سلام دونه تحديات أم هدوء ما قبل العاصفة؟ كيف بدت دمشق في الأسبوع الأول على سقوط الأسد؟
تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT
بعد أسبوع واحد فقط من الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد على يد المعارضة المسلحة، بدا المشهد في العاصمة السورية دمشق هادئًا، على الرغم من التوقعات باندلاع موجات عنف طائفي، فإن التقارير عن حدوث أعمال انتقامية كانت محدودة جدًا.
من جانبه، قال مبعوث الأمم المتحدة غير بيدرسن خلال زيارته إلى دمشق: "نأمل أن نرى نهاية سريعة للعقوبات حتى نتمكن من رؤية التفاف حقيقي حول بناء سوريا".
وأضاف المسؤول الأممي أن المجتمع الدولي بحاجة إلى العمل بشكل جماعي لإيجاد حلول طويلة الأمد للأزمة السورية، مع التركيز على إعادة الإعمار ودعم عملية السلام.
في الأثناء، بدأ سكان دمشق في استئناف حياتهم اليومية، حيث امتلأت الأسواق بالمتبضّعين وتوافد الناس إلى المطاعم. ورغم هذا النشاط، لا يزال الوضع الأمني يشهد توترات، مع وجود بعض المسلحين في الشوارع.
وفي مطار دمشق، وصل اللواء حمزة الأحمد، رئيس الأمن الجديد، برفقة فريقه. تجمع حوله عدد من عمال الصيانة الذين عبروا عن استيائهم من حرمانهم من الترقيات خلال حكم الأسد. وقال أحدهم: "هذه هي المرة الأولى التي نتحدث فيها بحرية"، في إشارة إلى الانفتاح الذي بدأ يظهر في ظل التغيرات الحالية.
وقد شهد الاقتصاد السوري دمارا كبيرا خلال فترة حكم عائلة الأسد، ما أسهم في ارتفاع معدلات الفقر والتضخم والبطالة، وأثر بشكل عميق على حياة المواطنين.
في هذه الظروف الصعبة، ثمة تحديات كبيرة تواجه المعارضة المسلحة بقيادة أبو محمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام النصرة سابقا والتي أصبحت الآن في موقع المسؤولية. بين مشاعر الحماسة للحرية الجديدة والحزن على سنوات القمع، يظل القلق من المستقبل المجهول يطغى على الكثير من العناصر في صفوفها.
تسعى هذه المعارضة إلى تطبيق الهيكلية الأمنية السائدة في المناطق التي كانت تحت سيطرتها مثل إدلب، لكن الوضع في دمشق يعد أكثر تعقيدًا. فبسبب حجم المدينة وتركيبتها، تبدو مهمة فرض النظام في العاصمة أكثر صعوبة.
رغم هذه التغيرات، كانت هناك مؤشرات على أن الفوضى قد تكون وشيكة. ففي أحد مراكز الشرطة التي تعرضت للحرق والدمار بعد دخول المعارضة المسلحة إلى المدينة في 8 ديسمبر المضي، تم تمزيق صور الأسد وإتلاف الملفات الحكومية.
كما اختفى جميع أفراد الشرطة والأمن الذين كانوا يعملون لصالح النظام السابق، ليبدأ مقاتلو المعارضة في التعامل مع شكاوى المواطنين المتعلقة بالسرقات الصغيرة والمشاجرات.
رغم تزايد الثقة في مرحلة ما بعد الأسد والأمل في حدوث تغيير، بدأت بعض المخاوف تتسلل إلى صفوف المواطنين في دمشق. خاصة مع ظهور مقاتلين من المعارضة المسلحة الذين وضعوا شعارات إسلامية على زيهم العسكري، ما أثار تساؤلات حول النوايا الحقيقية لبعض أطراف المعارضة، ما فتح باب القلق واسعا بشأن مسار التغيير الذي قد يحمل في طياته تحديات جديدة.
وفي هذا السياق، عبّر هاني ضياء، أحد سكان دمشق، عن قلقه من احتمال حدوث هجمات انتقامية ضد الأقليات، قائلاً: "أشعر بقلق كبير من الهجمات الانتقامية التي قد تستهدف الأقليات، وبعض المقاتلين يعتبرون أنفسهم في موقف تفوّق على باقي السوريين".
ورغم هذه المخاوف، يؤكد العديد من المواطنين في دمشق أن الوضع الحالي لا يمكن أن يكون أسوأ من القمع الذي عاشوه طوال سنوات. وفي هذا السياق، قال سالم حجو، مدرس مسرح شارك في احتجاجات 2011: "لقد زال الخوف الآن، وأنا آمل أن أتمكن من المشاركة في بناء سوريا المستقبل".
ورغم انخفاض أسعار بعض السلع نتيجة لإلغاء الرسوم الجمركية التي فرضها النظام السابق، إلا أن البلاد لا تزال تعاني من نقص حاد في الوقود. وقد أدى هذا النقص إلى زيادة تكاليف النقل، فضلاً عن انقطاع الكهرباء لفترات طويلة، ما جعل الحياة اليومية أكثر صعوبة للمواطنين.
في محاولة لتجاوز هذه الأزمات، بدأت المعارضة المسلحة في العمل على إعادة تشغيل مطار دمشق الدولي. حيث بدأت الطواقم الفنية بفحص الطائرات المتواجدة في المطار، بينما عملت فرق التنظيف على إزالة القمامة والأثاث المحطم المنتشر في مختلف أرجاء المرافق العامة.
وفي هذا السياق، قال أحد عمال النظافة، الذي فضل عدم الكشف عن هويته: "أكسب 14 يورو شهريًا فقط، ولدي ستة أطفال، منهم طفل معاق". هذه الكلمات تعكس واقع المعاناة التي يواجهها العديد من السوريين في هذه المرحلة الانتقالية، حيث تسعى البلاد للخروج من فترة طويلة من الصراع إلى مرحلة جديدة دونها تحديات كثيرة.
المصادر الإضافية • أب
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية عرض مالي من الدنمارك للاجئين السوريين: 25 ألف يورو للعودة إلى سوريا بعد سنوات من اللجوء رغم سقوط الأسد.. موسكو على وشك ضمان وجودها العسكري في سوريا من خلال اتفاق مع القيادة الجديدة دروز سوريا في رسالة إلى إسرائيل: "قوموا بضمنا إلى هضبة الجولان" بشار الأسدمحمد البشير الحرب في سورياالجيش السوريدمشقهيئة تحرير الشامالمصدر: euronews
كلمات دلالية: سوريا بشار الأسد إسرائيل روسيا عيد الميلاد إيران سوريا بشار الأسد إسرائيل روسيا عيد الميلاد إيران بشار الأسد محمد البشير الحرب في سوريا الجيش السوري دمشق هيئة تحرير الشام سوريا بشار الأسد إسرائيل روسيا عيد الميلاد إيران فلسطين الحرب في سوريا هيئة تحرير الشام إعصار فيضانات سيول ضحايا دیسمبر کانون الأول المعارضة المسلحة یعرض الآن Next فی سوریا فی دمشق
إقرأ أيضاً:
الشرع وحده لا يكفي.. ماذا ينتظر سوريا؟
برز أحمد الشرع، مؤسس الفرع السوري لتنظيم القاعدة الإرهابي، كزعيم انتقالي لسوريا بعد الإطاحة بحكم الرئيس السابق بشار الأسد، الذي دام 55 عاماً، في حملة عسكرية خاطفة في ديسمبر (كانون الأول) 2024.
مؤيدو الشرع يؤكدون أن تحوله بدأ في إدلب
ورغم ماضيه المتطرف، يسعى الشرع لتقديم نفسه كموحِّد للبلاد، واعداً بإعادة بناء سوريا تحت رايتي الاعتدال والشمولية، ولكن قيادته تواجه تحديات جسيمة، وفق تقرير روبرت إف. وورث، كاتب مساهم في مجلة "ذا أتلانتيك" الأمريكية، منها: العنف الطائفي، والانهيار الاقتصادي، وانعدام الثقة بين الأقليات، ومهمة شبه مستحيلة لإقامة دولة من بين ركام ديكتاتورية، وحرب أهلية دمّرت البلاد لعقود.
Can One Man Hold #Syria Together?
A former jihadist has remade himself in a bid to remake a scarred and divided country. https://t.co/ZhJTcWiFUW
شكَّلَ إسقاط الأسد بحملة عسكرية بزعامة الشرع استغرقت 11 يوماً مفاجأة للعالم، حيث سيطرت قواته، بما فيها تحالف "هيئة تحرير الشام"، على مدن كحلب ودمشق بضبط نفس مدهش، متجنبة الانتقام الدموي المُتوقَّع من جماعة سابقة للقاعدة.
وفي حلب، روى مسيحيون تعاملاً محترماً من مقاتلي هيئة تحرير الشام، الذين وزعوا الطعام وحافظوا على الهدوء، وتناقض هذا الانضباط بوضوح مع الصورة النمطية للجماعات الإرهابية.
وفي خطاب تنصيبه بدمشق، قدم الشرع نفسه كـ"ابنٍ بار" لـ"أمٍّ حزينة" (سوريا)، مُتعهداً بملء فراغ السلطة ومنع أعمال الانتقام. إن تحوُّله من قائد متشدد – معروف سابقاً بلقب "أبو محمد الجولاني" – إلى رجل دولة أنيق يرتدي بذلات حديثة يرمز لمحاولته كسب الشرعية.
قال الشرع في خطابه محاولاً الابتعاد عن ماضيه العسكري: "قد تُسقِط الثورة نظاماً، لكنها لا تبني دولةً".
العنف الطائفي وتحديات الحكم
ورغم وعود الشرع، أصبحت الأقلية العلوية – طائفة الأسد – هدفاً للخطف والمجازر.
وما زالت الأقليات، كالمسيحيين والدروز، يشعرون بالتوجس من جذور الشرع، روى القس فراس اللطفي كيف أخفى رجالاً شيعة خلال سقوط دمشق.
ويسود القلق موقف الشرع الغامض من مستقبل سوريا، إذ يعد بالشمولية، ويتجنب التصريح بالديمقراطية. وحين سُئل عن تبني الديمقراطية، أجاب: "إذا كانت تعني أن يختار الشعب حكامه، فنعم".
ولا شك في أن وجود عناصر متطرفة داخل تحالف الشرع يُضعف صورته المعتدلة.
وظهرت التناقضات الأيديولوجية داخل النظام من خلال تعيينات مثيرة للجدل، مثل وليد كبولة، وهو المشرف التعليمي الذي دعا إلى "تطهير سوريا من العلويين والشيعة واليهود".
إعادة الإعمار والانهيار الاقتصادي
وتعاني بنية سوريا التحتية من الخراب. تفتقر المدارس إلى الورق والتدفئة؛ يتقاضى المعلمون 20 دولاراً شهرياً. وفي مستشفى ابن سينا النفسي قرب دمشق، يرتجف المرضى خلف القضبان، ويعيشون على تبرعات الطعام بينما توزع الممرضات السجائر لتهدئتهم. تساءلت ممرضة: "من سيبقى مع مجانين دون حصوله على راتب؟"
Many Syrians agree that after 14 years of brutal civil war, there is now a need for a strong pair of hands that can keep the country together.
✍️ Daniel Thorpe https://t.co/dgJNNJQXoZ
ويعاني الاقتصاد المُنهك بالحرب والعقوبات من العزلة. اعتماد الأسد على تجارة الكبتاغون خلّف إرثاً ساماً. داهمت قوات الشرع مستودعات تخزين كان يسيطر عليها ماهر الأسد (شقيق بشار)، وأحرقت كميات ضخمة من المخدرات. لكن تحويل الميليشيات المعتمدة على التهريب لخدمة الجيش والدولة تحدّ لا يعرف أحد نتيجته.
تؤدي العقوبات الدولية، المفروضة بسبب تصنيف هيئة تحرير الشام كإرهابية، إلى خنق سبل التعافي. ويُحجم الغرب عن تقديم المساعدة برغم مناشدات الشرع. أما تركيا، الداعم الرئيس، فتفتقر للأموال اللازمة، بينما تباطأت وعود الخليج.
وحذر محللون من أن "فشل الشرع في إنعاش الاقتصاد سيؤدي إلى تفكيك تحالفه" متخيلين سيناريو ليبي من الفوضى.
مناورات سياسية ووحدة هشة
برعت حنكة الشرع في صفقاته السياسية كالاتفاق مع الأكراد. وفي مارس (آذار) 2024، منح حكماً ذاتياً للشمال الشرقي، مُدمجاً ميليشياتهم المدعومة أمريكياً في الدولة. وأُطلقت الأفراح أعيرة نارية، لكن التوترات باقية: الأكراد يسيطرون على النفط، والمفاوضات المستقبلية ستختبر مدى ولائهم. أما الدروز فيقاومون الاندماج. طالب زعيمهم الشيخ حكمت الحجري بـ"دولة قانون" قبل نزع السلاح. وفي إدلب، أظهرت تجربة "شبه الدولة" بزعامة الشرع نجاحاً؛ فقد كبح المتطرفين، وأقام المحاكم وأعاد الخدمات.
التصور الشعبي: أملٌ مقابل شكوك
السوريون منقسمون. بعضهم، كالمصور ضياء السيد، يرون الشرع "صاحب رؤية". كان ضياء موثِّقاً جيداً لجرائم الأسد، وأشاد بجهود الشرع وتركيزه على "طي الصفحة". أما آخرون، وخاصة العلويين، فيرونه "ذئباً في ثياب حمل". وقال ناشط علوي: "نخشى أن يظهر الجولاني الذي بداخل الشرع".
مؤيدو الشرع يؤكدون أن تحوله بدأ في إدلب، حيث حكم بنزعة براغماتية. أقام "ديوان مظالم" لمعالجة شكاوى المواطنين، وتقبل الاحتجاجات سواء إسلامية أو علمانية. "تعامل بحكمة مع الحركات"، هكذا قال الجراح خلدون الملاّح، الناجي من وحشية تنظيم داعش الإرهابي.
وأشارت المحللة السياسية دارين خليفة إلى تحوله التدريجي بقولها: "إنه إسلاموي براغماتي يقرأ سياسات المنطقة".
أمة عند مفترق طرق
وحذر معد التقريرمن أنه إذا تعثر الإعمار، فقد يصبح الفشل الليبي نموذجاً محتملاً لمستقبل سوريا. وتعتمد عملية التعافي الاقتصادي بشكل حاسم على المساعدات الخارجية ورفع العقوبات، لكن الغرب تساوره شكوك كبيرة بشأن المستقبل السوري.
وتواجه قيادة أحمد الشرع تحدياً رئيساً يتمثل في التوفيق بين ماضيه العنيف وصورته الحالية كرجل دولة. ورغم أن كاريزميته وقدرته على إبرام الصفقات توفر أساساً هشاً للوحدة الوطنية، فإن الانقسامات العميقة في سوريا - بسبب التوترات الطائفية والانهيار الاقتصادي والتدهور المؤسسي - تشكل تهديداً وجودياً.
ويكمن الاختبار الأهم للشرع، وفق الكاتب، ليس في المجال العسكري، بل الأخلاقي: هل يستطيع، بصفته جهادياً سابقاً، إعادة تشكيل نفسه كقائد لإعادة بناء سوريا؟، أم أن إرث سجون الأسد و"دولة الخلافة" سيبقى يطارد مستقبل البلاد؟ الإجابة تتوقف على قدرته على تجاوز ماضيه وإقناع الشعب بالسير في الاتجاه ذاته.