الأسبوع:
2025-01-15@07:05:47 GMT

اللحظات الأخيرة التي سبقت رحيل الأسد إلى موسكو

تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT

اللحظات الأخيرة التي سبقت رحيل الأسد إلى موسكو

كان يوم السبت 7 من ديسمبر يومًا عاديًا في القصر الرئاسي بدمشق، حضر الرئيس بشار، وظل بمكتبه حتى وقت متأخر من مساء هذا اليوم، كان الرئيس من خلال متابعته يدرك أن الأوضاع باتت خطيرة، وأن جميع التقارير القادمة من الميادين تؤكد أن الجيش العربي السوري لم يعد قادرًا على المواجهة، وأن هناك ضباطًا وجنودًا تركوا ميدان المعارك التي لم تحدث، وتوجهوا إلى أماكن مجهولة، كان الكل على يقين أن روسيا غارقة في مستنقع أوكرانيا، ولن تستطيع أن تشارك في التصدي للإرهاب كما حدث في عام 2015-2016.

كما أن الضربات التي تلقاها حزب الله في لبنان تركت أثرًا سلبيًا عند دوائر الحكم في دمشق، بعد صدور تصريحات إيرانية في هذا الوقت على لسان وزير الخارجية الإيراني تقول: إن مصير الرئيس السوري بات غير معروف، كما أن دعوة الروس والإيرانيين والأمريكان والعراقيين وغيرهم من الدول طلبت سحب رعاياها من سوريا.

قرارات مشبوهة وراء انسحاب الجيش وفتح الأبواب أمام الميليشيات

- أدرك الجميع أن الأمر جد خطير، وأن الساعات المقبلة قد تحمل تطورات خطيرة، قد تؤدي إلى سقوط الدولة السورية في أيدي الميليشيات الإرهابية.

- كان الرئيس بشار قد بعث أفراد أسرته إلى موسكو مع بدء سقوط حلب في أيدي الميليشيات، حيث جرى ذلك سرًّا، ولم يعرف بذلك إلا عدد من المقربين من دائرته الخاصة، وفقًا لمصادر سورية عليمة.

- وفي يوم الخميس 6 من ديسمبر كان الرئيس السوري قد أدرك أن القوات التي وصلت إلى ريف حمص، حتمًا ستكمل طريقها إلى دمشق، كان أمامه في هذا الوقت محطة مهمة يمكنه التوجه إليها، روسيا، الإمارات، وإيران، فاستقر اختياره على موسكو. كان بشار قبلها قد تلقى اتصالات من أطراف عربية، وإقليمية للبحث في سبل حل الأزمة المتصاعدة.

- بدأ بشار في الترتيب مع قادة عسكريين روس للسفر سرًّا فجر الأحد 8 من ديسمبر، تم الاتفاق على أن يسافر من القاعدة العسكرية الروسية إلى موسكو مباشرة.

بشار الأسد

وكالة «رويترز» للأنباء، ونقلاً عن عدد من مساعدي بشار قالت: إنه اعتمد على خطة للخداع والتضليل مع أقاربه، وكبار المساعدين، كان يشد من همتهم، ويؤكد لهم أنه ليس أمامه من خيار سوى الصمود حتى لو استشهد.

وفي مساء ذات اليوم، واستمرارًا لخطة الخداع، جمع بشار في مقر وزارة الدفاع نحو 30 من قادة الجيش والمخابرات والشرطة، ووضع معهم خطة الصمود إذا ما نجحت الميليشيات في الوصول إلى دمشق، ووزع المهام عليهم جميعًا، بعض من حضروا هذا اللقاء قالوا: إن الرئيس بشار كان يتكلم بثقة بالغة، ولم يظهر عليه أي نوع من التوتر.

ووفقًا لوكالة «رويترز» فإن الأسد أبلغ الحاضرين في هذا الاجتماع أن الدعم العسكري الروسي والإيراني في الطريق، كما حث قائد القوات البرية على الصمود.

- كان هذا الاجتماع قاصرًا على تلك القيادات، ولم يكن رئيس الوزراء، أو حتى أيًا من المسئولين المدنيين على علم بهذا الاجتماع الذي أراد منه بشار تطمين الجميع، ولتضليلهم في نفس الوقت، وبعد انتهاء هذا الاجتماع عاد الرئيس الأسد إلى مكتبه، وقضى بعض الوقت، حتى وقت متأخر من هذا المساء، ثم بعد الانتهاء من عمله قال لمدير مكتبه الرئاسي إنه سيعود إلى منزله، لكنه لم يتوجه إلى المنزل، بل طلب من سائقه، ومجموعة صغيرة من حراسه التوجه إلى مطار القاعدة الروسية.

- قبلها كان بشار قد اتصل بمستشارته السياسية بثينة شعبان، وطلب منها الحضور إلى منزله لكتابة خطاب يتوجه به إلى الشعب في صباح الأحد 8 من ديسمبر، وحدد معها النقاط الهامة التي يجب أن يتضمنها الخطاب.

- لم يبلغ بشار أحدًا حتى أقرب الناس إليه، وأقصد شقيقه ماهر الأسد..

- كان هناك عدد من رجال الاستخبارات الروسية قد أنهوا الإجراءات الفورية في تكتم وسرية، وإمعانًا في الحذر جرى إلغاء الأجهزة التي تتيح تتبُع الطائرة، فقد انطلقت، ولا أحد يعرف وجهتها.

روسيا وإيران تتخليان عن الأسد وتتركانه وحيدًا في مواجهة الجميع

أين اختفى وزير الدفاع وكبار قادة الجيش؟

- نزل الرئيس بشار في وقت مبكر من صباح الأحد 8 من ديسمبر، وتم نقله على الفور في سرية تامة إلى مكان آمن، ولم يعلن عن وصوله إلا بعد مرور عدة ساعات، كان الكل يتساءل فيها: أين الرئيس؟

- كانت السيدة بثينة شعبان المستشار السياسي للرئيس قد أعدت الخطاب الذي سيلقيه الرئيس صباح اليوم، إلا أن الرئيس لم يحضر، احتار كبار المسئولين في الأمر، بينما كانت الميليشيات العسكرية تدق أبواب دمشق، وتلقي القبض على العديد من الشخصيات الهامة والمسئولة، احتلوا منزل بشار، والقصر الجمهوري، ووزارتي الداخلية والدفاع، لكن الرئيس كان في هذا الوقت يرقد على سريره في موسكو، بعدها أصدر الرئيس بوتين قرارًا يقضي بمنحه حق اللجوء السياسي.

كان الخبر صادمًا للجميع، تساءل المقربون: كيف يتركنا الرئيس، ويرحل دون أن يخطر أحدًا، أو يصطحب معه أيًا من كبار المسئولين، والذين هم مطلوبون من الميليشيات الإرهابية؟

- لكن الصدمة الأكبر أن الرئيس ترك الساحة ورحل، ولم يسلم القيادة إلى الجيش، بل تركها لأبو محمد الجولاني قائد الميليشيات، والذي اختار رفيقه في الجبهة محمد البشير صاحب المواقف المتطرفة، والقادم من إدلب لتبدأ سوريا عهدًا جديدًا تحت قيادة تنظيم لا يزال يصنف من الأمم المتحدة على أنه تنظيم إرهابي، وعلى يد قائد لهذا التنظيم أبو محمد الجولاني، والذي لا يزال مدرجًا على قائمة أخطر الإرهابيين في الأمم المتحدة والولايات المتحدة.

- لماذا ترك بشار الساحة، وهو الذي كان دومًا يصف مَن يهرب بأنه جبان وخائن؟

- ولماذا لم يسلم القيادة لقائد عسكري يمكنه حماية الدولة وأمنها وسلامة مؤسساتها؟ لماذا ترك الساحة للميليشيات الإرهابية خالية، ليعيثوا فيها قتلاً وذبحًا وشنقًا وحرقًا، وليبدأوا عملية تصفية الحسابات مع عشرات الألوف من كبار المسئولين، ورجالات الأمن وقادة الجيوش والشرطة؟!

الأسئلة عديدة ومتعددة، لكن السؤال الأهم: لماذا لم يتصد الجيش العربي السوري؟ ومن الذي أعطاه الأوامر بالانسحاب من محافظة إلى أخرى؟ وعندما كان يتساءل الرئيس بشار لماذا الانسحاب دون إطلاق رصاصة واحدة، كان يقال له: إن الهجمة كبيرة ومن الأفضل لنا أن نترك لهم حلب، ثم بقية إدلب، ثم حماة، وعندما اشتد غضب الرئيس من ترك الساحة للميليشيات وحدها، قالوا له: إننا نسحب قواتنا من كل المناطق لنأتي بها إلى حمص حتى نستطيع الدفاع عن دمشق.

في هذه اللحظات أدرك الرئيس بشار أن هناك مؤامرة تحاك ضده، وأن المعلومات التي تقدم إليه مزيفة، وأن الميليشيات باتت على أبواب دمشق: حاول التواصل مع وزير الدفاع، ولم يتمكن.

أدرك أن شيئًا ما قد حدث، وأن كل ما جرى لم يكن طبيعيًا، فوجئ بالموقف الروسي والموقف الإيراني.. أدرك أن الكل قد تخلى عنه، وأن اتفاقات جانبية إقليمية، ودولية قد تمت على حسابه، وحساب بقائه في الحكم.

يتردد أن اتصالات قد جرت معه، وقالت له: أمامك أحد خيارين إما أن ترحل عن سوريا فورًا، وإما أن تلقى مصيرك على يد الميليشيات.

فجأة وجد بشار نفسه أمام خيار الرحيل، كان بإمكانه أن يبقى وأن يقاتل مع رجاله المخلصين، أن تتحول دمشق إلى ملحمة، لكنه حتى لم يستطع أن يسلم البلاد لأحد من قادته العسكريين، ترك الأوضاع كما هي ورحل إلى موسكو، وترك الميليشيات تحكم وتتحكم، وتعيث فسادًا في الأرض.

اقرأ أيضاًملك الأردن: استقرار سوريا مصلحة استراتيجية للدول العربية وللمنطقة بأسرها

مصطفى بكري يكشف كواليس آخر لقاء له مع الرئيس بشار الأسد

عاجل.. الكرملين يعلن منح اللجوء لـ بشار الأسد وعائلته لدواع إنسانية

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: روسيا سوريا موسكو مصطفى بكري وزير الخارجية الإيراني دمشق الجيش العربي السوري رحيل الأسد هذا الاجتماع الرئیس بشار من دیسمبر إلى موسکو فی هذا

إقرأ أيضاً:

المصالح الإقليمية تطغى على استحقاقات المرحلة: أي حروب تنتظر سوريا بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد؟

 

على أن نتائج الزلزال الجيوسياسي الذي أحدثه السقوط المفاجئ لنظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد لم تظهر بعد، إلا أن التقديرات تشير إلى أن مشروع بناء الدولة السورية الجديدة سيواجه عقبات كبيرة في وقت يخيم على الأجواء السورية شبح الحرب سواء بين الفصائل المسلحة أو بين وكلاء القوى المؤثرة في المشهد السوري إذ أن عملية الإطاحة بنظام الأسد لم تُخلف سوى مشروع دولة مفككة مكبلة بقيود المشاريع الخارجية.

الثورة  / أبو بكر عبدالله

في مقابل انحسار الحضور الروسي الإيراني في سوريا تعاظم الدور التركي بشكل كبير، ومعه ظهرت أمراض سوريا العتيدة دفعة واحدة، أكثرها على صلة بحقوق الأقليات الدرزية والكردية والسريانية، التي يُرجح أن تظهر على مسرح التحولات السورية كقوى يصعب تجاوزها بعمل عسكري محدود، بما يجعل هذا البلد الذي تحول إلى دولة مفككة بلا مخالب، مسرحا لحروب طويلة الأمد.
علاوة على العقوبات التي تواجهها الدولة السورية ثمة مشكلات عميقة داخلية وخارجية قد تذهب بسوريا نحو دوامة حروب جديدة، خصوصا بين الإدارة السورية الجديدة الموالية لتركيا والأكراد السوريين المتمركزين على مقربة من مناطق الشمال التركي والمسيطرين على مساحة شاسعة من الشمال الشرقي لسوريا، تلك المنطقة الحساسة جغرافيا والتي كانت حتى وقت قريب مرتعا خصبا لمسلحي تنظيم «داعش».
تفاصيل هذا المشهد المعقد بدت واضحة في التصريحات الأولى لرئيس إدارة العمليات العسكرية زعيم «هيئة تحرير الشام» أحمد الشرع المعروف بكنيته أبو محمد الجولاني الذي أكد أن جماعته المسيطرة على الحكم في سوريا حاليا مستعدة لإنهاء الحرب والشروع بتسوية سياسية لكن ليس في الوقت الراهن، وهو التصريح الذي أفصح عن استعداد الفصائل المسلحة لإكمال شوط طويل من الحروب تريد القوى الإقليمية من السلطة الجديدة في سوريا إنجازها كمحصلة لمساهماتها في عملية الإطاحة بنظام الأسد.
الجولاني أعلن أيضا ضمن أولوياته السياسية والعسكرية إنهاء أي نفوذ للأكراد في سوريا، تحت شعار «رفض تقسيم سوريا ورفض وجود أي كيانات طائفية أو عرقية مسلحة خارج إطار الدولة الجديدة» وأكثر من ذلك عزم جماعته العمل على أن تكون الأسلحة في يد الإدارة السورية الجديدة في إشارة إلى أكراد سوريا الذين يمثلون جيشا منظما بداخل الدولة السورية يحظى بدعم دولي منذ نحو 8 سنوات.
وبصورة أكثر وضوحا اقر بتفهم القيادة الجديدة للمخاوف التركية من جراء وجود مقاتلين كرد غير سوريين في الأراضي السورية واكد عدم القبول بأن تشكل أراضي سوريا تهديدا يزعزع استقرار تركيا أو أماكن أخرى» وهي التصريحات التي تطابقت مع تصريحات مسؤولين أتراك، أكدت تمسك أنقرة بتصفية «وحدات حماية الشعب الكردية» التي تعد أكبر مكونات قوات سوريا الديمقراطية «قسد» في ظل دعوة أنقرة العلنية لهم بمغادرة البلاد وإلقاء السلاح والاستسلام للإدارة السورية الجديدة.
نذر حرب جديدة
المواجهات المسلحة التي اشتعلت مؤخرا في مناطق الأكراد بشمال شرق سوريا، لم تكن بعيدة عن هذه الأجواء المشحونة، فقد صعدت الجماعات التي يتألف منها الجيش الوطني السوري المدعومة من تركيا عملياتها العسكرية على قوات «قسد» بصورة مفاجئة وسيطرت على مدينة منبج في خطوة أشاعت المخاوف من أن تقود إلى حرب واسعة تقودها بالوكالة إدارة العمليات العسكرية نيابة عن تركيا التي تسعى إلى تثبيت حكم المجموعات المسلحة كشرط لضمان أمنها القومي.
وجهود المفاوضات التي أجرتها هيئة تحرير الشام مع جيش سوريا الديموقراطية «قسد» بدعم أمريكي بدا أنها ولدت ميتة، بعد أن أعلنت الهيئة شروطا منها حل قوات «قسد» وإخضاع القرارات السيادية لحكومة دمشق ومنحها 80% من الموارد النفطية مع منح الأكراد إدارة ذاتية لا مركزية ونحو 20% من الموارد النفطية وتسليمها ملف عناصر تنظيم «داعش» المعتقلين في سجون «قسد» والبالغ عددهم أكثر من 10 آلاف سجين.
هذه الشروط كانت موضع رفض من قيادة «قسد» التي أعلنت بالمقابل شروطا للتعامل مع الإدارة السورية الجديدة، تقضي بالاعتراف بإدارة لا مركزية شاملة لمناطقهم، والانخراط في قوام الجيش السوري الجديد كفيلق مستقل بداخل وزارة الدفاع، والحصول على 50٪ من موارد النفط والغاز والإمساك بملف مسلحي تنظيم «داعش» المعتقلين في سجونها إلى حين حصول تسويات دولية بشأنه.
والشروط التي أعلنتها «قسد» لم تكن بعيدة عن تلك التي طالبت بها الأقلية الدرزية، بعد المواجهات التي شهدتها منطقة السويداء، حيث طالب زعماؤها بإدارة ذاتية محلية ضمن نظام اللامركزية باعتباره الحل الأمثل لسوريا، ومطالبتهم تضمين ذلك في الدستور بمشاركة كل الأطياف.
أكراد سوريا
يمثل أكراد سوريا جزءا من مجموعات كردية كبيرة تنتشر في العراق وإيران وتركيا وأرمينيا وأكثرها يعيش حالة صراع دائمة مع حكومات بلدانهم، غير أن أكراد سوريا استطاعوا منذ تشكيلهم قوات سوريا الديموقراطية المعروفة بـ «قسد» أن يحصدوا مكاسب سياسية وعسكرية كبيرة بعد أن نجحوا في السيطرة على ما يقارب ربع مساحة سوريا عبر جيش منظم يرتبط بتحالف قوي مع الولايات المتحدة في مشروعها لمواجهة تنظيم «داعش».
بعد عامين من اندلاع الانتفاضة ضد نظام حكم الرئيس السوري السابق بشار الأسد عام 2011، سيطرت الجماعات الكردية السورية بقيادة «حزب الاتحاد الديمقراطي» و»وحدات حماية الشعب» التابعة لها على مساحات شاسعة من أراضي الدولة السورية، وأنشأوا إدارة خاصة بهم على قاعدة «الحكم الذاتي».
على المستوى السياسي، تبنى أكراد سوريا برنامجا يقضي بإقامة دولة ديموقراطية تحت مظلة نظام لا مركزي يشترك فيه كل السوريين بكافة أطيافهم ودياناتهم وأعراقهم، وأعلنوا في مناسبات عدة أن قوات سوريا الديمقراطية ستكون «نواة للجيش السوري الجديد» وهي مبادئ تتعارض مع البرنامج الذي سارعت الإدارة السورية الجديدة ممثلة بقيادة العمليات العسكرية، لإعلانه باحتواء جميع الأطياف تحت مظلة الدولة السورية الجديدة بتشكيلاتها التي تضم كيانات مصنفة دوليا على أنها منظمات إرهابية.
ورغم استقلال أكراد سوريا بحكم ذاتي عن نظام الحكم في دمشق إلا أن الإطاحة بنظام بشار الأسد مثلت انتكاسة لمشروعهم السياسي بعدما أفضت إلى تغيير سلبي في معادلة توازن القوة، افضى إلى زيادة مساحة النفوذ التركي بالتوازي مع تغيير جوهري في العلاقة بينهم والإدارة الأمريكية التي مثلت منذ سنوات الداعم الأول لقوات «قسد» الضاربة في شمال شرق سوريا.
سيناريوهات تركية
طالما مثلت قوات سوريا الديمقراطية محور خلاف بين أنقرة وواشنطن في ظل استمرار تواجد القوات الأمريكية في سوريا، لكن الوضع اليوم مرشح لتغيير كبير مع إعلان إدارة ترامب تبنيها سياسة خارجية جديدة تجاه سوريا والشرق الأوسط تقضي بسحب القوات الأميركية من سوريا وترك ملف دمشق للسلطات التركية التي أعلنت خياراتها بدعم السلطات الجديدة وإنهاء أي نفوذ سياسي أو عسكري للأكراد في سوريا.
تزامن ذلك مع تصعيد خطير حملته تصريحات المسؤولين الأتراك وفي المقدمة الرئيس رجب طيب أروغان، الذي أكد أن بلاده «ستسحق المنظمات الإرهابية في أقرب وقت ممكن»، وكذلك تصريحات وزير الخارجية التركي الذي أكد مؤخرا أن هدف تركيا الاستراتيجي يتمثل في إنهاء وجود وحدات حماية الشعب الكردية، معتبرا أنها أمام خيارين، إما أن تحل نفسها أو تواجه القضاء عليها بالقوة.
وتبدو تركيا في طريقها لاستثمار علاقتها الجيدة بالسلطة الجديدة في سوريا لإنهاء هذا الملف بتكاليف اقل وهو أمر برز إلى الواجهة بعد تأكيد قيادات الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا أن 25 ألفاً من مقاتليها جاهزون لشن عملية عسكرية ضد الوحدات الكردية في شمال سوريا و»ينتظرون الأوامر».
زاد من ذلك النصائح التركية للإدارة السورية الجديدة والتي ركزت على عدم وقف العمليات العسكرية تحت أي ظرف، «واستمرار غرفة «ردع العدوان» وغرفة «فجر الحرية» في أعمالها العسكرية شرقا لدحر المجموعات الكردية المسلحة وفرض السيطرة على كامل الأراضي السورية.
وهذا الأمر لم يعد اليوم الخيار الوحيد لأنقرة، التي أفصحت عن احتمال تدخل تركي عسكري مباشر ضد الوحدات الكردية في شمال شرق سوريا في حال لم يتم التوصل إلى تسوية مع الإدارة السورية الجديدة، تُفضي إلى حل فوري لـ «وحدات حماية الشعب».
وعلى أن تركيا تبدو اليوم مستعدة لشن الحرب على قوات «قسد» إلا أنها فضلت تأجيل هذه التحركات لحين تقلد الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب زمام السلطة، وهو الانتقال الذي يتوقع أن يؤثر على المعادلة القائمة حاليا في سوريا ومن المحتمل أن يُفضي إلى تفاهمات جديدة بين أنقرة وخصومها الأكراد السوريين إن لم يكن خيار الحرب هو الوحيد على طاولة انقرة.
طريق سالك للحرب
كثير من العوامل المتحكمة في المشهد السوري اليوم تُرجح أن البلد مقبلة على حرب واسعة، فعلاوة على العلاقة المتأزمة بين الإدارة السورية الجديدة والأكراد، هناك عوامل اقتصادية قد تدفع السلطة السورية الجديدة إلى اشتعال حروب مع الأكراد بدوافع داخلية.
من ذلك سيطرة قوات «قسد» على نحو 90 % من الثروة النفطية ونحو 45 % من إنتاج الغاز، وهي معطيات قد تكون سببا لجولة حرب جديدة ليس بين السلطة الجديدة و»قسد» وحسب بل بين المكونات السورية المؤثرة في المشهد السوري التي تخطط للسيطرة على منابع الثروة.
ومناطق شرق الفرات الواقعة حاليا تحت سيطرة «قسد» تعتبر غنية بموارد أخرى، حيث يوجد فيها واحد من أكبر معامل إنتاج الإسمنت، في حين تنتج هذه المناطق معظم احتياجات سوريا من القمح والشعير والعدس إضافة إلى القطن وخاصة في محافظة الحسكة بسبب المساحات الشاسعة من الأراضي الخصبة ووفرة الأمطار وخاصة تلك التي تقع بالقرب من الحدود التركية.
وما يعزز من حصول أزمات كبيرة في سوريا أن وضعها اليوم صار معقدا إلى حد كبير، وهو تعقيد قد يضع الكثير من العراقيل أمام المشاريع السياسية المطروحة لبناء الدولة الجديدة.
ومن غير المستبعد أن تحاول العديد من الأطراف العربية والإقليمية والدولية وضع لاعبيها السوريين في سدة الحكم بدمشق، وهذا الأمر سيعمل بلا شك على عرقلة صياغة الدستور الجديد والتوافق على خطوات مرسومة للفترة الانتقالية، كما أنه سيدخل دمشق في دوامة الانقلابات العسكرية، إلى أن يتم تقليد الحكم لنظام قمعي يتلقى تعليماته من خارج سوريا.
وما يقال اليوم بشأن المرحلة الانتقالية والمؤتمر الوطني لا يزيد عن كونه أمنيات، إذ لن يكون من السهل التوافق على فترة انتقالية بعناوين وأهداف محددة، كما لن يكون سهلا تشكل حكومة منتخبة من الشعب السوري أو حصول انتقال ناجح ومنظم للسلطة في بلد عانى لسنوات طويلة من الحرب ويواجه حاليا انقسامات سياسية وأثنية وعرقية عميقة.
وآخر ما يعني الولايات المتحدة وتركيا هو قيام دولة سورية بنظام ديموقراطي يستوعب كل أطياف الشعب السوري، فالولايات المتحدة التي أعلنت إدارتها الجديدة العزم على الانسحاب من سوريا لا يعنيها سوى وكلاء لمحاربة تنظيم «داعش» في حين لا يعني تركيا سوى إنهاء أي نفوذ عسكري للأكراد، وقيام سلطة سورية تتولى تأمين حدودها الشمالية.
مع ذلك فهناك عوامل أخرى قد تعيد تشكل الخارطة وفي مقدمها الشروط الأمريكية ذات الصلة بالاعتراف بحكم هيئة تحرير الشام ورفعها من قائمة المنظمات الإرهابية وعلى رأسها واقع الديمقراطية وحرية التعبير في بنية الدولة السورية المُقبلة، وضرورة أن تمثل الحكومة الانتقالية جميع السوريين وهي شروط ترهن دعم واشنطن لهيئة تحرير الشام بنوع العملية السياسية، ومستقبل التعدد والتنوع السياسي والثقافي.

مقالات مشابهة

  • لافروف: موسكو على تواصل مع دمشق ولن تغادر المنطقة
  • فاينانشال تايمز تكشف تفاصيل اللحظات الأخيرة قبل إعلان اتفاق غزة
  • وزير خارجية سوريا يعتزم زيارة تركيا الأربعاء
  • من إدلب إلى دمشق!
  • حقي.. جمال سليمان يكشف حقيقة نيته الترشح للانتخابات الرئاسية بسوريا
  • رحيل روسيا عن سوريا.. مطلب شعبي ملح يصعب تحقيقه
  • بعد 17 عاما من الجفاء.. شقيقة زوجة ماهر الأسد تكشف تفاصيل مثيرة
  • شقيقة زوجة ماهر الأسد تكشف: منال جدعان انفصلت عنه وتقيم في الإمارات
  • الشرع يتوقع عودة معظم السوريين إلى بلدهم خلال عامين
  • المصالح الإقليمية تطغى على استحقاقات المرحلة: أي حروب تنتظر سوريا بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد؟