«رؤية عُمان 2040» وفرص الاستثمار
تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT
عندما صدرت وثيقة «رؤية عُمان 2040»، قررت مع اثنتين من الصديقات عقد جلسات أسبوعية لقراءتها بتمعن. كنا أنا وإحدى الصديقات، قد تقاعدنا حديثًا من وظائف مرموقة، وبدأنا نتساءل: «ما الذي يمكننا تقديمه بعد التقاعد؟» رغم أننا لم نكن جزءًا من صياغة الرؤية أو تنفيذها بشكل رسمي، إلا أن التقاعد منحنا فرصة ذهبية للتفكير في كيفية الإسهام في بناء الوطن.
«رؤية عُمان 2040» ليست مجرد وثيقة، بل خارطة طريق طموحة لبناء اقتصاد متنوع ومستدام يتسع لنا جميعًا. تفتح هذه الرؤية آفاقًا واسعة للاستثمار في قطاعات واعدة تعزز النمو الاقتصادي وتحقق الاستدامة. ويعد قطاع التكنولوجيا والابتكار من بين أبرز هذه القطاعات، حيث تركز الرؤية على التحول الرقمي وتشجيع الإبداع لإيجاد حلول تخدم الاقتصاد والمجتمع.
قطاع السياحة كذلك يحمل فرصًا استثنائية، حيث تسعى سلطنة عمان إلى أن تصبح وجهة سياحية عالمية من خلال تطوير السياحة البيئية والثقافية والرياضية. فالتراث الغني والطبيعة الخلابة لعُمان يتيحان المجال لتقديم تجارب سياحية مبتكرة تستهدف السياحة الداخلية والخارجية على حد سواء، وهو ما لمسناه في إبداعات الشباب والمجتمع المحلي.
أما قطاع الخدمات اللوجستية، فيمثل فرصة كبيرة بفضل الموقع الاستراتيجي سلطنة عمان. تعزيز النقل والخدمات المرتبطة به يمكن أن يعزز مكانة عُمان كمركز لوجستي عالمي يخدم الأسواق الإقليمية والدولية.
«رؤية عُمان 2040» هي مشروع وطني شامل يستدعي مشاركة الجميع. لسنا بحاجة إلى صفة رسمية لنكون جزءًا من هذه المسيرة، بل بإمكاننا، أينما كنا، أن نسهم في البناء. التقاعد ليس نهاية العطاء، بل بداية لفرص جديدة يمكننا من خلالها استثمار وقتنا وخبراتنا لخدمة وطننا.
لقد علمتني تجربتي أن دائرة العطاء تتسع بعد التقاعد، وأن الوطن بحاجة لكل يد تسهم في تحقيق طموحاته. مع رؤية طموحة كهذه، لدينا جميعًا فرصة لترك بصمة دائمة على مسيرة بناء هذا الوطن المعطاء.
حمدة الشامسية - كاتبة عُمانية في القضايا الاجتماعية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
بين الأمل والدمار .. طبيبة فقدت طفلها في حرب الإبادة تواصل العطاء لإنقاذ الأرواح
الثورة /وكالات
اختارت الطبيبة تغريد العماوي، أن تبقى في قلب المعركة شمال قطاع غزة رفضت النزوح وحملت في صدرها شجاعة لا توصف، لتواصل مهمتها الإنسانية لإنقاذ الأرواح وسط الإبادة الإسرائيلية.
في اليوم الذي بدأت فيه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لم تتوانَ تغريد عن أداء واجبها المهني، واستمرت في العمل بمستشفى كمال عدوان، على الرغم من اشتداد القصف والمخاطر التي تهدد حياتها وحياة من حولها.
وبعد عشرين يومًا، وفي لحظة غير متوقعة جاء طفلها الثالث محمد، قبل موعده الطبيعي بشهرين، مما استدعى وضعه في الحاضنة ودعمه بجهاز تنفس صناعي.
لم تتمكن تغريد من البقاء طويلاً إلى جانب طفلها، إذ كانت الظروف الأمنية الصعبة جراء القصف الإسرائيلي تحول دون نقل محمد إلى مستشفى آخر، مما اضطرها لمغادرة المستشفى بجسدها بينما تركت قلبها مع صغيرها. استمرت في متابعة حالته الصحية يومياً، رغم تدمير منزلها وهجوم القصف المتواصل الذي لم يترك مكاناً آمنًا.
مع مرور الأيام، ووسط الأمل المتأرجح والقلق المستمر، حاولت تغريد أن تجد حلولًا لإنقاذ حياة طفلها، واستطاعت أن تؤمن بعض الأدوية اللازمة بفضل زملائها في القطاع، إلا أن الأزمة كانت تتفاقم مع نفاد الوقود في المستشفى وتوقف أجهزة التنفس الصناعي. في لحظة من الأمل، نقلت تغريد جرة الأكسجين الوحيدة المتوفرة في عيادتها إلى المستشفى، حيث تم استخدامها لإبقاء محمد على قيد الحياة لبعض الوقت.
في 20 نوفمبر 2023، وبعد صراع مرير مع المرض، رحل محمد شهيدًا. لم يكن الوداع كما تتمناه الأم التي روت شهادتها التي تابعها المركز الفلسطيني للإعلام نقلا عن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، فقد فقدت تغريد حقها في احتضان طفلها للمرة الأخيرة، بل فقدت حتى فرصة دفنه في مكان يليق به. وبدلاً من ذلك، دفن محمد في ساحة مستشفى كمال عدوان، في مشهد لا يمكن للكلمات وصفه.
المأساة لم تتوقف عند هذا الحد. مع تزايد القصف والنزوح المستمر، وجدت تغريد نفسها نازحة في مدرسة ذكور جباليا الإعدادية، بين آلاف النازحين.
ورغم الإصابة والاختناق الناتج عن قنابل الغاز، قررت تغريد أن تكون حاملة الأمل، وأن تقدم خدمات طبية للنازحين، بينما يستمر القصف في كل مكان. هذا هو التحدي الذي أوقفته، ولكن روح التضامن والأمل التي تتحلى بها تغريد هي ما دفعها للاستمرار في هذه المعركة الإنسانية.
رسالتها كانت واضحة، ورغم الجراح العميقة التي زرعتها الحرب في قلبها، ما زالت تطالب العالم بالتحرك. “إلى كل من لديه القدرة على المساعدة”، تقول تغريد، “نحن في قطاع غزة نواجه حرب إبادة قاسية تستهدف أرواح الأطفال والنساء. نناشدكم أن تتحركوا فوراً لوقف هذه الحرب البشعة”.
هذه هي القصة التي ترويها تغريد، قصة أم فقدت طفلاً، ولكنها لم تفقد الأمل. قصة طبيبة اختارت أن تكون في الصفوف الأمامية لحماية حياة الآخرين، وتضحي بكل شيء من أجل إنقاذ حياة بريئة في قلب حرب لا ترحم.