لجريدة عمان:
2025-03-29@05:04:09 GMT

أنسنة التعليم قضية تربوية معاصرة

تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT

في عصر تتزاحم فيه البيانات والمعلومات، وعالم يصعب علينا فهم معالمه ومواكبة تغيراته، يمثل فيه التواصل الاجتماعي أساس الاتصال والتواصل. التكنولوجيا وتطبيقاتها هي أكثر ما نستعمله في عالم متسارع الخطوات، نهتم فيه بالعلم والمعرفة وبالنظريات المختلفة، وربما نغفل الجوانب المهمة المتمثلة في إنسانيتنا وطبيعتنا كبشر.

لذلك، أصبح من الضروري في حاضرنا التركيز على هذه الجوانب التي نرى أنها تتلاشى شيئا فشيئا في ضوء التغيرات المتسارعة والانفجار المعرفي غير المسبوق.

وهو ما دعا البعض إلى التركيز على الأنسنة، وأنسنة الشيء تعني إضفاء الجانب الإنساني عليه. ومن ضمن المصطلحات التي ظهرت في العصر الحديث هو «أنسنة التعليم»، وتتعدد تعريفاته، فهو المدخل الذي يراعي حاجات المتعلمين ويهدف إلى تنمية العلاقات الإنسانية وروح التعاون فيما بينهم وبين المعلمين، وهو أيضا دراسة العلاقات الإنسانية من أجل تنمية فهم المتعلمين لهذه العلاقات، وتعزيز المهارات الإنسانية لديهم لتمكينهم من التعامل والتعايش مع الآخرين، وتظهر انعكاساته في محتوى المناهج وطرق التدريس وأساليب التقويم وطبيعة العلاقة بين المتعلم والمعلم والإدارة المدرسية.

ويرجع الأساس الفلسفي لنشأة أنسنة التعليم للنظرية البنائية، حيث شكلت هذه النظرية ثورة في الدراسات الإنسانية لما لها من أهمية في التركيز على دور المتعلم في التفكير وتطبيق المعرفة، والاهتمام بنموه من جميع الجوانب (العقلية، الوجدانية، المهارية) لتحقيق النمو المتكامل لشخصية المتعلم. أما الأساس النظري فيرجع للنظريات الإنسانية، ومن أشهر مؤسسي المدخل الإنساني في التعليم «كارل روجرز» و«ابراهام ماسلو»، حيث يستند التعليم عند روجرز إلى جانبين أساسيين وهما الشروط النفسية للتعليم والتعليم الفعال الذي يتعلق بالتنمية الوجدانية والمعرفية. كما اهتم بخبرات المتعلمين وأكد أهميتها لتدعيم العلاقات الإنسانية فيما بينهم، حيث إنها تساعد المتعلمين على التعبير عن مشاعرهم واحترام الآخرين، والمساعدة على فهم أنفسهم وفهم الآخرين. أما ماسلو فاهتم بالدافعية والنمو الاجتماعي ومهارات الاتصال، ورتب حاجات الإنسان هرميا، تمثل قاعدته الحاجات الفسيولوجية وقمته الحاجة إلى تحقيق الذات، التي من الممكن تلبيتها من خلال منح المتعلم مدى واسعا من التجارب والخبرات التي تقوده للتعلم الذاتي.نستنتج أن مدخل أنسنة التعليم يركز على ثلاثة أسس ينبغي مراعاتها في عملية التعليم، وهي الاهتمام بتنمية المتعلمين معرفيا ووجدانيا ومهاريا، ومراعاة الحاجات الإنسانية والفروق الفردية، والتركيز على الجانب الإنساني في المادة التعليمية. بالإضافة إلى ذلك، هناك عدة مبادئ لأنسنة التعليم. فالمتعلم هو محور العملية التعليمية، ويجب أن تسخر المنظومة التعليمية لخدمته وتحقيق الأهداف المرتبطة به، أما المعلم، فهو المرشد والميسر للتعلم، ومهمته لا تقتصر على تنفيذ الدروس، وإنما توجيه المتعلمين نحو المعرفة، كما أن ارتباط المناهج التعليمية بالقضايا المجتمعية واهتمامات الطلبة واحتياجاتهم، ومراعاة الفروق الفردية بينهم، من مبادئ أنسنة التعليم.

من جانب آخر، هناك العديد من الدوافع وراء أنسنة التعليم، ومنها تحسين جودة التعليم وتلبية احتياجات القرن الحادي والعشرين، وتهيئة المتعلمين للتعامل مع تحديات العصر ومتغيراته، وأيضا إعداد مواطنين فاعلين وصالحين يمتلكون مهارات التفكير النقدي والمسؤولية الاجتماعية، كما أن توفير بيئة تعليمية تدعم الصحة النفسية للمتعلمين وتعزز من دافعيتهم هو أحد هذه الدوافع. أيضا، قد تحد أنسنة التعليم من السلوكيات غير المرغوبة لدى المتعلمين، كالتنمر والعنف، عن طريق غرس قيم المجتمع ومبادئ وتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف في نفوس المتعلمين.

الجدير بالذكر أن قانون التعليم المدرسي الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ٣١/ ٢٠٢٣ في مادته الثانية أشار إلى أن «الغاية الكبرى للتعليم المدرسي في سلطنة عمان هي تحقيق النمو الشامل والمتكامل لشخصية المتعلم في جوانبها العقلية والعاطفية والروحية والجسدية»، كما أن المادة رقم (٢٥) أشارت إلى أهمية توجيه المتعلمين نحو التعلم الذاتي وتنمية قدرتهم على استخدام التفكير العلمي الناقد والمشاركة المجتمعية الفاعلة، إلى جانب المادة (٤٥) التي نصت على أن «تعمل الوزارة على توفير الخدمات اللازمة لتعزيز الصحة النفسية والبدنية والاجتماعية، وخدمات التوجيه والإرشاد المهني للطلبة»، حيث تعكس هذه المواد التي تضمنها قانون التعليم المدرسي جوانب مختلفة من أنسنة التعليم، وهو ما يعكس توجه سلطنة عمان واهتمامها بالجانب الإنساني في عملية التعليم لتحقيق الأهداف المرجوة منه.

وعلى الرغم من وجود المواد القانونية الداعية للاهتمام بأنسنة التعليم، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه النظام التعليمي في سلطنة عمان، ومنها محدودية المتعلمين في التربية الخاصة، حيث إن المتعلمين من ذوي الإعاقات المحددة هم من يمكنهم الانخراط في التربية الخاصة، كما أن عدم تطبيق التعليم المنزلي وعدم بروزه في المجتمع من أبرز التحديات التي تواجه النظام التعليمي في سلطنة عمان، على الرغم من أن قانون التعليم المدرسي سمح به. كذلك، فإن مركزية التعليم قد تحول دون الوصول إلى تعليم يناسب المتعلمين من مختلف محافظات سلطنة عمان، وتحد من مشاركة المعلمين والمتعلمين في اختيار المناهج والدروس والأنشطة التعليمية، علاوة على ذلك، هناك تحديات تتعلق بنمط إدارة المتعلمين، مثل تبني الإدارة التسلطية في إدارة الصف أو إدارة المدرسة، فنجد المدير أو المعلم يتعامل بشكل تسلطي مع طلبته محاولا اتخاذ قرارات وتطبيق عقوبات تؤدي إلى خفض دافعية المتعلمين نحو التعلم وشعورهم بالإحباط.

وهو ما يخالف المادة (62) من قانون التعليم المدرسي، التي أشارت إلى أن للإدارة المدرسية واجبا في تطبيق أفضل الممارسات الإدارية لتكوين ثقافة مدرسية إيجابية ومحفزة، ومع أن قانون التعليم المدرسي يشجع على أنسنة التعليم، إلا أن ضعف الوعي بالمصطلح وبأهميته، خاصة عند العاملين في المجال التربوي والتعليمي، سيشكل عائقا حقيقيا في الوصول إلى ما نطمح إليه من خلال أنسنة التعليم. ولهذا، لا بد من نشر الوعي عنه لتنشئة جيل واع يمتلك المهارات المعرفية والاجتماعية والإنسانية والبدنية، ويكون قادرا على التعلم الذاتي، ويمتلك قدرات التفكير الإبداعي وحل المشكلات، ومتمسكا بقيم المجتمع وأخلاقه الحميدة، ومتعاونا مع أقرانه، ويتفاعل إيجابيا مع مجتمعه.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: سلطنة عمان کما أن

إقرأ أيضاً:

من التعليم إلى الزراعة.. كيف ترك الملك فؤاد الأول بصمته في مصر؟

في تاريخ مصر الحديث، يبرز الملك فؤاد الأول كشخصية محورية ساهمت في تشكيل النظام الملكي الحديث في البلاد بعد سنوات من الحماية البريطانية. 

بدأ حياته أميرًا من الأسرة العلوية، لكنه أصبح أول ملك لمصر بعد إعلانها مملكة مستقلة في عام 1922. 

وخلال فترة حكمه، شهدت مصر تحولات سياسية ودستورية كبرى، جعلت من عهده مرحلة فارقة بين الاستقلال الشكلي والصراع على السلطة.

النشأة والتكوين

ولد أحمد فؤاد في 26 مارس 1868 داخل قصر القبة بالقاهرة، وكان الابن الأصغر للخديوي إسماعيل.

 نشأ في كنف العائلة المالكة، لكنه تلقى تعليمه في أوروبا، حيث درس في إيطاليا والتحق بالأكاديمية العسكرية في تورين.

 أثرت هذه النشأة الأوروبية على رؤيته للحكم والإدارة لاحقًا، حيث كان يميل إلى النظام المركزي القوي، المستوحى من الأنظمة الملكية الأوروبية.

عاد الأمير فؤاد إلى مصر في أواخر القرن التاسع عشر، وتولى مناصب شرفية وإدارية، مثل رئاسة الجمعية الجغرافية المصرية، لكنه ظل بعيدًا عن الحكم المباشر حتى عام 1917، عندما اختير ليكون سلطانًا لمصر بعد وفاة السلطان حسين كامل دون وريث.

من السلطنة إلى المملكة

تولى فؤاد الأول حكم مصر في 9 أكتوبر 1917، خلال فترة كانت البلاد فيها تعاني من الاحتلال البريطاني والاضطرابات السياسية. 

ومع اندلاع ثورة 1919 بقيادة سعد زغلول، تصاعد الضغط الشعبي ضد الاحتلال البريطاني، ما دفع بريطانيا إلى إصدار تصريح 28 فبراير 1922، الذي أعلنت فيه إنهاء الحماية على مصر ومنحها استقلالًا مشروطًا.

استغل فؤاد الأول هذا الإعلان ليغير نظام الحكم في مصر، فأعلن نفسه ملكًا بدلاً من السلطان، ليصبح في 15 مارس 1922 أول “ملك لمصر”، وهو اللقب الذي استخدمه خلفاؤه حتى سقوط الملكية عام 1952.

الدستور والصراع السياسي

بعد إعلان المملكة المصرية، اجريت أول انتخابات برلمانية حرة عام 1923، وأسفرت عن فوز حزب الوفد بزعامة سعد زغلول بأغلبية كبيرة، ما وضع الملك في مواجهة مباشرة مع القوى الوطنية. 

أصدر الملك دستور 1923، الذي كان من أكثر الدساتير المصرية تقدمًا، لكنه سرعان ما دخل في صراع مع البرلمان، حيث سعى لتقليص سلطته وتعزيز نفوذه الملكي.

شهدت فترة حكمه صدامات متكررة بين القصر الملكي وحزب الوفد، حيث لجأ الملك فؤاد إلى حل البرلمان عدة مرات، مستغلًا سلطاته الدستورية، كما فرض قيودًا على الحريات الصحفية والسياسية، مما أدى إلى تأزم العلاقة بينه وبين الحركة الوطنية.

إنجازاته وإرثه

رغم الصراعات السياسية، شهدت مصر في عهد الملك فؤاد الأول العديد من التطورات في مجالات التعليم والبنية التحتية، من أبرزها:

• تأسيس الجامعة المصرية (جامعة القاهرة حاليًا) عام 1908، والتي دعمت التعليم العالي والبحث العلمي.

• تحسين شبكات السكك الحديدية والمواصلات، ما ساعد على ربط مختلف أقاليم مصر.

• إطلاق مشروعات زراعية لتطوير الري وزيادة الإنتاج الزراعي، رغم أنها كانت موجهة بشكل أساسي لخدمة مصالح كبار الملاك.

الوفاة ونهاية عهده

في 28 أبريل 1936، توفي الملك فؤاد الأول في قصر القبة، بعد أن حكم مصر لنحو 19 عامًا، تاركًا العرش لابنه الملك فاروق، الذي كان لا يزال في سن صغيرة، مما أدى إلى تشكيل مجلس وصاية لحكم البلاد حتى بلغ السن القانونية.

مقالات مشابهة

  • دعم دولي للتعليم في السودان وطباعة الكتاب المدرسي
  • «سعود الإنسانية» تنفــذ مشاريــع خيريــة
  • المستشفيات التعليمية تفتتح وحدة جراحة القلب والصدر بمستشفى أحمد ماهر والجمهورية
  • انتظام العملية التعليمية بالمدارس في آخر يوم دراسة قبل إجازة عيد الفطر| صور
  • المستشفيات التعليمية تفتتح وحدة جراحة القلب والصدر بمستشفى أحمد ماهر والجمهورية التعليمي
  • إنهاء قضية ثأر في الجميمة بمحافظة حجة
  • من التعليم إلى الزراعة.. كيف ترك الملك فؤاد الأول بصمته في مصر؟
  • قضية اغتصاب جماعي نتج عنه حمل أمام جنايات مراكش
  • ضبط 357 قضية مخدرات فى حملات أمنية
  • بهدف تطوير «الكوادر التعليمية».. التربية تطلق مجموعة «دورات التدريبية»