سيطرة “إسرائيل” على سوريا.. مقدّمة لحرب ضدّ إيران
تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT
في ما بدا جلياً أنه مخطّط إسرائيلي تركي أمريكي لإسقاط الرئيس بشار الأسد، قامت مجاميع مسلحة مكونة من عشرات الآلاف المدرّبة والمدعومة من قبل تركيا وأوكرانيا و»إسرائيل» بالهجوم على الجيش السوري انطلاقاً من إدلب باتجاه حلب، لتُتبعه بعد ذلك بالتوجّه إلى حماة وحمص التي توقّف عندها القتال بشكل مريب ليتمّ الإعلان بعدها عن انسحاب الجيش السوري من القتال وتسليم العاصمة السورية لهذه الجماعات المسلحة.
وقد تلى ذلك قيام «الجيش» الصهيوني بهجوم جوي كاسح، أدى إلى ضرب كلّ المطارات والقواعد العسكرية للجيش السوري وغيرها من المرافق، ليتمّ بعدها تقدّم بري باتجاه دمشق لإقفال طريق دمشق بيروت.
بعض المؤشرات تفيد بأنّ ما يجري في سوريا قد لا يكون نهاية المطاف، بل قد يكون مقدّمة للانطلاق نحو العراق ومنها إلى إيران، وفي هذا الإطار كتب مايك ويتني مقالاً في 1 ديسمبر، أي قبل أسبوع من سقوط نظام الرئيس الأسد، بعنوان «بالنسبة لنتنياهو، الطريق إلى طهران يمرّ عبر دمشق».
وبالنسبة للكاتب فإنّ سوريا تشكّل جزءاً لا غنى عنه من خطة «إسرائيل» الطموحة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، حيث تعتبر قلب المنطقة وتعمل كجسر بري حاسم لنقل الأسلحة والجنود من إيران إلى حلفائها، فضلاً عن كونها المركز الجيوسياسي للمقاومة المسلحة للتوسّع الإسرائيلي.
ويرى الكاتب أنه من أجل الهيمنة الحقيقية على المنطقة، يتعيّن على «إسرائيل» أن تطيح بالحكومة في دمشق وتضع نظاماً دمية لها شبيهاً بأنظمة الأردن ومصر، وبما أن نتنياهو استطاع إقناع واشنطن بدعم مصالح «إسرائيل» من دون قيد أو شرط، فلا يوجد وقت أفضل من الآن لإحداث التغييرات التي من المرجّح أن تحقّق خطة «تل أبيب» الشاملة.
وعلى هذا فإنّ بنيامين نتنياهو شنّ حربه البرية من الجنوب لخلق حرب على جبهتين من شأنها أن تقسم القوات السورية إلى نصفين، بالتنسيق مع هجوم الجماعات المسلحة من الشمال. وبعد الإطاحة بالأسد، وهو ما تنبّأ به ويتني، فإنّ حلم «إسرائيل» بفرض هيمنتها الإقليمية بات قاب قوسين أو أدنى، خصوصاً في ظلّ تعهّد ترامب بإعطاء الضوء الأخضر لشنّ حرب ضدّ إيران كجزء من صفقة مقايضة مع اللوبيات التي أوصلته إلى البيت الأبيض.
وفيما اعتبر الكاتب أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو الوحيد الذي كان قادراً على وقف مفاعيل هذا المخطّط بتقديم الدعم اللازم للرئيس الأسد للصمود في مواجهته، إلا أنّ ما جرى كان معاكساً تماماً، إذ أنّ روسيا اختارت أن تتوصّل إلى تسوية مع تركيا، لحقن الدماء عبر دفع الأسد إلى القبول بتسليم السلطة.
لكنّ مراقبين اعتبروا أنّ هذا شكّل خطأ في الحسابات الاستراتيجية وقعت فيه روسيا، يماثل الخطأ الذي وقعت فيه قبل عقد من ذلك التاريخ حين تخلّت عن الزعيم الليبي معمر القذافي.
واعتبر محللون إسرائيليون أنّ سقوط الأسد شكّل ضربة استراتيجية لروسيا هي الأقوى التي تتعرّض لها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، إذ أنّ هذا سيؤدّي إلى إضعاف حضورها في الشرق الأوسط بشكل كبير، ولن تستعيض روسيا عن خسارتها لسوريا بكسب ودّ الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية أو مصر.
والجدير ذكره أن الرئيس الأسد نفسه وقع في أخطاء استراتيجية قاتلة حين اختار الابتعاد نسبياً عن إيران ومحاولة التقارب مع أبو ظبي والرياض للحصول منهما على مساعدات اقتصادية لترميم وضعه الاقتصادي المهترئ، لكنه وبعد سنوات من محاولات فاشلة فإنه لم يحصل على أي شيء مما كان يأمله، وقد أدى هذا الخطأ الاستراتيجي إلى أنه عند بدء هجوم الجماعات المسلحة عليه من الشمال فإن وضع جيشه ميدانياً كان معرى في ظلّ تقليص أعداد المستشارين الإيرانيين وقوات حليفة لهم في الميدان السوري، وبما أنّ التجربة أثبتت أن الدعم الجوي لا يغيّر مجريات الميدان، فإن هجوم الجماعات المسلحة جاء بالنسبة للأسد في وقت قاتل.
والجدير ذكره أنّ هذه العملية المدعومة من الولايات المتحدة و»إسرائيل» والقاعدة وتركيا ضدّ سوريا، باستخدام وكلاء ومجموعات مختلفة، تمّ التخطيط لها منذ فترة طويلة من أجل تحويل قوات الجيش السوري وزعزعة استقرارها وإرهاقها، والسماح لـ «إسرائيل» بالدخول من الجنوب، ومنع تدفّق الأسلحة إلى حزب الله من إيران إلى العراق وسوريا ثم لبنان.
هذا يجعلنا نستنتج أنّ الحرب الإسرائيلية على لبنان ستتواصل، وأنّ مفاوضات وقف إطلاق النار بين لبنان و»إسرائيل» ما هي إلا ملهاة من قبل «تل أبيب» لتنهي فيها عملية تموضعها على طريق بيروت دمشق لتقطع هذه الطريق من الجهة السورية وتمهّد لحملة جوية كثيفة على حزب الله، بذرائع تحمّل الحزب مسؤولية خرق اتفاق وقف إطلاق النار.
وهنا لن تحتاج «إسرائيل» إلى التغلغل البري في لبنان، بل إنها ستعتمد على الجماعات المسلحة التي سيطرت على العاصمة السورية لتقوم بالمهمة عنها عبر التغلغل إلى بيئات شكّلت حاضنات لهذه الجماعات في منطقة عنجر والبقاع الأوسط، وأجزاء من البقاع الغربي، وأيضاً في شمال لبنان انطلاقاً من تل كلخ إلى سهل عكار فمدينة طرابلس.
وقد ينطوي ذلك على مخاطر للدفع باتجاه تغيير ديمغرافي يؤدي إلى تهجير قسم كبير من الشيعة إلى العراق وتهميش الباقين منهم في لبنان، ليتمّ تقاسم النفوذ بين المسيحيين من جهة والسنة من جهة أخرى مع تأدية الدروز دور الموازن في العلاقة بين الطرفين، علماً أنه ستكون لـ «إسرائيل» الدالة الكبرى عليهم بعد احتلالها لجنوب سوريا وإدخالها دروز الجولان وجبل العرب تحت مظلتها.
من هنا فإنّ «إسرائيل» ستكون هي المهيمن على لبنان عبر تحالفها مع أطراف مسيحية تربطها بها علاقات تاريخية من جهة، ومع السنة في لبنان عبر الدالة التي سيمارسها عليهم الحكم السني في دمشق، مع تشكيل الدروز للكتلة الأكثر فاعلية في موازنة وضع النظام اللبناني الذي سيكون تحت القبضة الإسرائيلية.
ويرى المراقبون أنّ وقف إطلاق النار المؤقت، سيمنح «إسرائيل» الوقت للتعافي لأنها ضعيفة، والوقت لوضع استراتيجية مع الإدارة الأمريكية الجديدة التي ستكون الأكثر صهيونية في تاريخ الولايات المتحدة، أما بالنسبة لتركيا، فهي ستستغلّ ذلك لضمّ شمال سوريا في إطار مطالبتها بمدينة حلب.
لهذا فإنّ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان كان مستعدّاً حتى للتنسيق مع جماعة قسد والاعتراف لها بسيطرتها على شرق سوريا.
أستاذ تاريخ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
روسيا تدعم “سوريا الجديدة” بالنفط
أنقرة (زمان التركية) – استقبلت الموانئ السورية عدة ناقلات نفط روسية، منذ الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد، مما يشير إلى دعم روسي غير معلن للطاقة في سوريا، في ظل العقوبات الدولية المفروضة على البلدين.
ومؤخرًا أبحرت ناقلة النفط سابينا من روسيا إلى الموانئ السورية محملة بمليون برميل من النفط الخام، ووفقا للنظام الدولي لتتبع السفن Tanker Trackers، أبحرت الناقلة التي ترفع علم بربادوس من ميناء مورمانسك الروسي إلى ميناء بانياس السوري الغربي وسرعان ما غيرت مسارها. وأوضح الموقع أن التسليم عبر الناقلة التي تزن 158.574 طن كان الجزء الأول من الدفعة التي تم دفعها للسلطات الروسية.
وقبل سابينا، وصلت ناقلة تحمل أكثر من 30 ألف طن من وقود الديزل إلى محطة نفط تابعة لشركة سورية في بانياس بريف طرطوس، كما جلبت ناقلة نفط تحمل اسم بروسبيريتي حوالي 30 ألف طن من وقود الديزل إلى الميناء نفسه.
صفحة جديدة في العلاقات بين سوريا وروسياوبعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، قدمت روسيا شحنة نفط جديدة إلى سوريا. واستمرت المفاوضات الروسية السورية المشتركة على القواعد العسكرية الروسية التي يثير وجودها استياء الأهالي لكونها نقطة انطلاق جميع الهجمات التي شُنت على المناطق بشمال سوريا.
ذكر الكاتب والمحلل السياسي الروسي، رولاند بيغاموف، أن هذه الناقلة لم تكن أول ناقلة تبحر إلى سوريا بعد سقوط النظام السوري السابق وأنه مع وصول الحكومة الجديدة إلى السلطة، أرادت روسيا الحفاظ على القواعد العسكرية في سوريا بناء على اقتراح من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وخاصة ميناء طرطوس من أجل إيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا.
وأضاف بيغاموف أن القاسم المشترك بين الرئيس الروسي بوتين والرئيس السوري أحمد الشرع هو البراجماتية، مفيدا أن الهدف الرئيسي للروس هو ضمان الاستقرار السياسي والسلامة الإقليمية في سوريا بجانب السماح للشركات الروسية بالعمل في هذه المنطقة وإجراء دراسات استراتيجية للوجود العسكري الروسي في شرق البحر الأبيض المتوسط.
وذكر الكرملين في بيانه أن بوتين بعث برسالة إلى الشرع يؤكد فيها استعداد بلاده لتعزيز التعاون مع الإدارة السورية الجديدة في مختلف المجالات ودعم الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار في سوريا في أقرب وقت ممكن.
ووصلت العديد من شحنات النفط إلى سوريا وفقا لنظام تتبع السفن Tanker Trackers، لكن دمشق لم تكشف عنها رسميا، ووصلت أول ناقلة نفط محملة بنحو 29 طنا من المازوت منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد إلى سوريا في 28 فبراير/شباط، بينما وصلت ناقلة أخرى محملة بالغاز الطبيعي المحلي في 12 يناير/كانون الثاني.
العقوبات على سوريا وروسياانطلقت ثلاث ناقلات نفط من روسيا التي تخضع للعقوبات بسبب الحرب على أوكرانيا، للتوجه إلى سوريا هذا الشهر، من ثم قامت بتغيير مسارها بعد فترة وجيزة.
وأفادت وكالة بلومبرج بناء على بيانات تتبع السفن أن الناقلة “أكواتيكا” غادرت ميناء مورمانسك في 1 مارس/ آذار الجاري وعلى متنها 680 ألف برميل من النفط الخام، لكن تم تغيير مسارها، الذي يُظهر سوريا وجهة لها، إلى الصين.
وينطبق الشيء نفسه على ناقلة “سكينة”، التي غادرت ميناء مورمانسك بعد أسبوع من إبحار أكواتيكا وعلى متنها مليون برميل من النفط الخام، من ثم غيرت وجهتها إلى مدينة بورسعيد المصرية.
وأفاد موقع Tanker Trackers أن ناقلة سابينا غادرت الميناء نفسه هذا الأسبوع وكانت وجهتها سوريا، لكنها غيرت مسارها إلى بورسعيد، مصر.
وأكد الموقع أن سوريا لا تريد المخاطرة بشراء مليون برميل من النفط الخاضع للعقوبات الدولية وأن طريقة سوريا للوصول إلى النفط الخام ستكون مناقصة شراء النفط الخام التي أعلنتها الوزارة.
وصرّح أحمد سليمان، مدير العلاقات العامة في وزارة النفط السورية، في بيان خاص أن الناقلات التي تصل إلى سوريا تنتمي إلى الشركات التي فازت بالمناقصة.
وأوضح وزير النفط والثروة المعدنية السوري، جياس دياب، أن بلاده تواجه صعوبات في تأمين المشتقات النفطية لأن بعض الآبار النفطية لا تزال خارج سيطرة الدولة.
وشدد الوزير السوري على أن العقوبات، التي قال إنها “لا معنى لها بعد الإطاحة بالنظام”، تُضاف إلى العراقيل التي تواجههم.
وفي أعقاب اندماج قوات سوريا الديمقراطية (SDF) مع الحكومة، أثيرت أحاديث عن انفراجات في قطاع الطاقة ونقل حقول وآبار النفط إلى الحكومة وإنشاء لجان خبراء لمراقبة جاهزية إنتاجها وشروطها الفنية.
ويوضح الروسي بيغاموف أن دعم روسيا يرتكز على أساس “براجماتي إلى حد ما”. وشدد بيغاموف على حاجة سوريا إلى دعم نفطي قائلا: “كانت سوريا تنتج حوالي 350 ألف برميل من النفط يوميا قبل عام 2013. لذلك لم يكن بحاجة إلى استيراد النفط “.
وأشار بيغاموف إلى أن الإنتاج الآن أقل من 40 ألف برميل يوميا وأن معظمه يقع في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، مفيدا أن معظم هذا النفط والغاز الطبيعي يهدر لأنه يستخرج بطرق بدائية للغاية وأنه توجد مشاكل في محطات الطاقة ومحطات الطاقة الكهرومائية والسدود التي بنيت خلال فترة الاتحاد السوفيتي.
وأوضح بيغاموف أنه من المتوقع حدوث تطور في المفاوضات بين دمشق وموسكو قائلا: “يبدو أن هناك بعض الاتفاقات، لكن يجب سحب جميع مطالب تسليم الرئيس السابق بشار الأسد. سوريا بحاجة إلى روسيا في العديد من المجالات وأحدها هو الاقتصاد. ويرافق ذلك الدعم السياسي لروسيا لأنها عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. نحن بحاجة إلى النظر إلى القضية في سياق دولي، فبعد وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة في واشنطن، أصبحت بعض السيناريوهات أكثر احتمالا كتكهنات الخبراء واستمرار وجود قواعد عسكرية روسية على الأراضي السورية”.
Tags: التطورات في سورياالدعم النفطي لسورياالنفط السوريسوريا وروسيا