سودانايل:
2025-03-22@21:16:06 GMT

الانهيار من الداخل

تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT

بقلم عمر العمر

حين يهبط المرء إضطراراً بلا حجة مقنعة على مروحة معلّقة في الفضاء يجد المرء نفسه رهين علامات استفهام ضاغطة تدور في شأن الحاضر والمستقبل .ضغوط تعتصره حد الخيار بين البقاء والفناء. ففي أتون الحروب لا تكون الحياة دوماً مثلما هو الموت خيارا محبباً.بل ربما يكون الثاني أحايين أفضل من الأول. الحرب السودانية ميدان يضج بفائض من الأسئلة الضاغطة مقابل ضيق الخيارات.

فالوجع يتعاظم تحت ضغوط أخفّها ركام الممتلكات الخاصة و العامة، وعليه ألم الفراق القسري ، الحسرة على الفقد، الإحساس بالذلة ، المهانة والهوان. لولا الصبر المتمكن من أفئدة السودانيين لربما تواترت أعداد من يفضلون الفناء على البقاء. مما يضاعف الحزن العارم لا مبالاة المتحاربين إذ يتوغلون في التقتيل والتدمير غير معنيين حتى بالتلويح لثغرة انفراج يتسلل عبرها خيط الأمل أمام المواطنين الحزانى المفجوعين بفرضية نهاية وشيكة للملهاة التراجيديا . فهي حرب مدمرة للحجر ،الشجر والبشر يغالبُ فيها الدمُ الدمع ويخالط الدخانُ الغبار و الضحكَ البكاء، فكلاهما تعبير في الدفاع عن الذات .
*****
مهما تفذلك المتفيقهون في التوصيف أو التبرير فإنها في البدء و النهاية حرب اصطراع أحمق على السلطة. حماقتها البلهاء لا تزال تقلّب تربة الحياة في البلاد وقد اقتلعت نحو اثني عشر مليون مواطن من سكنهم . خمسة وعشرون مليون يفتقدون في مدارات مبعثرة دوارة الشعور بالأمان . مليون طفل و أكثر من نصف المليون يقاسون الجوع . الحرب الظالمة حصدت خلال سنتها الأولى ما لايقل عن ستين ألف مواطن في الخرطوم وحدها. أكثر من ستة وعشرين ألفا سقطوا ضحايا أعمال العنف الوحشية.لا توجد إحصائيات أو تقديرات لمن يحصدهم الجوع والمرض في مناطق الاقتتال الأرعن. الموفد الأميركي توم بيريللو -صاحب المهمة الفاشلة- قدّر عدد ضحايا الحرب حين توقيت تقريره الأخير بمئة وخمسين ألفا.
*****
هذه حرب تعج بفائض أشكال التوحش و التفحش في بانوراما الجرائم بدءً من التقتيل ،الذبح والنحر ، التشويه الجسدي مرورا بالقتل على الهوية والقسمات، عبورا بالعنف الجنسي والاغتصاب الجماعي، هبوطا إلى ممارسة إذلال الأبرياء والمستضعفين من الرجال والقواعد من النساء و الولدان الزغب و التشفي بحقد أجلف في ممارسة التعذيب ،الإذلال و الإهانة، انحطاطا إلى الانغماس في الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.في كاتلوغ جرائم الحرب الدموي فصولٌ قاتمة لدفع المواطنين إلى الموت بسلاح الجوع والحرمان وتجفيف مصادر الماء وقنوات الدواء.هذا الكاتلوغ ليس من تأليف الجنجويد وحدهم.هناك غوغاء بينهم ( كبار ) ساهموا في إعداده.من غير المستبعد عقد الطرفين صفقة يضعان بموجبها السلاح بنية استرداد الغنيمة. فكلاهما يدركان جزع الأزمة ويعرفان أن الرابح منهما منفردا سيخوض حربا حتمية مع مَن يتبقى مِن المؤمنين بوطن أجمل.
*****
هناك أكداس مكدسة من البؤساء في معسكرات ،خارج مدارات ،العصر موبوءة بكل شرور القعود والعوز .غالبية من فيها لا ينعمون بالحد الأدني من مقومات الحياة .مع غلبة الهزال والقلق عليهم تحمل هياكلهم بالكاد أرواحهم . هناك أكداس مبعثرة في المنافي ينازعهم الحنين إلى وطنهم إذ شعروا بأنهم حمولات إضافية على من لا طاقة لهم بحملها. هؤلاء اقتنعوا تحت وطأة الإحساس الأصيل بالعزة ان الهرب إلى الوطن -ولو أمسى جحيما -أفضل على الهروب منه. فعن أي كرامة يتحدث من يجأر بهذا الشعار البرّاق فيصب الزيت على نار ٍٍ وقودُها الفقراءُ .
*****
حين يستعرض المرء أهوال هذه الحرب تبدو أمامه حجم المأساة على كاهل كافة طبقات المجتمع .الفاجعة تتعاظم حينما يدرك المراقب إصرار أطراف الحرب على التوغل في الاقتتال دونما إبداء حد أدنى من الاهتمام بمعاناة الشعب على هذا النحو الكارثي. بالطبع ليس للعائلات النازحة قسرا من بيوتها والأجيال المعطّلة أحلامها من الصبر ما يعينهم على الانتظار حتى يبلغ طرف نصرا حاسما بمواصلة القتال حتى الرجل الأخير في صفوفه أو على الطرف الآخر كما يزعم الحمقى من الخائضين في الحرب. فالكلام عن انتصارٍ وشيك وهمٌ يروّجه اصحاب الاستثمارات في الحرب. فالجانبان يمارسان تكتيك الكر والفر هربا من المواجهة في معركة كسر عظم نهائية.هذا تكتيك تمليه قدرات الجانبين المتوازية عند خط الضعف المشترك.
*****
هي حربٌ المنحازُ فيها لغير حتمية خاتمة عاجلة هو الخاسر.فالجيش والجنجويد توأمان من انتاج الإنقاذ .كلاهما توغلا في دماء الشعب. الجيش أخفق في الانحياز إلى الشعب عند أكثر من منعطف حرج. ذلك إخفاق فاضح في أداء مهامه الوطنية. فحتى في فرضية تحميل الجنجويد وزر أشعال الحرب يتحمل الجيش مسؤولية الاخفاق في حماية الدولة قبل االحرب وإبانها .أبعد من ذلك فشله الماحق في حماية العائلات وما ملكت. إن يكن انحياز موخاطن إلى الجنجويد جريمة لهي أقل من جريمة الجنرالات إذ تبلغ درجة جريمتهم الخيانة. فالتعاطف مع الميليشيا -خطأ أم صواب -نابعٌ من موقف اخلاقي فردي بينما اخفاق الجيش إنتاج مؤسسة ذات قيادة جماعية مطالبة دستوريا بحماية الشعب والحفاظ على الدولة.فمطالبة الشعب بالإنحياز إلى الجيش يأتي منطقيا مقابل وفاء قادة الجيش بواجباتهم تجاه الشعب والدولة.
*****
تحميل قوىً خارجية مسؤوليةَ إضرام نار الحرب محاولةٌ بائسة لتبرير الفشل الداخلي . فعلى قدر تأمين الجبهة الداخلية بسياج الوحدة تنأى التدخلات الخارجية عن الوطن و تنحسر أطماع الآخرين عن موارده. تلك حكمة الرحل جون غرنغ المتمثلة في احكام شد الناموسية على السرير بغية تفادي لسعات البعوض . ؟التطورات السورية تكشف بوضوح ذهاب التدخلات الخارجية السافرة في الشأن السوري حد دعم الميليشيا مقابل قهر الجيش . إن يكن ذلك خرقا لمواثيق دولية فهو إثمٌ حرّض عليه نظام الأسد بما ارتكب من خطايا وفساد وجرائم ،بما في ذلك تخليق جيش عقيدته الجوهرية تأمين النظام ليس حماية الدولة ؛ الشعب والوطن. فتساقُط المدن السورية لم يحدث تحت ضغط الفصائل المسلحة بقدر ما ساهم فيه إنهيار من الداخل . هذا ( الانتصار ) وفق الرؤى العميقة لم يكن حدثا سوريا صرفا. هناك أيادٍ خارحية لم تكتف فقط بالتدخل ،بل صنعت من زعيم الميليشيا المطلوب على قوائم الإرهاب بطلا ثوريا وطنيا.هذه جيوسياسية المرحلة الدولية الراهنة.و ما يتأبط ترامب أشد شرا.

aloomar@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

السودان: الجيش يستعيد السيطرة على القصر الجمهوري في الخرطوم

استعادة القصر الجمهوري.. الجيش يسترجع "الصندوق الأسود" للحكم في السودان

 

على مدى أربعة أيام، شهدت محاور القتال حول القصر الجمهوري اشتباكات عنيفة، قبل أن تتمكن وحدات الجيش من اختراق الدفاعات عبر البوابة الشرقية.

 

لم تهدأ معارك الخرطوم، وظلت أنظار السودانيين مشدودة نحو القصر الجمهوري ترقبا لمصيره، بعد أن تحوّل إلى ساحة لأعنف المواجهات منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023. وبعد قرابة عامين من القتال، أعلن الجيش السوداني استعادته في خطوة وُصفت بـ"التاريخية"، لكن ما الذي دار خلف أسواره؟ وكيف حُسمت المواجهة؟

 

كيف استعاد الجيش القصر الجمهوري؟

 

على مدى أربعة أيام، شهدت محاور القتال حول القصر الجمهوري اشتباكات عنيفة، قبل أن تتمكن وحدات الجيش من اختراق الدفاعات عبر البوابة الشرقية. ووفق مصادر عسكرية لـ"العربية.نت"، نُفِّذ الهجوم وفق خطة محكمة شملت قصفا مدفعيا مكثفا وإنزالات برية عبر محورين رئيسيين: الأول من الشوارع الخلفية التي كانت تحت نيران القناصة، والثاني عبر نفق قديم يُعتقد أنه يعود إلى الحقبة الاستعمارية البريطانية.

 

وفي الليلة الأخيرة للهجوم، تسلّلت وحدات من القوات الخاصة عبر هذين المحورين، وسط مقاومة شرسة من قوات الدعم السريع التي زرعت متفجرات في الممرات لإبطاء التقدم. لكن مع اشتداد الضغط العسكري، انسحبت القوات المتمردة باتجاه السوق العربي وسط الخرطوم، حيث لاحقتها وحدات الجيش، معلنة السيطرة الكاملة على القصر والمنشآت المجاورة.

 

وفي بيان رسمي، أكّد الجيش أنه دمّر القوة المتبقية داخل القصر، واستولى على أسلحة وعتاد، واصفا العملية بأنها "ملحمة بطولية خالدة"، مع استمرار العمليات العسكرية في مختلف الجبهات.

 

تفاعل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي

 

فور إعلان استعادة القصر، اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي موجة من التفاعلات، حيث تصدّر وسم #القصر_الجمهوري قائمة الأكثر تداولًا في السودان. وبينما اعتبر البعض الحدث نصرا استراتيجيا يعزّز موقف الجيش، رأى آخرون أنه مجرد مرحلة في صراع لا يزال مفتوحا على احتمالات عديدة.

 

على الصفحات الداعمة للجيش، انتشرت صور ومقاطع فيديو تُظهر جنودًا يحتفلون داخل القصر، وسط هتافات التكبير وعبارات مثل "القصر عاد إلى أصحابه" و"النصر قادم". كما أُعيد نشر الأناشيد الوطنية، بينما قارن البعض بين القصر في حقبته الذهبية وحاله اليوم بعد الدمار الذي لحق به.

 

في المقابل، حذر محللون من تصعيد محتمل في المعارك، خاصة مع انسحاب قوات الدعم السريع إلى مواقع استراتيجية أخرى داخل العاصمة.

 

القصر الجمهوري.. صندوق أسرار السلطة في السودان

 

لم يكن القصر الجمهوري مجرد مقر للحكم، بل كان شاهدا على لحظات مفصلية في تاريخ السودان، حيث تعاقبت عليه الحكومات، وسقطت بين جدرانه أنظمة، ما جعله أشبه بـ"الصندوق الأسود" لأسرار السلطة في السودان.

 

من سراي الحكمدارية إلى معقل الصراع

 

حين وضع الأتراك العثمانيون حجر الأساس للقصر عام 1826، كان إعلانا رمزيا لسيطرتهم على السودان. شُيّد أولا بالطوب الأخضر (اللبِن)، قبل أن يُعاد بناؤه لاحقا بالطوب الأحمر، مستخدما أنقاض مملكة سوبا المسيحية، في مشهد يجسّد تعاقب الحضارات وصراع القوى على هذه الأرض.

 

وبعد سقوط الدولة المهدية في 1899، أعاد البريطانيون بناء القصر على الطراز القديم ليكون مقرا لحكامهم حتى فجر الاستقلال عام 1956، عندما رفرف علم السودان الحر لأول مرة فوق ساريته.

عهد الانقلابات والمؤامرات

لكن القصر لم يكن شاهدا على الاستقلال فحسب، بل كان أيضا مسرحًا لانقلابات وأحداث دموية غيّرت مسار السودان. ففي يوليو 1971، تحوّل إلى سجن للرئيس الأسبق جعفر نميري خلال انقلاب قاده الرائد هاشم العطا، قبل أن يستعيد نميري السلطة وينفّذ إعدامات بحق قادة الانقلاب.

 

وعلى مر العقود، ظل القصر مركزا للمكائد السياسية، حيث سقطت حكومات، وتغيّرت أنظمة، في مشهد يعكس صراع السلطة المستمر في السودان.

 

الأهمية الإستراتيجية لاستعادة الجيش السوداني السيطرة على القصر الرئاسي بالخرطوم

 

القصر الجديد.. تحفة صينية وسط نيران الحرب

 

في عام 2015، افتُتح القصر الجمهوري الجديد بتصميم حديث بتمويل صيني، ليكون مقرا للرئاسة السودانية. لكنه بعد أقل من عقد، تحوّل إلى أنقاض بفعل الحرب، وأصبحت ردهاته ساحة للمعارك، حيث استُبدلت خرائط السياسة بخطط الاقتحام، وتحولت قاعات الاجتماعات إلى مواقع للاشتباكات المسلحة.

 

هل تغيّر هذه المعركة مسار الحرب؟

 

اليوم، وكأن التاريخ يعيد نفسه، لكن بصورة أشد مأساوية. لم تعد الجيوش الغازية تأتي من وراء البحار، ولم يعد الثوار يرفعون رايات التغيير، بل بات الصراع بين أبناء الوطن الواحد، في حرب لم تُبقِ إلا على الرماد والدمار.

 

ورغم أن استعادة القصر تمثل انتصارا استراتيجيا للجيش، تبقى الأسئلة الكبرى بلا إجابة: هل يُشكل هذا الحدث نقطة تحول حقيقية في الحرب أم أن السودان سيظل عالقا في دوامة الصراع دون أفق واضح للحل؟


مقالات مشابهة

  • خبير استراتيجي: الجيش السوداني سيطهر ما تبقى من الخرطوم خلال أسبوع
  • «متحدث فتح»: الحرب الإسرائيلية على غزة تهدف لتصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين
  • موقع “Breaking Defense”: البحرية الأمريكية تواجه تحديات تضع هيمنتها البحرية أمام خطر الانهيار
  • السودان: الجيش يستعيد السيطرة على القصر الجمهوري في الخرطوم
  • وزير الإعلام السوداني: مصر لعبت دورًا بارزًا في دعم شعبنا خلال الأزمة
  • "القاهرة الإخبارية": فرحة شعبية في السودان بعد استعادة الجيش للقصر الجمهوري
  • قرارات عاجلة للبنك المركزي التركي في مواجهة الانهيار الكبير لليرة
  • تقرير: الحرب في غزة تُرهق الجيش الإسرائيلي
  • خبير اقتصادي يحذر: البلاد على حافة الانهيار بسبب العجز المالي
  • سيمحق الله الباطل وينتصر الشعب!!