باحثون يعرّجون على الخطاب التاريخي للسيد القائد: رسم مسارًا واضحًا للمواجهة في المرحلة الأكثر حساسية
تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT
يمانيون../
لم يكن ما ألقاه السيد القائد، الخميس الماضي، خطابًا عابرًا، بل كان خطابًا تاريخيًّا، وبركانًا من العِزَّةِ والاستنهاض والإقدام والجاهزية والاستعداد لمواصلة الموقف إلى جانب الشعب الفلسطيني ضد العدوّ الأمريكي والإسرائيلي ومن يتحَرّك لخدمتهم؛ فهو خطاب انطلق من عمق القرآن الكريم ومن مدرسة آل البيت، حَيثُ أقام من خلاله الحجّـة الكاملة، على العالم العربي والإسلامي والأمة كلها، ورسم المسارات وحدّد الخيارات، وكشف المؤامرات الأمريكية التي تتربص بالأمة الإسلامية، والحال المذل والمؤسف الذي عليه العرب والمسلمون ومواقفهم المخزية أمام ما يقوم به الأعداء في سوريا بعد غزة ولبنان، دون أن يحركوا ساكنا.
الخطاب ثبّت بُوصلة مقاومتنا نحو أعداء الإسلام والمسلمين، الذي لا أعداء لنا غيرهم، وهم اليهود والذين أشركوا، وكذلك حدّد معيار الموقف وأين نقف من العداوة لليهود التي أمر الله بها، فالإيمان يلزم كُـلّ الشعوب الإسلامية والعربية، أن تقف بالقول والفعل ضد الكيان وترفض التطبيع وتعلن العداوة للعدو الأمريكي والإسرائيلي.
إقامة الحجّـة أمام الله:
وكون خطاب السيد القائد -يحفظه الله- أزال الانكسار الذي أصاب كُـلّ المسلمين في العالم هذه الأيّام؛ بسَببِ ما حَـلّ بغزة من عدوان وما يحل بسوريا من تآمر، ويحتاج أن نعيد قراءته والحديث عنه، والتزود منه بالزاد الذي نتحصن به من أي انكسار أَو ارتباك.
وفي هذا الصدد يقول القاضي عبدالوهَّـاب المحبشى -عضو المكتب السياسي لأنصار الله-: إن “خطاب السيد القائد عبدالملك، كان خطابًا تاريخيًّا بكل ما للكلمة من معنى، خطابًا يكاد يكون هو الأبرز على مستوى معركة طوفان الأقصى بعد الخطاب الأول في بداية انطلاق المعركة”.
ويضيف: “ميزة هذا الخطاب هو أنه عالج مسألة بالغة الحساسية، كان سماحة السيد (يحفظه الله) يتحاشى الحديث حولها، ولكن عندما قاربها هذه المرة قاربها على أرقى مستويات المقاربة كإقامة للحجّـة“، مؤكّـدًا أن “هذا الخطاب هو خطاب وعي مركَّز، وحجّـةٌ أمام الله على كُـلّ أبناء الأُمَّــة الإسلامية لكيلا يُخدَعوا”.
قراءةٌ واقعيةٌ للأحداث:
في إطار مسؤولية السيد القائد عبدالملك الحوثي -يحفظه الله- المنبثقة من التوجيه القرآني لكل من يؤمن به حق الإيمَـان، يقول الباحث في الشؤون الدينية والسياسية الدكتور يوسف الحاضري: “من منطلق المسؤولية الإيمَـانية والإنسانية، يطل علينا السيد القائد، كُـلّ خميس ليلقي للعالم أجمع عامة وللأمتين العربية والإسلامية خَاصَّةً كلمة قرآنية مليئة بالعبر والحكم، يذكّر الجميع بخطورة الوضع ومسؤوليتهم تجاه هذه الأخطار المحدقة بالأمة الإسلامية، منطلقًا من عين على الأحداث وعين على القرآن”.
ويضيف “لأن أحداثَ الأسبوع الماضي من أخطر الأحداث على الأمتين العربية والإسلامية جاء خطابُ السيد القائد التاريخي، على مستوى الوضع والأحداث، فشمل قراءةً واقعيةً للأحداث والمحدثين لها خَاصَّة فيما يخص سوريا، واستغلال فرصة الانهيار فيها من قبل أشد الناس عداوة للإسلام والمسلمين، بل وللبشرية وهم اليهود الصهاينة”.
ويتابع الحاضري في حديثه لصحيفة “المسيرة”: “الخطاب شخّص الوضع كاملًا والأسباب التي أَدَّت إلى ذلك والأخطار الأشد القادمة، فيما إذَا استمر الوضع كما هو عليه متمثلًا في تنصل السوريين ومحيطهم العربي والإسلامي عن مسؤولياتهم وبقائهم في وضع خضوع وخنوع للعدو الأمريكي الصهيوني، ثم تكلم عن الحلول القرآنية للتصدي لذلك وكيف أن خذلان غزة أَدَّى لهذا الوضع الكارثي وما سيكون من كوارث قادمة”، مؤكّـدًا “أن هذا الخطاب له أهميّة كبيرة في هذا التوقيت، وله مميزات كثيرة منها:
– الحالة النفسية المستاءة للسيد القائد من العدوّ الأمريكي والإسرائيلي، والجرائم التي يرتكبها في فلسطين، ومن تخاذل العرب ومن المسلمين على حَــدٍّ سواء، تجاه ما يحصل في المنطقة.
– النبرة العالية الغاضبة للسيد جراء استمرار الخِذلان لغزة رغم مرور ١٥ شهرًا في وقت أن هناك قوىً وجيوشًا وإمْكَانيات عربية وإسلامية ظهرت في أحداث سوريا.
– السرد الدقيق التفصيلي لبعض جرائم العدوّ في غزة وبالتحديد (مستشفى كمال عدوان) ليضع الجميع عن كُـلّ مأساة حصلت في الجريمة وماذا يجب علينا تجاهها ليخرجَنا من حالة النقل الرقمي إلى التفاعل المشاعري والنفسي.
– التوجيه المباشر للأعداء لليمن سواء في دول العدوان الخليجي على اليمن أَو في مرتزِقتهم في الداخل بأن الردَّ سيكون عنيفًا على الجميع فيما إذَا فكَّروا مُجَـرّدَ تفكير باستنساخ تجربة سوريا في اليمن خدمةً للكيان الصهيوني والأمريكي.
– رفع مستوى التفاعل الشعبي اليمني في الإعداد والتدريب والتأهيل والتحَرّك الشعبي والفردي سواءٌ نصرةً لغزة أَو استعدادًا لمواجهة أدوات العدوّ في الداخل.
– المقارنة الواقعية بين ما يقوم به اليمن في إطار مسؤوليتهم الدينية والإنسانية وبين تخاذل الآخرين واستعدادنا للعمل بما هو أوسع وأشمل وأقوى وأشد”.
ويختتم الباحث في الشؤون الدينية والسياسة الحاضري، حديثه لـ “المسيرة” بقوله: “إن السيد القائد أعلن بشكل واضح موقف الشعب اليمني من العدوّ الإسرائيلي، حَيثُ قال: إننا سنكون سندًا لسوريا كما كنا سندًا لفلسطين ولبنان فيما إذَا كان هناك تحَرّك سوري ضد العدوّ المشترك للجميع المتمثل في العدوّ الإسرائيلي؛ فالمسؤولية الدينية تلزمنا ذلك بعيدًا عن أية اعتبارات مذهبية أَو مناطقية أَو حزبية أَو فئوية أَو فكرية، وهذه رسالةُ إلزام حُجَّـة للأمتين العربية والإسلامية لأهميّة تحمل مسؤوليتهم بعيدًا عن المذهبية الخبيثة التي زرعها اليهودُ ليفرِّقونا؛ فهل من مُدَّكِر؟”.
تشخيص مسؤول وعلاج مأمول:
من جانب آخر، اعتبر سياسيون خطاب السيد القائد، تشخيصًا مسؤولًا وعلاجًا مأمولًا، مؤكّـدين أنه خطاب العزة والكرامة والإيمَـان، والثقة بالنصر، والاستمرار بمواجهة أعداء الله نصرة لله وللمستضعفين في فلسطين ولبنان، وكل بلد إسلامي يتعرض لعدوان من قبل اليهود.
وأكّـدوا استمرار موقف السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- في خطابه الأخير تجاه ما يجري من حرب الإبادة في غزة، فقد سرد بشكل مفصل كُـلّ ما قام به العدوّ الصهيوني من جرائم وعدوان وتدمير واعتداء على المستشفيات خُصُوصًا مستشفى كمال عدوان والإندونيسي شمالي القطاع، وقدم أرقامًا وإحصاءات عن عدد المجازر والشهداء والمصابين.
ولم يتغير موقفه قيد أنملة من مساندة اليمن واليمنيين لغزة مهما كانت الأثمان والتضحيات؛ لأَنَّ ذلك هو “الواجب الذي لا تراجع عنه” ومن ذلك خروج المسيرات المليونية، وضرب الاحتلال بالصواريخ والمسيرات وفرض الحصار البحري على الكيان وداعميه.
كذلك لم يتغير تشخيص السيد القائد، لحالة الضعف والهوان والتخاذل التي تمر بها الأُمَّــة العربية والإسلامية، والتي تمنعها من مواجهة أعدائها وتجعلها أُمَّـة ذليلة وخانعة؛ بسَببِ عدم استعدادها للمواجهة والتضحية وقبولها بمخطّطات العدوّ للسيطرة على خيراتها ومقدراتها.
ولم تختلف نبرة الألم العميق والحزن الشديد التي تنبعث من صوته القادم من اليمن متجهًا نحو فلسطين وسوريا ولبنان؛ باعتبَارها الجغرافيا الأقرب للعدو والتي تتعرض بشكل يومي لهجماته واعتداءاته.
ورغم ذلك فقد احتلت سوريا مساحة واسعة من خطابه التاريخي ولم تكن عادة من ضمن الجبهات الساخنة التي يمر عليها في خطاباته كما اليمن والعراق ولبنان، وكان واضحًا إدانتُه للعدوان الصهيوني على سوريا وفي مساندته لسوريا، بغض النظر عمن يحكمها الآن.
وثمة نقطتان بارزتان أسماهما معادلاتٍ ضمن مفهوم الشرق الأوسط الجديد الذي يسعى الاحتلالُ لتكريسِه:-
أولًا: معادلة الاستباحة؛ فالعدوّ يضرب في كُـلّ مكان وفي كُـلّ وقت يدمّـر ويقتل دون توقف، وليس ذلك في غزة وفلسطين فقط بل في فلسطين وسوريا، ومن المتوقع أن ينتقل بالتدريج لاستباحة كُـلّ الدول الأُخرى في الأُمَّــة.
ثانيًا: معادلة التفوق، بأن تكون قدرات الدول العربية تحت سقف معين فلا تمتلك الأُمَّــة الأدوات المناسبة للدفاع عن نفسها. وفي الحقيقة أن الاستباحة متحقّقة فعليًّا بدرجة كبيرة، والتفوق بدا واضحًا في القدرات والإمْكَانيات العسكرية والتكنولوجية والتدميرية والأمنية التي يملكُها العدوّ.
وهناك الكثير من النقاط المهمة والرسائل الواضحة والعميقة التي أدلى بها السيد القائد في هذا الخطاب التاريخي، والذي رسم منهجيةً واضحةً لمواجهةِ الأعداء في المرحلة القادمة، والتي هي المرحلةُ المفصليةُ والأكثرُ حساسية.
المسيرة: عباس القاعدي
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: العربیة والإسلامیة السید القائد یحفظه الله هذا الخطاب خطاب ا
إقرأ أيضاً:
الاستراتيجية الأميركية التي ينبغي أن تتخذها إدارة ترامب المقبلة تجاه ملف اليمن؟
بدأ الحوثيون في مهاجمة الشحن البحري في البحر الأحمر وخليج عدن، مستهدفين السفن الأمريكية والدولية التي يُفترض أنها مرتبطة بإسرائيل، وشنوا ضربات على إسرائيل نفسها. وبعيدًا عن الإيماءات الرمزية لدعم الفلسطينيين، فقد عرضت هذه الإجراءات التجارة العالمية للخطر، حيث أصبح البحر الأحمر - شريان الحياة الحيوي للتجارة الدولية - ساحة معركة خطيرة، وهددت بتوسيع حرب إسرائيل على غزة.
لم تكن تحركات الحوثيين مجرد بيان سياسي للولايات المتحدة: فقد تحدت مصالحها الاستراتيجية. ومع تعرض استقرار الطرق البحرية للخطر، أصبح الوضع في اليمن فجأة أزمة عالمية بعيدة المدى. ويبدو أن مستقبل اليمن ومستقبل التجارة الدولية مرتبطان الآن ارتباطًا وثيقًا بأفعال الحوثيين والاستجابة الدولية.
وفي محاولة لوقف التهديد المتزايد، ردت الولايات المتحدة بقوة. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بدأت القوات المسلحة الأميركية والبريطانية عمليات عسكرية ضد مواقع الحوثيين الرئيسية في مختلف أنحاء اليمن، ونفذت العديد من الهجمات الأخرى منذ ذلك الحين. ولكن على الرغم من الجهود الهائلة، كانت النتائج بعيدة كل البعد عن الحسم. فقد ظل عناد الحوثيين مصدر قلق للولايات المتحدة وحلفائها.
في الواقع، فشلت السياسات الأميركية في كبح جماح الحوثيين ونشاطهم في البحر الأحمر وفي الداخل، بل ساهمت الجهود الأميركية في استمرار الصراع في اليمن وتفاقم معاناة المدنيين في البلاد.
الفشل في تنفيذ نتائج محادثات السلام السابقة، بما في ذلك مبادرة مجلس التعاون الخليجي والمحادثات التي تقودها الأمم المتحدة، أدى فقط إلى تكثيف العنف. لقد أدى تفكك التحالف اليمني المناهض للحوثيين بسبب المصالح السعودية والإماراتية المتنافسة، إلى تقويض قدرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا على تحدي التمرد الحوثي. كل هذا مكن الحوثيين من تعزيز السيطرة، مما أدى إلى تعميق الأزمة.
سياسة بايدن في اليمن
لقد اتسمت سياسة إدارة بايدن تجاه اليمن بالتناقض: فقد ركزت في البداية على الإغاثة الإنسانية والدبلوماسية، ثم أعطت الأولوية للمشاركة العسكرية والعقوبات. في البداية، تحولت عن سياسة إدارة ترامب المتشددة بإنهاء الدعم الأمريكي للأعمال العسكرية الهجومية للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.
كانت المخاطر عالية، وكان الرئيس جو بايدن يعلم ذلك. ولتوجيه الولايات المتحدة خلال التغيير، عين مبعوثًا أمريكيًا خاصًا لليمن، تيم ليندركينج، وعهد إليه بالعمل مع الأمم المتحدة لإنهاء الحرب وتحسين الوضع الإنساني. كما ألغت إدارة بايدن تصنيف ترامب للحوثيين باعتبارهم "منظمة إرهابية أجنبية" وإرهابيين عالميين مصنفين بشكل خاص .
كان هدف بايدن واضحًا: إعادة ضبط الأولويات الأمريكية، وتوجيه المسار نحو نهج دبلوماسي أكثر توازناً للصراع المدمر في اليمن. وعلى الرغم من هذه الجهود، ظل الحوثيون غير متعاونين، ورفضوا تقديم التنازلات.
لقد فاجأ تصعيد الحوثيين في أكتوبر 2023 من خلال هجمات الشحن في البحر الأحمر إدارة بايدن وأجبرها على إعادة النظر في نهجها. في ديسمبر 2023، أعلنت الولايات المتحدة عن إنشاء تحالف دولي - عملية حارس الرخاء - لتعطيل الهجمات البحرية للحوثيين. ثم شنت القوات العسكرية الأمريكية وحلفاؤها غارات جوية على أهداف عسكرية حوثية رئيسية، بهدف شل قدرتهم على تنفيذ الهجمات.
وفي يناير 2024، اتخذت الإدارة خطوة مهمة أخرى وأعادت تصنيف الحوثيين رسميًا كإرهابيين عالميين مصنفين بشكل خاص. كما وسعت وزارة الخزانة عقوباتها، مستهدفة الأفراد والكيانات المرتبطة بشبكات المشتريات والتهريب الحوثية.
وهكذا، غيرت إدارة بايدن نهجها نحو تبني المشاركة العسكرية. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2024، أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد جيه أوستن عن استراتيجية جديدة تقوم على "الردع والتدهور".
وكانت الرسالة واضحة ــ تركز الولايات المتحدة الآن على تفكيك القدرات العسكرية للحوثيين. وكانت الخطوة الأولى سلسلة من الضربات المستهدفة لمنشآت الأسلحة تحت الأرض التي يسيطر عليها الحوثيون.
وتحتاج إدارة ترامب الثانية إلى استراتيجية لمعالجة القضايا الأعمق المطروحة وتوفير أساس مستقر للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط. ولكن من المرجح أن تواجه الإدارة الجديدة تحديا في الموازنة بين الحاجة إلى تأمين حرية الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن ومعالجة الأزمة الإنسانية وعدم الاستقرار السياسي في اليمن.
وقد تعقد هذا التحدي، الذي تواجهه الولايات المتحدة في اليمن منذ عام 2011 ، بسبب هجمات الحوثيين في البحر الأحمر. ولكن إعطاء الأولوية للحلول العسكرية يهدد بتفاقم الأزمة الإنسانية وتعميق عدم الاستقرار الإقليمي. وهذا يتطلب استراتيجية دبلوماسية لمعالجة قوة الحوثيين مع تجنب المزيد من زعزعة الاستقرار.
انتقادات للسياسة الأمريكية
ولم تفشل عسكرة الولايات المتحدة للبحر الأحمر في الحد من قدرات الحوثيين فحسب، بل شجعتهم عن غير قصد. ففي أكتوبر 2024، أفاد فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن أن الحوثيين شنوا ما لا يقل عن 134 هجومًا من مناطق خاضعة لسيطرتهم على سفن تجارية من العديد من البلدان بزعم أن السفن كانت متجهة نحو إسرائيل أو مرتبطة بها بطريقة أو بأخرى، وكذلك ضد السفن الحربية الأمريكية والبريطانية.
لم تكن هذه مناوشات بسيطة - فقد استخدمت بعض الهجمات صواريخ جديدة ومتطورة للغاية ، مما يمثل تقدمًا مذهلاً في القدرات العسكرية للحوثيين.
وكشف تقرير الأمم المتحدة أيضًا أن الحوثيين بدأوا في فرض رسوم غير قانونية على وكالات الشحن. وبتنسيق من قبل شركة مرتبطة بقيادي حوثي كبير، سمحت الرسوم للسفن بالمرور عبر البحر الأحمر وخليج عدن دون التعرض للهجوم. وبهذه الطريقة، حول الحوثيون الممرات المائية إلى مؤسسة مربحة، حيث جمعوا ما يقدر بنحو 180 مليون دولار شهريًا من رسومهم غير القانونية.
ورغم أن الأمم المتحدة لم تتمكن من التحقق بشكل مستقل من هذه المكاسب، فإن تقريرها قدم تلميحا مثيرا للقلق حول كيفية تمكن الحوثيين من إيجاد طرق للاستفادة من نفس الصراع الذي كانت الولايات المتحدة تسعى إلى احتوائه.
ومع تزايد التزام الجيش الأميركي بمحاربة الحوثيين في اليمن، أصبح من الواضح أن التركيز الأساسي كان على حماية المصالح الأمنية لإسرائيل. ولكن مع مرور الأشهر، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن هذا النهج العسكري كان له ثمن.
فقد تم إهمال القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية العميقة الجذور في اليمن لصالح الأهداف العسكرية قصيرة الأجل. وبدلاً من تخفيف المعاناة أو جلب الفصائل المتحاربة إلى طاولة المفاوضات، أدى الوجود العسكري الأميركي إلى تغذية حلقة من العنف.
ويبدو أن الغارات الجوية والتدخلات العسكرية، على الرغم من أنها تهدف إلى حماية المصالح الاستراتيجية، تتجاهل المبادئ الإنسانية التي كانت الولايات المتحدة تدافع عنها في السابق. وفي النهاية، لم تقدم الاستراتيجية أي مسار واضح للسلام.
التحديات التي تواجه الاستراتيجية الأميركية في اليمن
لقد كان الحوثيون قوة متنامية في اليمن لسنوات، ولكن في عام 2024، وصلت قدراتهم العسكرية إلى آفاق جديدة. لم يعودوا معزولين، بل شكلوا تحالفات جديدة قوية. وتُعد اتصالاتهم العميقة مع روسيا ملحوظة بشكل خاص: فقد بدأت موسكو في تقديم الاستخبارات العسكرية وبيانات الأقمار الصناعية للحوثيين، كما تضمنت المناقشات أيضًا عمليات نقل الأسلحة الروسية المحتملة ، بما في ذلك الصواريخ المضادة للسفن.
لكن الحوثيين لم يتوقفوا عند موسكو. فقد توسعت تحالفاتهم لتشمل الجماعات المسلحة العراقية مثل المقاومة الإسلامية في العراق وحتى جماعات مثل الشباب في الصومال. لم تكن هذه الروابط تتعلق بالأسلحة فحسب: بل كانت تتعلق بالمصالح المشتركة والجهود المنسقة لتحدي القوى الإقليمية.
الاتجاهات السياسية للإدارة المقبلة لترامب
ونظرا للقيود المفروضة على العمل العسكري الأميركي ــ بسبب افتقار الرأي العام الأميركي إلى الرغبة في المزيد من الصراعات، والحالة الضعيفة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، واحتمال شن حملة عسكرية لتعزيز قوة الحوثيين عن غير قصد ــ فيتعين على إدارة ترامب أن تركز على الدبلوماسية والتفاوض والحلول السياسية باعتبارها الوسيلة الوحيدة القابلة للتطبيق لحل أزمة البحر الأحمر واستقرار اليمن.
ولكي يتسنى لنا التصدي للتحديات بفعالية، يتعين على الولايات المتحدة أن تتبنى استراتيجية تتجاوز الإجراءات العسكرية الضيقة ضد البنية الأساسية للحوثيين.
ويتمثل العمل الحقيقي في معالجة الأسباب الأوسع نطاقا التي تغذي العنف. والخطوة الحاسمة الأولى ستكون في غزة، حيث أن وقف إطلاق النار هناك من شأنه أن يقلل من الإجراءات التي تؤدي إلى تأجيج التوترات.
ومن ثم، يتعين على الولايات المتحدة أن تتبنى نهجا جديدا في اليمن لمعالجة جذور قوة الحوثيين. فقد لعبت إيران وروسيا وحركة الشباب والميليشيات العراقية دورا في تعزيز التمرد الحوثي. ويتعين على إدارة ترامب أن تمارس ضغوطا دبلوماسية واقتصادية على هذه الجهات الخارجية لوقف دعمها العسكري والمالي للحوثيين. ولكن هذا لن يكون كافيا. ويتعين على الولايات المتحدة أن تدرك مدى ضرورة قطع خطوط إمداد الحوثيين بالأسلحة التي تعتمد على التهريب.
وينبغي لها أن تركز على طرق التهريب الرئيسية في البحر الأحمر وخليج عدن، حيث تتسرب الأسلحة. وينبغي تكثيف عمليات الحظر البحرية والبرية، مما يجعل من الصعب على الحوثيين الاستمرار في تلقي الموارد العسكرية.
إن معالجة الانقسامات الداخلية في اليمن تشكل أهمية بالغة. ويتعين على الولايات المتحدة أن تركز على نهج متكامل يوازن بين التدابير المناهضة للحوثيين والجهود الرامية إلى مساعدة اليمن على إعادة بناء حكمه والمصالحة بين الفصائل المتنافسة.
وهذا ضروري لتجنب تفاقم تفتت البلاد. وإلا فإن اليمن تخاطر بأن تصبح ساحة معركة بالوكالة بشكل دائم، محاصرة بين قوى خارجية، دون أمل في التوصل إلى حل داخلي. ويتعين على الولايات المتحدة أن تدعم الاستقرار السياسي والاقتصادي في اليمن، وهو ما من شأنه أن يضمن بدوره الأساس لتعافي اليمن مع تعزيز الأمن الإقليمي.
بالنسبة للإدارة القادمة لترامب، فإن الدروس المستفادة من الماضي واضحة. فلا ينبغي للولايات المتحدة أن تعتمد بعد الآن على استراتيجيات مجزأة تعالج أعراض الأزمة اليمنية فقط. ولإحداث تحول حقيقي في مسار الصراع في اليمن، يتعين على الولايات المتحدة أن تعالج القوى الأعمق وراء الصراع.
إن مفتاح النجاح هو التعاون. حيث يتعين على الولايات المتحدة أن تعمل جنباً إلى جنب مع الشركاء الدوليين والإقليميين لتطوير إطار موحد للسلام ــ إطار شامل ومستجيب لاحتياجات جميع الفصائل اليمنية. وهذا يعني ضمان ألا تكون الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً مجرد واجهة، بل سلطة فعّالة وقادرة على تولي القيادة.
ويتعين على الولايات المتحدة أيضاً أن تضغط على الجهات الفاعلة الإقليمية الرئيسية، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لتوحيد جهودها في اليمن. فقد كان التنافس بينهما لفترة طويلة عقبة رئيسية أمام أي وحدة مجدية في اليمن.
ولن يتسنى لهما المساعدة في استقرار البلاد إلا من خلال وضع خلافاتهما جانباً وتنسيق جهودهما. وبفضل النفوذ الدبلوماسي الأميركي، قد تتمكن هذه الجهات الفاعلة من تشكيل إطار تعاوني يتصدى للتحديات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تواجه اليمن.
المصدر: المركز العربي بواشنطن