ترجمة ـ قاسم مكي -
سقوط نظام الأسد أضر بالمصالح الروسية ليس فقط في سوريا. فانهيار النظام شكَّل ضربة قاسية لسمعة روسيا كحليف موثوق وقادر على ضمان بقاء شركائه. لقد ظلت آلة موسكو الدعائية منذ تدخلها العسكري في عام 2015 تصوِّر روسيا كضامنة للاستقرار وحامية للأنظمة من الضغوط الخارجية والتهديدات الداخلية. هذه الدعاية دائما ما تعقد مقارنات بين الأسد ومصائر الحلفاء الأمريكيين في محاولتها تمييز الكرملين عن «الأمريكان غير الموثوقين».
فقدان الأسد سيقوض ثقة الحلفاء المحتملين في الضمانات الروسية، وسيكون من الصعب لموسكو الادعاء على الأقل بأنها لن تتخلى عن أحد من حلفائها.
كما فقدت روسيا أيضًا استثماراتها، ولا تقتصر خسارتها على قروض بملايين الدولارات قدمتها لنظام الأسد. فالجهود العسكرية والدبلوماسية للحفاظ على الأسد في سدَّة الحكم راحت هدرًا ببساطة ولن تحقق عائدًا. إجمالي هذه الخسائر لم يُحسب بعد.
هنالك مورد آخر أهدر أيضًا ولا يقدر بثمن. إنه أرواح الجنود الروس ومرتزقة فاغنر. ففي مجتمع حر ويتمتع بنشاط سياسي أكبر من روسيا سيُسأل الرئيس: ما الذي حققته تضحيتهم؟ لكن حرب أوكرانيا شكلت غطاء لبوتين وحجبت المغامرات السورية لجيش روسيا.
منذ فترة طويلة ظل الوجود العسكري الروسي في سورية رمزًا للثقل السياسي لموسكو في شؤون الشرق الأوسط. إلى ذلك، هذا الوجود في سوريا كان إلى حد كبير وراء تحالف روسيا الحالي مع إيران.
مع سقوط الأسد فقدت موسكو رافعة نفوذها هذه، لكن وضح أيضًا أن الوقت لم يحن بعد أو ربما فات الأوان لروسيا؛ كي تموضع نفسها كقوة عالمية.
وعلى الرغم من التصريحات التي أطلقها بعض الخبراء الروس لا يمكن تحميل الولايات المتحدة أو ترامب أو بايدن مسؤولية خسائر روسيا في سوريا. فخسائرها حددتها تصرفات قوى إقليمية هي تركيا وإسرائيل إلى جانب إضعاف إيران.
كما أثيرت الشكوك حول تأثر طموحات روسيا الإفريقية أيضًا. فقاعدة حميميم الجوية عنصر مهم لعمليات روسيا اللوجستية العالمية. إنها تيسر نقل القوات والأسلحة الثقيلة إلى إفريقيا، والآن تحتاج روسيا بشدة إلى إعادة هيكلة طرق إسناد قواتها. ذلك ممكن، لكنه سيتطلب أموالًا ووقتًا ومجهودًا.
على أية حال خسائر روسيا ليست كارثية. فاقتصاد الحرب الذي أوجده الأسد شكل بيئة غير صحية واجه حتى رجال الأعمال الروس والإيرانيون مصاعب للعمل فيها. عناد الأسد ورفضه التسوية مع المعارضة وجيرانه ولعبة التوازن التي لا تنتهي بين موسكو وإيران كلها عوامل جعلت منه شريكًا صعبًا.
فالأسد نفسه لم ير سببا للاستجابة لدعوات روسيا للتغيير. لقد غرق في مناورات سياسية داخلية دمرت أو أضعفت مواقف أولئك الذين حاربوا إلى جانبه في بداية الحرب الأهلية.
وبحلول 2024 كشف الاقتصاد السوري عن مؤشرات على انهيار وشيك. وبلغ اليأس وسط السكان وفقدان الحافز المعنوي في الجيش الذروة وتحول النظام إلى دولة «جوفاء». كل هذا كان في تباين صارخ مع الجيوب التي تسيطر عليها المعارضة وتدعمها تركيا وأوجدت بديلًا محتملًا لنظام الأسد.
بالنسبة للروس هذا يعني أن عليهم الاختيار بين تكرار مصير الاتحاد السوفييتي في أفغانستان وتولي المسؤولية الكاملة المالية والاقتصادية والعسكرية عن سوريا الأسد بالتمويل الكامل لاقتصادها والقتال نيابة عن الجيش السوري وبين التراجع. وبالنظر إلى الحرب «الرئيسية» لروسيا في أوكرانيا لم يكن الخيار الأول واقعيًا.
سقوط دمشق على الرغم من أنه بدون شك ضربة للطموحات الروسية في المنطقة إلا أنه أتاح للكرملين التخلص من صراع طال به الأمد ولم يكن بحاجة إليه.
تغيير السلطة في سوريا كان من الممكن أن يكون أسوأ لموسكو. لقد أبدت قوات المعارضة استعدادًا للتفاوض مع العالم الخارجي وتركت آليات الدولة بحالها. ذلك مهم لروسيا. فموسكو عادة تفضل التعامل مع مؤسسات الدولة بدلا من الفاعلين غير الحكوميين.
عموما ربما لا يزال هناك مجال لروسيا في سوريا ما بعد الأسد (على الرغم من أن فرص موسكو في الحفاظ على سيطرتها على قواعدها العسكرية في حميميم وطرطوس ضعيفة جدًا) .
إلى ذلك، صورة الروس في نظر السوريين ليست دائمًا سلبية مثل نظرتهم لإيران أو جماعة الأسد. أيضا شكلت قوات موسكو درعا واقية بين الإيرانيين والنظام من جهة وبين المناطق التي وقعت على اتفاقيات وقف إطلاق النار مع دمشق من جهة أخرى. لقد حافظت موسكو على قنوات الاتصال مع قوات المعارضة السورية. بل حاولت بين فترة وأخرى إيجاد بديل للأسد.
قوى المعارضة في سوريا تدرك جيدًا أن مستقبل بلدها غير مضمون، وهي تريد من روسيا أن لم تكن صديقة أن تكون طرفا محايدا. بل حتى من الممكن أن تكون هنالك بعض الاتفاقيات التي أبرمت عشية أو أثناء تقدم قوات المعارضة نحو دمشق.
السفارة الروسية في دمشق تعاملت بهدوء مع الأحداث التي كانت تتكشف فيما أقامت موسكو علاقات دبلوماسية مع المعارضة بسرعة لافتة. ووافقت المعارضة على عدم المساس في الوقت الحالي بالقواعد الروسية في حميميم وطرسوس.
بعد سقوط الأسد في الغالب ستتبنى روسيا استراتيجية «الانتظار والترقب» ومحاولة فهم الكيفية التي سيظهر بها نظام جديد في سوريا. سيكون الهدف الرئيس لموسكو الحفاظ على الأقل على أدنى مستوى من النفوذ عبر وجود عسكري مثلا في قواعدها الحالية أو عبر اتصالات مع اللاعبين الإقليميين الآخرين مثل تركيا.
في الوقت ذاته ستسعى موسكو إلى التقليل من التكاليف وإعادة توجيه نفسها إلى مناطق واعدة بقدر أكبر في الشرق الأوسط مثل بلدان الخليج العربي. ستظل سوريا مهمة لكنها لن تعود عنصر أولوية للاستراتيجية الروسية في المنطقة.
الوضع في سوريا على أية حال قد يكون له أثر بالغ الأهمية على أوكرانيا، إحدى النتائج التي يمكن أن يستخلصها استراتيجيو الكرملين أن سقوط الأسد كان نتيجة تقديم تنازلات أكثر مما يلزم للخصوم والسماح للحرب الأهلية بأن تتحول إلى صراع مجمد ومتطاول والفشل في استعادة الجيوب الواقعة تحت سيطرة العدو.
في أوكرانيا يمكن أن يتجلّى ذلك في رفض وقف إطلاق النار أو التفاوض. فمن المرجح أن تتخذ روسيا موقفًا أكثر تشددًا اعتقادًا منها بأن القوة فقط وفرض شروطها الخاصة بها يمكن أن يضمنا نتائج إيجابية وطويلة الأمد.
نيكولاي كوزانوف أستاذ مشارك باحث بمركز دراسات الخليج بجامعة قطر وزميل استشاري في برنامج روسيا وأوراسيا بالمعهد الملكي للشؤون الدولية (شاتام هاوس)
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: سقوط الأسد الروسیة فی فی سوریا
إقرأ أيضاً:
باحث أمريكي: سقوط الأسد نقطة تحول تاريخية لكن المستقبل محفوف بالمخاطر
رغم أن سقوط نظام عائلة الأسد في سوريا يمثل نقطة تحول تاريخية بالنسبة للسوريين، إلا أن المستقبل أمامهم يظل محفوفا بالمخاطر والصعوبات، حسب مقال نشره "ناشيونال انترست" لأستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأمريكية في واشنطن جون كالابريس.
وقال كالابريس في المقال الذي ترجمته "عربي21"، إن كتاب الصحفي البريطاني باتريك سيل بعنوان "الأسد في سوريا: الصراع على الشرق الأوسط" (1989) يقدم نظرة ثاقبة حاسمة للقوى المحلية والإقليمية والدولية التي شكلت مسار سوريا. وقد صور سيل سوريا باعتبارها "جائزة" في صراع جيوسياسي. ويظل هذا الوصف مهمّا اليوم.
وأضاف أن الطبيعة المنقسمة للبلاد، والتفاعل بين المنافسات الإقليمية، والدور المتطور للقوى العالمية، كل هذا يشير إلى أن "الفترة المقبلة، بدلا من أن تمثل قطيعة نهائية مع الماضي، قد تمثل بدلا من ذلك مرحلة جديدة في تاريخ سوريا الطويل من الصراع".
ولفت الكاتب إلى أن الواقع الذي تعيشه سوريا بعد سقوط الأسد يتردد صداه في العديد من النواحي مع تصوير سيل لسوريا باعتبارها ساحة معركة، حيث يسلط سيل الضوء على دور التنوع الديني والعرقي والطائفي في تأجيج التوترات السياسية. وقد أصبحت هذه الانقسامات، التي تفاقمت بسبب عقود من الحكم الاستبدادي، أكثر وضوحا بعد سقوط نظام الأسد.
وذكر المقال أن التحدي الأكثر إلحاحا الذي تواجهه سوريا هو حل انقساماتها الداخلية العميقة. لقد ترك سقوط الأسد دولة ذات مؤسسات ضعيفة وبنية تحتية مدمرة وسكان منقسمون على أسس طائفية وإثنية وسياسية. وكما أشار سيل، فإن غياب الهوية الوطنية القوية جعل سوريا عرضة للصراع الداخلي والتلاعب الخارجي.
وعلاوة على ذلك، وبينما تكافح البلاد مع هذه الانقسامات، يثور السؤال حول ما إذا كانت سوريا ستتمكن من التغلب على تفتتها عميق الجذور أم أن هذه الشقوق ستستمر في التعمق مع تنافس القوى المحلية والدولية المختلفة على النفوذ.
وفي هذا السياق، يرى الكاتب أن "القوة المتنامية لهيئة تحرير الشام، تجسد تقلب الوضع. وفي حين بذل زعيمها، أحمد حسين الشرع - المعروف باسمه الحركي أبو محمد الجولاني - جهودا لتقديم هيئة تحرير الشام كقوة أكثر اعتدالا في نظر الغرب، فإن تاريخها من التطرف العنيف والعلاقات العميقة التي تحافظ عليها مع الجماعات المسلحة الأخرى تعقد أي آمال في التوصل إلى حل سلمي".
وتعهدت هيئة تحرير الشام بإظهار التسامح تجاه الأقليات العرقية والدينية في سوريا، إلا أن الخوف من الأعمال الانتقامية أدى بالفعل إلى فرار الآلاف من السوريين، وخاصة الشيعة، إلى لبنان.
وقال الكاتب إن أحد المخاوف الرئيسية الآن هو كيف ستتعامل قوى المعارضة الجديدة، التي حلت محل نظام الأسد، مع بقايا حزب البعث، وكيف ستتعامل مع العلاقات المعقدة مع الأقليات المتنوعة في سوريا. إن معاملة هذه الأقليات، وخاصة تلك التي تحالفت مع الأسد، تشكل قضية بالغة الأهمية.
وأضاف أن إعادة بناء هوية وطنية موحدة وتماسك سياسي من الفصائل المجزأة في سوريا يشكل تحديا هائلا لأي حكومة انتقالية. ومع تفكيك نظام الأسد، تواجه البلاد الآن المهمة الصعبة المتمثلة في إعادة بناء مؤسسات الدولة وسط الانقسامات المستمرة. وفي حين تعد الحكومة المؤقتة الجديدة بالإصلاحات والتعافي الاقتصادي، فإن الشكوك حول قدرتها على الحكم لا تزال قائمة.
وكما أشار غير بيدرسن، المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، "نحن نعلم أن هيئة تحرير الشام هي الآن المجموعة المهيمنة التي تسيطر على دمشق، ولكن من المهم أيضا أن نتذكر أنها ليست المجموعة المسلحة الوحيدة في دمشق".
وأشار المقال إلى أن الصراع على السيطرة مستمر، حيث تسيطر فصائل متعددة - كل منها لديها رؤى متنافسة لمستقبل سوريا - على مساحات شاسعة من الأراضي. في هذه البيئة، لا يزال احتمال السلام بعيد المنال. تصطدم تطلعات كل فصيل بالواقع المجزأ بالفعل في البلاد.
وعلاوة على ذلك، لن تنتقل الثقافة السياسية في سوريا، التي تشكلت على مدار عقود من الحكم الاستبدادي، بسهولة إلى ديمقراطية فعّالة. لا يمكن علاج الانقسامات المجتمعية الناتجة عن أكثر من عقد من الصراع المدني الوحشي والحرمان الاقتصادي والاضطهاد المنهجي بين عشية وضحاها، وفقا للمقال.
وفي حين تمثل الجهود المبذولة لمحاسبة مرتكبي الفظائع الماضية والإفراج عن السجناء السياسيين خطوات إلى الأمام، يجب موازنة هذه الجهود بعناية مع الضرورة العملية للمصالحة والاستقرار. إن غياب عملية موثوقة وشاملة تعالج احتياجات ومظالم جميع المجتمعات ــ وخاصة ضحايا نظام الأسد ــ يشكل خطرا كبيرا يتمثل في ترسيخ الانقسامات والاستياء، وتقويض أي جهود مستقبلية لبناء الأمة.
بحسب الكاتب، فإن تصوير سيل للموقف الإقليمي لسوريا أكد ضعف البلاد في مواجهة التدخل الخارجي، نظرا لموقعها الاستراتيجي على مفترق طرق الشرق الأوسط. لقد أدى انهيار نظام الأسد إلى خلق فراغ في السلطة يجذب انتباه القوى الإقليمية بسرعة.
وقال الكاتب إن تركيا تنظر إلى سوريا باعتبارها حيوية لأمنها القومي، وسوف تحافظ على وجود عسكري هناك لمنع تشكيل دولة كردية مستقلة على طول حدودها. ومع الإطاحة بالأسد، وإضعاف حلفائه، ودعوة الرئيس الأمريكي القادم إلى تقليص الوجود الأمريكي في سوريا، يجد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نفسه الآن حرا في مواجهة الأكراد السوريين.
ويضيف الوضع في مرتفعات الجولان طبقة أخرى من التعقيد، وفقا للمقال. فقد وصف رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو توغل إسرائيل في الأراضي السورية بأنه "مؤقت" و"دفاعي"، ومع ذلك فإن إعلانه بأن "الجولان سيكون جزءا من دولة إسرائيل إلى الأبد" يشير إلى تحرك نحو الضم. وهذا يثير تساؤلات مهمة حول النية الحقيقية لإسرائيل. فهل تريد إسرائيل السيطرة الدائمة على المنطقة، أم أن هذه مناورة تكتيكية لاستغلال حالة عدم الاستقرار المستمرة لتحقيق مكاسب إقليمية أخرى؟
في الوقت نفسه، تجد إيران نفسها في موقف محفوف بالمخاطر. ففي حين يمثل انهيار نظام الأسد انتكاسة استراتيجية، فقد نظرت إيران منذ فترة طويلة إلى سوريا باعتبارها عنصرا حاسما في "محور المقاومة" في المنطقة. ورغم أن طهران قد تضطر إلى إعادة معايرة استراتيجيتها، فمن غير المرجح أن تتخلى عن طموحاتها في سوريا تماما. وعلى نحو مماثل، يتعين على دول الخليج، التي بدأت بحذر في تطبيع العلاقات مع الأسد، أن تعيد النظر الآن في مواقفها أيضا. ويعتمد مستقبل إعادة إعمار سوريا بشكل كبير على كيفية تصرف الجهات الفاعلة الإقليمية.
واجتمع دبلوماسيون كبار من الشرق الأوسط وأوروبا في الرياض الأسبوع الماضي لمناقشة مستقبل سوريا. ومن المشجع أن قرار السعودية باستضافة هذا التجمع يسلط الضوء على طموحها في لعب دور رئيسي في إعادة إعمار سوريا إلى جانب تركيا وقطر. والجدير بالذكر أن السعودية وتركيا كانتا في السابق تدعمان الفصائل المعارضة في الصراع. وكان اجتماع الشرع مع الائتلاف الوطني السوري السابق خطوة إيجابية أخرى.
ومع ذلك، لا تزال المخاوف قائمة، بما في ذلك هيكل المحاكم الجديدة، ودمج الفصائل العسكرية في الجيش السوري، ووجود مقاتلين أجانب، ومشاركة قطر، والفصل المتوقع لعشرات الآلاف من العلويين من الوظائف العامة، وموقف تركيا بشأن ما إذا كانت قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد قادرة على التفاوض مع دمشق، والأزمات الإنسانية والاقتصادية الأوسع التي تجتاح سوريا.
وقال الكاتب إن سقوط نظام الأسد يتردد صداه خارج حدود سوريا، مع عواقب عميقة على الجغرافيا السياسية الدولية، لافتا إلى أن تصوير سيل لسوريا باعتبارها "ساحة معركة بالوكالة" بين القوى العظمى في الحرب الباردة يجسد جوهر مأزقها الحالي، وإن كان في عالم أكثر تعقيدا ومتعدد الأقطاب.
وأضاف أن موطئ قدم موسكو الاستراتيجي في الشرق الأوسط وأفريقيا يعتمد بشكل كبير على منشأتها البحرية الموسعة في طرطوس، التي أنشئت خلال معاهدة سوريا مع الاتحاد السوفييتي عام 1971، وقاعدة حميميم الجوية القريبة، والتي تعمل منذ عام 2015. كانت القاعدتان، الواقعتان في اللاذقية على ساحل البحر الأبيض المتوسط السوري، محوريتين لطموحات روسيا الدولية، حيث مكنتا العمليات من دعم نظام الأسد والعمل كمنصات لفرض النفوذ عبر البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا.
ومع ذلك، مع خسارة حليفها الرئيسي في دمشق، فإن الدور الروسي المتضائل في سوريا لا يعقد نفوذها الإقليمي فحسب، بل يثير أيضا تساؤلات أوسع حول قدرتها على الحفاظ على وجودها العالمي ودعم حلفائها.
بالنسبة للولايات المتحدة، فإن انهيار نظام الأسد يمثل مجموعة جديدة من المعضلات. انتقد سيل سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا في الثمانينيات ووصفها بأنها غير متماسكة وغير متسقة في كثير من الأحيان، واستمر هذا الاتجاه خلال الإدارات المتعاقبة. ومع انتقال سوريا بعد رحيل الأسد، يظل المسؤولون الأمريكيون قلقين للغاية بشأن إمكانية ازدهار التطرف في فراغ السلطة. حذر الجنرال مايكل إريك كوريلا، رئيس القيادة المركزية الأمريكية، الجماعات السورية من دعم داعش في أعقاب ذلك، مؤكدا أن الولايات المتحدة لن تسمح لداعش بإعادة تشكيل نفسها. كما يظل المسؤولون قلقين بشأن 9000 مقاتل من داعش قيد الاحتجاز وعشرات الآلاف المحتجزين في مخيم الهول للاجئين، وكلاهما تحت حراسة قوات سوريا الديمقراطية طالما ظلت القوات الأمريكية متورطة.
أعرب وزير الخارجية أنتوني بلينكن عن دعم الولايات المتحدة للانتقال السياسي في سوريا نحو الحكم الشامل. ولكن هذا الموقف معقد بسبب الرئيس الضعيف وخطاب الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي تعهد بإبقاء الولايات المتحدة بعيدة عن سوريا.
والواقع، بحسب المقال، أن السياسة الخارجية لترامب تتأرجح بين الانعزالية، كما رأينا في سحب القوات في عام 2019 (الذي تراجع عنه لاحقا تحت الضغط)، والالتزامات الإقليمية مثل احتواء داعش وحماية إسرائيل. والانسحاب من شأنه أن يشجع جهات فاعلة مثل داعش وإيران، مما قد يقوض جهود مكافحة الإرهاب ويزيد من زعزعة استقرار المنطقة. ويتعين على واشنطن أن تقرر ما إذا كانت ستشارك بشكل مباشر أكثر وتدعم انتقالا سياسيا هشا أو ما إذا كانت أولوياتها ستظل مهووسة بمكافحة الإرهاب على حساب استراتيجية شاملة لمستقبل سوريا.
وأشار الكاتب إلى أن ن المشاركة الصينية المكثفة في الشرق الأوسط، بما في ذلك مشاركتها المحتملة في جهود إعادة الإعمار في سوريا، إما بمفردها أو بالتعاون مع شركاء الخليج العربي، تمثل تحولا في ديناميكيات القوة العالمية. وقد يؤدي الوجود الصيني المتزايد إلى تعميق الانقسامات بين الغرب والقوى الناشئة.
في حين يمثل سقوط الأسد نقطة تحول تاريخية بالنسبة للسوريين، فإن المستقبل لا يزال محفوفا بالمخاطر. فعلى المستوى المحلي، تتفاقم التحديات في مجال الحكم وإعادة الإعمار بسبب النزعات الاستبدادية الراسخة. وعلى المستوى الإقليمي، قد يؤدي التحول في ديناميكيات القوة إلى المزيد من عدم الاستقرار مع تموضع الدول المجاورة من أجل النفوذ. وعلى المستوى الدولي، ستلعب المصالح المتنافسة للقوى العالمية، وخاصة روسيا والولايات المتحدة، دورا كبيرا في تشكيل مسار سوريا المستقبلي. ومع خروج السوريين من "سجن" نظام الأسد، يظل مستقبلهم غير مؤكد، ويتشكل من خلال شبكة معقدة من القوى المحلية والإقليمية والدولية، وفقا للمقال.
في النهاية، يظل تصوير سيل لسوريا كأمة محاصرة في صراع دائم - ممزقة بالانقسامات الداخلية والتنافسات الإقليمية والتدخل الخارجي - ذا مصداقية لافتة للنظر، وفقا للكاتب، الذي أشار إلى أن سقوط الأسد يمثل لحظة محورية، لكنه بعيد كل البعد عن النصر النهائي. ومع انتقال سوريا إلى حقبة جديدة، تظل الأسئلة التي طرحها سيل حول آفاق الوحدة والاستقرار والسيادة ذات صلة وثيقة بالواقع.