موقع 24:
2025-04-24@08:07:00 GMT

إطلالة الشرع..وكؤوس السم

تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT

إطلالة الشرع..وكؤوس السم

نادراً ما تتّجه الأنظار المحلية والإقليمية والدولية إلى رجلٍ واحد. هذا يحدث فقط عند المنعطفات الكبرى. ليس بسيطاً على الإطلاق أن يطلَّ شاب أربعيني من ساحة المسجد الأموي في دمشقَ ليطويَ صفحةَ ما يزيد عن نصف قرن من حكم عائلة الأسد. اقتلاع البعث السوري بأيدٍ سورية حدثٌ قد يفوق في تداعياته ما رتَّبه على العراق والمنطقة اقتلاعُ تمثال نظام صدام حسين على يد الغزو الأمريكي.


كان المشهد هائلاً أو رهيباً. أحمدُ الشرع في باحة المسجد الأموي وبشارُ الأسد افتتح تقاعدَه في المنفى الروسي. ضاعف الإثارة أن الشرعَ ليس رجلاً مجهولاً. عرفه العالم من قبل بكنيته أبو محمد الجولاني. كان الرجل مطلوباً وتابع كثيرون أخبار رحلته مع أبو مصعب الزرقاوي وأبو بكر البغدادي وافتراقه عنهما في محطات لها رنةٌ كبرى تحت عناوين القاعدة وداعش والنصرة وصولاً إلى هيئة تحرير الشام.
ومن حقّ السوريين وأهلِ المنطقة والعالم أن يسألوا عمَّا يدور في مخيّلة الرجل وأوردةِ رأسه. أولُ الأسئلة ماذا يريد الشرع وهل تبديلُ الزِّي يعكس تغييراً في القاموس ومفرداته؟ أي سوريا يريد؟ وهل يستطيع إدارةَ غابة البنادق التي حملته إلى دمشقَ ومنحته لقب «الرجل القوي» في سوريا ربَّما بانتظار الألقاب المقبلة؟ هل يستطيع منعَ جموح رفاق له يبحثون عن حرب هنا أو انغماس هناك؟ هل تغيَّرت هيئة تحرير الشام أثناء كمونِها على مدى سنوات في معقل إدلب؟ وهل باتت مستعدةً للتصالح مع حقائق التركيبة السورية والموازين الإقليمية والشروط الدولية؟ وثمة من يعتقد أنَّ سوريا تستطيع مرافقة أحمد الشرع بنسخته الجديدة لكنَّها لا تستطيع الإقامة في ظل النسخة التي كانَ يمثلها أبو محمد الجولاني.
أسئلة. أسئلة. أسئلة. هل تتوفر حالياً شروطُ قيامِ سوريا المبنيةِ على المواطنة والمؤسسات؟ سوريا التي تعيش في ظلّ دستور يحترم التعدديةَ وحق الاختلاف. سوريا المبنية على القانون والعدالة بلا انتقام أو تصفية حسابات. ماذا عن السُّنة والعلويين والدروز والمسيحيين، وماذا عن العرب والأكراد؟ وماذا عن حقوقِ الإنسان وحقوق المرأة والحرياتِ الشخصية ومناهج التعليم؟ سوريا موحدة تهجسُ بمكافحة الفقر والالتحاق بقطار التَّنمية والتقدم. سوريا التي تعيش داخل حدودِها من دون أوهام دور إقليمي اقتحامي وتصدير نموذج لا يريده جيرانُها. وما علاقة سوريا بالحاضنة العربيةِ ومع إيران وتركيا وما هو موقفها من إسرائيل؟ أرسلَ الشرع رسائلَ تطمينية لكنَّها تحتاج إلى عبارات أوضح ومفردات أكثر صراحة.
أطل الشرع من ساحة الأمويين فاكتملت ملامحُ الزلزال. سوريا بلا الأسد. وبلا إيران. وبلا حزب الله. أرغم محور الممانعة على سلوك طريق التقاعد، على الأقل في الوقت الحاضر. طريق طهران بيروت التي أنفق قاسم سليماني دماً وملياراتٍ وسنوات لتعبيدها قُطعت على نحوٍ محكم. أعادَ سقوط الأسد حزب الله إلى الخريطة اللبنانية وها هو زعيمه يعترف بخسارةِ طريق الإمداد وهي كانت طريق دوره الإقليمي. إنَّنا أمام سوريا أخرى ولبنان آخر.
دقَّت إطلالة الشرع جرسَ الإنذار في العواصم القريبة. سوريا مربوطة بشرايين المنطقة ومستقبلها يمسُّ الأمنَ والاستقرار والتوازنات. خشيت بغداد أن يثيرَ انقلاب المعادلات في سوريا شهيةَ من يحنون إلى قلب المعادلات في العراق. خشيت عمّان أن تكونَ سوريا على أبواب مواعيد شائكة فعبَّر لقاء العقبة عن رغبةٍ عربية ودولية في احتضان «عملية سياسية جامعة» تفضي إلى سوريا تتَّسع لكل مكوناتها. الجمهورية اللبنانية المقطوعة الرأس عاودتِ البحثَ عن رئيس وهي تتساءل عمَّا إذا كان «حزب الله» استوعبَ "الدرس المرير الذي يجب أن نتعلَّم منه"، على حد قول قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي.
لإطلالة الشرع نكهةٌ إقليميةٌ صريحة. لم تُخفِ تركيا دورَها في إطاحة الأسد الذي رفضَ دعوات متكررةً لمصافحة رجب طيب إردوغان. بدا واضحاً أنَّ الزعيم التركي لعب دوراً حاسماً في إقناع روسيا وإيران بتجرّع كأسِ السُّم. تنازلت روسيا عن الرجل الذي تدخلت عسكرياً لإنقاذه. وتنازلت إيران عن المعبرِ السوري إلى لبنان. لعبت إيرانُ دورَ المرشد في عهد الأسد. وقد تلعب تركيا دورَ المرشد في عهد الشرع. لكن لا بد من الانتظار لمعرفة ما وفَّره إردوغان من ضمانات وضمَّادات لروسيا وإيران في مقابل تنازلهما عن دعم الأسد.
بعد رحيل الأسد تصرَّفت إسرائيلُ بعدوانية صارخة. دمَّرت آخرَ قدرات الجيش السوري. بدا أنها تتوقَّع أن تكونَ سوريا الجديدة مصدراً للأخطار لا للاستقرار وتعاملت مع إطلالة الشَّرع كأنَّها مجردُ إطلالة للجولاني. هل ستتولى تركيا رعايةَ بناء الجيش السوري الجديد وتسليحه؟ وهل تقبل إسرائيل بأن ترابطَ تركيا عند حدودها بعدما خاضت حرباً طويلة لإبعاد إيران عن هذه الحدود؟ وهل تقبل إيرانُ بالأرجحية الإقليمية للدور التركي أم تراهن على انتكاسِ الوضع السوري الجديد للتسرب إليه؟
لم يذرفِ العالمُ دمعةً على جمهورية الكبتاغون. أهوالُ الظلمِ والقتل والتعذيب في سجن صيدنايا لم تترك مجالاً لأي أسف. مشهدُ مكبسِ الجثث على الشاشات هزمَ مخيلاتِ أفضل كتاب روايات القسوة. سيستفيد الوضعُ الجديد في سوريا من هذه الإداناتِ السوريةِ والعربية والدولية لماراثون الوحشية الذي قادَه جلاوزةُ الأمنِ وأقام طويلاً. لكن المستقبل أهم من الماضي وستكشف الشهور المقبلة إذا كانت سوريا فتحتِ النافذةَ على المستقبل.
وزعت إطلالةُ الشرع كؤوسَ السّمِ على النّظام وحلفائه ويبقى الأهم إبعادُ سوريا عن كؤوس الفوضى والعنف والإرهاب والاحتراب الأهلي بين المكونات.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية سقوط الأسد الحرب في سوريا

إقرأ أيضاً:

لماذا اُختير الشرع ضمن أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم؟

شهد الشرق الأوسط، منذ مطلع الألفية الثالثة، سلسلة من الأحداث الكبرى التي أعادت تشكيل معالمه الجيوسياسية، وأنظمة الحكم في بعض دوله، والسياسات الدولية في المنطقة.

يبرز سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كأحد أهم هذه الأحداث. هذا الحدث لم يُنهِ فقط أكثر من خمسة عقود من حكم عائلة الأسد وحزب البعث، ولم يُحدث هزة جيوسياسية إقليمية فحسب، بل جلب إلى السلطة شخصية استثنائية، هي أحمد الشرع، الذي غيّر سوريا وتغير معها.

لذا، لم يكن مفاجئًا أن تختار مجلة "تايم" الأميركية الشرع ضمن قائمة أكثر مئة شخصية سياسية عالمية تأثيرًا لهذا العام.

تستند معايير "تايم" في تصنيفاتها السنوية إلى التأثير القيادي، والتغييرات الملموسة التي يُحدثها الأفراد على بلدانهم والمنطقة والسياسات الدولية. تنطبق هذه المعايير على أحمد الشرع، لكن اختياره هذا العام يحمل دلالات تتجاوز المعايير التقليدية.

فهذه هي المرة الأولى التي تُدرج فيها المجلة شخصية ذات خلفية إسلامية سابقة ضمن قائمة الزعماء المؤثرين عالميًا. على سبيل المثال، أدرجت "تايم" بشار الأسد في عام 2013 ضمن الشخصيات المؤثرة لقيادته بلدًا في خضم صراع جيوسياسي كبير عليه، لكنه لم يمتلك خلفية مشابهة للشرع.

إعلان

من ناحية أخرى، يُسلط اختيار الشرع الضوء على اهتمام العالم بمساعيه لتجاوز الماضي وإثبات قدرته على إدارة سوريا وتوحيدها وبناء دولة جديدة، وعلى التعامل مع التحديات الجيوسياسية التي تجذب العديد من الفاعلين الإقليميين والدوليين.

تعتمد "تايم" في تصنيفها على معايير التأثير العالمي والإنجازات التي تغيّر الأحداث أو السياسات أو المجتمعات، سواء كان هذا التأثير إيجابيًا أو سلبيًا.

يُبرز تصنيف الشرع جهوده الدعائية لتقديم صورة جديدة عنه للعالم. منصات مثل "تايم" لا تكتسب أهميتها من مصداقيتها فحسب، بل من تأثيرها على نظرة صانعي القرار في العالم للتحول السوري.

وفي معرض تفسير اختيارها، وصفت "تايم" الشرع بأنه يوازن بين المتشددين الذين قادهم سابقًا، والليبراليين السوريين الذين رحبوا بسقوط الأسد، مشيدةً بتجربته في حكم شمال غرب سوريا وتواصله مع الأقليات الدينية في المنطقة.

هذا التصنيف يروّج للشرع كزعيم سوري يطمح لقيادة بلاده مع مراعاة تنوعها الديني والعرقي والثقافي، وتأثيرها الإقليمي الكبير. وعلى الرغم من أن معايير "تايم" لا تسعى بالضرورة لإضفاء طابع إيجابي أو سلبي على الشخصيات العالمية، فإن تصنيف الشرع يميل إلى الإيجابية، بالنظر إلى التحول الكبير في شخصيته منذ توليه السلطة في سوريا.

كانت صورته مثيرة للجدل في الأوساط الدولية حين تولّى قيادة هيئة تحرير الشام، إذ ارتبط اسمه آنذاك بمشاريع عابرة للحدود أثارت كثيراً من التحفظات. لكن مع مرور الوقت، أعاد تموضع رؤيته لينخرط في مشروع سوري الطابع، يركّز على الأهداف المحلية للثورة، وعلى رأسها إسقاط النظام القائم، الذي ترسّخ عبر القمع والاستبداد والبنية الطائفية.

كونه الشخصية العربية الوحيدة في فئة القادة ضمن قائمة "تايم"، إلى جانب شخصيات عالمية مثل الرئيس الأميركي دونالد ترامب والملياردير إيلون ماسك، يعزز التصنيف مكانة الشرع كرمز للقيادة العربية المؤثرة عالميًا.

إعلان

ويعكس التصنيف أهمية التغيير الذي قاده في سوريا على محيطَيها العربي والإقليمي، وعلى المصالح الدولية في الشرق الأوسط. علاوة على ذلك، يشير التصنيف إلى تحول في السردية الدولية تجاه الثورة السورية، من تصويرها كصراع أهلي طائفي أدى إلى عودة خطر الإرهاب، إلى الاعتراف بها كحركة أحدثت تغييرًا جذريًا، وخلقت فرصة تاريخية لتحويل سوريا من معضلة مزمنة إلى قيمة جيوسياسية تدعم استقرار المنطقة وتتماشى مع المصالح الغربية.

وفي ضوء ذلك، يُمكن النظر إلى تصنيف "تايم" على أنه مؤشر إضافي على التقبل العالمي المتزايد لحقيقة أن الشرع لديه طموحات تستحق الاعتراف بها وبحاجة إلى فرصة لإثبات نواياه وحقيقة اعتداله.

أسهم الصراع في سوريا في تشويه النظرة الدولية إلى الواقع السوري بشكل كبير. فقد قامت هذه النظرة، في الغالب، على مجموعة من التصورات التي أضرت بالثورة السورية وبسياسات المجتمع الدولي تجاه سوريا.

من ذلك، على سبيل المثال، التركيز المبالغ فيه على البعد الطائفي للثورة على حساب الأبعاد الاجتماعية العميقة التي دفعت الشعب السوري للانتفاض ضد نظام بشار الأسد، فضلًا عن إغفال الأبعاد المحلية للصراع لصالح الاعتبارات الجيوسياسية.

بعد الإطاحة بنظام الأسد، تسعى العديد من الدول الغربية إلى تجاوز هذه التصورات، أو على الأقل الحد من تأثيرها كمحدد رئيسي لسياساتها تجاه سوريا. وتعمل هذه الدول على إعادة توجيه جهودها نحو دعم سوريا في انتقالها نحو بناء دولة جديدة، مع ضمان عدم عودتها إلى دوامة الصراع.

غير أن الاعتبارات والتحفظات السائدة تجاه الشرع ما تزال تُسهم في تقييد توجه عدد من الدول الغربية نحو اعتماد سياسة أكثر انفتاحًا ومرونة حيال الواقع السياسي الجديد.

في هذا السياق، يمكن أن يسهم تصنيف مجلة "تايم" بشكل جزئي في تبديد هذه النظرة الحذرة، وتشجيع المجتمع الدولي على التركيز على الفرص التي توفرها قيادة الشرع لسوريا، بدلًا من التركيز على المخاوف.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • الشرع يكشف عن الرد الروسي على تسليم الأسد
  • الأمن السوري يلقي القبض على مجموعة شاركت بهجمات الساحل  
  • الشرع يكشف للإعلام الأمريكي عن الاطراف التي سوف تتضرر في حال وقعت في سوريا أي فوضى
  • عاجل | الرئيس السوري لنيويورك تايمز: أي فوضى في سوريا ستضر بالعالم أجمع وليس دول الجوار فقط
  • سوريا.. اعتقال ضابط كبير بمخابرات الأسد متهم بـ جرائم حرب
  • سوريا: القبض على أحد أبرز ضباط المخابرات الجوية في نظام الأسد
  • لماذا اُختير الشرع ضمن أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم؟
  • أنباء عن اعتقال الأمن السوري لمسؤوليْن في حركة الجهاد الإسلامي
  • حسين الشرع.. تعرف إلى والد الرئيس السوري
  • سوريا الشرع وترويض النمرة