في إطار الدور المتصاعد لتركيا بالقارة الإفريقية بشكل عام والصومال بشكل خاص، فاجأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المراقبين بإعلان اتفاق مصالحة بين إثيوبيا والصومال الخميس الماضي، ليوقف بذلك تدهورًا كبيرًا في العلاقات بين البلدين إثر تعدي إثيوبيا على سيادة الصومال، وتوقيع اتفاق مع مقاطعة صومال لاند الانفصالية لضمان إيجاد منفذ لها على البحر الأحمر.
وقال أردوغان في حضور الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، إن هذا اتفاق تاريخي يتضمن الحفاظ على سيادة الصومال ووحدة أراضيه، وهو ما يعني ضمنًا تخلي آبي أحمد عن اعترافه باستقلال صومال لاند، والتراجع عن الاتفاق معها. كما أنه يضمن فرضَ الصومال لسيادتها، ومنح إثيوبيا تسهيلات عبر الحكومة المركزية، ومن خلال العاصمة مقديشو بدلًا من المحاولات البائسة التي قامت بها أديس أبابا لشرعنة تقسيم الصومال، وهو ما لقي رفضًا إقليميًّا وعربيًّا ودوليًّا.
وعلى الرغم من عدم وضوح بنود الاتفاق فإن نجاح أنقرة في جمع الرجلين، والتأكيد على سيادة ووحدة الصومال يكشف عن الدور الكبير والمتصاعد لتركيا في منطقة القرن الإفريقي والقارة السمراء، ويكشف أيضًا عن تراجع إثيوبيا المتعنتة بخضوعها إلى سيادة الصومال وحكومته المركزية، خاصة بعد التحرك المصري الفعال في مساندة الصومال، وعقد اتفاقات دفاعية معها، في مواجهة التحركات الإثيوبية. ويمكن الإشارة إلى الدور التركي في الصومال بالآتي:
التعاون الدفاعي والأمني: حيث وقّعت تركيا اتفاقية دفاعية مع الصومال في فبراير 2024 تتضمن: تدريب الجيش الصومالي، تبادل المعلومات الاستخباراتية، وحماية المياه الإقليمية الصومالية. كما افتتحت عام 2017 قاعدة «تركسوم» العسكرية التي تُعتبر الأكبر خارج تركيا، وتساهم في تدريب آلاف الجنود الصوماليين، إلى جانب دعم جهود مكافحة القرصنة والإرهاب، بما في ذلك التصدي لحركة الشباب الصومالية. وتعزز تركيا الحضورَ البحري والاستراتيچي عبر إرسال سفن حربية وسفن بحث تركية إلى السواحل الصومالية للتنقيب عن النفط والغاز، وتبرر تركيا حضورَها البحري بحفظ أمن البحر الأحمر ومكافحة القرصنة والصيد الجائر.
التعاون الاقتصادي: ساهمت تركيا في بناء منشآت حيوية بالصومال مثل: المستشفيات، المطارات، والموانئ. وتدير شركة تركية مطار مقديشو الدولي. مع توقيع اتفاقيات لتعزيز التعاون في قطاع النفط والغاز. كما تقدم منحًا دراسية للطلاب الصوماليين، وتحرص على تعزيز التبادل الثقافي والعلمي.
استثمارات فضائية: تخطط تركيا لإنشاء قاعدة فضائية في الصومال بتكلفة ضخمة تصل إلى 6 مليارات دولار، ما يعزز مكانتها التكنولوچية والاستراتيچية. وفي هذا الإطار تسعى إلى جلب عدد من الدول ذات الوفرة المالية لتمويل مثل هذه المشروعات الكبرى في الصومال ومنطقة القرن الإفريقي. وهو ما يعني أن تركيا تقوم أيضًا بدور القاطرة الاقتصادية التي يمكنها أن تساهم في رفع المعاناة عن الصوماليين من ناحية والمساهمة في صنع السلام المجتمعي والإقليمي من ناحية ثانية.
المساعدات الإنسانية: تتنوع المساعدات الإنسانية التركية للصومال في المجالات الغذائية والصحية والخدمية والإغاثية، وهو ما ساهم في خلق روابط اجتماعية وإنسانية بين الشعبين التركي والصومالي.
ويبقى أن تركيا لا تتحرك في الصومال متصادمةً مع السياسات المصرية، ولكن التقارب الاستراتيچي بين البلدين يؤكد أن جميع التحركات التركية تأتي تنسيقًا مع الموقف المصري ودعمًا له في تلك المنطقة الملتهبة، التي تحتاج لتحرك الحلفاء حتى يمكن إطفاء الحرائق التي يحاول أن يشعلها البعض من داخل وخارج المنطقة.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: فی الصومال وهو ما
إقرأ أيضاً:
الخيار أنسب والتحديات كبيرة.. هل ستستطيع تركيا المصالحة بين السودان والإمارات؟
بعد يومين من إعلان أنقرة إتفاق المصالحة بين الصومال وإثيوبيا، أبدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إستعداد تركيا للتوسط بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة لإحلال الأمن والسلام في السودان.
دعم تركيا
وفي اتصال هاتفي مع رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حرص بلاده على وحدة السودان واستقراره، مجدداً دعم تركيا للشعب السوداني بكل الإمكانيات، معرباُ عن استمرار المساعدات الإنسانية المقدمة من تركيا، مشيراً إلى استئناف عمل الخطوط التركية قريباً ، وإستعداد بلاده لبذل الجهود لتعزيز العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، كما شدد على أهمية التعاون في مجالات الزراعة والتعدين.
ترحيب سوداني
من جانبه، أشاد البرهان بمواقف تركيا الداعمة للسودان، مثمناً جهودها من أجل السلام والإستقرار في المنطقة والإقليم ومعالجتها للكثير من القضايا على المستويين الإقليمي والدولي، مشيرا إلى نجاحها في معالجة الملف السوري، ورحب البرهان بأي دور تركي يسهم في وقف الحرب التي تسببت فيها مليشيا الدعم السريع المتمردة، داعياً إلى تعزيز الاستثمارات التركية في مختلف المجالات، مؤكدا ثقته في مواقف أردوغان وحكومته الداعمة للشعب السوداني وخياراته.
مجرد تفاهمات
وتأتي دعوة أردوغان للمصالحة بين السودان والإمارات بعد يومين فقط من إعلان نجاح وساطته بين الصومال وإثيوبيا بعد فترة من النزاع كادت أن تفجر الأوضاع في القرن الأفريقي المضطرب، ويبدو أن اتفاق المصالحة بين الصومال وإثيوبيا قد عالج المخاوف الصومالية بشكل أو بآخر، بمعنى أن المخاوف الصومالية بشأن تأثير مطالب إثيوبيا بالوصول إلى البحر على السيادة الوطنية، تم معالجتها من خلال النص الواضح في إعلان أنقرة على احترام سيادة الصومال وسلامة أراضيه، وذلك بالتزام إثيوبيا بعدم المطالبة بأراضٍ أو ممارسة أي نفوذ يُهدد وحدة الصومال، كما اعتمد الاتفاق على “ترتيبات تجارية” قانونية، مثل الإيجار أو الشراكات التجارية، مما يعني أن إثيوبيا لن تحصل على حق دائم أو غير قابل للنقض في الأراضي الساحلية الصومالية، ومع ذلك يبقى إعلان المصالحة بين الصومال وإثيوبيا بوساطة تركيا مجرد تفاهمات، لم تختبر على أرض الواقع، مع التحديات المتوقعة التي يمكن أن تواجهها في إقليم ملئ بالمشاكل متقلب المزاج، علاوة على مدى التزام إثيوبيا به في ظل ما يُعرف عن إثيوبيا بعدم التزامها بالمواثيق والعهود.
هل تستطيع
على كل … فالشاهد في الأمر أن تركيا تطرح نفسها كلاعب إقليمي مهم في المنطقة، وأنها نجحت حتى الآن بشكل كبير في لعب هذا الدور، لكن يظل التساؤل هل تستطيع أنقرة أن تحقق مصالحة بين السودان والإمارات والتي يمكن أن تكون اختراقاً حقيقياً في حل الأزمة السودانية، بتحييد أبوظبي التي تمثل سنداً مهماً ورئيسياً لمليشيا الدعم السريع، أم أن مافعلته الإمارات في السودان سيظل سداً مانعاً أمام أي تقارب؟
إعادة الحسابات
من جانبه توقع الكاتب الصحفي والمحلل السياسي مكي المغربي نجاح الوساطة في الحالتين سواء بين الصومال وأثيوبيا، والسودان والإمارات. وقال المغربي لموقع “المحقق ” الإخباري: ربما يكون النجاح محدود في بداية الأمر، لكنه سوف يقلل حدة التصعيد، مضيفاً أن الوساطة التركية في حالة السودان والإمارات ستساعد في إعادة حسابات الإمارات في تعاملها مع الداخل السوداني، لافتاً إلى أن الإمارات كانت حريصة على الابتعاد من اليمين السوداني أو ما يُعرف بالنظام السابق، وإلى أنها كانت تعتقد أنها ستتجاوزهم، وقال لكن الاقرار بهذه الوساطة سيقضي على هذا الشرط من حساباتها، مستبعدا تقدم أردوغان بهذه المبادرة للسودان دون التأكد من موافقة الإمارات أولا، معتبراً أن الضغط الشعبي ووسط المقاتلين بعدم المصالحة مع الإمارات سيؤدي إلى تماسك الموقف التفاوضي السوداني.
التفاوض بدأ
ورأى المغربي أن التفاوض مع الإمارات أصلا قد بدأ، وأن ما ظهر منه هو جزء مما يدور على الأرض لفترة ما، وقال إن هناك تسريبات من زيارة الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط لبورتسودان مؤخرا حول نفس الأمر، مضيفا أن الحكومة ردت على أبوالغيط بأنه إذا تم تحييد الإمارات، مع استمرار السودان في القضاء على المليشيا، سينتهي الوضع لتفاوض مباشر معها، مستدركاً، لكن لا يمكن أن يتم تفاوض مع الإمارات في ظل اتهام الحكومة لها بتسليح الدعم السريع، مؤكداً أن وضع الإمارات ليس جيدا لعوامل عدة، وقال من هذه العوامل الضغط على تشاد من جانب فرنسا بعدم مساندة الدعم السريع، إضافة إلى التطور في سوريا الذي جاء لصالح تركيا مع تقارب روسي تركي وحياد أمريكي، مشدداً على أن ذلك يعزز من دور تركيا في المنطقة، وأن ذلك خصماً على اللاعبين الموجودين، وقال لا يمكن القول أن المسافة بين تركيا والإمارات بعيدة، ولكنها أطول من المسافة بينها وبين مصر والسعودية، وبالتأكيد قطر وتركيا بينهما درجة عالية من التقارب، لافتا إلى أن الإمارات هي الأبعد من هذه التفاهمات، وقال من المؤكد أنها ستعيد حساباتها في المسألة السودانية.
الخيار الأنسب
من جهته رأى الباحث والمحلل السياسي عمار العركي أن التفاوض مع الإمارات هو الخيار الأنسب والواقعي بالنسبة للسودان. وقال العركي لموقع “المحقق” الإخباري أن هذا التفاوض سيواجهه عدد من التحديات، على رأسها تحدي داخلي برفض جزء كبير من الشعب لهذه المصالحة، وقد تكون ردة الفعل كبيرة وقد يحدث اختراق في التماسك بين الجيش والشعب، مضيفا أن التحدي الآخر في الدول التي يمكن أن تقف أمام هذه المصالحة وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا، ويمكن أن يكون لديهم عمل مضاد إن لم يحدث وزنة لهذه المصالح، متسائلا كيف تستطيع تركيا أن تحقق المصلحة بهذه الوساطة في ظل سقوفات الحكومة السودانية التي ستكون عالية جدا، وقال إن السودان إذا ارتضى التفاوض مع الإمارات، سيكون هناك سقف عال من المطالب بطلب تعويض مادي من الإمارات لكل متضرر من الحرب، مؤكدا أن هذا سيكون شرطاً أساسياً لإحداث تسوية مع الإمارات يرتضيها الشعب، لافتا إلى أن ذلك سيكون تحدياً أمام تركيا بإقناع الإمارات بالقبول بهذه التسوية المرتبطة بمطالب الشعب السوداني، معتبراً أن تركيا هي الأوفر حظاً في إحداث اختراق في الأزمة السودانية، مبيناً أنه تم تنسيق بين تركيا والإمارات في التصالح بين إثيوبيا والصومال، وقال إن هذا التصالح ليس في صالح الإمارات، لكنه يدخل استراتيجياُ مع السودان.
القاهرة – المحقق – صباح موسى
إنضم لقناة النيلين على واتساب