سؤال عبثي: ربيع عربي أم مؤامرة كونية؟
تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT
بسقوط نظام الأسد في سوريا، طفا مجدّدا سجال النخب العربية، ومعها جمهور مواقع التواصل الاجتماعي، حول حقيقة ما تشهده المنطقة منذ نهاية عام 2010، ولا تزال فئات واسعة تبذل جهدها في تثبيت سيناريو المؤامرة الكونية للإطاحة بأنظمة حكم وظيفية في عمومها، ظلّت طيلة عقود منذ سبعينيات القرن العشرين في خدمة المصالح الأجنبية.
يحاول عرّابو المؤامرة تناسي حجم المعاناة التي كابدها التونسيون والمصريون واليمنيون والليبيون والسوريون في ظل حكم بن علي ومبارك وصالح والقذافي وعائلة الأسد، لاستبعاد فرضيّة إرادة الشعوب المطحونة في الانعتاق من قبضة أنظمة حكم فاشية شمولية، كانت تنتمي إلى عصر بائد خارج إحداثيات التاريخ والجغرافيا.
ينبغي الاتفاق على أن الأمريكيين والأوروبيين لا يرغبون في صناعة تحوّل ديمقراطي حقيقي في الإقليم العربي، بل ما يهمّهم فقط هو ضمان حد أدنى من الاستقرار يضمن خدمة مصالحهم وعدم تشكيل أي تهديد فعلي على ربيبتهم الكيان الصهيوني، لذلك من غير المنطقي الادّعاء أنهم كانوا وراء انتفاضة شعوب المنطقة قبل 14 عاما للتخلّص من أنظمة بالية لم تكن في غالبها سوى حليف وظيفي مهم.
إن ما حصل في واقع الحال كان نتيجة طبيعية لعقود من التسلّط والاستبداد والفساد والفشل الذريع، ليس في تحقيق التنمية الاقتصادية ومستوى الرفاهية الاجتماعية المطلوبة، بل الإخفاق في مأسسة الدولة الوطنية وبنائها على أسس القانون والعدالة والمواطنة وتنظيم آليات التداول على السلطة بطرق سلمية حضارية تحتكم لإرادة الشعب السيدة.
عكس ذلك، فإنّ تلك الأنظمة الفاشلة لم تكتف بخيانة الأمانة الوطنية التي آلت إليها في ظروف تاريخية مختلفة، فتقاعست عن خدمة شعوبها وفق الإمكانات المتاحة وتطلّعات العصر، بل راحت تكرّس حكم الفساد والريع واحتكار السلطة والثروة بالتخطيط للتوريث الفردي والانتقال من نموذج حكم الأقلية التسلطية إلى حكم العائلة المستبدّة (بشار الأسد وجمال مبارك وسيف الإسلام القذافي وعلي عبد الله صالح..)، وهي قطرة السمّ التي أفاضت كأس الشعوب الممتلئ غضبا بشعور المهانة والتهميش، لتندلع شرارة الثورات من سيدي بوزيد في جنوب تونس في ديسمبر 2010 ولا تزال شظاياها ملتهبة إلى يوم الناس هذا.
تلك هي الحقيقة الأولى والمفتاحية في فهم ما جرى، أما ما وقع من تفاعلات في غضون الأحداث وبعدها، وما عاشته من تطوّرات غير مرغوب فيها، فلم تكن في الواقع سوى ممارسات ثورات مضادة أو انحرافات بفعل تطرّف أنظمة القمع أو ركوب موجات أو استغلال من أطراف خارجية وإقليميّة تشتغل ضد حرية الشعوب العربية وبحثا عن تأمين أجنداتها الخاصة.
المسؤولية التاريخية والأخلاقية ستبقى عبئا على كاهل أنظمة الفساد والاستبداد
هذا يعني أن المسؤولية التاريخية والأخلاقية ستبقى عبئا على كاهل أنظمة الفساد والاستبداد، لأنّها المتسبّب الرئيس في صناعة الأحداث ابتداء ثم تداعياتها لاحقا، بالفشل في تحقيق تطلُّعات الشعوب في الحرية والكرامة وعدم التناغم مع أشواق الأجيال الجديدة التي لم تعد تنطلي عليها شعارات كاذبة باسم الوطنية أو القومية ونصرة فلسطين.
لم يكن قدر الشعوب العربية في تلك البؤر الثورية العيش تحت ظلم أنظمة فاشية فاشلة مدى الحياة، مستسلمة أمام مصيرها المحتوم، أو الدخول في حرب أهلية تنسف كيان الدولة من البنيان والسقوط في مخططات الآخرين، بل كل ما تطلعت إليه هو صناعة التغيير والإصلاح السياسي والاقتصادي، لتعيش مثل كل الأمم المتمدّنة، واثقة من حاضرها وآملة في مستقبل أفضل، غير أن مكر أجهزة الدولة العميقة، بدعم من أنظمة إقليمية أخرى، لحسابات ضيقة، انقلب على رغبة الشعوب السلميّة وصادر حقها في الحرية الآمنة، قبل إدخالها في دوامة الفوضى الدستورية والأمنيّة.
هل يعفي كل ذلك الشعوب العربية المنتفضة منذ 2010 ونخبها الفاعلة من المسؤولية الوطنية؟ قطعا الجواب: لا، لكن محاولة تجريم ثورات الكرامة، بذريعة تحوّلها إلى العسكرة المشبوهة أو الاضطراريّة وتعرّضها للاختراق الخارجي، ليس سوى تبرير مكشوف، للدفاع عن استمرار أنظمة بائدة هي التي شكّلت أكبر خطر ضدّ الدولة والمجتمع، ولم ينفع تأخير سقوطها في حماية الوطن، بل زاد من تكلفة التغيير المشروع، بفعل تراكم الأخطاء وعامل الزمن.
عود على بدء، فإنّ تلك الأنظمة العربية لم يكن أمام شعوبها من خيار آخر سوى الإطاحة بها، بغضّ النظر عن الطريقة والتداعيات التي ورّطها فيها الآخرون أحيانا، ولاشكّ أن الشعوب الحرّة ستتعلم من تجاربها المريرة، إذ أن عمر الانتقال الحضاري في سيّاقات تاريخية معقدة لا يقاس بالسّنوات ولا حتى بالعقود، بل هو مسار متشابك من الوعي والتراكم النضالي سيفضي إلى إرساء الإصلاح على قاعدة صلبة ولو بعد حين من الدهر، عندما تتوفر كل شروط الاجتماع السياسي وسننه الكونيّة.
الشروق الجزائرية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا المؤامرة سوريا الربيع العربي المؤامرة سقوط الاسد مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة صحافة اقتصاد سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
برعاية عبدالله بن زايد.. تأسيس الأوركسترا الوطنية لدولة الإمارات
أبوظبي/ وام
برعاية سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، تم الإعلان عن تأسيس «الأوركسترا الوطنية لدولة الإمارات العربية المتحدة»، في خطوة تعكس اهتمام الدولة بالفنون وتطويرها بمختلف أنواعها، والدور الذي تلعبه في تشكيل هوية المجتمع وتعزيز التواصل والترابط بين أفراده.
وتعكس الأوركسترا الوطنية لدولة الإمارات التنوع الفني في الدولة ونسيجها المجتمعي، حيث ستحتفي بالتراث الموسيقي والموروث الفني لدولة الإمارات، بالإضافة إلى الأنماط الموسيقية المعاصرة من جميع أنحاء العالم.
وتقود نورة بنت محمد الكعبي، وزيرة دولة، رئيس مجلس إدارة الأوركسترا الوطنية لدولة الإمارات العربية المتحدة، جهود الأوركسترا في تطوير القطاع الموسيقى في الدولة، ودعم المواهب الواعدة في هذا المجال، وصولاً إلى تعزيز دور الموسيقى والفنون كلغة مشتركة بين مختلف الثقافات والشعوب، وإيصال الفنون والثقافة الإماراتية للعالم.
ويضم مجلس إدارة الأوركسترا الوطنية، نخبة من الشخصيات والخبراء في المجالات الثقافية والفنية والأكاديمية، وهم سارة بنت يوسف الأميري، وزيرة التربية والتعليم، والشيخ سالم بن خالد القاسمي، وزير الثقافة، ومحمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، وزكي أنور نسيبة، المستشار الثقافي لرئيس الدولة، ومحمد أحمد المر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم، وسميرة مرشد الرميثي، أمين عام الهيئة الرئاسية للمراسم والسرد الإستراتيجي، وهدى إبراهيم الخميس، مؤسس مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، وحمد عبدالله الزعابي، مدير عام مكتب المشاريع الوطنية، وعلي عبيد الحفيتي، مدير عام أكاديمية الفجيرة للفنون الجميلة، والسيد بينج شياو، الرئيس التنفيذي لشركة جي 42، والفنان نصير شمة، مؤسس بيت العود العربي وفنان اليونسكو للسلام.
وأكدت نورة الكعبي، أن الإعلان عن تأسيس «الأوركسترا الوطنية لدولة الإمارات العربية المتحدة» يؤكد الاهتمام الذي توليه قيادة الدولة لتطوير الفنون نظراً لدورها الرائد في إرساء القيم الثقافية والإنسانية، وكونها معياراً للتقدم الحضاري والإنساني، وتعزيز قيم التسامح والتعايش.
وقالت نورة الكعبي:«نسعى من خلال الأوركسترا الوطنية لدولة الإمارات العربية المتحدة، إلى تعزيز ثقافتنا وفنوننا المحلية والتعريف بها، لمد جسور التواصل مع ثقافات العالم الأخرى، خاصةً وأن الأوركسترا ستكون مصدر إلهام ومحركا فاعلا ومؤثرا في المجتمعات المحلية والعالمية، نؤكد من خلالها التزامنا بدعم الإبداع والتفوق الفني».
وستقوم الأوركسترا الوطنية لدولة الإمارات العربية المتحدة، بعقد سلسلة من تجارب الأداء للموسيقيين والمغنيين الراغبين في الانضمام إلى هذه المبادرة الطموحة، حيث تستهدف التجارب الموسيقيين من جميع الخلفيات الفنية، بالإضافة إلى المواهب من مختلف الأنماط الموسيقية، سواءً العربية أو الغربية، بدءًا من سن 18 عامًا فما فوق، ومنح اهتمام خاص برعاية وتنمية الموسيقيين الإماراتيين، وسيُعرض على الفنانين الذين يقع عليهم الاختيار فرص عمل بدوام كامل، مع حوافز ومخصصات تنافسية.
ويمكن للموسيقيين والفنانين الراغبين في التسجيل للمشاركة في تجارب الأداء، زيارة الموقع الإلكتروني www.uaenationalorchestra.ae، وإرسال استمارة الطلب وإرفاقها بمقطع مسجل يعرض موهبتهم الموسيقية، وفقًا للتفاصيل الموضحة على الموقع، وذلك في موعد أقصاه 26 يناير 2025.