واصل العلماء المشاركون في فعاليات الجلسة العلمية الأولى بالندوة الدولية لدار الإفتاء المصرية نقاشاتهم حول موضوع الفتوى والأمن الفكري، حيث استعرض الدكتور أسامة هاشم الحديدي، مدير عام مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية بمشيخة الأزهر الشريف، أهمية الفتوى المنضبطة في مواجهة الأفكار المتطرفة وإيضاح مراد الله من كلامه، مشيرًا إلى دورها الجوهري في حفظ العقول من الانحراف والتطرف، واستقامة حياة الناس على طريق الله.

وأوضح أن الفتوى ليست مجرد إبداء رأي، بل هي توقيع عن الله في أحكامه، مشددًا على ضرورة أن يتحلى المفتي بشروط العلم والأهلية، وأن يكون متمكنًا من فهم النصوص الشرعية واستيعاب حوادث الواقع، بما يضمن تحقيق مقاصد الشريعة وإيصال الحكم الشرعي الصحيح.

وأشار  الحديدي إلى خطورة إطلاق الأحكام الشرعية دون دليل أو برهان، معتبرًا ذلك من أشكال الكذب على الله، مستشهدًا بقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ﴾ [النحل: 116].

وفي استعراضه لأسباب التطرف، أكد الحديدي أن الاكتفاء بالتثقيف الذاتي دون بناء علمي رصين، وتقديس الأشخاص، والفهم الخاطئ لنصوص الكتاب والسنة، إضافة إلى التحرر من قيود الفضيلة، تُعد من أبرز عوامل ظهور الفكر المتطرف. كما لفت النظر إلى مظاهر هذا التطرف التي تشمل التعصب للرأي، والغلو، وازدراء المخالفين، إلى جانب الاندفاعية والتهور لتحقيق أهداف آنية دون النظر في العواقب.

وأوضح أن الفكر المتطرف يؤثر سلبًا على الأفراد والمجتمعات، ما يؤدي إلى التكفير، والإرهاب، وتشويه مفاهيم الدين، والإضرار بالقيم الاجتماعية والاقتصاديات الوطنية.

وفي هذا السياق، استعرض الدكتور أسامة الحديدي دَور مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية في مواجهة الأفكار المتطرفة، موضحًا أن المركز يقدم فتاوى واعية من خلال مفتين متخصصين، يتمتعون بالكفاءة العلمية ومهارات الإقناع والحوار. وأكد أن دور المركز لا يقتصر على الإفتاء فقط، بل يمتد إلى تقديم جرعات توعوية تسهم في تحصين المجتمع من الأفكار المنحرفة.

وأضاف أن المركز يضم أقسامًا متعددة، من بينها: قسم للفكر والأديان، وقسم للمتابعة الإلكترونية لرصد الأفكار الشاذة والمتطرفة، ووحدة "بيان" لمواجهة الفكر الإلحادي، إلى جانب قسم التدريب والتطوير الذي يقدم دورات تدريبية لتعريف الأعضاء بأسباب الانحرافات الفكرية وسبل مواجهتها.

كما أشار إلى جهود المركز الميدانية التي تشمل جلسات حوارية مع الشباب في الجامعات ومراكز الشباب، وتقديم محتوى متخصص ضمن برنامج التوعية الأسرية والمجتمعية، بهدف دعم القيم الأسرية وتحصين المجتمع.

وفي ختام كلمته، دعا الدكتور أسامة الحديدي إلى تكثيف الجهود بين المؤسسات الإفتائية ومركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، مشددًا على ضرورة تضمين المناهج الدراسية مواد تحصن الطلاب ضد الفكر المتطرف. كما أوصى بزيادة التفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي للوصول إلى الجمهور، وتكثيف الحملات التوعوية والإلكترونية لمعالجة القضايا الفكرية المعاصرة.
وأكد أهمية استثمار تجربة مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية كنموذج رائد في مواجهة الفكر المتطرف والترويج لوسطية الإسلام. 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الفتوى الإفتاء دار الافتاء المصرية الفتوى والأمن الفكري الأزهر العالمی للفتوى الإلکترونیة الفکر المتطرف

إقرأ أيضاً:

اكتشاف جسيم شبحي عابر للمجرات في البحر الأبيض المتوسط

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)--  اكتشف علماء الفلك "جسيمًا شبحيًا كونيًا" يُعتبر الأشدّ طاقة على الإطلاق باستخدام شبكة عملاقة من أجهزة استشعار لا تزال قيد الإنشاء في قاع البحر الأبيض المتوسط.

يُعد النيوترينو (neutrino)، كما يُعرف الجسيم رسميًا، أكثر نشاطًا بنحو 30 مرة مقارنة بعدّة مئات من النيوترينوات المكتشفة سابقًا.

وغالبًا تُعتبر هذه الجسيمات الصغيرة عالية الطاقة القادمة من الفضاء بأنها "شبحية" لأنّها متقلِِّّبة للغاية، أو بخارية، ويمكنها المرور عبر أي نوع من المادة من دون تغيير.

ولا تتمتع النيوترينوات التي تصل إلى الأرض من أقصى أطراف الكون بكتلة تقريبًا. 

وتنتقل الجسيمات عبر أكثر البيئات تطرفًا، بما في ذلك النجوم، والكواكب، ومجرات بأكملها، وتُحافظ على بنيتها السليمة.

صورة لتلسكوب "KM3NeT" قبل إنزاله إلى قاع المحيط في البحر الأبيض المتوسط. Credit: KM3NeT

نُشِر تحليل لجسيم النيوترينو كتبته بنية تحتية بحثية تُدعى "KM3NeT"، تضم أكثر من 360 عالمًا من جميع أنحاء العالم، الأربعاء في مجلة "Nature".

وقالت المؤلفة المشاركة في الدراسة والمتحدثة باسم مشروع "KM3NeT" والباحثة في المعهد الوطني الإيطالي للفيزياء النووية (INFN)، روزا كونيجليوني، في بيان: "النيوترينوات بمثابة رُسُل كونية خاصة تقدم لنا معلومات فريدة عن الآليات المشاركة في أكثر الظواهر نشاطًا، وتسمح لنا باستكشاف أقاصي أطراف الكون".

تمتّع جسيم النيوترينو المحطِّم للرقم القياسي، والذي أطلق عليه اسم " KM3-230213A"، بطاقة تعادل 220 مليون مليار إلكترون فولت.

وهذا المقدار المذهل يجعله أقوى بـ 30 ألف مرة تقريبًا ممّا يستطيع مسرِّع الجسيمات في مصادم الهدرونات الكبير في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (CERN) بالقرب من جنيف بسويسرا تحقيقه، وفقًا لمؤلفي الدراسة.

ويُعرَف المسرِّع بشحنه للجسيمات لتصل إلى سرعة الضوء تقريبًا.

وقال المؤلف المشارك في الدراسة، الدكتور براد جيبسون، في رسالة عبر البريد الإلكتروني: "كان لهذا النيوترينو الصغير القدر ذاته من الطاقة التي يتم إطلاقها من تقسيم مليار ذرة يورانيوم، وهو رقم مذهل عندما نقارن طاقات مفاعلات الانشطار النووي لدينا بهذا النيوترينو الأثيري الوحيد".

تتكون كل وِحدة كشف في التلسكوب من وحدات بصرية رقمية متعددة.Credit: KM3NeT

يوفر الجسيم بعض الأدلة الأولى بشأن إمكانية إنشاء نيوترينوات عالية الطاقة مشابهة في الكون. 

يعتقد الفريق أنّ الجسيم جاء من خارج مجرة ​​درب التبانة، ولكنهم لم يحددوا نقطة أصله الدقيقة بعد، ما يثير التساؤل حول ما الذي شكّل النيوترينو وأرسله عبر الكون في المقام الأول.

وقد يكون ذلك ناجمًا عن بيئة متطرفة مثل ثقب أسود فائق الكتلة، أو انفجار أشعة غاما، أو بقايا نجم.

ضوء في المحيط يحتوي كل جهاز كشف كبير على 18 وِحدة بصرية كروية.Credit: Marco Kraan/KM3NeT

يصعب اكتشاف النيوترينوات لأنّها لا تتفاعل مع محيطها في الغالب، ولكنها تتفاعل مع الجليد والماء. 

وعندما تتفاعل النيوترينوات مباشرة مع أجهزة الاستشعار، يشع الجسيم بضوء يميل إلى الأزرق يمكن رصده بواسطة شبكة قريبة من أجهزة الاستشعار البصرية الرقمية المركبة في الجليد أو العائمة في الماء.

نُشِرت وحدات كشف متعددة في قاع البحر الأبيض المتوسط في السنوات الأخيرة للبحث عن النيوترينوات.Credit: KM3NeT

توصّل فريق دولي إلى فكرة بناء شبكة من الكواشف التي قد تكون قادرة على رصد النيوترينوات بأعماق المحيط في أوائل العقد الأول من القرن الـ21.

و أُطلق عليها اسم تلسكوب النيوترينو الكيلومتري المكعب، أو "KM3NeT"، وبدأ تركيب الشبكة في عام 2015.

حقّق تلسكوب "KM3NeT" اكتشافه القياسي في 13 فبراير/شباط بعام 2023، عندما أضاء الجسيم أحد الكواشف.

ولا يزال مشروع "KM3NeT"، الذي يتضمن شبكة من أجهزة الاستشعار المثبتة في قاع البحر، قيد الإنشاء. لكن قال مؤلفو الدراسة إنّ هناك ما يكفي من أجهزة الكشف لرصد النيوترينو عالي الطاقة.

أصول غامضة وقوية

يسمح اكتشاف النيوترينوات في الكرة الأرضية الباحثين بتتبع مصادرها. 

وقد يكشف فهم مصدر هذه الجسيمات المزيد عن أصل الأشعة الكونية الغامضة، والتي اعتُقِد أنّها المصدر الأساسي للنيوترينوات لفترةٍ طويلة عندما تضرب الأشعة الغلاف الجوي للأرض.

وتضرب الأشعة الكونية، وهي أكثر الجسيمات طاقةً في الكون، الكرة الأرضية من الفضاء. 

وتتكون هذه الأشعة غالبًا من البروتونات أو النوى الذرية، ويتم إطلاقها عبر الكون. ومهما كان مصدرها، فإنه عبارة عن مسرِّع جسيمات قوي للغاية لدرجة أنه لا وجه للمقارنة بينه وبين مصادم الهدرونات الكبير. 

مقالات مشابهة

  • ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟
  • اكتشاف جسيم شبحي عابر للمجرات في البحر الأبيض المتوسط
  • عضو «الأزهر العالمي للفتوى»: سيدنا النبي كان حريصا على تجنب ما يثير الشكوك بالقلوب
  • مدير الشئون الدينية في السنغال يشيد بجهود الأزهر الشريف في تعزيز قيم الوسطية
  • بيبرس لأئمة وباحثي ألمانيا: التعصب والجهل أهم أسباب فوضى الفتوى الإلكترونية
  • خطة مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية لشهر رمضان 1446هـ
  • الأزهر العالمي للفتوى: إخراج الزكاة لأهل غزة وإعمار أرضها جائز
  • بيان عاجل من الأزهر للفتوى بشأن إخراج الزكاة لصالح إعمار غزة
  • «الأزهر العالمي للفتوى» يكشف حكم إخراج الزكاة لإعمار غزة ومساعدة أهلها
  • الأزهر للفتوى: عدم قراءة المأموم الفاتحة في الصلاة الجهرية لا يبطلها