في مديح «البلدان» و«رعاة البلاد»
تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT
«سايرين البلاد» هو تعبير تعوّده سكان العاصمة ممن أتوا من ولايات بعيدة عنها، متصلين ببلدة أو قرية بعيدة يعودون إليها صلة للأرحام بين الحين والحين، وهكذا يميل الناس إلى سكنى العواصم لما في العواصم من فرص متاحة، وإمكانيات متعددة، ما تتضمن من تنوع عمراني وكثافة تواصلية وتلوّن سكاني وفقا لاختلاف ثقافة مقيمي العواصم المكونة تشكيلا من كل لون وكل نوع بخلفيات ثقافية اجتماعية متباينة وطبائع مختلفة، يريد الأغلبية سكنى العواصم -بلاشك- سعيًا للتنافس وإثبات الذات على مسرح مدني رحب، لا يضيق بالأفراد ولا تنقصه المؤسسات والخدمات، هنالك حيث ارتفاع الأجور والتعارف والشهرة ومُمَكِّنَاتِ الظهور، لكن للعواصم سلبياتها كذلك متمثلة في صخب الحياة وتهافتها، الروتين اليومي المتسارع بين ضجيج المركبات الكثيرة وازدحام الطرق المتشعبة، المهمات اليومية التي تأكل الوقت تماما كما تأكل العمر، وما لم يكن المرء ذكيا قادرا على صنع التوازن بين الضرورات الحتمية والكماليات اليومية، التكامل بين مستلزمات العقل وحاجات الروح واستراحات القلب المتوالية فهو واقع لا محالة فريسة سهلة للأمراض النفسية العصبية من أرقٍ واكتئابٍ وقلقٍ وتوترٍ وعُصَاب.
يتساءل المرء مع كل تغيرات الحياة وتبدلات الواقع اليومي: هل ما زالت مقارنات العواصم والقرى أو الأرياف قائمة؟ وهل يمكن تفعيل دور العواصم خدمة للأطراف بعيدا عن الفكرة التقليدية التي تقضي بتوحش المركزية في التهام الفرص والكفاءات مع معاناة الأطراف والهوامش في القرى والمدن الصغيرة من التهميش والإهمال؟
مقالتي اليوم بعيدا عن الإطراء على العواصم وتمجيد المركزية تحاول تأمل الأطراف حيث القرى والأرياف، حيث «رعاة البلدان» -وفقا للتعبير الشعبي- مستشعرون مسؤولياتهم تجاه «بلدانهم» ملتزمون بتطويرها والنهوض بالممكن من قدراتهم ومهاراتهم وحتى ثرواتهم لتنميتها وعيا وإنسانا ومكانا، أما أولئك الذين لم يقوا شح أنفسهم، فاستأثروا بفرديتهم عن المواطنة الحقة، وبعزلتهم الأنانية عن مجتمعاتهم الفخورة بهم المتباهية بنجاحاتهم وبلوغ طموحاتهم رغم ابتعادهم وتنكرهم، وقد يعودون إليها بعد أمد طويل سعيا لمجد مجتمعي أخير حيث لن يعرفهم مكان أكثر من المكان الذي تَعَهدهم طفولةً وشبابا، واحتفى بأسمائهم وأحلامهم حضورا وغيابا، وقد يجدون مبتغاهم حينها رغم كل شيء أو أنهم يعودون بما قدموا من نكرانٍ وبُعْدٍ عتابا من «بلاد» أرهقتها حسرة عقوق الأبناء، وتعاقب الأنواء. أزور «البلدان» في عماننا السخيّة دوما فيسرني بِرّ وإخلاص بنيها المؤمنين بأنهم أجمل وأنبل مخلصين لقراهم و«بلدانهم»، وبأنها أجمل بهم ومعهم بنيانا وإنسانا، أولئك المبادرون بمشروعات ترفيهية وأخرى تنموية، مبادرات تطوعية، جمعيات خيرية وفرق أهلية تنهض بهمتهم لتوثيق بصمة قبليّة ريفيّة رائعة لمكان أجمل بإنسان أنبل.
مجلس «البلاد» العام أو «السبلة» مستقبلا أهله في مناسباتهم فرحا أو ترحا، كما يستقبل فعالياتهم الثقافية والاجتماعية بتناغم في كل وقت، وبعد أن اقتصر على الرجال ردحا من الزمن اتسع بوعي وإيجابية أهله ليستقبل الفعاليات الثقافية والتربوية النسائية كذلك، فِرَقُ «البلاد» الأهليّة التي أسسها بعض الأهل تعهد بعضهم الآخر بتوفير مقرها مجانا وآخر لتمويل أنشطتها ترويجا ودعما، التاجر المتعثر في بداياته ستقيل عثرته يد من أهالي «البلاد» حبا وكرما إذ لا ترضى الجماعة بخسارة أفرادها الساعين لخيرها، وتكبر «البلاد» وتتسع لشراكات أروع مع «البلدان» المجاورة لأن «البلاد بلادنا والكل أهل» وتقوى هذه لتقوى تلك بشراكة رائعة لاتحاد اجتماعي اقتصادي جغرافي نحبه.
ختاما: أتمنى من المراكز الرئيسة دعم «البلدان» السخية الطيبة بكل الممكن من أسباب التنمية والتطوير اقتصاديا واجتماعيا، والتسهيل بعيدا عن التعجيز، وتذليل كل العقبات لتجاوز كافة التحديات وصولا لتفعيل حقيقي لمسارات اللامركزية الإيجابية، على كل منا احترام وتقدير الجهد المُضاعف المبذول إخلاصا وحبا لهذه الأرض وهذه البلاد، خصوصا في الولايات البعيدة عن العاصمة، ولن يتأتى ذلك التقدير دون الحرص على تكامل مجتمعي يؤمن بأن الوطن لوحة واحدة نرسمها جميعا ولا تجمل دون حرص الجميع على كل تفاصيلها، من كل زواياها بكل ألوانها، ولا ننسى أننا نتكامل بتناغم اختلافنا الإيجابي الرائع بين أرياف وحواضر، سهول وجبال، شواطئ ورمال، نساء ورجال كلنا لعمان وعمان لنا.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
حالة عدم استقرار جوي شاملة وماطرة بغزارة من المغرب العربي الى بلاد الشام والسعودية ومصر والعراق
#سواليف
تعاني النماذج الجوية في الآونة الأخيرة من حالة ارتباك عام، انعكست سلباً على دقة التوقعات المتوسطة والقريبة المدى. فقد بات من الصعب التنبؤ بالفترات المتوسطة بشكل ملحوظ، وأصبحت عملية التوقع الجوي أكثر مشقة وإرهاقاً نظراً لكثرة الأخطاء الصادرة عن هذه النماذج. وعلى الرغم من التقدم التقني الهائل وتوظيف الذكاء الاصطناعي في مجال #الأرصاد_الجوية، فإن أداء النماذج في الماضي كان أفضل مما هو عليه اليوم، من دون أن تتضح حتى الآن الأسباب الحقيقية وراء هذا التراجع.
ومؤخراً، اتفقت النماذج على سيناريو موحّد تزداد احتمالية تحققه، ما أفسح المجال للخوض في تفاصيله. ويتمثل هذا السيناريو في اندفاع كتلة هوائية باردة نحو وسط البحر الأبيض المتوسط اعتباراً من يوم الأحد الموافق 15 ديسمبر 2024، الأمر الذي سيؤدي إلى نشوء حالة عدم استقرار جوي عالية الفعالية تؤثر في تونس وليبيا. وبعد ذلك، تتحرّك هذه الكتلة الباردة شرقاً باتجاه مصر، ثم صوب شرق #البحر_الأبيض_المتوسط لتصل مع نهاية الأسبوع، وتحديداً يوم الخميس 19 ديسمبر 2024 تقريباً، إلى بلاد الشام والعراق وشمال السعودية. وتشير المخرجات الحالية إلى احتمالية تشكّل #حالة_جوية_ماطرة قوية ضمن هذا الإطار الزمني.
مقالات ذات صلة استخباراتي إسرائيلي سابق يكشف خطوطا عريضة لمبادرة أمريكية لوقف النار في غزة 2024/12/15وبالتفاصيل :
من المُتوقع أن تتأثر تونس وليبيا بحالة قوية من عدم الاستقرار الجوي اعتباراً من مساء الأحد ويوم الاثنين، حيث ستشهد المناطق الشمالية والشرقية من الأراضي التونسية، وكذلك معظم الأراضي الليبية، هطول #زخات #غزيرة من #الأمطار الرعدية. ومن المحتمل أن يترتب على ذلك ارتفاع في مخاطر تشكّل #السيول والفيضانات نظراً لارتفاع مؤشرات تشكّل السحب الركامية القوية، على أن يستمر تأثير هذه الحالة الجوية حتى يوم الأربعاء.
ومع وصول يوم الأربعاء، تبدأ الكتلة الهوائية الباردة بالتحرّك نحو الشمال الشرقي باتجاه شرق البحر الأبيض المتوسط، عابرةً الأراضي المصرية. وفي تلك المرحلة، يُتوقع هطول زخات رعدية من الأمطار في عدة مناطق سيتم تحديدها لاحقاً. وبحلول يوم الخميس، ومع وصول الكتلة الهوائية الباردة إلى شرق المتوسط، يُرجّح أن تتلقى دعماً بارداً إضافياً من الشمال، ما يزيد من برودتها ويؤدي إلى تشكّل منخفض جوي ضحل وحالة عدم استقرار ماطرة بغزارة. ستترافق هذه الحالة مع أمطار رعدية تؤثر على الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان والعراق وشمال السعودية وشمال شرق مصر.
تستند هذه التوقعات إلى أحدث المخرجات العددية، وتزداد فرص تحقّقها في ظل اتفاق نماذج الطقس على هذا السيناريو. سنوافيكم بآخر المستجدات تباعاً.
والله اعلى واعلم