سودانايل:
2025-02-19@08:24:46 GMT

الانهيار من الداخل

تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT

بقلم عمر العمر

حين يهبط المرء إضطراراً بلا حجة مقنعة على مروحة معلّقة في الفضاء يجد المرء نفسه رهين علامات استفهام ضاغطة تدور في شأن الحاضر والمستقبل .ضغوط تعتصره حد الخيار بين البقاء والفناء. ففي أتون الحروب لا تكون الحياة دوماً مثلما هو الموت خيارا محبباً.بل ربما يكون الثاني أحايين أفضل من الأول. الحرب السودانية ميدان يضج بفائض من الأسئلة الضاغطة مقابل ضيق الخيارات.

فالوجع يتعاظم تحت ضغوط أخفّها ركام الممتلكات الخاصة و العامة، وعليه ألم الفراق القسري ، الحسرة على الفقد، الإحساس بالذلة ، المهانة والهوان. لولا الصبر المتمكن من أفئدة السودانيين لربما تواترت أعداد من يفضلون الفناء على البقاء. مما يضاعف الحزن العارم لا مبالاة المتحاربين إذ يتوغلون في التقتيل والتدمير غير معنيين حتى بالتلويح لثغرة انفراج يتسلل عبرها خيط الأمل أمام المواطنين الحزانى المفجوعين بفرضية نهاية وشيكة للملهاة التراجيديا . فهي حرب مدمرة للحجر ،الشجر والبشر يغالبُ فيها الدمُ الدمع ويخالط الدخانُ الغبار و الضحكَ البكاء، فكلاهما تعبير في الدفاع عن الذات .
*****
مهما تفذلك المتفيقهون في التوصيف أو التبرير فإنها في البدء و النهاية حرب اصطراع أحمق على السلطة. حماقتها البلهاء لا تزال تقلّب تربة الحياة في البلاد وقد اقتلعت نحو اثني عشر مليون مواطن من سكنهم . خمسة وعشرون مليون يفتقدون في مدارات مبعثرة دوارة الشعور بالأمان . مليون طفل و أكثر من نصف المليون يقاسون الجوع . الحرب الظالمة حصدت خلال سنتها الأولى ما لايقل عن ستين ألف مواطن في الخرطوم وحدها. أكثر من ستة وعشرين ألفا سقطوا ضحايا أعمال العنف الوحشية.لا توجد إحصائيات أو تقديرات لمن يحصدهم الجوع والمرض في مناطق الاقتتال الأرعن. الموفد الأميركي توم بيريللو -صاحب المهمة الفاشلة- قدّر عدد ضحايا الحرب حين توقيت تقريره الأخير بمئة وخمسين ألفا.
*****
هذه حرب تعج بفائض أشكال التوحش و التفحش في بانوراما الجرائم بدءً من التقتيل ،الذبح والنحر ، التشويه الجسدي مرورا بالقتل على الهوية والقسمات، عبورا بالعنف الجنسي والاغتصاب الجماعي، هبوطا إلى ممارسة إذلال الأبرياء والمستضعفين من الرجال والقواعد من النساء و الولدان الزغب و التشفي بحقد أجلف في ممارسة التعذيب ،الإذلال و الإهانة، انحطاطا إلى الانغماس في الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.في كاتلوغ جرائم الحرب الدموي فصولٌ قاتمة لدفع المواطنين إلى الموت بسلاح الجوع والحرمان وتجفيف مصادر الماء وقنوات الدواء.هذا الكاتلوغ ليس من تأليف الجنجويد وحدهم.هناك غوغاء بينهم ( كبار ) ساهموا في إعداده.من غير المستبعد عقد الطرفين صفقة يضعان بموجبها السلاح بنية استرداد الغنيمة. فكلاهما يدركان جزع الأزمة ويعرفان أن الرابح منهما منفردا سيخوض حربا حتمية مع مَن يتبقى مِن المؤمنين بوطن أجمل.
*****
هناك أكداس مكدسة من البؤساء في معسكرات ،خارج مدارات ،العصر موبوءة بكل شرور القعود والعوز .غالبية من فيها لا ينعمون بالحد الأدني من مقومات الحياة .مع غلبة الهزال والقلق عليهم تحمل هياكلهم بالكاد أرواحهم . هناك أكداس مبعثرة في المنافي ينازعهم الحنين إلى وطنهم إذ شعروا بأنهم حمولات إضافية على من لا طاقة لهم بحملها. هؤلاء اقتنعوا تحت وطأة الإحساس الأصيل بالعزة ان الهرب إلى الوطن -ولو أمسى جحيما -أفضل على الهروب منه. فعن أي كرامة يتحدث من يجأر بهذا الشعار البرّاق فيصب الزيت على نار ٍٍ وقودُها الفقراءُ .
*****
حين يستعرض المرء أهوال هذه الحرب تبدو أمامه حجم المأساة على كاهل كافة طبقات المجتمع .الفاجعة تتعاظم حينما يدرك المراقب إصرار أطراف الحرب على التوغل في الاقتتال دونما إبداء حد أدنى من الاهتمام بمعاناة الشعب على هذا النحو الكارثي. بالطبع ليس للعائلات النازحة قسرا من بيوتها والأجيال المعطّلة أحلامها من الصبر ما يعينهم على الانتظار حتى يبلغ طرف نصرا حاسما بمواصلة القتال حتى الرجل الأخير في صفوفه أو على الطرف الآخر كما يزعم الحمقى من الخائضين في الحرب. فالكلام عن انتصارٍ وشيك وهمٌ يروّجه اصحاب الاستثمارات في الحرب. فالجانبان يمارسان تكتيك الكر والفر هربا من المواجهة في معركة كسر عظم نهائية.هذا تكتيك تمليه قدرات الجانبين المتوازية عند خط الضعف المشترك.
*****
هي حربٌ المنحازُ فيها لغير حتمية خاتمة عاجلة هو الخاسر.فالجيش والجنجويد توأمان من انتاج الإنقاذ .كلاهما توغلا في دماء الشعب. الجيش أخفق في الانحياز إلى الشعب عند أكثر من منعطف حرج. ذلك إخفاق فاضح في أداء مهامه الوطنية. فحتى في فرضية تحميل الجنجويد وزر أشعال الحرب يتحمل الجيش مسؤولية الاخفاق في حماية الدولة قبل االحرب وإبانها .أبعد من ذلك فشله الماحق في حماية العائلات وما ملكت. إن يكن انحياز موخاطن إلى الجنجويد جريمة لهي أقل من جريمة الجنرالات إذ تبلغ درجة جريمتهم الخيانة. فالتعاطف مع الميليشيا -خطأ أم صواب -نابعٌ من موقف اخلاقي فردي بينما اخفاق الجيش إنتاج مؤسسة ذات قيادة جماعية مطالبة دستوريا بحماية الشعب والحفاظ على الدولة.فمطالبة الشعب بالإنحياز إلى الجيش يأتي منطقيا مقابل وفاء قادة الجيش بواجباتهم تجاه الشعب والدولة.
*****
تحميل قوىً خارجية مسؤوليةَ إضرام نار الحرب محاولةٌ بائسة لتبرير الفشل الداخلي . فعلى قدر تأمين الجبهة الداخلية بسياج الوحدة تنأى التدخلات الخارجية عن الوطن و تنحسر أطماع الآخرين عن موارده. تلك حكمة الرحل جون غرنغ المتمثلة في احكام شد الناموسية على السرير بغية تفادي لسعات البعوض . ؟التطورات السورية تكشف بوضوح ذهاب التدخلات الخارجية السافرة في الشأن السوري حد دعم الميليشيا مقابل قهر الجيش . إن يكن ذلك خرقا لمواثيق دولية فهو إثمٌ حرّض عليه نظام الأسد بما ارتكب من خطايا وفساد وجرائم ،بما في ذلك تخليق جيش عقيدته الجوهرية تأمين النظام ليس حماية الدولة ؛ الشعب والوطن. فتساقُط المدن السورية لم يحدث تحت ضغط الفصائل المسلحة بقدر ما ساهم فيه إنهيار من الداخل . هذا ( الانتصار ) وفق الرؤى العميقة لم يكن حدثا سوريا صرفا. هناك أيادٍ خارحية لم تكتف فقط بالتدخل ،بل صنعت من زعيم الميليشيا المطلوب على قوائم الإرهاب بطلا ثوريا وطنيا.هذه جيوسياسية المرحلة الدولية الراهنة.و ما يتأبط ترامب أشد شرا.

aloomar@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

بعد ان دعاه قائد الجيش لحمل البندقية..خالد عمر يعتذر للبرهان

متابعات – تاق برس – اعتذر الامين العام لحزب المؤتمر السوداني خالد عمر يوسف، عن دعوة رئيس مجلس السيادة قائد الجيش السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان للحضور الى السودان والقتال مع السودانيين.

ولفت فى رسالة الى البرهان:” استمعت اليوم إلى رسالتك التي وجهتها إليّ عبر الوسائط الإعلامية، والتي أيّدتَ فيها دعوة أحد قادة الكتائب المقاتلة إلى جانبكم بأن أعود لحمل السلاح، مقاتلًا في هذه الحرب الطاحنة التي أتت على الأخضر واليابس في بلادنا”.

 

واضاف :”أشكرك أولًا على هذه الدعوة، وأعتذر عنها، لكن لا أخفي عليك شديد استغرابي منها. فقد عرفتني طوال السنوات الماضية داعياً للسلم، لا للعنف والاقتتال. لم أكن يوماً من دعاة الحرب أو الدمار، بل كانت رسالتي منذ لقائنا الأول، وظلت كذلك على مدار السنوات الماضية، هي الدعوة إلى السلام”.

وقال عمر،انه لم يناصر عنفاً أو انقلاباً أو حرباً في يوم من الأيام، ولهذا كنت مقاوماً لكم عقب فضكم لاعتصام القيادة العامة، ومعارضاً لانقلابكم في 2021، ومعتزلًا فتنة هذه الحرب التي اندلعت قبل عامين. هذا هو الموقف الذي لن أحيد عنه، لذا تأكد أنك لن تجدني حاملاً لأي بندقية كانت، بل ستجدني ثابتاً على موقفي بالتصدي لكافة المشاريع الشمولية التي تستند على العنف، وبدعوتكم وجميع حملة السلاح إلى تحكيم صوت العقل، وإيقاف نزيف البلاد اليوم قبل الغد.

وتابع ” أحزنتني أيضًا هذه الدعوة، لأنها جاءت بالتزامن مع تقرير مؤلم أصدرته الأمم المتحدة، صنّفت فيه مأساة السودان كأكبر كارثة نزوح وجوع في العالم. أشار التقرير إلى أن 30 مليون سوداني بحاجة ماسة للمساعدة، ودقّ ناقوس الخطر، مطالبًا العالم بالتبرع لإرسال الغذاء والدواء لأهل السودان. يا سيادة الفريق أول، هذه الحرب حوّلت أهل السودان إلى مشرّدين ولاجئين، يستجدون العطف والمساعدات الإنسانية من العالم. أما آن الأوان لإنهاء معاناة الناس؟ ألا يستحق السودان وقف هذه الحرب التي لا جدوى منها؟”.

واكد امين المؤتمر السوداني، انه جاهز متى ما كانت الدعوة موجهة للمساهمة في إحلال السلام، وتضميد جراح هذا النزاع، وبناء البلاد عوضاً عن هدمها، ورتق نسيجها الاجتماعي بدلًا من تمزيقه بخطابات الكراهية والتهييج. هذا هو الهمُّ الأوحد للقوى المدنية الديمقراطية التي أنتمي إليها، فلا صنعة لنا سوى السلام والبناء، ولم نكن يوماً من صناع القتل والدمار. سنظل متمسكين بهذه المبادئ حتى يجد السودان مخرجاً من هذا النفق المظلم، عاجلاً لا آجلا.
وكشف البرهان ان :احد المقاتلين اعلن استعداده لتسليم بندقيته الى خالد عمر “سلك” حال عودته وقال البرهان ونحن نرحب بكل من يرفع يده عن التمرد ويعود للداخل.

مقالات مشابهة

  • من القطينة للجنينة -تبت يد الجنجويد
  • الان علمتم لماذا دخل الحلو الحرب كطرف ثالث يصب فى مصلحة الجنجويد ؟
  • الرئيس عون: ليس هناك حصار على الطائفة الشيعية
  • بعد ان دعاه قائد الجيش لحمل البندقية..خالد عمر يعتذر للبرهان
  • الجيش السوداني يواصل تقدمه في الخرطوم.. والبرهان يؤكد أن الشعب لن يقبل بحلول من الخارج
  • الصحة العقلية..أزمة جديدة في الجيش الإسرائيلي
  • معاريف تكشف عن خسائر الجيش الإسرائيلي بعد 500 يوم من الحرب
  • خريطة الطريق التي لا تقود إلا إلى داخل المتاهة
  • منارة الفاروق على حافة الانهيار… جهود عراقية لإنقاذ إرث تاريخي عريق
  • الجنجويد (الشر المطلق)