بيلاروس وسلطنة عمان تقاليد الصداقة في عالم متغير
تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT
تقول المقولة العربية: «الصداقة نعمة من الله وعناية منه بنا».
تمتد الصداقة بين بيلاروس وسلطنة عُمان لأكثر من 30 عامًا. وخلال هذه الفترة، تقدمنا بثبات على طريق تعزيز هذه العلاقة، وسعينا لاكتشاف فرص جديدة لتطوير العلاقات الثنائية. بعناية، على الطريقة الشرقية، وبحذر، وروية، محاولاً عدم إلحاق أي ضرر بهذه العلاقة.
وكنت قد زرت بلدكم التاريخي الجميل ذا الطبيعة الساحرة والشعب الودود للمرة الأولى في عام 2007، وكلما تعمقت في التعرف على عُمان، كلما تأكدت من التقارب بين عقليات الشعبين، على الرغم من آلاف الكيلومترات التي تفصلنا عن بعضنا البعض.
وليس مدهشا أن نقول أن نظرتنا للحياة متشابهة للغاية؛ فقد مرت عُمان في تاريخها، كما هو الحال مع بيلاروس بتحديات صعبة عبر التاريخ من أجل بقاء الدولة وتقدمها، ولم يكن القدر رحيما بأجدادنا، الذين وجدوا أنفسهم بإرادة القدر على طرق الهجرة في أوراسيا وأفريقيا، وعلى تقاطع طرق التجارة وتقاطع الحضارات وفي سبيل ذلك تحملوا الكثير من الأخطار وخاضوا الكثير من الحروب.
وبسبب هذه التشابهات التاريخية، والتحديات التي مررنا بها ليس لدينا خلافات عميقة، بل لدينا آراء متشابهة في العديد من القضايا الجوهرية التي يعاني منها المشهد العالمي.
ويمكن القول إن العالم الحديث لم يعد سهلا فهو في مواجهة الكثير من التناقضات، ولا يبدو أن أحدا قادر على ضمان أمنه ورفاهيته، الأمر الذي يضع أمام الجيل الحالي مسؤولية حل مشاكل إنسانية صعبة تماما كما كان يحدث في القرون السابقة.
وركزت مينسك ومسقط بعد تجاوز الكثير من التحديات التاريخية على أولويتين اثنتين لضمان المزيد من الاستقرار:
أولا، وهذا هو الأمر الأهم، بناء دولة مهتمة بالجوانب الاجتماعية، يتحول فيها الاهتمام بالإنسان من مجرد شعار إلى مسار سياسي.. وكانت بيلاروس قد أعلنت منذ وقت مبكر أن بيلاروس هي دولة للشعب. وفي هذا، تتشابه بيلاروس مع سلطنة عُمان حيث تضع الخطة الوطنية الطموحة «رؤية عمان 2040» أسس الرفاه الاجتماعي، مما يشير إلى التفكير الاستراتيجي العميق لدى القيادة العمانية التي تعتني بشكل واضح بالأجيال القادمة، وفي الحقيقة هذا يثير إعجابنا كثيرا.
أما الأولوية الثانية، فهي بناء علاقات خالية من الصراع مع جميع الدول القريبة والبعيدة، وبغض النظر عن حجمها ووزنها السياسي وتأثيرها في الشؤون الدولية. بيلاروس وسلطنة عُمان كل في منطقته، معروفتان بجهودهما في تهدئة التوترات وبادراتهما للمفاوضات السلمية. وتثبت الحياة كل يوم أن الاستثمار في السلام والأمان هو الاستثمار الأهم والأكثر حكمة في وقتنا الراهن، وهو استثمار يسمح بالتخطيط ويعطي فرصة للتطوير في كل الاتجاهات.
والبيلاروس بطبيعتهم شعب مضياف ومسالم للغاية، ونحن سعداء، دائما، بالأصدقاء المسالمين ونحب أن نعيش مع الجميع في سلام وطمأنينة. ويمكن أن نذكر أن نشيدنا الوطني يبدأ بكلمات «نحن، البيلاروسيين شعب مسالم...» وهذا ليس مجرد لعب بالكلمات، إنه جوهر مسارنا التاريخي.
ما هي بيلاروس؟ ما هويتها؟ ربما من الصواب أن أبدأ بوصف موجز لبلادي.
تحتل جمهورية بيلاروس موقعا شديد الأهمية من الناحية الجيوسياسية، حيث تعتبر المركز الجغرافي لأوروبا تاريخيًا، كانت أرضنا جسرًا بين الشرق والغرب والشمال والجنوب في أوراسيا.
هذه الحقيقة، من جهة، دائمًا ما كانت تحدد الدور الرئيسي لبيلاروس في السياسة الإقليمية، ومن جهة أخرى، كانت مصدرا للعديد من المآسي على شعب بيلاروس.. فلقرون طويلة، كانت أرضنا في قلب الحروب والصراعات العسكرية.
ونتيجة للحرب العالمية الثانية، التي دخلت تاريخنا بصفتها الحرب الوطنية العظمى من عام 1941 إلى عام 1945، فقدنا ثلث سكاننا؛ وتم تدمير اقتصادنا بالكامل تقريبا. كانت المدن البيلاروسية مدمرة، وآلاف القرى تم حرقها مع سكانها.
ونتيجة لتلك التضحيات الهائلة التي ضحى بها شعبنا، تم تكريم جمهوريتنا بأن تكون واحدة من الدول المؤسسة للأمم المتحدة. وبفضل الاتحاد السوفييتي، الذي كانت بيلاروس جزءًا منه، تمكنا بسرعة، ليس فقط من استعادة مستوى التطور الذي كنا عليه قبل الحرب، ولكن أيضا من تحقيق صعود هائل وملحوظ.
كان الأزمة التالية تلوح في الأفق في عام 1986، عندما حدثت كارثة في محطة تشيرنوبيل النووية، والتي أصبحت كارثة القرن. وعلى الرغم من أن المحطة النووية لم تكن تابعة لجمهوريتنا وكانت على الأراضي الأوكرانية المجاورة، إلا أن الأضرار الأكبر وقعت على الشعب البيلاروسي بشكل خاص. ويكفي أن نقول إن مجموع الأضرار تجاوزت 25 ضعف ميزانية بلادنا لعام 1986.
وجاءت هذه الفترة في ظل أزمة اقتصادية عميقة ناجمة عن تفكك الاتحاد السوفييتي، ما أدى إلى قطع الروابط التعاونية الحيوية، ووقف إمدادات المواد الخام الرخيصة والأسواق لتصريف المنتجات الجاهزة. وفي ظل هذه التحديات الاقتصادية والسياسية، حصلت جمهورية بيلاروس على استقلالها في عام 1990، كانت المهمة الرئيسية آنذاك هي إنقاذ البلاد من السقوط في الهاوية.
لم نكتف بذلك فحسب، بل أعدنا بناء النظام الاقتصادي بالكامل، وحافظنا على المؤسسات الرئيسية والمدارس العلمية والهندسية، وضمنا وحدة السلطة ومرونة الإدارة.
اليوم، تعتبر جمهورية بيلاروس دولة ذات اقتصاد تنافسي موجه نحو التصدير، حيث تُعرف منتجاتها في جميع أنحاء العالم. وتستطيع بيلاروس تحقيق أمن غذائي كامل للبلاد وتصدير المنتجات الزراعية بمجموع قدره حوالي 8 مليارات دولار أمريكي. وعلى الرغم من عدم وجود منفذ بحري، تمكنت بيلاروس من إنشاء أسطول صيد خاص بها وصناعة معالجة الأسماك، معتمدةً على أحدث التقنيات تسيطر شاحنات التعدين بيلاروس «بيلاز» على 30% من السوق العالمية للشاحنات الثقيلة، ودخلت شاحنة بيلاز - 75710 ، التي تحمل 450 طنا، موسوعة جينيس للأرقام القياسية.
إن بيلاروس، مثل عُمان، جزء من مجموعة البلدان التي تنفذ برامج استكشاف الفضاء. ونعمل في مجال تطوير الطاقة النووية واستكشاف القطب الجنوبي.
كل هذا وبيلاروس ليس لديها مخزونات خاصة من المواد الخام (الهيدروكربونات في المقام الأول).
أعلم أن عُمان قد اختارت نهجًا استراتيجيًا في تعزيز دور القطاع غير النفطي في الاقتصاد الوطني، مما يعكس رؤية حكيمة من القيادة العمانية، ومن خلال تجربتي يمكنني القول إن المورد الرئيسي لأي دولة هم البشر، ومن خلال عملهم تمكنت بيلاروس من التغلب على الضغوط السياسية والاقتصادية الهائلة التي تتعرض لها بلادنا وتحقيق النجاح. والشعب هو العمود الفقري لأي دولة، والذهب والنفط يتمثلان في الإمكانات الفكرية لأي دولة/ أمة.
أنا على ثقة بأن تعميق العلاقات البيلاروسية العمانية يمكن أن تصبح محور نمو جديد للاقتصادين وحافزًا لتنمية رأس المال البشري. ويتضح ذلك من خلال المستوى الحالي للاتصالات السياسية والأسس التي أنشأناها.. ولكن هناك أيضا إمكانات هائلة غير محققة.
إن العلاقات التجارية والاقتصادية هي الأساس القوي الذي يمكن أن يُبنى عليه التعاون الثنائي المتين.
ولكن ما الذي يمكن أن تقدمه بيلاروس لسلطنة عُمان؟
أولاً، توريد المنتجات البيلاروسية من الهندسة الميكانيكية والصناعات الكيماوية والمواد الغذائية والصناعات الخفيفة، فلدينا مصانع بتروكيماويات متقدمة عالميًّا.
وتعد التكنولوجيا الحيوية والمستحضرات الصيدلانية من بين المجالات ذات الأولوية في التنمية. وعلى سبيل المثال: يتم إنتاج أكثر من نصف الأدوية في البلاد محليًّا، وهذه الحصة آخذة في الازدياد. وتقدم بيلاروس عددًا من الأدوية الفريدة لعلاج السرطان وأمراض المناعة وأمراض القلب والأوعية الدموية.
وأصبحت الجودة العالية للطب البيلاروسي وتقنيات العلاج المتقدمة علامة تجارية أخرى للبلد، وهذا انعكس بشكل إيجابي على الوضع الصحي في بيلاروس حيث يعد معدل وفيات الرضع لدينا من أقل المعدلات في العالم، كما أن زراعة الأعضاء في بيلاروس تعتبر متطورة جدا ويأتي المرضى إلينا مع جميع أنحاء العالم، حتى في أكثر الحالات الميؤوس منها. ولذلك فإننا مستعدون لإتاحة الفرصة لأصدقائنا العمانيين للعلاج على أيدي أطباء على درجة عالية من الاحتراف، والتعاون في تدريب العاملين في المجال الطبي وتبادل الخبرات.
ويمكن أن تشارك بيلاروس خبراتها مع عُمان في مجال التقنيات الحديثة، من الحافلات الكهربائية والحلول البرمجية للمدن الذكية إلى الطائرات بدون طيار والمواد النانوية والأقمار الصناعية.
والمصدرون البيلاروس مستعدون للمشاركة في تطوير أسواق جديدة في إطار البرنامج الوطني العماني لجذب الاستثمارات الأجنبية.
وبفضل موقعها، تتطلع مينسك أيضًا إلى تعزيز التعاون الاستثماري من خلال جذب استثمارات أجنبية مباشرة عالية الجودة لتحقيق هدفنا المتمثل في أن تصبح بلادنا مركزا دوليًا للتجارة والخدمات اللوجستية والتصنيع. وهذه فرصة عظيمة للشركات العُمانية التي تبحث عن مجالات للاستثمار في الصناعات غير المرتبطة بالموارد الطبيعية، وستسهم هذه الشراكة في تطوير القاعدة الإنتاجية في مختلف قطاعات الاقتصاد وزيادة مساهمة الصادرات في الناتج المحلي الإجمالي لبلدينا.
في السنوات السابقة، تعاونت بيلاروس وسلطنة عُمان بشكل فعال في دراسة اللغة العربية، وقد حان الوقت لتوسيع فرص التعاون في هذا المجال، بما في ذلك تدريب العاملين في المجال الإداري والعاملين في الاقتصاد العماني في التخصصات الهندسية والتقنية والطبية وغيرها من التخصصات في المؤسسات التعليمية البيلاروسية.
تعمل حكومتانا حاليًّا على تهيئة أكثر ظروف سفر مريحة قدر الإمكان، وهناك خطط لفتح خط جوي مباشر بين البلدين في المستقبل القريب، وندعو رجال الأعمال والطلاب والسياح إلى بيلاروس.. ونؤكد أن لدينا ما نستطيع تقديمه للجميع.
ولا شك أنكم، وجميع شركائنا، ستقدرون التزام البيلاروس، ونحن نتمسك بالتزاماتنا واتفاقاتنا حتى في أصعب الظروف، وأنا على ثقة من أن الديناميكيات الإيجابية للعلاقات البيلاروسية العمانية ستؤتي ثمارًا رائعة في المستقبل القريب جدا، وسينعم بها شعبانا وستساهم في زيادة الرخاء للأجيال القادمة.
ألكسندر لوكاشينكو رئيس جمهورية بيلاروس
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: جمهوریة بیلاروس الکثیر من من خلال
إقرأ أيضاً:
نائبة: زيادة الاستثمارات اليابانية في مجال التعليم بمصر يستهدف إحداث نهضة بالقطاع
أشادت النائبة جيهان البيومي، عضو لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس النواب بتصريحات وزير التعليم بشأن تطلع وزارة التعليم لزيادة الاستثمارات اليابانية في مجال التعليم بمصر.
وأكدت البيومي في تصريحات خاصة لـ"صدى البلد" أن ذلك يأتي في إطار التنوع في أنماط جديدة من التعليم ، وكلها تجارب ناجحة ، وتستهدف إحداث نهضة تعليمية.
وأشارت إلى أننا كان لدينا تجارب ناجحة في المدارس الألمانية في مصر ، وبالتالي فإن زيادة الاستثمارات اليابانية في مجال التعليم بمصر ، يأتي استكمال لهذه التجارب الناجحة.
وأوضحت عضو لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس النواب أن التنوع فى الأنماط التعليمية في مصر أمر إيجابي جدا ، وسيفتح الباب لكي يكون هناك مجال أوسع للخريجين.
وكان قد التقى محمد عبداللطيف، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، مع أعضاء البرلمان الياباني وجمعية الصداقة المصرية اليابانية، برئاسة رئيس الوزراء الياباني الأسبق ورئيس جمعية الصداقة البرلمانية المصرية اليابانية النائب تارو آسو، وبحضور النائب كينجي يامادا، سكرتير عام جمعية الصداقة البرلمانية المصرية اليابانية.
ورحب أعضاء البرلمان الياباني وجمعية الصداقة المصرية اليابانية بالوزير محمد عبداللطيف والوفد المرافق له، حيث أكدوا على أهمية مصر كدولة محورية في منطقة الشرق الأوسط، معربين عن اعتزازهم بالعلاقات المتينة بين البلدين.
كما أشاروا إلى تقديرهم الكبير للرئيس عبدالفتاح السيسي، وزياراته المتعددة لليابان، بما في ذلك حضوره مؤتمر التيكاد 7، والتي عكست عمق الشراكة بين البلدين.
ومن جانبه، أثنى الوزير على العلاقات القوية التي تجمع مصر واليابان، مشيدًا بالمشروعات المشتركة، وعلى رأسها المدارس المصرية اليابانية، التي أصبحت نموذجًا ناجحًا يجسد قوة التعاون المصري الياباني، فضلا عن المتحف المصري الكبير.
كما أكد الوزير التزام مصر بمواصلة هذه الشراكة الناجحة وتقديمها كنموذج عالمي خلال مؤتمر "تيكاد ٩" القادم.
وأعرب الوزير محمد عبداللطيف عن تطلعه لزيادة الاستثمارات اليابانية في مجال التعليم في مصر، مع التركيز على تعزيز التعاون في رعاية وتعليم الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، كما أكد حرصه على تعزيز التعاون في مجال التعليم الفني وتأهيل الطلاب للعمل في الشركات اليابانية، مستندًا إلى النموذج الناجح الذي طبقته مصر مع إيطاليا وألمانيا، ضمن إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وفي هذا السياق، أكد الوزير على أهمية تطوير التعاون في مجالات تدريب الكوادر الفنية، نظرًا لأهمية مصر كبوابة لإفريقيا، مما يفتح آفاقًا جديدة لتعزيز التكامل التعليمي والصناعي بين البلدين.
وخلال اللقاء، قدم الدكتور هاني هلال، الأمين العام للشراكة المصرية للتعليم عرضًا تفصيليًا للمشروعات الحالية والمستقبلية، من بينها مشروع "كوسن" الذي يمثل ثمرة تعاون بين مصر واليابان.
وفي ختام اللقاء، وجه الوزير الشكر لأعضاء البرلمان الياباني، وخاصة لجنة التعليم، على دعمهم المستمر، ودعم هيئة التعاون الدولي اليابانية "جايكا" لاستكمال تنفيذ المشروعات التعليمية المشتركة مع مصر.
كما ثمّن دور النائب كينجي يامادا، سكرتير عام جمعية الصداقة البرلمانية المصرية اليابانية، في تعزيز التعاون بين البلدين في هذا المجال الحيوي.