عربي21:
2025-01-15@20:42:46 GMT

سؤال عبثي: ربيع عربي أم مؤامرة كونية؟

تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT

بسقوط نظام الأسد في سوريا، طفا مجدّدا سجال النخب العربية، ومعها جمهور مواقع التواصل الاجتماعي، حول حقيقة ما تشهده المنطقة منذ نهاية عام 2010، ولا تزال فئات واسعة تبذل جهدها في تثبيت سيناريو المؤامرة الكونية للإطاحة بأنظمة حكم وظيفية في عمومها، ظلّت طيلة عقود منذ سبعينيات القرن العشرين في خدمة المصالح الأجنبية.



يحاول عرّابو المؤامرة تناسي حجم المعاناة التي كابدها التونسيون والمصريون واليمنيون والليبيون والسوريون في ظل حكم بن علي ومبارك وصالح والقذافي وعائلة الأسد، لاستبعاد فرضيّة إرادة الشعوب المطحونة في الانعتاق من قبضة أنظمة حكم فاشية شمولية، كانت تنتمي إلى عصر بائد خارج إحداثيات التاريخ والجغرافيا.

ينبغي الاتفاق على أن الأمريكيين والأوروبيين لا يرغبون في صناعة تحوّل ديمقراطي حقيقي في الإقليم العربي، بل ما يهمّهم فقط هو ضمان حد أدنى من الاستقرار يضمن خدمة مصالحهم وعدم تشكيل أي تهديد فعلي على ربيبتهم الكيان الصهيوني، لذلك من غير المنطقي الادّعاء أنهم كانوا وراء انتفاضة شعوب المنطقة قبل 14 عاما للتخلّص من أنظمة بالية لم تكن في غالبها سوى حليف وظيفي مهم.

إن ما حصل في واقع الحال كان نتيجة طبيعية لعقود من التسلّط والاستبداد والفساد والفشل الذريع، ليس في تحقيق التنمية الاقتصادية ومستوى الرفاهية الاجتماعية المطلوبة، بل الإخفاق في مأسسة الدولة الوطنية وبنائها على أسس القانون والعدالة والمواطنة وتنظيم آليات التداول على السلطة بطرق سلمية حضارية تحتكم لإرادة الشعب السيدة.

عكس ذلك، فإنّ تلك الأنظمة الفاشلة لم تكتف بخيانة الأمانة الوطنية التي آلت إليها في ظروف تاريخية مختلفة، فتقاعست عن خدمة شعوبها وفق الإمكانات المتاحة وتطلّعات العصر، بل راحت تكرّس حكم الفساد والريع واحتكار السلطة والثروة بالتخطيط للتوريث الفردي والانتقال من نموذج حكم الأقلية التسلطية إلى حكم العائلة المستبدّة (بشار الأسد وجمال مبارك وسيف الإسلام القذافي وعلي عبد الله صالح..)، وهي قطرة السمّ التي أفاضت كأس الشعوب الممتلئ غضبا بشعور المهانة والتهميش، لتندلع شرارة الثورات من سيدي بوزيد في جنوب تونس في ديسمبر 2010 ولا تزال شظاياها ملتهبة إلى يوم الناس هذا.

تلك هي الحقيقة الأولى والمفتاحية في فهم ما جرى، أما ما وقع من تفاعلات في غضون الأحداث وبعدها، وما عاشته من تطوّرات غير مرغوب فيها، فلم تكن في الواقع سوى ممارسات ثورات مضادة أو انحرافات بفعل تطرّف أنظمة القمع أو ركوب موجات أو استغلال من أطراف خارجية وإقليميّة تشتغل ضد حرية الشعوب العربية وبحثا عن تأمين أجنداتها الخاصة.
المسؤولية التاريخية والأخلاقية ستبقى عبئا على كاهل أنظمة الفساد والاستبداد
هذا يعني أن المسؤولية التاريخية والأخلاقية ستبقى عبئا على كاهل أنظمة الفساد والاستبداد، لأنّها المتسبّب الرئيس في صناعة الأحداث ابتداء ثم تداعياتها لاحقا، بالفشل في تحقيق تطلُّعات الشعوب في الحرية والكرامة وعدم التناغم مع أشواق الأجيال الجديدة التي لم تعد تنطلي عليها شعارات كاذبة باسم الوطنية أو القومية ونصرة فلسطين.

لم يكن قدر الشعوب العربية في تلك البؤر الثورية العيش تحت ظلم أنظمة فاشية فاشلة مدى الحياة، مستسلمة أمام مصيرها المحتوم، أو الدخول في حرب أهلية تنسف كيان الدولة من البنيان والسقوط في مخططات الآخرين، بل كل ما تطلعت إليه هو صناعة التغيير والإصلاح السياسي والاقتصادي، لتعيش مثل كل الأمم المتمدّنة، واثقة من حاضرها وآملة في مستقبل أفضل، غير أن مكر أجهزة الدولة العميقة، بدعم من أنظمة إقليمية أخرى، لحسابات ضيقة، انقلب على رغبة الشعوب السلميّة وصادر حقها في الحرية الآمنة، قبل إدخالها في دوامة الفوضى الدستورية والأمنيّة.

هل يعفي كل ذلك الشعوب العربية المنتفضة منذ 2010 ونخبها الفاعلة من المسؤولية الوطنية؟ قطعا الجواب: لا، لكن محاولة تجريم ثورات الكرامة، بذريعة تحوّلها إلى العسكرة المشبوهة أو الاضطراريّة وتعرّضها للاختراق الخارجي، ليس سوى تبرير مكشوف، للدفاع عن استمرار أنظمة بائدة هي التي شكّلت أكبر خطر ضدّ الدولة والمجتمع، ولم ينفع تأخير سقوطها في حماية الوطن، بل زاد من تكلفة التغيير المشروع، بفعل تراكم الأخطاء وعامل الزمن.

عود على بدء، فإنّ تلك الأنظمة العربية لم يكن أمام شعوبها من خيار آخر سوى الإطاحة بها، بغضّ النظر عن الطريقة والتداعيات التي ورّطها فيها الآخرون أحيانا، ولاشكّ أن الشعوب الحرّة ستتعلم من تجاربها المريرة، إذ أن عمر الانتقال الحضاري في سيّاقات تاريخية معقدة لا يقاس بالسّنوات ولا حتى بالعقود، بل هو مسار متشابك من الوعي والتراكم النضالي سيفضي إلى إرساء الإصلاح على قاعدة صلبة ولو بعد حين من الدهر، عندما تتوفر كل شروط الاجتماع السياسي وسننه الكونيّة.

الشروق الجزائرية

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا المؤامرة سوريا الربيع العربي المؤامرة سقوط الاسد مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة صحافة اقتصاد سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

القفز من عالمنا القديم إلى عالم جديد: سقوط مفهوم الدولة الوطنية وملحقاته

القفز من عالمنا القديم إلى #عالم_جديد: سقوط مفهوم #الدولة_الوطنية وملحقاته

بقلم : د. #لبيب_قمحاوي

التاريخ: 14/ 1/ 2025

lkamhawi@cessco.com.jo

مقالات ذات صلة حكومة حسان بعد 100 يوم .. 153 قرارًا للحكومة خلال 100 يوم من تشكيلها 2025/01/14

يتجه العالم الحالي نحو نمط جديد من العلاقات بين دوله بشكل عام خصوصاً الكبرى منها . الآن ، وبعد أن استنفذ العالم القديم أدواته وأساليبه ومؤسساته بشكل أدى إلى إفراغها من أية فعالية ، وجعل منها في كثير من الأحيان عقبة أمام أهداف ومصالح الدول الكبرى أو بعضها مثل الأمم المتحدة أو محكمة الجنايات الدولية أو مؤسسات حقوق الانسان الخ ، يبدو من الواضح أن الدول الكبرى طبقاً للنظام الدولي السائد قد بدأت تسعى إلى تغيير هذا النظام واستبدالِهِ بنظام آخر يكون أكثر انسجاماً مع المتغيرات القادمة في العالم الجديد وكذلك مع مصالح الدول الكبرى المؤثرة سواء القديمة منها مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا ، أوالجديدة مثل الصين والهند والبرازيل والهادفة جميعها إلى العمل ضمن مفاهيم وأولويات العالم الجديد .

المؤشرات على طبيعة التغيير القادم قد تأتي بصور وأشكال مختلفة كما عبَّرَت عنها مؤخراً وبشكل جزئي تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب ، دونالد ترمب ، بخصوص كندا وجرينلاند وبَنما ، وتصريحات أقرب مستشاريه وأصدقائه ، ألون مسك (Alon Musk)، بخصوص ألمانيا وبريطانيا ، والتي فاجأت العالم بخطورتها وخطورة تَبِعاتها ومؤشراتها على الوضع الدولي السائد والمتعارف عليه خصوصاً وأنها تجئ بين حلفاء وليس بين أخصام . هذه البداية الخطيرة لفترة ولاية ترمب الثانية ليست بداية عشوائية أو انعكاساً لتصريحات متهورة ، ولكنها تجئ في العمق كترجمة لفكر جديد ولمتغيرات استراتيجية قادمة تعكس أولوية المصالح الإقتصادية والتكنولوجية وأولوية السيطرة على الموارد الطبيعية بأشكالها المختلفة على أية تحالفات سياسية تقليدية أو أية مفاهيم متعارف عليها مثل الهوية الوطنية والحدود السياسية ومفهوم الدولة الوطنية ببعديه المادي والرومانسي .

تؤشر الحقبة المقبلة على نضج الظروف الموضوعية للتخلي عن المواصفات والعلاقات السياسية المتعارف عليها لعالمنا الحالي وقدسية الوسائل التقليدية السائدة فيه والناظمة لكيفية التعامل بين الدوله . من الواضح أن الحقبة الإنتقالية القادمة بين العالم القديم كما نعرفه ، والعالم الجديد الذي لا نعرفه بعد قد تتميز ببعض أشكال الشذوذ أو العنف خاصة فيما يتَعَلّق بقضايا تنتمي في أصولها إلى العالم القديم مثل القضية الفلسطينية ، إلاّ أن أدوات التعامل سوف تنتقل عموماً وبشكل ملحوظ إلى الأدوات الأقل عنفاً والأكثر إعتماداً على جبروت وإمكانات التكنولوجيا العالية من جهة والضغوط الإقتصادية والمالية من جهة أخرى . إن العالم الجديد سوف يكون بشكل عام أقل اهتماماً بالقضايا التي كانت تحظى تقليدياً بإهتمام العالم القديم ، وأقل دموية في أساليبه ، ولكن أكثر إهتماماً في إحترامه لأهمية النقاء البيئي والمحافظة على الموارد الطبيعية خصوصاً غير المتجددة منها من عمليات التبديد والتبذير ، وإعتبار ذلك مسؤولية أممية ودولية تتجاوز المفهوم التقليدي للحقوق المرتبطة بالسيادة الوطنية .

لقد دفع الشُحّْ المتزايد للموارد الطبيعية المتناقصة بحكم الزيادة الهائلة في أعداد البشر وفي النزعة الاستهلاكية ، إلى زيادة التنافس بين الدول على السيطرة على تلك الموارد ، متجاوزة في ذلك المسعى محددات القانون الدولي السائد . يجئ هذا التطور الإستراتيجي الجديد على حساب مفهوم السيادة الوطنية خصوصاً للدول الضعيفة التي لا تملك القدرة على حماية استقلالها ومصالحها وإدارة مواردها الطبيعية بكفاءة ومسؤولية ، وبالتالي قدرتها على استمرار سيطرتها على أراضيها ومواردها وحتمية فقدان تلك القدرة لصالح الدول الأقوى والتي تملك إمكانات إقتصادية وتكنولوجية تُمكنها من فرض رؤيتها وتحقيق أهدافها .

وهكذا، فإن مفهوم الحدود الدولية للدولة الوطنية وبالتالي سيادتها على مواردها الطبيعية سوف ينحسر تدريجياً إنفاذاً لمسعى تدويل تلك الموارد لصالح البشرية بشكل عام ولصالح الدول الأكثر تطوراً خصوصاً في حقول التكنولوجيا العالية وما يتفرع عنها من تطبيقات في مختلف الحقول . وهذا الأمر سوف يُعيد تصنيف العالم من قوى تمتلك السلاح التقليدي الأقوى إلى دول تمتلك التكنولوجيا الأعلى وبالتالي القدرات الأكثر تأثيراً . وهذا الأمر سوف يؤشر إلى عالم يخلو تدريجياً من الدول الصغيرة الهامشية أو الدول الطفيلية التي تعيش رخاءً مؤقتاً من خلال تبذير مواردها الطبيعية. إن مبدأ ملكية الموارد الطبيعية لصالح البشرية بشكل عام سوف يصبغ أولويات العالم الجديد مما يعني أن المسؤولية الجماعية التي سوف تصبغ هذا العالم الجديد سوف تتعامل مع البشرية كقيمة جامعة تسمو على المفهوم السياسي والثقافي الوطني للشعوب كقيمة جزئية تحظى على الأولوية في إهتمام كياناتها السياسية كما تعبر عنها الدولة القطرية .

المأزق الذي سوف تجابهه البشرية يكمن في القدرة على التعامل مع العالم الجديد ومفاهيمه وأولوياته . إذ من الصعوبة بمكان أن يتم هذا الأمر بإستعمال مفردات العالم القديم ومفاهيمه الأمر الذي سوف يخلق تناقضاً ملحوظاً وشططاً في محاولة تفسير الجديد بالقديم الذي فقد مفعوله وقدرته على استيعاب ما هو جديد والتعامل معه . ومن هنا فإن الحقبه الانتقالية بين ما هو قديم وما هو جديد قد تتميز بشذوذ واضح في محاولات التوفيق بينهما ، وهكذا فمن المرجح أن يقوم البعض بتفسير العديد من مفاهيم العالم الجديد بالعدوانية ومخالفة القانون الدولي السائد طبقاً لمفاهيم لعالم القديم .

الصراخ والهتافات والغضب الذي صبغ العديد من مواقف البشر في العالم القديم لن يعود وسيلة مقبولة للتعبير في العالم الجديد الذي سوف يتميز ببرودة واضحة في التعبير عن مشاعره وفي طبيعة العلاقات الانسانية المتبادلة بين مجتمعاته ، وسيكون بالتالي أقرب إلى تحكيم العقل والمصالح على حساب العواطف ، واللجوء إلى الضغـوط التكـنولوجية والمالية سوف يكون هو السلاح الأهـم والأكثر فعـالية في التعامـل بين الكيانات المختلفة عوضاً عن اللجوء إلى السلاح التقليدي أو إلى المفاهيم والصراعات العقائدية التي سوف تختفي أهميتها تدريجياً من عالم السياسية لصالح المفاهيم الجديدة .

التطور هو مسار طبيعي يعكس في أصوله نزعة الجنس البشري نحو الارتقاء والتقدم ، وهو عملية تراكمية تشكل في مجموعها وعلى مر الأزمان مسيرة الحضارة الإنسانية . التطور هو في العادة عملية بطيئة تاريخياً تتسارع مع مرور الوقت وبحكم تراكم الانجازات الحضارية مثل التي أوصلتنا إلى عصرنا الحديث الذي تميز بسرعة التطور التكنولوجي وإلى الحد الذي جعل عملية التطور عبارة عن طفرات متلاحقة يلهث العالم وراء محاولات فهمها وإستيعاب انجازاتها المتتالية وأثرها الملحوظ في تغيير أنماط الحياة . وهذه العملية سوف تستمر إلى أن تصطدم البشرية في المستقبل بجدار من الثقوب التكنولوجية السوداء (Technological Black Holes)التي سترافق الانجازات المترتبة على سيطرة الذكاء الإصطناعي (Artificial Intelligence) على مجرى عملية التطور والتي قد تؤدي في النهاية إلى تخفيف الصبغة البشرية لتلك الانجازات لصالح الصبغة التكنولوجية البحتة .

مقالات مشابهة

  • أفراح في غزة| مصر تنجح في ملف المفاوضات.. وخبير: الدولة الوحيدة التي حافظت على القضية
  • فيديو | محمد بن زايد: الإمارات تدعم الاستدامة في العالم وتلبي تطلعات الشعوب نحو التقدم والازدهار
  • محمد بن زايد: الإمارات تدعم الاستدامة في العالم وتلبي تطلعات الشعوب نحو التقدم والازدهار
  • “فصل جديد”.. رئيس الحكومة اللبنانية المكلف يتحدث عن التحديات التي تواجهها البلاد
  • شيخ الأزهر يعزي وزير الدولة رئيس مكتبة قطر الوطنية في وفاة نجله
  • "الشائعات والحروب النفسية" ندوة بمجمع إعلام بنها
  • القفز من عالمنا القديم إلى عالم جديد: سقوط مفهوم الدولة الوطنية وملحقاته
  • مسؤول عربي كبير يعلق على اعتراف الجامعة العربية بأحمد الشرع ممثلا لدولة سوريا
  • الجمعية الوطنية للتصلب المتعدد تطلق أول وثيقة إرشادات علاجية للتصلب المتعدد في الإمارات
  • باحث سوري: لدينا فرصة تاريخية لإعادة بناء دولتنا بدعم عربي ودولي