراميك والمطاط والزجاج.
أما عملية التجهيز فيتم خلاها تجهيز غرفة المحرك، وتجهيز سطح السفينة، وتجهيز المقصورة، وأخيرًا التجهيز الكهربائي. وتتضمن عملية الطلاء -إزالة الصدأ ووضع الطلاءات المختلفة على الأسطح الداخلية والخارجية لبدن السفينة وأجزاء التجهيز- وفقًا للمتطلبات الفنية التي تقضي بفصل السطح المعدني عن الوسط المسبب للتآكل، وذلك بهدف منع تعرض بدن السفينة للتآكل.
أشار التحليل، إلى أن السفن تُصنَّف إلى خمس تصنيفات أساسية، وهي: السفن التجارية، والسفن البحرية، وسفن الصيد، وسفن خدمات، والسفن الداخلية، ومع التطور التكنولوجي، أصبحت اتجاهات تكنولوجيا بناء السفن تشمل بشكل أساسي تكنولوجيا إنتاج السفن منخفضة استهلاك الوقود وعالية الكفاءة، وتكنولوجيا بناء السفن الخضراء، وتكنولوجيا بناء السفن الرقمية، وتكنولوجيا بناء السفن الذكية.
أشار التحليل إلى أن صناعة بناء السفن عالميًّا مرت بمراحل مختلفة من الهيمنة التي مارسها عدد من الدول على هذه الصناعة، ففي البداية احتلت بريطانيا المركز الأول عالميًّا في تلك الصناعة، وكان ذلك في خمسينيات القرن التاسع عشر، ثم فقدت هذا المركز بسبب فشلها في تطوير أحواض بناء السفن الخاصة بها من الناحية الفنية، ثم انتقلت هيمنة تلك الصناعة إلى اليابان لتحتل الترتيب الأول عالميًّا بفضل النمو السريع للنظام المالي الياباني بعد الحرب العالمية الثانية، والمبادرات الحكومية اليابانية لتشجيع بناء السفن، واستمرت هيمنة اليابان على هذه الصناعة الحيوية إلى أكثر من ثلاثة عقود، حتى واجهت أحواض بناء السفن اليابانية تعقيدات في توظيف المهندسين من الشباب الكفء، وارتفاع تكلفة العمالة في ذات الوقت، وهو ما فتح الأفق أمام كوريا الجنوبية لتتولى المركز الأول عالميًّا في منتصف تسعينيات القرن العشرين، وبمرور الوقت أصبحت الصين رائدة عالميًّا في بناء السفن تحديدًا في عام 2010، حيث زاد إنتاج بناء السفن التجارية الصينية بنحو 13 مرة بين عامي 2002 و2012.
وأوضح مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، أن حجم السوق العالمية لبناء السفن قد بلغ في عام 2023 نحو 158.25 مليار دولار، ومن المتوقع أن يواصل السوق العالمي نموه ليصل إلى 221.37 مليار دولار بحلول عام 2032، وذلك بمعدل نمو سنوي مُركَّب نحو 40%، ومن حيث الترتيب العالمي للدول في صناعة بناء السفن في عام 2022، فقد هيمنت منطقة شرق آسيا على تلك الصناعة، إذ استحوذت الصين وكوريا الجنوبية واليابان على 93% من إجمالي الإنتاج العالمي.
وأوضح التحليل، أن الصين وكوريا الجنوبية تُعد من أبرز التجارب الدولية في مجال النهوض بصناعة بناء السفن واحتلال الريادة عالميًّا في هذا المجال، ويرجع ذلك إلى السياسات الحكومية المُتبعة في تلك الدول والتي كان لها المردود الإيجابي في تحقيق الهدف منها، فقد أولت جمهورية الصين الشعبية أهمية كبيرة لصناعة بناء السفن، وذلك من خلال التعامل معها كصناعة استراتيجية تدعم التنمية الاقتصادية، واعتماد سياسات مختلفة لتعزيز تلك الصناعة، ومن أبرز تلك السياسات ما يلي:
-تشجيع تصدير السفن في ثمانينيات القرن العشرين: حيث جعلت الحكومة الصينية تصدير السفن إلى السوق العالمية أحد التدابير المهمة للإصلاح الاقتصادي وسياسة الباب المفتوح، التي اعتمدتها في عام 1979، واعتبرت تطوير صناعة بناء السفن مهمة استراتيجية.
-تقديم الحكومة الصينية سياسات محفزة لصناعة بناء السفن: وذلك في تسعينيات القرن العشرين، اقتداءً بنجاح التجارب اليابانية والكورية، بما في ذلك تقديم الدعم، والقروض الميسرة، والحوافز الضريبية لشركات بناء السفن، والاستثمار المباشر الواسع في صناعة بناء السفن، كما تبنَّت الحكومة الصينية سياسة "المالك المحلي لبناء السفن" لدعم أحواض بناء السفن الصينية.
-وضع الحكومة الصينية في أغسطس 2006 خطة تنمية متوسطة وطويلة الأجل (2006 - 2015) لصناعة بناء السفن، وذلك ضمن هدف أكبر وهو جعل الصين أكبر دولة لبناء السفن في العالم بحلول عام 2015.
-إصدار وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية (MIIT) في يونيو 2009 خطة إعادة هيكلة وتنشيط صناعة بناء السفن، وذلك بعد أزمة ركود تجارة السفن نتيجة الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وهدفت الخطة إلى توفير التمويل اللازم لأحواض بناء السفن، وتقديم الدعم الفني والمالي.
-إطلاق الخطة الخمسية الثانية عشرة في ديسمبر 2011، والتي ركزت على تعزيز الابتكار التكنولوجي والاستثمار في البحث وتطوير تكنولوجيا صناعة بناء السفن، وإعادة الهيكلة من خلال الاندماج والاستحواذ، وتحسين جودة بناء السفن ونظام الإدارة لتعزيز القدرة على المنافسة، وتحسين ترويج صناعة بناء السفن.
-إطلاق خطة دعم بناء السفن لمدة ثلاث سنوات وذلك في يونيو 2013، بهدف إنقاذ صناعة بناء السفن المتعثرة، والحفاظ على حصة الصين في السوق العالمية لبناء السفن، وتحقيق حصة سوقية عالمية بنسبة 20٪ و25٪ للسفن عالية التقنية والمرافق البحرية على التوالي، من خلال التركيز على تسريع الابتكار التكنولوجي وتطوير تكنولوجيا التصميم والبناء للمنتجات البحرية، وزيادة العرض المحلي للمعدات البحرية والشاطئية الرئيسية، بالإضافة إلى دعم المنتجين المحليين وتوسيع الدعم المالي للاندماج والاستحواذ وجذب المشترين الأجانب.
وتعتمد الصين على تمويل السفن كسياسة تحفيزية لتقديم الدعم لأحواض بناء السفن المحلية وتعزيز الأسطول الصيني، ففي النصف الأول من عام 2017 أنفقت الحكومة الصينية ما قيمته 17.7 مليون دولار للصناعة بهدف تشجيع تطوير تصميمات جديدة للسفن، وقد ذهب معظم هذا التمويل إلى تصميم مشروعات لناقلات النفط الكبيرة.
أما عن تجربة كوريا الجنوبية فقد بدأت حكومة كوريا الجنوبية أولى خطواتها في ريادة صناعة بناء السفن عالميًّا من خلال تنفيذ سياسات تُشجع تلك الصناعة، والتي بدأت بإصدار "قانون تشجيع بناء السفن" في عام 1958، إلا أن القانون لم يحقق أي إنجاز بسبب نقص الميزانية، ثم تحولت بعدها الجهود الحكومية إلى اتخاذ مجموعة من التدابير والسياسات، من أهمها:
-إعلان الحكومة الكورية عن "خطة إعادة هيكلة صناعة بناء السفن وتعزيز القدرة التنافسية" لعام 2009، بمشاركة العديد من الوزارات، بهدف إعادة هيكلة شركات بناء السفن المتأخر تسليمها، وحل الصعوبات المؤقتة المتعلقة بالتمويل في أحواض بناء السفن التي تفاقمت جراء الأزمة المالية العالمية.
-كشفت وزارة المحيطات ومصايد الأسماك بكوريا في أبريل 2018 عن خطة إحياء تهدف إلى بناء 200 سفينة بما في ذلك 60 حاوية و140 ناقلة للبضائع السائبة خلال ثلاث سنوات، ووفقًا للخطة يتم دعم مالكي السفن بنسبة تصل إلى 10٪ من تكلفة بناء الهيكل الجديد إذا استبدلوا بسفنهم القديمة سفنًا جديدة صديقة للبيئة.
-أنشأت الحكومة الكورية في يوليو 2018 شركة كوريا لأعمال المحيطات (KOBC)، برأس مال أولي بلغ 2.77 مليار دولار، والتي هدفت إلى دعم صناعة الشحن وبناء السفن المحلية من خلال الاستثمار في السفن الجديدة وتوفير ضمانات الدفع لطلبات البناء الجديدة، وتقديم خدمات استشارية للاستثمارات في الصناعة البحرية.
-إطلاق "الاستراتيجية الوطنية الأولى لتطوير وتعميم السفن الخضراء (2021 - 2030)" وذلك في ديسمبر 2020، حيث تركز الاستراتيجية على التقنيات المتقدمة الخالية من الانبعاثات التي تُمكِّن من التخلص التدريجي من انبعاثات الغازات الدفيئة (GHG) بنسبة تصل إلى 70% بحلول عام 2030، وذلك في مجالات تصميم السفن والوقود المستقبلي والطاقة المتجددة والمعدات، حيث تستهدف الاستراتيجية تحويل 15٪ من السفن التي ترفع العلم الكوري إلى سفن أكثر اخضرارًا.
-نشر قانون رقم 19909 الخاص بتعزيز تطوير وتسويق السفن ذاتية القيادة وذلك في يناير 2024، والذي يهدف إلى تعزيز تطوير التكنولوجيا والمعدات الرئيسة لتلك السفن، ووضع الأساس لتشغيلها الآمن، بالإضافة إلى إنشاء نظام لوجستي بحري لتسويقها.
وأشار التحليل إلى أنه في ظل الأهمية الاقتصادية لصناعة بناء السفن عالميًّا، وأهميتها الاستراتيجية في دولة كمصر، التي تمتلك إمكانات تدعمها لتلعب دورًا محوريًّا في تلك الصناعة بمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، تسعى الحكومة المصرية لتوطين صناعة بناء السفن وتعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي للصناعات البحرية، ولتحقيق ذلك تم تنفيذ العديد من الجهود والمبادرات في هذا القطاع، ومن أبرزها:
-إطلاق برنامج تطوير صناعة السفن وفقًا لاستراتيجية الدولة من أجل تطوير قطاع النقل البحري واللوجستيات حتى عام 2030، وذلك ضمن رؤية 2030 التي تم إطلاقها في فبراير 2016، ويهدف البرنامج إلى توطين وتطوير الصناعة في مصر بحلول عام 2030.
-تتبنى وزارة النقل خطة شاملة لتطوير قطاع النقل البحري واستعادة قوة الأسطول التجاري المصري، وذلك بهدف جعل مصر مركزًا عالميًّا للتجارة واللوجستيات، وتستهدف الوزارة الوصول بحجم أسطول الشركات التابعة لها، (وهي شركات: الملاحة الوطنية - الجسر العربي للملاحة - القاهرة للعبارات - المصرية لناقلات البترول)، إلى 31 سفينة بحلول عام 2030، وذلك لزيادة قوة الأسطول المصري بحيث يصبح قادرًا على نقل 20 مليون طن بضائع سنويًّا من البضائع الاستراتيجية كالحبوب والنفط، ونقل الركاب بين مصر وباقي دول العالم.
-تطوير الترسانة البحرية بالإسكندرية، وهي أقدم شركة في مصر والشرق الأوسط في مجال بناء وإصلاح السفن، وتضمنت عملية التطوير رفع قدرة وكفاءة الشركة الفنية، وقد نجحت الشركة بعد تطويرها في تدعيم الأسطول البحري لشركات البترول الوطنية وشركة التعاون للبترول، من خلال تقديم ناقلتي بترول مزدوجة البدن حمولة 1600 طن، والقاطرة "درويش" إلى هيئة ميناء الإسكندرية، بالإضافة إلى تصنيع أولى قاطرات الجيل الجديد من طراز (ASD) بقوة شد 90 طنًّا لتكون نواة أسطول القاطرات البحرية بهيئات مواني جمهورية مصر العربية.
-إنشاء شعبة جديدة لصناعة وبناء السفن كشعبة تابعة لغرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات المصرية في يناير 2023، وتضم في عضويتها نحو 70 شركة عاملة بالمجال، وتتركز خطة عملها في تعزيز التعاون بين شركات الشعبة من أجل توطين صناعة وبناء وإصلاح السفن.
-إنشاء جامعة تكنولوجية جديدة بقناة السويس تضم تخصص صناعة بناء السفن.
وأوضح التحليل أن مصر لم تكن بعيدة عن مجال صناعة بناء السفن، فهي تمتلك عددًا من الترسانات البحرية كترسانات (بورسعيد وبورتوفيق والسويس والإسكندرية)، والتي يمكن أن تساهم في توطين هذه الصناعة، كما تُوجِّه مصر جزءًا من تلك الصناعة لديها إلى الخارج، ففي عام 2022 صدَّرت مصر سفنًا وقوارب وعائمات بما قيمته 3.2 ملايين دولار، وكان عام 2021 هو الأعلى في قيمة الصادرات خلال الفترة (2019 - 2022)، حيث بلغت صادراتها آنذاك نحو 67.4 مليون دولار.
وأفاد التحليل في ختامه أنه في الوقت الذي تُعَد فيه صناعة بناء السفن من الركائز الاستراتيجية للتجارة الدولية والاقتصادات الوطنية، أظهرت التجارب الدولية، مثل تجربة الصين وكوريا الجنوبية، مدى تأثير تبني استراتيجيات تنافسية على تحقيق الريادة العالمية. هذا، وتقدم تجربة مصر نموذجًا ناشئًا يُظهِر الإمكانات الواعدة لهذه الصناعة في المنطقة، خاصة مع موقعها الجغرافي الاستراتيجي.
اقرأ أيضاًاتحاد عمال مصر: مبادرة تأهيل مليون عامل خطوة مهمة للاستثمار في رأس المال البشري
خبير اقتصادي: الدعم النقدي يتفادى عيوب العيني
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء السفن السفن العملاقة صناعة السفن صناعة بناء السفن صناعة السفن الخشبية صناعة السفن الحربية بناء السفن تطور صناعة السفن الصین وکوریا الجنوبیة أحواض بناء السفن الحکومة الصینیة کوریا الجنوبیة السوق العالمی بالإضافة إلى بناء السفن ت تلک الصناعة لبناء السفن عملیة بناء بحلول عام ت الحکومة وذلک فی من خلال السفن ا فی هذا التی ت فی عام ذلک فی فی تلک إلى أن عام 2030
إقرأ أيضاً:
الوزراء يستعرض أهمية التعدين في قاع البحار كمورد استراتيجي جديد
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً بعنوان "التعدين في قاع البحار.. مورد استراتيجي جديد"، تناول من خلاله الأهمية الاستراتيجية لقاع البحار، وجهود الدول لتوسيع نفوذها داخله، بالإضافة إلى المخاطر البيئية للتعدين البحري، مشيراً إلى أن هذا النوع من التعدين ظهر كمصدر جديد للحصول على الموارد، ويهدف إلى استخراج الرواسب المعدنية القيمة الموجودة في قاع البحار، على عمق مئات أو حتى آلاف الأمتار تحت سطحه.
فإلى جانب الحياة البحرية في هذه الأعماق، توجد احتياطيات كبيرة من النحاس والكوبالت والنيكل والزنك والفضة والذهب والعناصر الأرضية النادرة، وهي مواد ضرورية لبناء مكونات طاقة خالية من الكربون.
أشار المركز إلى أن قاع البحار يضم ثلاثة أنواع رئيسة من الرواسب المعدنية، وهي: قشور المنجنيز الحديدي الغنية بالكوبالت، والكبريتيدات متعددة الفلزات، والعُقيدات متعددة المعادن (وهي كريات تحتوي على معادن نادرة يشكل المنجنيز النسبة الكبرى فيها). وفي هذا الإطار نشرت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) معلومات تثبت أن كمية العُقيدات متعددة المعادن في المياه الدولية قد تصل إلى تريليوني طن، ويُعد المنجنيز من بين العناصر الأكثر وفرة في قاع البحار بحوالي 227 مليار طن، يليه الحديد بكمية تبلغ 219 مليار طن، ثم المغنيسيوم بنحو 16.9 مليار طن.
وفي هذا الإطار؛ لم يعد التنافس الجيوسياسي العالمي على الموارد التقليدية كالنفط والغاز الطبيعي فقط، بل أصبحت المعادن النادرة والرواسب المعدنية في قاع البحار مسرحًا جديدًا للتنافس بين القوى الدولية المختلفة؛ نظرًا لأهميتها في صناعات البناء، والإلكترونيات، والسيارات الكهربائية، ومعدات الطاقة المتجددة، والبطاريات، والأسلحة العسكرية، وغير ذلك من الصناعات.
كما تعد تلك المعادن ذات أهمية محورية في إطار سياسات مواجهة تغير المناخ والتحول نحو الطاقة النظيفة، نظرًا لدخولها في التقنيات المنخفضة الكربون، مثل: الألواح الشمسية، وتوربينات الرياح، وبطاريات السيارات الكهربائية أو خلايا وقود الهيدروجين.
ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية (IEA)، فمن المتوقع أن يرتفع استهلاك هذه المعادن بشكل كبير بحلول سنة 2040، وتعد المعادن الآن حيوية لجميع القطاعات الاقتصادية، مدفوعة بالتوجه العالمي نحو إزالة الكربون. وفي هذا السياق، تستحوذ الرواسب المعدنية البحرية على اهتمام مختلف الدول والشركات.
وفي سياقٍ آخر، تتم إدارة منطقة قاع البحار من قبل السلطة الدولية لقاع البحار، وهي كيان تابع للأمم المتحدة، تم إنشاؤه بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1994، وتتمتع السلطة الدولية لقاع البحار بالتفويض الحصري لتنظيم ومراقبة الأنشطة في منطقة قاع البحار، وكذلك شؤون استكشاف وتعدين المعادن البحرية بشكلٍ عام لصالح البشرية.
وذلك من أجل إنشاء إطار قانوني شامل لتنظيم استخدام مياه البحار والمحيطات على مستوى العالم، وضمان حماية الموارد البيئية والبحرية، فضلًا عن تحقيق استفادة عادلة من هذه الموارد. كما يتناول هذا الإطار القضايا المتعلقة بسيادة الدول على البحار والمحيطات، وحق الانتفاع في المناطق البحرية، بالإضافة إلى الحقوق المرتبطة بالملاحة.
أوضح التحليل أنه على الرغم من أن التعدين في قاع البحار لم يُمارس بشكل تجاري حتى الآن، فإن العديد من الحكومات الوطنية وشركات التعدين تخطط للبدء في هذا المجال في أقرب وقت ممكن، وهو ما قد يكون في غضون السنوات القليلة المقبلة. وما زال الأمر يعتمد على السلطة الدولية لقاع البحار (ISA) وكيفية تنظيمها لعمليات التعدين في قاع البحار. ومن جهة أخرى، يمكن للدول أن تتقدم بمشاريع التعدين في قاع البحار ضمن مياهها التي تخضع لسيطرتها المحلية، والمعروفة باسم "المناطق الاقتصادية الخالصة".
أشار التحليل إلى اتجاه الدول الكبرى للاستثمار بشكل كبير في البحث عن المعادن في قاع البحار، حيث تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى اغتنام الفرص للمشاركة في عملية وضع قواعد التعدين في قاع البحار واعتمادها من قبل السلطة الدولية لقاع البحار (ISA)، إلى جانب عقد الشراكات مع الدول الحلفاء في السلطة الدولية لقاع البحار (ISA)، من أجل تعزيز المصالح المشتركة، واستكشاف الفرص المشتركة للشركات الأمريكية والحلفاء للمشاركة في التعدين المنظم في قاع البحار.
وفي إطار جهود الولايات المتحدة الأمريكية لزيادة إمدادات المعادن لديها، قرر الكونجرس الأمريكي في مايو الماضي تخصيص 2 مليون دولار لتمويل دراسة حول التعدين في قاع البحار، كما طالبت الولايات المتحدة الأمريكية بضم حوالي مليون كيلو متر مربع إلى الجرف القاري التابع لها في بحر بيرنج، والمحيطين الأطلسي والهادئ، وخليج المكسيك.
ومن ناحية أخرى، قامت الحكومة الصينية بوضع هدف "التعدين في قاع البحار" كأولوية أمنية واقتصادية ضمن استراتيجيتها الشاملة للسيطرة على سلاسل توريد المعادن بمختلف أنواعها، وأصبحت إحدى الدول الرائدة في مجال التعدين في قاع البحار، وذلك من خلال توسيع مبادرة الحزام والطريق إلى المحيط الهادئ، وعقد شراكات استراتيجية ذات صلة، وذلك من أجل الوصول إلى الموارد وكسب تأييد دول جزر المحيط الهادئ.
أفاد التحليل بأن الصين تمتلك خمسة تراخيص لاستكشاف قاع البحار في المياه الدولية من أصل 30 ترخيصًا قامت بإصدارها السلطة الدولية لقاع البحار (ISA) حتى أوائل عام 2024، وذلك للاستعداد لبدء عمليات التعدين في قاع البحار بحلول عام 2025.
بذلك فإن الصين لديها حق استكشاف ما يقرب من 92 ألف ميل مربع من المياه الدولية، وهو ما يعادل 17% من إجمالي المساحة المصرح بها حاليًّا من قبل الهيئة الدولية لقاع البحار. ومع زيادة نفوذها، تقوم الصين بصياغة اللوائح الدولية للتعدين في قاع البحار، وتأمين وهيمنة الوصول إلى المعادن اللازمة لتقنيات الطاقة الخضراء وأنظمة الدفاع، والسيطرة على الطرق البحرية الاستراتيجية، ومن المحتمل إنشاء كيان عسكري في المنطقة.
أشار التحليل إلى أن أنصار التعدين في قاع البحار يعتقدون أن هذه العمليات يمكن أن تساعد في تلبية حاجة العالم الملحة للمعادن الحيوية، والتي من المرجح أن تستمر في النمو مع قيام البلدان بتوسيع نطاق جهود إزالة الكربون، وتشير التقديرات إلى أن الطلب العالمي على بعض هذه المعادن قد يرتفع بنسبة تصل من 400% إلى 600% في العقود المقبلة مع زيادة اعتماد العالم على طاقة الرياح والطاقة الشمسية، والمركبات الكهربائية، والبطاريات، وغيرها من التقنيات الخالية من الكربون.
وفي حين أن التعدين يوفر فوائد اقتصادية كبيرة، فإنه يتضمن مجموعة من التحديات والمخاطر البيئية التي تهدد النظام البيئي، ويستمر العلماء في التحذير من وجود مخاوف جدية بشأن التأثيرات المتعددة التي قد يخلفها التعدين البحري، ومن ذلك فقدان الأحياء البحرية المختلفة بما يهدد التنوع البيولوجي، بالإضافة إلى فقدان بنية النظام البيئي ووظيفته، ومن المرجح أن يكون الضرر الذي يلحق بالنظام البيئي في قاع البحار طويل الأمد.
وليس قاع البحر فقط هو المعرض للخطر، حيث يمكن أن تنتشر النفايات من سفن التعدين على مسافات كبيرة، وربما على بعد كيلومترات من المناطق التي يتم التعدين فيها. وقد يشكل هذا تهديدًا للأسماك واللافقاريات في المحيطات المفتوحة، والتي تعد بالغة الأهمية لمصايد الأسماك الدولية.
بالإضافة إلى ما ذُكر، يواجه التعدين في قاع البحار مجموعة من التحديات الرئيسة، أبرزها كونه عملية معقدة ومكلفة من الناحية الفنية، حيث تتراوح تكلفة مركبات الاستخراج ما بين 1 و5 ملايين دولار، علاوة على ذلك، تقع معظم موارد التعدين خارج حدود سيادة الدول.
أوضح التحليل في ختامه أن التنافس على الموارد المعدنية في أعماق البحار يعكس أهمية هذه الموارد في سياق التحولات العالمية نحو الطاقة النظيفة والتكنولوجيا الحديثة، ومع تزايد الحاجة إلى المعادن النادرة، أصبح من الضروري تعزيز التعاون بين الدول والمنظمات الدولية لضمان استغلال هذه الموارد بشكل مستدام وعادل.
ومع ذلك، فإن استغلال هذه الموارد يحمل في طياته مخاطر بيئية كبيرة تهدد التنوع البيولوجي والنظام البيئي البحري، وهو ما يستلزم مراعاة تلك المخاطر، لضمان حماية التنوع البيولوجي للنظام البيئي البحري. وبالتالي، فإن إرساء إطار قانوني محكم لتنظيم عمليات التعدين في قاع البحار سيكون خطوة حاسمة نحو تحقيق التوازن بين الاستفادة الاقتصادية وحماية البيئة البحرية.