ترجمة: أحمد شافعي -
حدث في يوم من الأيام أن رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب إردوجان استضاف الرئيس السوري بشار الأسد في إجازة عائلية في تركيا وخططا معا لاتحاد شرق أوسطي يضم كلا من سوريا ولبنان والأردن. لكن الربيع العربي أتي فغير ذلك كله تغييرا. إذ اتسم حكم الأسد بعده بوحشية فاق بها وحشية أبيه حافظ الأسد، وذلك حتى سقوطه على أيدي هيئة تحرير الشام في الأسبوع الماضي.
لاحقا، أصبح بشار الأسد يوصف بـ«الأسد القاتل»، وأعلن رجب طيب إردوجان ـ وقد بات رئيسا ـ أنه عما قريب سوف يصلي في المسجد الأموي بدمشق. غير أن هذه الصلاة استغرقت من الوقت أكثر كثيرا مما توقعه. ولكي يغير إردوجان نظام الأسد ذا القيادة العلوية ويستبدل به حكما سنيًّا، فقد استعمل الاحتيال والتحالف مع عصبة متنوعة من الجهاديين.
وفي زلة لسان بجامعة هارفرد سنة 2014، قال نائب الرئيس الأمريكي آنذاك جو بايدن في فقرة الأسئلة المفتوحة إن أكبر مشكلات أمريكا وحلفائها من الأتراك والخليجيين في منطقة الشرق الأوسط هي سوريا.
«لقد عقدوا العزم على إسقاط الأسد، وخوض حرب بالوكالة بين السنة والشيعة، فما الذي فعلوه؟ صبوا ملايين الدولارات وعشرات الأطنان من الأسلحة على كل من أبدى استعدادا لمحاربة الأسد، لولا أن الذين أمدوهم بالسلاح كانوا النصرة والقاعدة والعناصر المتطرفة من الجهاديين الذين وفدوا على سوريا من أجزاء مختلفة من العالم».
وقد تمثلت مشكلة تركيا المستمرة في مشكلتهم مع القومية الكردية، بدءا بتمرد الشيخ سعيد سنة 1925 في ما يعرف بـ«الحرب القذرة» مع حزب العمال الكردستاني. ولم يزل صدى ذلك يتردد حتى اليوم في المظاهرات الأسبوعية لـ«أمهات السبت» المطالبة بمعرفة أماكن وجود أحبائهن.
ومن المفارقات أن إردوجان كان هو أول زعيم تركي يعترف بأن لدى تركيا مشكلة كردية، الأمر الذي أدى إلى محادثات أوسلو وهدنة استمرت سنتين حتى عام 2015. غير أنه في اتفاقية إغرائية كبيرة أبرمت في يوليو من عام 2015، عرض إردوجان على أوباما قاعدة إنجرليك الجوية في مقابل ما يرقى إلى إطلاق يده في الأكراد.
وبدأت عملية سلام ثانية مع شريك حكم حزب العدالة والتنمية الحاكم وهو حزب الحركة الوطنية، لولا أنها تعطلت بسبب إقالة رؤساء البلديات الأكراد المنتخبين انتخابا شرعيا وبسبب الكارثة الإنسانية الناجمة عن الضربات الجوية التركية لشمالي سوريا الخاضع لسيطرة الأكراد.
يتبين من تحليل فرانشيسكو سيكاردي [المنشور في موقع كارنيجي أوروبا سنة 2021] بوضوح أن لسوريا دورا في سياسة تركيا الخارجية. إذ يزعم الكاتب أن سياسة تركيا في سوريا مدفوعة بسياسات محلية وبحاجة إلى ضمان دعم انتخابي من خلال سياسة خارجية قومية عدوانية.
يتسم تدخل تركيا واحتلالها الفعلي لمناطق في سوريا بثلاث عمليات عابرة للحدود في أغسطس 2016 (درع الفرات)، وفي يناير 2018 (غصن الزيتون) وأكتوبر 2019 (نبع السلام)، وداخليا في إدلب في فبراير 2020 (درع الربيع)، وقد وفرت العملية الأخيرة نقطة انطلاق لحملة هيئة تحرير الشام الناجحة.
كانت العملية الأولى صدا للولايات المتحدة، إذ انطلقت العملية في اليوم الذي وضع فيه جو بايدن قدميه في أنقرة لطمأنة تركيا إلى الدعم الأمريكي بعد محاولة الانقلاب في يوليو 2016.
وأدت عملية غصن الزيتون إلى احتلال عفرين، وهي جيب كردي في شمال غرب سوريا، وأدت عملية نبع السلام إلى التوغل في شمال شرق سوريا، وكان ذلك أيضا صدا لدعم الولايات المتحدة للقوات الديمقراطية السورية ذات القيادة الكردية في حربها ضد داعش.
وتمثل سيطرة تركيا على مناطق في شمالي سوريا وإدارتها لها سخرية من دعم تركيا للحفاظ على سوريا وسلامة أراضيها.
في تحليله، يذكر فرانشيسكو سيكاردي الترتيب الاستراتيجي المتجدد بين تركيا وروسيا الذي ساعد البلدين على تحقيق أغراضهما المنفصلة في سوريا: أي بقاء نظام الرئيس السوري بشار الأسد بالنسبة لموسكو وإضعاف أكراد سوريا بالنسبة لأنقرة.
وبعد هرب الأسد، ضعفت يد موسكو، وثمة دلائل على انسحابها، برغم أنها تحتفظ بالسيطرة على قاعدة حميميم الجوية وقاعدتها البحرية في طرطوس في الوقت الحالي. غير أن تركيا تبدو القوة الخارجية ذات اليد الأساسية في سوريا وتحولها السياسي الراهن. بل إن إردوجان مضى بعيدا إلى حد قوله إنه «ليس في العالم الآن غير زعيمين اثنين، هما أنا وفلاديمير بوتين».
تعارض تركيا بشدة لعب أكراد سوريا أي دور في صياغة مستقبل بلدهم، فيتعارض ذلك مع كونهم يمثلون 10% من الشعب ويحتلون مساحة ضخمة من البلد.
ولتركيا أيضا مصلحة خاصة في رجوع أربعة ملايين لاجئ سوري استضافتهم تركيا ـ بدعم من الاتحاد الأوروبي ـ منذ 2011.
لقد تشكلت حكومة مؤقتة في سوريا. ولكن في ضوء نفوذ هيئة تحرير الشام، ثم تخوف من الاتجاه الذي سوف تمضي فيه.
في يناير من عام 2017، عقدت روسيا وتركيا وإيران اجتماعا في الأستانة في محاولة لإنهاء صراع دام ست سنوات في تركيا. ولم تشارك في ذلك الاجتماع الحكومة السورية فقط وإنما حضرته أيضا المعارضة السورية ومبعوث من الأمم المتحدة.
اقترح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف مسودة دستور للتسوية رفضته المعارضة السورية. ومع ذلك، فقد احتوى عناصر قادرة على أن تكون قاعدة للحل. فمنها على سبيل المثال أنه اقترح إسقاط صفة «العربية» من الاسم الرسمي للبلد، أي الجمهورية العربية السورية، ورفض الشريعة الإسلامية أساسا للقانون. كما اعترف بالاستقلال الذاتي الثقافي الكردي والاستعمال المتساوي للعربية والكردية في هذا الصدد.
ولأن الحكومة السورية الجديدة تحتاج احتياجا ماسا إلى دعم دولي، ليس أقله الدعم المالي، فإن المسودة الروسية بحاجة إلى مزيد من الدرس.
روبرت إيليس محلل ومعلق تركي. وهو أيضا مستشار دولي في معهد البحوث للدراسات الأوروبية والأمريكية في أثينا.
عن ذي ناشيونال إنتريست
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی سوریا
إقرأ أيضاً:
صورة سائق رئيس جهاز الاستخبارات التركي أثناء زيارته دمشق تثير ضجة في تركيا
شهدت سوريا أمس يوماً تاريخياً بعد سقوط نظام الأسد، حيث قام رئيس رئيس جهاز الاستخبارات التركية، إبراهيم قالن، برفقة وفده، بزيارة العاصمة دمشق وأدى الصلاة في المسجد الاموي. هذا الحدث أثار ضجة كبيرة في العالم، حيث تم تداول تفاصيله بشكل واسع، وكان أكثر ما لفت الانتباه هو هوية السائق الذي كان يقود السيارة التي أقلت قالن.
وفي أول زيارة له إلى دمشق بعد سقوط نظام الأسد، توجه إبراهيم قالن إلى المسجد الاموي، حيث أدى الصلاة هناك.
وقد قوبل الوفد التركي بحفاوة كبيرة من قبل الحشود التي تجمعّت في المكان، وقدّموا له العديد من مظاهر الدعم والتأييد. بعد الصلاة، غادر الوفد المسجد بنفس الطريقة، حيث رافقهم عدد كبير من المؤيدين.
وفي تصريحات لاحقة، تم الإعلان عن أن إبراهيم قالن سيجتمع مع القائد السوري المعارض أحمد الشرع، المعروف باسم أبو محمد الجولاني، رئيس هيئة تحرير الشام، وكذلك مع رئيس الحكومة المؤقتة محمد البشير.
اقرأ أيضاوسائل التواصل تتحول في تركيا لـ “تهديد اجتماعي…
الجمعة 13 ديسمبر 2024القائد السوري المعارض احمد الشرع الملقب بالجولانيلكن ما أثار دهشة المتابعين هو هوية السائق الذي كان يقود السيارة التي أقلت إبراهيم قالن٬ تبين أن السائق كان هو زعيم هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني. وكان قالن يجلس في المقعد الأمامي بجانب السائق.