يحتل الصومال المرتبة السادسة بين الدول الأكثر عرضة للآثار السلبية لتغير المناخ، حيث يعاني سكانه من تداعيات الجفاف والفيضانات المتكررة، فمنذ أواخر عام 2020 عانى السكان من جفاف تاريخي في القرن الأفريقي، خاصة في المناطق الجنوبية والوسطى، ورغم التحسن التدريجي في هطول الأمطار، فإن الفيضانات في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 شردت أكثر من نصف مليون شخص.

وجاء في تقرير نشرته مجموعة الأزمات الدولية بعنوان "مكافحة تغير المناخ في مناطق النزاع بالصومال" أن ذلك يتزامن مع استمرار سيطرة حركة الشباب المجاهدين على بعض مناطق البلاد، والتي استخدمت التغير المناخي وسيلة لتعزيز سيطرتها على المناطق التابعة لها عبر التحكم في الوصول للمياه لإكراه السكان على الانصياع لها.

وأصبحت حركة الشباب جناحا مسلحا لاتحاد المحاكم الإسلامية بعد انهيار الحكومة المركزية عام 1991، ورغم الدعم الدولي المكثف للحكومة الفدرالية التي أُعيد تأسيسها عام 2012 وتدخل الاتحاد الأفريقي، فإن الحركة لا تزال تسيطر على أجزاء واسعة من جنوب الصومال ووسطه.

تأثير الجفاف والفيضانات

ويذهب التقرير إلى أن التقلبات المتزايدة لأنماط الطقس سببت تأثيرات سلبية على سبل عيش المزارعين والرعاة، وشهدت البلاد فترات طويلة من الجفاف، إضافة إلى أمطار غزيرة وغير منتظمة، مما أدى إلى تدمير المحاصيل وتدهور الأراضي الزراعية.

إعلان

وخلال الفترة بين 2020 و2023، عانى الصومال من 6 مواسم متتالية من الأمطار أدت إلى حدوث فيضانات أسفرت عن نزوح الآلاف، ومع الرياح القوية والفيضانات انتشر الجراد الذي دمّر أكثر من 200 ألف هكتار من الحقول في الصومال والدول المجاورة.

وأصبحت أزمة الجفاف في البلاد أكثر حدة مع ارتفاع درجات الحرارة، ورغم أن الجفاف شائع في الصومال، فإن موسم الأمطار المعروف "بغو" لعام 2022 سجل معدلا هو الأكثر جفافا، واستمرت آثاره حتى موسم 2024 الذي وقعت فيه فيضانات أدت إلى نزوح عدد كبير من السكان.

وأشارت مجموعة الأزمات إلى أنه علاوة على ذلك، لقد فقد الصومال نحو 4.9% من غطائه الشجري بين عامي 2001 و2021 بسبب القضاء على الغابات، إذ يستخدم معظم سكان المدن مواقد الفحم، في حين يعتمد الريفيون والبدو على الحطب للطهي، مما أسهم في زيادة تآكل التربة وجفافها، ومن ثم تصبح أقل قدرة على امتصاص المياه، وهذا يزيد من صعوبة استعادة المياه الجوفية.

وفي الوقت نفسه، أدى الرعي الجائر إلى نقص في المساحات الصالحة لرعي الماشية، مما دفع الرعاة للتنقل إلى مسافات بعيدة بقطعانهم، وتزامن ذلك مع النزاعات القبلية التي تعيق هذه التحركات.

استغلال فرض السيطرة والنفوذ

ويقول تقرير مجموعة الأزمات إنه في بلد يعاني من الجفاف وشح الموارد، تعد السيطرة على المياه والأراضي أمرا أساسيا لأطراف الصراع لدعم قوتها القتالية وزيادة إيراداتها. وخلال فترات الجفاف، استخدمت حركة الشباب الوصول إلى الغذاء والماء أداة للضغط، مما زاد معاناة السكان.

وفي نهج انتقائي، قدمت حركة الشباب في بعض المناطق مساعدات للمتضررين من الطقس القاسي، استغلالا للموارد ولتحقيق أهدافها وفرض الضرائب على المزارعين والرعاة.

كما أن الحركة تسعى للسيطرة على الموارد الطبيعية لتحقيق عدة أهداف، مثل جمع الإيرادات وممارسة النفوذ على المجتمعات المحلية.

إعلان عرقلة المساعدات

وتصف مجموعة الأزمات سلوك حركة الشباب خلال الأزمات المناخية بأنه تسبب في ضرر كبير لسمعتها، خاصة في عامي 2011 و2017 خلال موجات الجفاف التي تسببت في مجاعات.

ففي عام 2011، فرضت الحركة قيودا على التنقل والمساعدات، مما أدى إلى خسارة دعم محلي كبير. ورغم فقدان بعض المناطق، بسبب هجوم من بعثة الاتحاد الأفريقي وقصف الطائرات المسيرة الأميركية، تمكنت الحركة من الحفاظ على وجودها في المناطق الريفية في جنوب الصومال ووسطه عبر تجنب القتال المباشر، كما نجحت الحركة في مواجهة الانقسام الداخلي، مستخدمة القمع للحفاظ على انتقال القيادة في عام 2014.

بعدها، خشت الحركة من عمليات التجسس، فمنعت وكالات الإغاثة من تقديم المساعدات، في خطوة عدها الجميع المسؤولة عن مجاعة عام 2011 التي أودت بحياة ربع مليون شخص، معظمهم أطفال.

لكن الضغط المحلي دفع حركة الشباب لإنشاء مكتب تنسيق لتوزيع المساعدات على الأشخاص الذين يعيشون تحت سيطرتها، بشرط دفع وكالات المساعدة ضرائب وتقديم وثائق عن أنشطتها، ورفضت عدة وكالات العرض رغم الصعوبات التي واجهها الناس.

ومنحت حركة الشباب الوكالات الدولية المزيد من المساحة لتقديم المساعدات خلال الجفاف 2016 واستمر حتى العام التالي، خوفا من تكرار الكارثة التي حدثت عام 2011. ومع أن الحركة فرضت قيودا شديدة على وكالات الإغاثة، فإنها امتنعت عن مهاجمتها بنقلها الإمدادات إلى المدن التي تسيطر عليها الحكومة.

الصومال يعد من بين الدول التي تضم أكبر عدد من النازحين داخليا في العالم (أسوشيتد برس)

وفي عام 2017، شددت الحركة قيودها مرة أخرى على المساعدات، وهددت السكان المحليين بالعنف لمنعهم من الحصول على الإغاثة، خوفا من الهجرة الجماعية التي قد تعرض مقاتليها لهجمات.

وبين عامي 2020 و2023، تضررت المناطق التي تسيطر عليها حركة الشباب في الصومال من الجفاف والفيضانات، مما فاقم الأوضاع الإنسانية هناك. ورغم محاولات الحركة تقديم بعض الإمدادات الغذائية والمائية، فإن معظم المساعدات جاءت من شركاء دوليين، حيث كانت استجابة حركة الشباب محدودة وغير فعالة، وأحيانا تُستخدم المساعدات أداة دعائية.

إعلان

كما استمرت الحركة في فرض حصار على بعض المدن رغم الجفاف، مما أعاق وصول المساعدات، بالإضافة إلى فرض الضرائب على السكان وتدمير الإمدادات الحيوية مثل الغذاء والماء، مما زاد من مشاعر الاستياء المحلي ضدها، وتحرك القبائل المحلية لتشكيل مليشيات لمحاربة الحركة.

ومع تصاعد الغضب المحلي من تصرفات الحركة، فإنها اضطرت إلى تعديل نهجها في أواخر عام 2022، حيث أعادت التفاوض على شروط وصول المساعدات في بعض المناطق لتجنب دعم السكان للجيش الحكومي. ورغم ذلك، تواصل الحركة معارضة المساعدات الإنسانية الدولية، حيث تفرض ضرائب على المساعدات أو تمنعها تماما في بعض الأحيان، كما استمرت في استهداف إمدادات المياه وشن هجمات على شاحنات المياه.

وفي بعض الحالات، قامت ببناء بنية تحتية للمياه في المناطق التي تسيطر عليها، مما يثير التساؤلات عن استخدامها هذه المشاريع لتحقيق مكاسب سياسية أو دعائية.

مكافحة الآثار السلبية لتغير المناخ

ويقول تقرير مجموعة الأزمات إنه يجب على الصومال أن يستمر في مواجهة الطقس المتغير في المستقبل القريب، مع محدودية قدرته على التكيف مع الكوارث المناخية، فهو يعد من بين الأدنى على كوكب الأرض، بسبب نقص الأموال والخبرة الفنية. ورغم حصوله على إعفاء من الديون في ديسمبر/كانون الأول 2023 بمقدار 4.5 مليارات دولار، فإن البلاد لا تزال بحاجة إلى نحو 5 مليارات دولار سنويا لمواجهة تغير المناخ.

ويرى التقرير أنه بينما يركز الأجانب على الأزمات قصيرة الأمد، فإن نقص الدعم طويل الأمد في مجالات مثل البنية التحتية، يجعل الصومال غير قادر على بناء إستراتيجيات مستدامة. لذا وجب على الصومال:

خلال فترات الجفاف، استخدمت حركة الشباب الوصول الغذاء والماء أداة ضغط على السكان (أسوشيتد برس) السعي للحصول على تمويل المناخ، فرغم تعهد الدول الغنية بتوفير 100 مليار دولار سنويا للدول النامية، وهو مبلغ لا يكفي لتلبية الاحتياجات، يظل توزيع الأموال غير عادل، فتحصل الدول التي تعاني من الصراعات على تمويل أقل. إدارة المياه وإصلاح البنية التحتية واستعادة الأراضي: تحتاج البنية التحتية المائية إلى استثمار عاجل. فالأنابيب القديمة والمنشآت الخاصة بالري والتحكم في الفيضانات غير مهيأة لمواجهة التغييرات المناخية. ورغم محاولات الحكومة، فإن حركة الشباب تعرقل هذه الجهود. التعامل مع مخاطر الصراع، وإشراك المجتمعات المحلية في تخطيط مشاريع المياه. وبرغم الدعم الذي تتلقاه الحكومة، فإن التهديدات الأمنية، بما في ذلك هجمات حركة الشباب، تعرقل التقدم. لذا فالحوار مع المجتمعات المحلية يمكن أن يقلل من مخاطر الصراع. إعلان الخطط المستقبلية

أما عن الخطط المستقبلية، فترى مجموعة الأزمات أنه ينبغي على الحكومة الصومالية العمل بسرعة لتعزيز وجودها في المجتمعات المحررة من حركة الشباب بالتعاون مع الشركاء الدوليين لتحسين حياة السكان المحليين، ودعم المنظمات الإنسانية التي تنفذ مشاريع التكيف المناخي.

وأضافت أن هذا يأتي مع تباطؤ الهجوم العسكري ضد حركة الشباب، فتظل السيطرة على الأراضي التي تحتفظ بها الحركة بعيدة المنال، مما يعرض السكان للصدمة المناخية والاستغلال من قبل المسلحين.

ويشير تقرير مجموعة الأزمات إلى أن الحكومة الصومالية تحتاج إلى توخي الحذر في التعامل مع هذه التحديات، وقد يكون توفير التمويل لبناء القدرة على التكيف مع الطقس القاسي وسيلة فعالة لبناء الثقة مع حركة الشباب وتسهيل الحوار، وهذا من خلال:

الحياة بالمخيمات محفوفة بالمخاطر، ويواجه النازحون وأغلبهم من النساء والأطفال، ظروفا قاسية للعيش فيها (رويترز) تعزيز المساعدات من أجل التكيف مع المناخ: يبطئ تهديد حركة الشباب، وحذر المانحين القلقين من الفساد، تقدم الصومال في التكيف مع المناخ. فعلى المانحين دعم مشاريع مثل تلك الممولة من صندوق المناخ الأخضر لتقليل اعتماد الصومال على المساعدات، والتركيز على مشاريع حصاد المياه المستدامة لمواجهة الفيضانات، وتعزيز الخبرة المحلية في مجال المناخ، ودعم التنسيق بين الوكالات الدولية والمنظمات غير الحكومية المحلية، والاستثمار في حلول دائمة مثل تخزين المياه وحصادها، مع إشراك النساء في إستراتيجيات التكيف مع المناخ، وتحسين فرص سبل العيش والخدمات الأساسية وتعزيز مكافحة الفساد وإدارة المالية العامة لتحقيق الأهداف. الاهتمام بالموارد الطبيعية في الأراضي المحررة بدعم من الشركاء الأجانب، وينبغي على الحكومة الصومالية أن تواصل استعادة الخدمات الأساسية، بما في ذلك توفير المياه وإنتاج الغذاء في المناطق الجديدة التي تمكن الجيش من طرد حركة الشباب منها، ويمكن للحكومة أن تقدم بديلا واضحا لاستخدام حركة الشباب للوصول إلى المياه كوسيلة للضغط على السكان المحليين، ومع ازدياد احتمالية حدوث الجفاف والفيضانات بشكل متكرر، يمكن للحكومة بالتعاون مع الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية المحلية، أن ترعى حوارات محلية حول إدارة الموارد، سواء خلال الفترات المناخية المعتادة أو أثناء فترات الجفاف. تفعيل التعامل مع حركة الشباب، ويجب على المجتمعات اتخاذ خطوات لاستكشاف إمكانية الحوار مع حركة الشباب إذا دعت الحاجة، حول الكوارث المناخية وتطوير بنية تحتية مستدامة للمياه. وبدء الاتصال مع حركة الشباب بطرق مختلفة، فالحكومة يجب أن تبقي إمكانية المفاوضات مع الحركة مفتوحة كوسيلة لإنهاء الحرب. وقد تتمكن التحديات المناخية الصعبة من إيجاد أرضية مشتركة مع الحركة، عبر تحقيق مستوى عال من التواصل بين قادة الحركة والحكومة، لإيجاد حلول مائية فورية. إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الجفاف والفیضانات مجموعة الأزمات مع حرکة الشباب فی المناطق التکیف مع فی بعض فی عام

إقرأ أيضاً:

دراسة: توسع النقل الجوي يهدد جهود مكافحة تغير المناخ

أظهرت دراسة أجرتها مجموعة "النقل والبيئة" -المعنية بمكافحة تغير المناخ- أن من المتوقع أن يتضاعف عدد ركاب الطائرات بأكثر من المثلين بحلول عام 2050، مما سيزيد الطلب على الوقود ويضعف الجهود التي تبذلها صناعة الطيران للحد من الانبعاثات الناتجة عنها.

ويجتمع قادة صناعة الطيران، في دبلن هذا الأسبوع، خلال مؤتمر مالي سنوي يُتوقع أن يشهد العديد من صفقات بيع الطائرات. وفي هذا السياق، دعت المجموعة -التي تتخذ من بروكسل مقرًا- الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ تدابير تحد من النمو بهذا القطاع.

وقالت جو داردين مديرة الطيران بالمجموعة، لوكالة رويترز "حان الوقت للعودة إلى الواقع ووضع حد لهذا الإدمان المتزايد للنمو".

وأوضحت الدراسة أن الإجراءات للحد من السفر الجوي سريع النمو يمكن أن تشمل تقليص التوسع في البنية التحتية للمطارات، والحد من السفر للأغراض التجارية، وفرض ضرائب أكبر على هذا القطاع.

صناعة الطيران تعهدت باستخدام وقود أكثر استدامة بهدف خفض الانبعاثات (رويترز)

وتعهد قطاع الطيران -الذي يمثل حوالي 2.5% من انبعاثات الكربون العالمية- باستخدام وقود طيران أكثر استدامة بهدف خفض الانبعاثات وتحقيق صافي "صفر انبعاثات" بحلول عام 2050.

إعلان

لكن الدراسة أشارت إلى أن شح إمدادات الوقود الحيوي وارتفاع أسعاره، حيث يكلف حوالي 5 أضعاف وقود الطائرات التقليدي، يعوق استخدامه على نطاق واسع.

وأضافت أن استهلاك صناعة الطيران للوقود التقليدي يُتوقع أن يزيد حوالي 59% بحلول عام 2050 مقارنة بمستوياته عام 2019، بسبب الزيادة في أعداد الركاب.

وتتوقع شركتا "إيرباص" و"بوينغ" -وهما من عمالقة صناعة الطائرات- استمرار زيادة الطلب على السفر الجوي خلال السنوات المقبلة، مما يعني تحليق المزيد من الطائرات في السماء. ورغم إدخال طائرات أكثر كفاءة واستخدام الوقود المستدام المصنوع من مواد خام غير بترولية، فإن ذلك لن يكون كافيًا لتقليل الانبعاثات.

وقالت مديرة الطيران بمجموعة "النقل والبيئة" إنه كلما زاد السفر جوا، ابتعدوا أكثر عن هدف خفض الانبعاثات "وبهذا المعدل، سيظل القطاع يحرق ملياري برميل من النفط سنويًا بحلول عام 2050، حتى مع استخدام الوقود المستدام".

ولم تقدم "إيرباص" و"بوينغ" تعليقًا حتى الآن على طلب رويترز بشأن الدراسة.

وقد رفضت صناعة الطيران مرارًا الدعوات التي تطالب بتقليل نشاطها، مؤكدة أن القطاع ضروري للتنمية الاقتصادية وتعزيز الترابط العالمي.

مقالات مشابهة

  • قمة طاقة المستقبل تدعو إلى تفعيل دور السيدات لمكافحة تغير المناخ
  • خبير بيئي: حرائق لوس أنجلوس تحذير صارخ من تأثيرات تغير المناخ المتزايدة
  • دراسة: توسع النقل الجوي يهدد جهود مكافحة تغير المناخ
  • خلال مواجهات مسلحة : مقتل 4 من عناصر حركة «الشباب» الإرهابية في عملية عسكرية وسط الصومال
  • الري: مصر أصبحت مركزًا إفريقيًا للتدريب في مجال التكيف مع تغير المناخ
  • وزير الري: مصر أصبحت مركزا إفريقيا للتدريب في مجال التكيف مع تغير المناخ
  • الإمارات ترسل 700 طن مساعدات إلى المتضررين من الفيضانات في الصومال
  • اقرأ في عدد «الوطن» غدا: «التنوع البيولوجي» الطبيعة تكافح تغير المناخ
  • «التنوع البيولوجي».. الطبيعة تكافح تغير المناخ
  • أسباب حرائق لوس أنجلوس الكبرى وتأثيرها في ظل تغير المناخ