نساء غزة .. احتياجات يومية تضاعف معاناتهن مع الإعاقة
تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT
تجلس شروق (23) عامًا على سرير داخل مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح وسط قطاع غزة، تلقن ابنها محمد ذا الثلات سنوات الذي يرقد على نفس سريرها بعض الكلمات ليحفظها، فقدت شروق زوجها في قصف طائرة استطلاع استهدفت مجموعة من المواطنين داخل أحد الأسواق في مدينة غزة، وبعدها بشهرين قُصف المنزل الذي يأوي العائلة بعد نزوحها إلى وسط قطاع غزة ببرميل متفجر أدى إلى تدمير الحي بأكمله، استشهد كل من بالمنزل وما زالوا تحت أنقاض المنزل المهدم منذ ثلاثة أشهر حتى لحظة كتابة الخبر، أما شروق وابنها فقد بقيا يعانيان من بتر أقدامهما، كنت أراقب حديثها وأتساءل بيني وبين نفسي، كيف يمكنني الحديث وإجراء المقابلة مع تلك الشابة التي فعلت بها الحرب الكثير، وجهها شاحب تبدو عليه بوادر المرض، جسم نحيل، لكنني في الوقت نفسه استغربت القوة والعزيمة والإرادة التي تمتلكها عندما قاطعت حديثي ومداعبتي لطفلها الصغير قائلة «الحمد لله رب العالمين على ما نحن به، نحن أفضل من غيرنا، لن نستسلم لتلك الإعاقة التي ستلازمنا طوال العمر، بعد استشهاد زوجي لم أفقد الأمل بالحياة رغم صغر سني، قمت بافتتاح مشروع صغير لصناعة المعجنات والبيتزا، نجح مشروعي وبدأ يكبر وينجح، كنت أبيع منتجاتي داخل مستشفى الشفاء بمدينة غزة أنذاك بشكل يومي، ثم توسع المشروع نتيجة زيادة الطلب عليه فبدأت تلقي المساعدة والتشجيع من عائلتي وعائلة زوجي ولكن فجأة تم الدخول البري للمستشفى، طلب منا جيش الاحتلال الإسرائيلي النزوح إلى جنوب قطاع غزة، وصلت إلى مخيم النصيرات وسط القطاع وبعد أسبوعين عدت لصناعة المعجنات مرة أخرى بدأت استعيد نشاطى مرة أخرى وأسّطر النجاح تلو الآخر حتى جاء اليوم الحزين».
توقفت شروق عن الكلام وبدأت تجفف دموعها، وأخذت تروي ما مرت به من ظروف صعبة «كنت عائدة من السوق قبل حلول المساء، اشتريت العديد من المواد اللازمة للعمل، وبعد صلاة العشاء دخلت الغرفة للنوم، كنا قرابة الثلاثين شخصًا داخل الطابق الثالث للعمارة التي نسكنها، استيقظت على صوت القصف المجاور للعمارة، أخذت طفلي في حضني وما هي إلا دقائق حتى انهار المنزل فوق رؤوسنا وبعدها وجدث نفسي داخل غرفة العمليات بالمستشفى وما أن استعدت عافيتي حتى اكتشفت أنني فقدت قدميّ إحداهما بالكامل والأخرى من منطقة الركبة».
تنهدت لبرهة من الوقت وحدّقت بقدمها وهي شاردة الذهن وكأنها عادت إلى تلك الليلة القاسية ثم أضافت «لم أحزن على نفسي بقدر حزني على ابني الوحيد الذي بترت ساقه أيضًا، لم يرَ هذا الطفل شيئًا جميلًا في حياته، إنه يحتاج إلى اهتمام مضاعف في ظل الإعاقة التي ستلازمه طوال حياته».
وعن أمنيتها قالت «أتمنى أن تتوقف هذه الحرب في أقرب وقت ممكن وأن تتم إعادة فتح معبر رفح البري حتى أتكمن من السفر برفقة ابني لتركيب أطراف صناعية لنا لنتمكن من السير واستكمال مشروعي وافتتاح مطعم صغير حتى أتكمن من العيش بكرامة».
لم يكن حال تغريد البالغة من العمر (45) عامًا أفضل وهي امرأة توفي زوجها قبل الحرب بعامين تاركًا لديها ثلاث فتيات يعانين من إعاقة حركية وشلل كامل بالإضافة إلى تخلف عقلي، أصبحت تغريد تعانى الأمرين في ظل استمرار الحرب ووجودها داخل مركز الإيواء في شمال غزة، بعد قصف المراكز التي تُعنى بذوي الإعاقة أصبحت تتحمل عبء الاعتناء بالفتيات الثلاث وقد زاد التعب أضعافًا في ظل انعدام وسائل النظافة وغلاء أسعار الحفاظات.
تقول تغريد وهي تروي ما مرّت به من صعوبات «تخيلي كيف ستكون الحياة دون وجود معيلٍ، في ظل حرب الإبادة الجماعية التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي على شمال غزة، تعرضت للنزوح أكثر من مرة برفقة الأقارب الذين كانوا يساعدونني في نقل بناتي اللاتي يعانين من شللٍ تامٍ من مكان إلى أخر، نزحنا أكثر من ثلاث مرات، وكنت أعاني كثيرا بسبب عدم توفر الأماكن الملائمة والخصوصية لبناتي، وأكثر الأمور التي ما زالت تشكل عبئًا كبيرًا لي هو عدم توفر الأدوات الصحية والمستلزمات الطبية والأدوية بالإضافة إلى المجاعة التي بدأت تنتشر بالتزامن مع الفقر الذي يتسبب في عدم قدرتنا على شراء الطعام اللازم للأشخاص ذوي الإعاقة» ويواجه الأشخاص ذوو الإعاقة على اختلاف فئاتهم: حركية، سمعية، بصرية، ذهنية - صعوبات هائلة في عمليات النزوح القسري المتكررة؛ لصعوبة حركتهم وحاجتهم لمساعدة الآخرين، في وقت يحاول الجميع أن ينجو بنفسه، وقد سجّلت عشرات الحالات لمفقودين أطفال من ذوي الإعاقة الذهنية أو مرضى التوحد.
كما يجد الآلاف من هؤلاء صعوبة في العثور على مأوى ملائم، والحصول على المياه والغذاء والدواء والأجهزة المساعدة مثل الكراسي المتحركة والمشايات وأجهزة السمع والفرشات الطبية الهوائية للمقعدين حركيًا التي يحتاجون إليها بشدة، كما أدى انقطاع الكهرباء إلى صعوبات كبيرة في إجلاء الأشخاص ذوي الإعاقة من المباني المرتفعة.
ووجد تحليل أجرته منظمة الصحة العالمية لأنواع الإصابات الناجمة عن الحرب، أن الإصابات الشديدة في الأطراف، التي يقدّر عددها بين 13455 و17550 إصابة، هي العامل الرئيسي الذي يؤدي إلى الحاجة إلى إعادة التأهيل، مشيرًا إلى أن العديد من المصابين يعانون من أكثر من إصابة واحدة.
ووفقًا للتقرير الصادر في 12 سبتمبر 2024، بلغ عدد عمليات بتر الأطراف ما بين 3105 و4050 عملية، وتُسهم الزيادات الكبيرة في إصابات النخاع الشوكي والإصابات الدماغية الرضحية وإصابات الحروق الشديدة في العدد الإجمالي للإصابات التي تُغيِّر مجرى الحياة، ويشمل ذلك عدة آلاف من النساء والأطفال.
ويقول الطبيب ناهض أبو طعيمة، مدير مجمع «ناصر» الطبي في خان يونس: إن ارتفاع إصابات بتر الأطراف بشكل كبير يعود لاستخدام قوات الاحتلال أنواعا جديدة من الأسلحة تؤدي إلى هذه الإصابات الخطيرة، مشيرًا إلى أن تدفق أعداد كبيرة من المصابين يوميًا إلى المستشفيات ضاعف احتمالات حدوث إعاقات دائمة للجرحى، مشيرًا إلى أثر تأخر نقل بعض الجرحى إلى المستشفيات بمضاعفة أوضاعهم الصحية وصعوبة تعامل الطواقم الطبية معهم.
ويبيّن أبو طعيمة، أن خدمات الرعاية الصحية الأولية والخدمات المُقدّمة على مستوى المجتمع المحلي كثيرا ما تكون معلّقة أو يتعذر الوصول إليها بسبب انعدام الأمن والهجمات وأوامر إجلاء القسري المتكررة، مشيرًا إلى أن المركز الوحيد في غزة لإعادة بناء الأطراف وإعادة التأهيل، الواقع في مجمع ناصر الطبي والذي تدعمه المنظمة، متوقف عن العمل منذ ديسمبر 2023 بسبب نقص الإمدادات واضطر العاملون الصحيون المتخصصون إلى المغادرة خوفًا على سلامتهم، ثم تعرض المركز للتدمير الكلي إثر غارة في شهر فبراير 2024.
ويقول الطبيب ريتشارد بيبركورن، ممثل منظمة الصحة العالمية في الأرض الفلسطينية المحتلة: إن هناك زيادة هائلة في احتياجات إعادة التأهيل تحدث بالتزامن مع التدمير المستمر للنظام الصحي، حيث تعمل 17 مستشفى فقط من أصل 36 مستشفى تؤدي وظائفها جزئيا في غزة بسبب تهالك الأجهزة والمعدات الطبية، ونقص الأدوية والمستهلكات الطبية، وشح والوقود.
ويفيد الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بأن عدد ذوي الإعاقة من سكان قطاع غزة بلغ اندلاع الحرب نحو 58 ألفًا يشكّلون 2.6% من إجمالي السكان، مبيّنًا أن نسبة الإعاقة بين البالغين 18 سنة فأكثر تشكّل 3.9%.
وسجّل انتشار الإعاقة أكبر نسبة له في محافظة شمال غزة بحوالي 5%، تليها محافظة دير البلح 4.1%. ووفقًا لتقديرات الجهاز، فقد بلغ عدد الأطفال ذوي الإعاقة في القطاع في عام 2023 لنحو 98 ألف طفل في الفئة العمرية ما بين 2 و17 سنة، منهم حوالي 6 آلاف طفل في الفئة العمرية ما بين 2 و4 سنوات، وما يقارب 92 ألف طفل في الفئة العمرية 5 و17 سنة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ذوی الإعاقة مشیر ا إلى قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
السودان .. سيطرة الجيش على الخرطوم بداية لـ «الاستقرار» أم استمرار لـ «الحرب»
و سط الدمار و الدموع استقبلت الحجة رقية و هي سيدة ستينية من سكان العاصمة الخرطوم نبأ سيطرة الجيش السوداني على المدينة بمزيج من الفرح و القلق بعد أشهر من العزلة و الرعب و بدأت هذه اللحظة بالنسبة لها كأنها نهاية كابوس طويل لكنها في الوقت ذاته مثلت بداية لأسئلة جديدة حول المستقبل.
التغيير – فتح الرحمن حمودة
ما عاشته الحجة رقية يعكس مشاعر العديد من سكان الخرطوم الذين وجدوا أنفسهم بين الأمل في استعادة الحياة الطبيعية و الخوف من أن تكون السيطرة العسكرية مجرد فصل آخر من فصول الأزمة المستمرة في البلاد .
و منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 أصبحت البلاد مسرحا لصراع معقد بين الجيش السوداني و قوات الدعم السريع و تحول النزاع إلى حرب استنزاف أرهقت البلاد و أدت إلى دمار واسع النطاق خاصة في العاصمة الخرطوم حيث تسببت المعارك في انهيار مؤسسات الدولة و انهيار البنية التحتية و نزوح الملايين فضلا عن أزمة إنسانية خانقة.
و يقول الصحفي و المحلل السياسي محمد سعيد أن الصراعات الداخلية بين الأطراف المتقاتلة و خاصة داخل الجيش تؤثر بشكل مباشر على الوضع الأمني و يضيف في حديثه لـ ” التغيير” بأن تعدد الجماعات المسلحة التي تقاتل إلى جانب الجيش قد يؤدي إلى توترات داخل العاصمة الخرطوم حيث يسعى كل طرف للحصول على نصيبه من المكاسب السياسة و حصته في السلطة .
و يرى سعيد أن المتغيرات أصبحت تصب في مصلحة الجيش ما يمنحه موقفا تفاوضيا اقوى خاصة بعد إحكام سيطرته الميدانية على العاصمة و ويرى أن الجيش نجح في إيصال الحرب إلى مرحلة التفاوض و هو الهدف الذي يسعى إليه منذ البداية بحسب رائه .
و طوال الفترات الماضية حاولت وساطات إقليمية و دولية مثل منبر جدة التوصل إلى حلول سلمية لكنها باءت بالفشل بسبب تمسك كل طرف بمطالبه و سعيه لتعزيز مواقعه الميدانية قبل الدخول في أي تفاوض جاد .
ويرى الصحفي و المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ أن الجيش قد يجد نفسه في موقف أقوى للتفاوض و يشير إلى أن هناك تعقيدات داخلية قائلا في حديثه لـ ” التغيير ” أن هناك تيارات مختلفة داخل الجيش و التحالفات التي تدعمه بدءا من الإسلاميين الذين يسعون لاستعادة نفوذهم بالكامل مرورا بالحركات المسلحة التي تبحث عن مكاسب سياسية وصولا إلى القيادة العسكرية التي تريد السلطة المطلقة و يقول إن هذه التباينات قد تعرقل أي مسار سياسي حقيقي .
و يضيف أبو الجوخ أن الاستقرار في الخرطوم لا يعني نهاية الحرب حيث لا تزال هناك تهديدات قائمة مثل القصف المدفعي و الطائرات المسيرة فضلا عن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي تجعل أي استقرار حقيقي مرهونا بوقف شامل للحرب .
و إلى جانب التحديات السياسية تواجه الخرطوم واقعا امنيا معقدا بسبب الانقسامات داخل القوات التي قاتلت إلى جانب الجيش فهناك فصائل مسلحة متعددة بعضها ينتمي إلى حركات دارفور و أخرى مرتبطة بالإسلاميين بالإضافة إلى مليشيات محلية مثل “درع السودان” و كل منها له أجندته الخاصة .
و يعتقد المحلل السياسي عبدالله رزق أن الجيش لن يتخلى عن الحكم بسهولة قائلا في حديثه لـ ” التغيير ” إن الجيش يسعى للهيمنة على المرحلة الإنتقالية حتى تسليم السلطة لحكومة منتخبة وفق شروطه و يقول بأنه أمر قد يعطل أي تسوية سياسية شاملة، في المقابل قوات الدعم السريع تسعى لفرض واقع أشبه بحل الدولتين حيث تبني مناطق نفوذ خاصة بها مما يزيد من تعقيدات المشهد .
و لكن يقول الصحفي و المحلل السياسي شوقي عبدالعظيم لـ ” التغيير” أنه بعد تحقيق الجيش لأي تقدم عسكري سيجد نفسه أمام تحديات سياسية و اقتصادية لأن الحركات المسلحة التي تقاتل معه لديها مطالبها و الأسلاميون الذين دعموا الجيش لديهم أجنداتهم أيضا، و يضيف بأن هذا قد يؤدي إلى صراعات داخلية بين الفصائل نفسها مما قد يعرقل أي استقرار دائم .
و ينظر بعض المحللين السياسين إلى أن السيطرة العسكرية على الخرطوم تمثل انتصارا سياسيا و معنويا كبيرا للجيش و لكنها لا تعني بالضرورة نهاية الحرب أو بداية الحل السياسي بين الاطراف المتقاتلة معتقدين أن التصعيد العسكري يقلل فرص الحلول السياسية لأن كل طرف يسعى إلى تحسين موقفه التفاوضي من خلال تحقيق مكاسب ميدانية .
و يجد سكان الخرطوم أنفسهم في انتظار ما ستؤول إليه الأحداث، وفي الوقت الذي يعلن فيه الجيش عن استعادة السيطرة و عودة الحياة لا تزال هناك تحديات كبيرة تعيق تحقيق الاستقرار الحقيقي أبرزها استمرار النزاع و الانقسامات الداخلية و الأوضاع الأقتصادية المتدهورة كما لا يزال السؤال مطروحا هل تعني السيطرة على الخرطوم بداية الاستقرار أم مجرد محطة في حرب لم تنتهِ بعد ؟.
الوسومالجيش الخرطوم الدعم السريع السيطرة