نيويوركر: مستقبل سوريا التحدي الأكبر
تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT
اعتبرت الكاتبة السياسية روبين رايت أن سوريا التي تشكل محوراً جيواستراتيجياً في الشرق الأوسط، انقبلت فجأة رأساً على عقب بعد سقوط نظام الأسد. وكذلك فعلت المنطقة.
انتشر هذا الشعور بالشك في جميع أنحاء المنطقة
بدأ السباق لتحديد مستقبل سوريا، بسرعة، لمنع الخصومات العرقية والسياسية والطائفية من إشعال حرب أكثر إثارة للانقسامات من الصراع الذي مزقها مدة 13 عاماً كما كتبت رايت في مجلة "ذا نيويوركر".لم ينتهِ النزاع
يضم سكان سوريا وعددم 23 مليون نسمة طوائف مسلمة متعددة، ومسيحيين، ودروزاً وأكراداً. يحتفل بشهر رمضان وعيد الفصح قانوناً. كان تاريخ سوريا بعد إعلان الاستقلال عن الانتداب الفرنسي في 1946 متقلباً، حيث شهدت 20 انقلاباً قبل 1970 عندما أطاح حافظ الأسد، وزير الدفاع حينها، بأعضاء حزبه البعث، وفي السنة التالية، أصبح رئيساً.
"لم ينته الصراع"، وفق ما حذر غير بيدرسون، المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا. يريد اللاعبون الإقليميون والعالميون، أن يكونوا "إيجابيين وداعمين، لكن كثيرين يشعرون بالتوتر" من حكومة أنشأتها هيئة تحرير الشام، وهي ميليشيا سنية قادت التمرد، وكانت لزعمائها علاقات سابقة بتنظيم القاعدة وتنظيم داعش. "إنهم يرون جماعة إسلامية تصل إلى السلطة ويتساءلون إذا كانوا سيفون حقاً بما وعدوا به".
Beautiful Sunday mass in Damascus a week after Assad was toppled.
It was an early test of assurances by Syria’s new Sunni Muslim rulers that the rights of minorities will be protected.
Some worshipers said they feared the unknown. Others express cautious optimism.
READ:… pic.twitter.com/g6bVn9wcST
لاحظ بيدرسن أن الخطر يكمن في سيناريو ليبيا. بعد الإطاحة بمعمر القذافي في 2011، قاتلت حكومتان متنافستان في طرابلس وبنغازي. ولم تسر تحولات أخرى بعد الثورات العربية بشكل جيد.
عالم الجهادية دائم التبدل أضافت الكاتبة أن زعيم هيئة تحرير الشام الكاريزمي المعروف باسمه الحربي أبي محمد الجولاني تعهد بتجنب تكرار الأخطاء التي أدت إلى الحرب الأهلية في العراق، حيث فكك الاحتلال الأمريكي في 2003، الجيش وحظر حزب البعث. وقد أدت هذه الخطوات إلى ظهور ميليشيات معادية لأمريكا، بما فيها الجماعات التي انضم إليها الجولاني.فقد قاتل مع تنظيم القاعدة في العراق، وفي 2005 احتجزته القوات الأمريكية في سجن بوكا سيئ السمعة، حيث التقى بأبي بكر البغدادي، مؤسس داعش، الذي أرسله لاحقاً لتأسيس فرع سوري لتنظيمه. في عالم الجهادية المتطور باستمرار، أبعد الجولاني منذ ذلك الحين هيئة تحرير الشام عن القاعدة وداعش.
وفي لفتة رمزية، عاد إلى اسمه الحقيقي، أحمد الشرع. مع ذلك، بشر بسقوط الأسد باعتباره "انتصاراً للأمة الإسلامية". ولا تزال الولايات المتحدة ترصد مكافأة بـ10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقاله، كما أن هيئة تحرير الشام مدرجة على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية. تطور خطير
في اجتماع الدوحة الذي عُقد قبل يوم من سقوط الأسد، وصف موفدو روسيا، وتركيا، والسعودية، والعراق، ومصر، والأردن، وقطر الأزمة السورية بـ "تطور خطير" على الأمن الدولي. وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إن على الحكومة الجديدة أن تعامل جميع الأديان والأعراق على قدم المساواة، وأنه لا يجب أن تتسامح مع "الانتقام".
The scramble is on to define the future of Syria, quickly, to prevent ethnic, political, and sectarian rivalries from triggering a war even more divisive than the conflict that has riven the nation for 13 years, @wrightr writes. https://t.co/4VIayTFyAH
— The New Yorker (@NewYorker) December 15, 2024وقالت إدارة بايدن إنها مستعدة للاعتراف بحكومة جديدة إذا كانت "موثوقة وشاملة وغير طائفية". ومع ذلك فإن قوات سورية هي التي أطاحت بالأسد، وبالتالي لم يتضح النفوذ الذي ستمارسه أي حكومة أجنبية في دمشق، باستثناء النفوذ الاقتصادي. وفرضت الولايات المتحدة عقوبات قاسية على سوريا بسبب الإرهاب والقمع.
طغيان الشك في خطوة أولى، عينت هيئة تحرير الشام محمد البشير، المهندس الذي أدار حكومة الهيئة الإقليمية في شمال إدلب، رئيساً للوزراء لمدة ثلاثة أشهر تقريباً. بالنسبة إلى بقية العالم، يظل قرار الأمم المتحدة 2254 الأساس القانوني للفترة الانتقالية، وهو يدعو إلى دستور جديد وانتخابات حرة تمتد على مدى 18شهراً. لكن هذا كان مكتوباً منذ 9 أعوام.الآن يتحرك الوقت بسرعة أكبر بكثير في بلد ينهار اقتصاده وتشر ملايين فيه أو أجبروا على المنفى. وتقول سوسن أبو زين الدين التي تقود منظمة "مدنية"، وهي مظلة لمئتي مجموعة من منظمات المجتمع المدني السوري: "يتعين علينا أن نقبل بالاضطراب لأنه جزء من العملية. نحن جميعاً نعتمد على حسن النية، لكننا لا نستطيع أن نعتمد على حسن النية لفترة طويلة".
انتشر هذا الشعور بالشك في جميع أنحاء المنطقة. فقد أصبح لتنظيم داعش وجود سري متزايد مرة أخرى في سوريا؛ وشنت الولايات المتحدة أكثر من 75 غارة جوية لمنعه من استغلال الاضطرابات. وتتصاعد التوترات بين تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، وقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، والتي يدعمها تحالف تقوده الولايات المتحدة. تسيطر قوات سوريا الديمقراطية الآن على ثلث سوريا. تحول تكتوني
مع سقوط الأسد، عبرت دبابات وقوات إسرائيلية إلى سوريا، واستولت على 150 ميلاً مربعاً من مرتفعات الجولان، وهي منطقة منزوعة السلاح تراقبها الأمم المتحدة منذ 1974، في جزء من وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة بعد الحرب بين إسرائيل وسوريا. كما شنت إسرائيل ما يقرب من 500 غارة جوية على البحرية والجيش والقوات الجوية السورية.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو: "ليس لدينا نية للتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا، لكننا نعتزم بالتأكيد عمل كل ما هو مطلوب لضمان أمننا. وكما وعدت، إننا نغير وجه الشرق الأوسط".
كان التحول التكتوني في ميزان القوى واضحاً عندما سحبت إيران آخر دبلوماسييها من سوريا مع نهاية الاجتماع في الدوحة. وفي واحدة من أولى خطواتهم، اقتحم المتمردون ضريح حافظ الأسد، وأشعلوا النار فيه.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية سقوط الأسد الولایات المتحدة هیئة تحریر الشام
إقرأ أيضاً:
ترامب يخاطر بتحويل الولايات المتحدة إلى دولة مارقة
"أعتقد أن الرئيس المنتخب يمزح قليلاً"، هكذا علّق السفير الكندي في واشنطن على اقتراح دونالد ترامب الأول بأن تصبح كندا الولاية الـ51 للولايات المتحدة.
هذه "المزحة" المهددة، يقول الكاتب جدعون ريتشمان، هي إحدى وسائل ترامب المفضلة للتواصل. ولكن الرئيس المقبل تحدث مطولاً عن طموحه في ضم كندا إلى الولايات المتحدة، لدرجة أن السياسيين الكنديين بدأوا يأخذون هذه الطموحات على محمل الجد ويرفضونها علناً.هل هي مزحة؟
ويشير ريتشمان في مقاله بصحيفة "فايننشال تايمز" إلى أن الكنديين يشعرون ببعض العزاء في أن ترامب استبعد غزو بلادهم، مهدداً بدلاً من ذلك باستخدام “القوة الاقتصادية”. ومع ذلك، رفض ترامب استبعاد استخدام القوة العسكرية لتحقيق طموحاته بـ"استعادة" قناة بنما والسيطرة على غرينلاند، التي تُعد منطقة تتمتع بالحكم الذاتي وتتبع الدنمارك.
ويتساءل الكاتب: "هل هي مزحة أخرى خفيفة الظل؟ المستشارة الألمانية ووزير الخارجية الفرنسي اعتبروا تهديدات ترامب جادة بما يكفي لتحذيره من أن غرينلاند مشمولة ببند الدفاع المشترك في الاتحاد الأوروبي. بمعنى آخر، قد يجد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة نفسيهما، نظرياً، في حالة حرب بسبب غرينلاند".
أنصار ترامب والمتحمسون له يعاملون الموضوع كأنه نكتة ضخمة. فقد أعلنت صحيفة "نيويورك بوست" عن "مبدأ دونرو" الجديد، على غرار "مبدأ مونرو" في القرن التاسع عشر، مع إعادة تسمية غرينلاند بـ"أرضنا". وعلّق عضو الكونغرس الجمهوري براندون غيل مازحاً بأن الكنديين، والبنميين، وسكان غرينلاند يجب أن يشعروا بـ"الشرف" لفكرة أن يصبحوا أمريكيين.
Trump risks turning the US into a rogue state - Gideon Rachman https://t.co/6pM9hGpeu0
— FT Opinion (@ftopinion) January 13, 2025لكن حقوق الدول الصغيرة ليست مزحة، بحسب الكاتب، فالاستيلاء القسري أو القهري على دولة من قبل جارة أكبر هو إنذار خطير في السياسة العالمية. فهو علامة على أن دولة مارقة باتت تتحرك. لهذا السبب أدرك التحالف الغربي أهمية دعم مقاومة أوكرانيا ضد روسيا. ولهذا أيضاً نظّم التحالف الدولي حملة لإخراج العراق من الكويت في أوائل التسعينيات.
حرب عالميةكما يضيف الكاتب أن الهجمات على الدول الصغيرة كانت السبب وراء اندلاع الحربين العالميتين الأولى والثانية. ففي عام 1914، عندما كان مجلس الوزراء البريطاني يتصارع حول ما إذا كان سيخوض حرباً مع ألمانيا، كتب ديفيد لويد جورج، الذي أصبح لاحقاً رئيس الوزراء، لزوجته: "لقد ناضلت من أجل السلام… لكنني وصلت إلى قناعة بأنه إذا تعرضت بلجيكا، الدولة الصغيرة، لهجوم من ألمانيا، فكل تقاليدي ستدفعني لدعم الحرب".
بريطانيا وفرنسا رفضتا بشكل مخزٍ حماية تشيكوسلوفاكيا من ألمانيا النازية في عام 1938. لكن خلال عام واحد فقط، أدركتا خطأهما وقدمتا ضماناً أمنياً لبولندا، الجارة الصغيرة التالية في قائمة ألمانيا. وكانت غزو بولندا الشرارة التي أشعلت الحرب.
أنصار ترامب يرفضون بغضب أي مقارنة بين خطابه وخطابات المعتدين من الماضي أو الحاضر. ويزعمون أن مطالبه تهدف فعلياً إلى تعزيز العالم الحر في مواجهة الصين الاستبدادية وربما روسيا أيضاً. وقد برر ترامب طموحاته التوسعية في كندا وغرينلاند وبنما بدواعي الأمن القومي.
هناك أيضاً من يجادل بأن تصريحات ترامب ليست سوى تكتيك تفاوضي. يقول مؤيدوه إنه يمارس ضغطاً على الدول الحليفة للقيام بما هو ضروري لصالح التحالف الغربي. علاوة على ذلك، يزعمون أن العديد من سكان غرينلاند الذين يبلغ عددهم 55 ألف نسمة يسعون إلى الاستقلال عن الدنمارك. وكذلك، أليس الكنديون قد تعبوا من النخب "المستيقظة" غير الكفؤة التي تدير بلادهم؟ يتساءل ريتشمان.
لكن هذه الحجج ضعيفة، مضيفا "من المشروع أن يحاول ترامب إقناع سكان غرينلاند بأنهم قد يكونون أفضل حالاً كأمريكيين. ولكن تهديده باستخدام القوة العسكرية أو الاقتصادية هو أمر مشين. كما أن ادعاءاته بأن العديد من الكنديين يرغبون في الانضمام إلى الولايات المتحدة هي أوهام. فقد رفض 82% من الكنديين هذه الفكرة في استطلاع رأي حديث".
أما من منظور الاستراتيجية الكبرى، فإن تهديدات ترامب لغرينلاند وبنما وكندا هي هدية مطلقة لروسيا والصين. فإذا كان ترامب يمكنه الادعاء بأن السيطرة على غرينلاند أو قناة بنما ضرورة استراتيجية للولايات المتحدة، فلماذا يُعتبر من غير الشرعي أن يدعي بوتين أن السيطرة على أوكرانيا ضرورية لروسيا؟
Ontario Premier Doug Ford gave Donald Trump a "counteroffer" as the President-elect repeatedly calls Canada the "51st state" of America. "How about if we buy Alaska? And we'll throw in Minnesota." pic.twitter.com/uiMH5MlV25
— Newsweek (@Newsweek) January 7, 2025يقول الكاتب: "لطالما حلمت روسيا والصين بتفكيك التحالف الغربي. وها هو ترامب يؤدي هذه المهمة نيابةً عنهما. فمنذ أسابيع قليلة فقط، كان من المستحيل أن يتصور الكرملين أن أكبر مجلة إخبارية في كندا ستصدر تقريراً بعنوان "لماذا لا تستطيع أمريكا غزو كندا". كما أن فكرة لجوء قادة أوروبيين إلى بند الدفاع المشترك في الاتحاد الأوروبي ضد الولايات المتحدة، وليس روسيا، كانت تبدو خيالاً. لكنها أصبحت اليوم حقيقة".
واختتم ريتشمان بالقول: "حتى لو لم ينفذ ترامب تهديداته أبداً، فقد ألحق بالفعل ضرراً هائلاً بمكانة أمريكا العالمية وبنظام تحالفاتها. وهو لم يتولَ منصبه بعد. وقد يبدو من غير المرجح أن يأمر ترامب بغزو غرينلاند. (تماماً كما كان من غير المرجح أن يحاول الانقلاب على نتائج الانتخابات). ومن المستبعد أكثر أن يتم إخضاع كندا للتخلي عن استقلالها. ولكن حقيقة أن الرئيس المقبل يمزق الأعراف الدولية هي كارثة بحد ذاتها. أي استهزاء بـ"مزاح" ترامب هو أمر في غير محله. ما نشهده الآن هو مأساة، وليس كوميديا".