الجديد برس|

تتوالى التطورات في المشهد السوري مع بروز لاعبين دوليين جدد يُعيدون رسم ملامح الأدوار الجيوسياسية في المنطقة.

فقد أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن تدشين “جسر غذائي لسوريا”، مؤكدًا أنه كلف المسؤولين بإعداد آليات لإمداد دمشق بالمواد الغذائية. تأتي هذه الخطوة الأوكرانية بعد أيام قليلة من إعلان روسيا وقف تصدير شحنات القمح لسوريا عقب خسارة موسكو لبعض حلفائها الرئيسيين، ما يسلط الضوء على دور كييف المتنامي في الساحة السورية، وهو ما كانت موسكو تُلمّح إليه في السابق على استحياء.

وفي ظل هذه التطورات، يُتوقع أن يُعمّق التدخل الأوكراني الفجوة بين موسكو ودمشق، خاصةً مع التوسع الغربي المتزايد في سوريا، حيث سيطرت القوات الأمريكية على قواعد عسكرية روسية عقب انسحاب موسكو منها. هذا التحرك قد يُضعف المساعي الروسية الرامية للبقاء كقوة مؤثرة على المتوسط في ظل التغيرات السياسية والعسكرية الأخيرة.

من جهة أخرى، دخلت الصين على خط الأزمة السورية، حيث تداولت منصات إعلامية مرتبطة بالخارجية الصينية معلومات تتعلق بـ”مقايضات” جديدة بشأن سوريا، باعتبارها أحد أبرز حلفاء المعسكر الشرقي.

وربطت منصة “الصين بالعربية” بين التطورات السياسية الأخيرة، مثل سقوط الرئيس الكوري الجنوبي الموالي لأمريكا، والدور السوري الموالي للصين، مُلمحة إلى أن بكين حققت مكاسب جيوسياسية واضحة.

هذه المستجدات تُبرز تصاعد التنافس الدولي في سوريا، مما يُعزز فرضيات “الزحف الغربي” المتسارع وتراجع النفوذ الروسي، في حين تبقى الصين الرابح الأبرز ضمن التحالف الشرقي.

المصدر: الجديد برس

إقرأ أيضاً:

"التقية السياسية" والسيناريوهات المحتملة في سوريا

 

مرتضى بن حسن بن علي

يعتقد عدد من المحللين أن تداعيات سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، لن تقتصر على الداخل السوري فقط؛ بل ستمتد إلى كل منطقة الشرق الأوسط، وستكون مرتبطة بما يسمى مشروع "الشرق الأوسط الجديد" و"إسرائيل الكبرى".

ومن أبرز الأسئلة التي تتطلب الإجابة عنها تتعلق بكيفية تعاطي الفصائل المسلحة المختلفة في الفترة المقبلة، وهل هذه الفصائل وقياداتها ما زالت تعيش في أفكار "التنظيمات الإرهابية" التي عملت معها ولها لسنوات طويلة، مثل داعش والقاعدة وغيرهما؟ أم إننا أمام تحول في تفكير وسلوك تلك المجموعات التي تحكم سوريا الآن؟!

وفي ظل الخوف على وحدة سوريا، يظهر السؤال الكبير حول مدى إيمان أحمد الشرع "أبو محمد الجولاني" ورفاقه في "هيئة تحرير الشام"، بالدولة الوطنية السورية ومؤسساتها وخاصة الجيش السوري؟ وإلى أي مدى تمتلك هذه الفصائل الإرادة السياسية والتصميم للحفاظ على وحدة الأراضي السورية، كما قاتلت لسنوات من أجل الإطاحة بنظام بشار الأسد، وعن الشروط التي ستضعها الولايات المتحدة مقابل اعترافها بالوضع الجديد.

عدد من المحللين يزعمون أن من يدخلون إلى صفوف الجماعات الأيديولوجية المتطرفة لا يخرجون منها، ويظلون أسرى لأفكارها وتوجهاتها، مهما تغيرت المظاهر الخارجية. ويطرح هؤلاء مجموعة من السلوكيات التي تؤكد صعوبة تغيير تفكير وأيديولوجية بعض الجماعات السورية المسلحة، ومنها تخلُّص زعيم "هيئة تحرير الشام" من كل المنافسين له بالقوة في إدلب خلال الشهور القليلة الماضية، كما إن المقاتلين معه لهم مواقف تؤكد سعيهم لقتل الذين يختلفون معهم في الفكر. ويؤكد هذا الفريق أنه من الصعب على شخص مثل أحمد الشرع- الذي قاتل بجانب أبو مصعب الزرقاوي وأبو بكر البغدادي- أن يكون شخصًا مختلفًا بعد أن وصل إلى الحكم وباتت لديه سلطات واسعة. ووفق هذه الرؤية، فإن الفصائل المسلحة تستخدم الآن مبدأ "التقية السياسية" لكسب دعم وتأييد قوى المعارضة الخارجية، وبعد ذلك تعود إلى سلوكياتها المعروفة في القتل والانتقام.

الدكتور هيثم منّاع الذي عارض حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار، وقضى أوقاتًا طويلة في السجون، صرَّح لصحيفة "لوموند" الفرنسية الشهيرة، بأن سوريا أمام مشروع واضح للسلطة والثروة والقرارات المصيرية خلال السنوات المقبلة، وكلها بيد شخصٍ واحدٍ، صادر مع حلفائه السلطتين العسكرية والأمنية. وأضاف: "إذا وضعنا الملابس الجديدة وربطة العنق جانبًا، فمن الواضح أننا أمام شكل كلاسيكي للسيطرة العسكرية، كما فعلت جبهة النصرة في تجربة ’جيش الفتح‘ في الشمال السوري، وكررت الأمر ’هيئة تحرير الشام‘ في محافظة إدلب".

الفصائل المسلحة السورية تلقت أيضًا دعمًا خارجيًا، من عدة دول من بينها تركيا، وحصلت على السلاح والذخيرة والطائرات المُسيَّرة والصواريخ المضادة للدروع لاجتياح دفاعات الجيش السوري. فكيف يكون موقفها من تركيا الطامحة في بعض أراضيها؟ وأكثر ما يُقلق داعمي الدولة الوطنية في سوريا هو تهنئة تنظيم القاعدة للشرع، على الرغم من ادعائه أنه انفصل عن القاعدة! كما إن الجماعات الأصولية ذات الأيديولوجيات المتطرفة وحواضنها الشعبية، كانت الأكثر سعادة وترحيبًا بسيطرة الفصائل المسلحة على الحكم في سوريا.

الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، اشتكى من أن اختيار محمد البشير رئيسًا للحكومة المؤقتة وخطوات تشكيل حكومته، لم تشهد التشاور لا مع الفصائل المسلحة ولا مع الائتلاف، وهي "مقدمة سلبية" نظرًا لتاريخ الائتلاف الوطني السوري الذي تشكَّل مع الأيام الأولى للمظاهرات ضد بشار الأسد عام 2011، ويُنظر إليه على أنه أكبر تجمع للقوى المدنية والعسكرية السورية التي عارضت الأسد على مدار سنوات، وخاضت معه جولات المفاوضات الكثيرة في جنيف وأستانة وسوتشي. ومن شأن تجاهل الائتلاف الوطني السوري أن يرسل رسالة مبكرة برغبة "هيئة تحرير الشام" في الانفراد بالحكم؛ نظرًا لوجود قوى مدنية وعلمانية كثيرة في الائتلاف الوطني. ولهذا قال نائب رئيس الائتلاف إنه يسعى إلى وضع دستور حقيقي وإجراء انتخابات نزيهة، وأن الناخب السوري هو الذي يختار الرئيس، كما انتقد البعض اختيار البشير ليكون رئيس الحكومة المؤقتة، بسبب انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين وكونه مقربًا من الشرع؛ مما يُشير إلى أن الاختيار جاء لأسباب شخصية، وليس وفق معيار التوافق والقبول من الجميع.

ومن جهة أخرى، يجري تنفيذ عمليات مستمرة لسلخ أراضٍ سورية؛ إذ قامت المجموعات الكردية بالاستيلاء على مزيد من الأراضي في شمال وشرق سوريا، خاصة في محافظات دير الزور والقامشلي وصولًا إلى الحدود السورية العراقية. كما قامت إسرائيل باستقطاع مساحات جديدة من هضبة الجولان التي احتلتها في 5 يونيو 1967. وبعد سيطرتها على المنطقة العازلة بطول 75 كيلومترًا من جبل الشيخ وحتى الحدود الأردنية، تعمقت أكثر لنحو 20 كيلومترًا جنوب سوريا، وباتت قريبة للغاية من العاصمة دمشق.

الغريب أن الفصائل المسلحة لم تعلن موقفها من التوغل الإسرائيلي، وهذا يمكن أن يُشكِّل عاملًا لعدم الاستقرار في جنوب سوريا خلال المرحلة المقبلة.

وما بين المؤشرات والنظرة الإيجابية، والتحديات والمخاوف، يُمكن افتراض عدة سيناريوهات مُحتملة لمستقبل الأوضاع في سوريا في المستقبل القريب؛ منها:

تأسيس دولة ديمقراطية حديثة تقف على مسافة واحدة من الجميع، تتساوى فيها الأغلبية مع الأقليات، وترسم خريطة طريق تعتمد على خطوات واضحة لوضع دستور جديد، وانتخاب الرئيس والبرلمان، وتحديد نمط العلاقة مع الدول العربية والإقليمية والدولية. وقد أعلن أحمد الشرع أن الانتخابات سوف تُجرى بعد 4 سنوات.

لكن سوريا منذ الاستقلال لم تعرف الديمقراطية، ولا توجد مؤسسات قوية تتمكن من مراقبة ذلك، كما إن سوريا عانت طويلًا من الانقلابات العسكرية المتتالية. وأول انقلاب عسكري حدث في سوريا كان في عام 1949، بدعم من الولايات المتحدة لأسباب تتعلق بالاعتراف بإسرائيل. وكان ذلك الانقلاب فاتحة تدخل الجيش في سوريا في الأمور السياسية. وقد وصفه فارس الخوري بكونه «أعظم كارثة حلّت بالبلاد منذ حكم تركيا الفتاة».

قيام دولة فيدرالية تمنح حقوقًا كبيرة للمكونات السورية الرئيسية، وقد يكون هذا السيناريو يتفق مع التفكير الأمريكي والأوروبي وقد تدعمه إسرائيل. إنشاء دولة إسلامية على غرار دولة حركة طالبان في أفغانستان. وقد يتفق هذا السيناريو مع أفكار ورؤية الجماعات المسلحة التي تقول إنها تريد إنشاء جمهورية إسلامية سورية تُطبِّق الشريعة الإسلامية حسب تفسيرها. ووفق هذا السيناريو ستكون "هيئة تحرير الشام" ومعها التيار السلفي، القلبَ الصلب لهذا المشروع. تقسيم سوريا إلى دويلات حسب الخصائص الجغرافية والعرقية والدينية، وهذا السيناريو طبقته فرنسا أثناء فترة انتدابها لسوريا؛ إذ قامت بفصل لبنان عن سوريا ومنحها الاستقلال، كما قامت فرنسا بسلخ لواء "الإسكندرونة" ومنحه لتركيا. وهذا السيناريو أيضًا يتفق مع مشروع "الشرق الأوسط الجديد" و"إعادة هندسة خرائط المشرق العربي". وفي ظل الأطماع الإقليمية والدولية في سوريا، فإن هذا السيناريو ليس مستبعدًا. عدم السماح بإعادة تسليح الجيش السوري، بعد أن قامت إسرائيل بتدمير الطائرات والصواريخ والأسلحة البرية والبحرية والجوية يوم 10 ديسمبر 2024، وما زالت مستمرة. وما قامت به إسرائيل من تدمير مُمنهَج لقدرات الجيش السوري البرية والبحرية والجوية، يبعث على القلق الشديد على مستقبل سوريا؛ لأن عدم وجود جيش قوي ومحترف، يُمكن أن يزيد من حالة عدم الاستقرار وشيوع النزعات الانفصالية، وهو يوفر بيئة للتناحر بين الفصائل المسلحة نفسها في ظل عدم وجود "قوة مسلحة حاكمة" تفصل وتمنع أي خلافات بين المكونات العسكرية المختلفة. استهداف الأكراد؛ حيث ترى تركيا في قوات سوريا الديمقراطية "قسد" والفصائل والتجمعات الكردية السورية، خطرًا على الأمن القومي التركي، خاصةً من جانب حزب العمال الكردستاني. وبالتزامن مع تحركات الفصائل المسلحة نحو دمشق، كان هناك تحرك موازٍ ضد الأكراد في مدينتي منبج وتل رفعت. وهنا تثور المخاوف من أن تتحول الفصائل المسلحة في سوريا إلى "بندقية للإيجار" يتم استخدامها ضد الأكراد أو الجهات الأخرى، ما يضفي مزيدًا من التعقيد على المرحلة الانتقالية. بقاء القوات الأجنبية؛ حيث تؤكد المواقف المبدئية أن القوات الأمريكية ستظل متواجدة في سوريا، بعد أن أعلنت واشنطن أنها سوف تُبقي على نحو 950 جنديًا أمريكيًا في شرق الفرات، إضافة إلى إعلان موسكو أنها تتواصل عبر وسطاء مع الفصائل المسلحة من أجل معرفة مستقبل وجود قواتها في طرطوس وحميميم. ومن شأن استمرار بقاء قوات الغريمين الدوليين على الأراضي السورية، أن يُشكل عامل توتر وعدم استقرار يُمكن أن تكون له انعكاسات على الوضع الداخلي السوري. ظهور طاغية جديد من رحم الجيش، يستغل حالة الفوضى لترسيخ نفسه مع شلة من المستفيدين. وهذا السيناريو سوف يُعرقل بناء دولة مدنية حقيقية تحترم حقوق الإنسان، وتعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية وتعالج الاسباب الجذرية للصراع، ويُعيد تأسيس نظام استبدادي جديد.

باختصار.. يخشى عدد كبير من السوريين أن يروا أنفسهم، وقد انطبق عليهم المثل العربي القديم "المستجير بعمرو عند كربته، كالمستجير من الرمضاء بالنار".

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • اليابان تعتزم تعزيز دعمها للأمن البحري للفلبين ردا على التطورات في بحر الصين الجنوبي
  • لافروف: موسكو على تواصل مع دمشق ولن تغادر المنطقة
  • بمواد كيمائية..موسكو تعلن إحباط "هجوم إرهابي" أمرت به أوكرانيا
  • "التقية السياسية" والسيناريوهات المحتملة في سوريا
  • التطورات الأخيرة في شبه الجزيرة الكورية: كوريا الشمالية تُطلق صواريخ جديدة
  • موسكو تحبط هجوما أوكرانيا بطائرات مسيرة على محطة ضغط الغاز روسكايا
  • طهران : غروندبيرغ يلتقي مسؤول إيراني لمناقشة التطورات السياسية وجهود السلام في اليمن 
  • بالفيديو.. الاجتماعات الدولية فرصة لحث الإدارة السورية الجديدة على المضي في العملية السياسية
  • الاجتماعات الدولية فرصة لحث الإدارة السورية الجديدة على المضي في العملية السياسية
  • الخارجية: سفارتنا لم تُغلق في سوريا ومستمرون بمتابعة التطورات