مع تجاوز الصراع في السودان شهره الرابع، تستمر أثاره في التفاقم، في ظل إصرار الطرفين المتحاربين على عدم وقفه، رغم الجهود الإقليمية والدولية والمحلية لإيقاف الحرب وإقناع طرفي الصراع بضرورة الجلوس على مائدة المفاوضات؛ حيث يدفع الشعب السوداني كل يوم كلفة باهظة للحرب لا تقتصر على المؤسسات والبنى التحتية والمكونات المادية المختلفة التي أسسها السودانيون عبر تاريخ طويل من الكفاح؛ بل يتعرض الإنسان السوداني كل يوم لانتهاكات وتهديد لحياته، وتمتد المعارك والاقتتال إلى مناطق أكثر في السودان؛ حيث تنضم ولايات ومناطق جديدة للصراع بما يهدد بانهيار الدولة أو زوالها.

استمرت المواجهات المسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع في مدن العاصمة الثلاث (الخرطوم وبحري وأم درمان)، واشتدت المعارك في إقليم دارفور وخاصة في مدينة نيالا جنوب دارفور، فقد قتل أكثر من 2000 شخص وفر ما يقرب من 500 ألف آخرين من دارفور منذ بدء الصراع، كما تدور معارك عنيفة بالأسلحة الثقيلة بين الجيش وقوات الحركة الشعبية شمال جناح عبد العزيز الحلو؛ حيث هاجمت الحركة حامية دلامي العسكرية الاستراتيجية (جنوب شرقي الدلنج). في الوقت الذي طالب حاكم إقليم دارفور منى أركو مناوى طرفي الصراع في السودان بوقف الحرب فوراً، والدخول في حوار سياسي، ومع بروز جبهة مواجهات بين الحكومة الإثيوبية وقوات في إقليم الأمهرة على الحدود الشرقية للسودان، تظهر مخاوف أمنية كبيرة في الشرق تنذر باندلاع صراع فيه.
إلا أن الملمح البارز خلال الأيام الأخيرة، هو إعلان كيانات مسلحة دعمها لأحد طرفي الصراع؛ حيث أعلنت ما يطلق عليها «قوات درع السودان» في بداية شهر أغسطس 2023 انحيازها لقوات الدعم السريع، وأكدت أن هذا الدعم يأتي في إطار مواجهة التهميش وفلول النظام السابق؛ حيث ينتقد قائد هذه القوات أبو عاقلة كيكل اتفاقية جوبا للسلام الموقعة في أكتوبر 2020، ويرى أنها اهتمت بالحركات المسلحة في دارفور مع تهميش وسط وشرق وشمال السودان، وقد أثار بروز هذه القوات في أحد مقاطع الفيديو ودعمها لقوات الدعم السريع الكثير من الجدل؛ حيث تتمتع قوات «درع السودان» بنفوذ في منطقة «سهل البطانة» وسط البلاد، وهي منطقة معروفة بموقعها الاستراتيجي الممتاز والحدودي مع إثيوبيا.

إلا أن أحد السياسيين أكد أن قوات درع السودان تحارب إلى جانب الدعم السريع منذ بداية الصراع، كما أعلنت القبائل التي أعلن عن تمثيله لها عن تبرئهم من هذه القوات، وأن هذا الظهور محاولة دعائية لرفع معنويات جنود الدعم السريع، وخاصة في ظل الانتقادات الهائلة الموجهة لهذه القوات، وحذف منصة ميتا (فيسبوك) لحسابها باعتبار قوات الدعم السريع منظمة تحث على العنف.

لا تزال تداعيات الصراع في السودان تظهر بشكل واضح على السكان؛ حيث تتزايد الأوضاع الإنسانية سوءاً، سواء للذين لم يتمكنوا من الفرار إلى دول الجوار أو اللاجئين الذين هربوا إلى دول الجوار التي تعانى هي الأخرى أزمات حالكة؛ حيث يبلغ تعداد الذين تركوا منازلهم وفق المنظمة الدولية للهجرة 4 ملايين من بينهم ما يقرب من 3 ملايين نزحوا داخلياً؛ حيث تعرض أكثر من 42% من السودانيين لمستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي، وكانت أكثر المناطق تضرراً هي الخرطوم ودارفور الكبرى وكردفان الكبرى، وتشير مديرة قسم العمليات والمناصرة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إديم وسورنو، التي زارت السودان مؤخرا، إلى أن «الوضع مقلق بشكل خاص في الخرطوم وكذلك مناطق دارفور وكردفان». كما أصدرت منظمة أطباء بلا حدود في 14 أغسطس 2023 تحذيراً قوياً بشأن اللاجئين السودانيين في المناطق الحدودية بشرقي تشاد. فالاحتياجات العاجلة إلى «المأوى والغذاء والمياه والصرف الصحي والرعاية الصحية والحماية» قد ظهرت، ما يتطلب استجابة إنسانية فورية.

كما أسفر الصراع عن مقتل نحو 3900 شخص على الأقل، وتوقفت 80% من المستشفيات في أنحاء البلاد عن العمل، في الوقت الذي أصبح 14 مليون طفل في السودان، أي نصف أطفال البلاد، بحاجة إلى دعم إنساني.

ومن أكثر الآثار المؤلمة للصراع في السودان عدم قدرة السكان على دفن موتاهم؛ حيث انتشرت الجثث في المناطق التي تشهد اشتباكات بين طرفي الصراع سواء في العاصمة الخرطوم أو في دارفور، وتؤكد معلومات أن هذه الجثث أغلبها لمدنيين وليس عسكريين، وقد أثارت هذه المشاهد قلق العديد من المنظمات الإنسانية والطبية والأممية على الرغم من محاولات بعض المتطوعين لدفن الجثث، وحذرت هذه المنظمات والتي كان آخرها منظمة أنقذوا الطفولة البريطانية، من مخاطر ترك الجثث الموجودة في الشوارع التي قد تكون سبباً رئيسياً في انتشار الأوبئة والأمراض، خاصة أن الوضع الراهن في السودان يحول دون تنفيذ حملات لمكافحة نواقل الأمراض. وما يزيد الوضع خطورة، تحذيرات أطلقتها هيئة الطب العدلي، في السودان، من انتشار مرض الطاعون بين المواطنين في ظل وجود ما لا يقل عن 3000 جثة في مشارح العاصمة الخرطوم التي تقع في مناطق الاشتباكات وتنقطع الكهرباء عن تلك المناطق لأوقات طويلة.

وأمام هذا المشهد الذى يزداد تعقيداً في السودان في ظل استمرار آلة الحرب وعجز المبادرات الإقليمية والدولية والقوى السياسية عن اختراق ترتيبات الصراع التي يحددها طرفاه، تظل الأوضاع في السودان تنذر بمزيد من التدهور والسيناريوهات الصعبة، وخاصة مع امتداد الصراع إلى أقاليم ومناطق جديدة واستغلال حركات مسلحة للصراع في تحقيق أهدافها أو الانتقام من أحد طرفي الصراع، إلا أن جهود الأطراف الخارجية، خاصة على المستوى الإقليمي لا يمكن أن تخلو من الأفكار والحلول التي يمكن الاعتماد عليها في إيقاف الحرب في السودان ودفع طرفي الصراع نحو التفاوض، فمن المتصور أن هناك حسابات ومصالح إقليمية لطرفي الصراع لن يسمح أي منهما بالتنازل عنها إلا أن الأمر ربما بات مرهوناً بإرادة القوى الخارجية في تسوية الصراع في السودان.

د. أميرة محمد عبدالحليم – صحيفة الخليج

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع الصراع فی السودان طرفی الصراع درع السودان هذه القوات إلا أن

إقرأ أيضاً:

نازحات سودانيات يواجهن الجوع والمرض

السودان – يعيش الآلاف من النازحين السودانيين في حالة يُرثى لها، فارين من تداعيات المعارك المستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أكثر من عام، في وقت تحذر فيه الأمم المتحدة من أن السودان يتجه نحو مجاعة قد تكون الأسوأ منذ عقود.

ويواجه النازحون في معسكرات الإيواء ظروفا إنسانية قاسية، وأظهرت مقاطع فيديو خاصة حصلت عليها شبكة الجزيرة، جانبا من معاناتهم في معسكر المنار الجديد بالضعين، عاصمة ولاية شرق دارفور، بعد فرارهم من مدينة الفاشر وولايات أخرى نتيجة استمرار القتال.

بصوت مكلوم، تحدثت اللاجئة آمنة صافي عن حالها وحال الكثيرين من المتضررين من الحرب، والذين أصبحوا يعيشون في خوف مستمر من سماع أصوات الرصاص والاشتباكات. وقالت للجزيرة “نخاف من الحرب، وقلوبنا لا تحتمل، ويصيبنا الهلع من أصوات الرصاص”.

وتحدثت اللاجئة السودانية للجزيرة بكلمات حزينة عن معاناتها ومغادرة منزلها في منطقة أم درمان إلى مخيمات النزوح، قائلة “وصلت إلى مخيم النزوح قبل حوالي 15 يوما في رحلة معاناة وخطر كبير”، واعتبرت أن أوضاعهم في المخيم أصبحت أفضل بكثير من الوضع الذي كانوا يعيشونه في مناطق المواجهات المليئة بالرعب وغياب الأمان، وأشارت إلى أهمية الأمن للجميع، معبرة عن أملها في استقرار الأوضاع لكي يتمكنوا من العودة إلى منازلهم.

واضطر عدد كبير من النازحين في معسكرات الإيواء لبناء خيام من القش والبلاستيك بأدوات بسيطة ومحدودة، بعدما تقطعت بهم السبل بسبب الحرب، في ظل تحذيرات أممية من أن السودان قد يواجه أسوأ أزمة نزوح في العالم.

وشهدت ولايات سودانية موجة نزوح كبيرة، خاصة مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وأعلنت غرف الطوارئ الإنسانية عن استقبالها أعدادا كبيرة من الفارين، بينهم أطفال ونساء يبحثون عن ملاذ آمن هربا من ويلات الحرب.

وأظهرت اللقطات المصورة قيام مجموعة من المتطوعين والعاملين في المجال الإنساني بتسجيل أعداد جديدة من النازحين في غرفة طوارئ معسكر النيم بولاية شرق دارفور، تبعها بروز لافتة تبيّن قيام غرفة الطوارئ بتوزيع مواد غذائية وإيوائية لـ200 أسرة.

من جهته، قال منسق إيواء غرفة طوارئ الضعين الإنسانية في معسكر المنار الجديد للنازحين آدم محمد للجزيرة، إن الغرفة وبدعم من مانحين تمكّنت من تقديم مساعدات غذائية للنازحين القادمين من مدينة الفاشر وولايات أخرى، لمدة 30 يوما للتخفيف من آثار الحرب والنزوح.

وأشار آدم إلى أن هذه المبادرة تتضمن مطبخا خيريا جماعيا يقدم وجبتي الإفطار والغداء المكونة من الفول والعدس، لعدد 48 أسرة بمعدل 220 فردا، معظمهم من النساء والأطفال، مناشدا المنظمات ووكالات الإغاثة بالوقوف مع هؤلاء النازحين، خصوصا مع الإمكانيات المحدودة للمخيم.

وأوضح المنسق أن أغلب النازحين وصلوا للمعسكر من ولاية شمال دارفور وعاصمتها الفاشر والمناطق المجاورة لها، وتظهر المشاهد عشرات من الأسر النازحة مع أطفالهم في مخيم الإيواء.

أما النازحة فتحية عبد الرحمن، فقالت إنهم يفتقرون لأدنى مقومات الحياة، كون المساعدات المقدمة لم تعد تكفي لتغطية احتياجات المخيم نتيجة تدفق أعداد كبيرة من النازحين، لافتة إلى أن الأمور تزداد سوءا مع غياب المنظمات الإنسانية التي تقدم الدعم والإغاثة.

وتقول فتحية وهي ربة بيت إن حاجتهم الأساسية هي الأكل والشرب والمأوى، فيما تعبّر أغلبية النازحين عن معاناتهم بسبب تكدس الأسر في الخيام المؤقتة، ما يتسبب في انتشار الأمراض.

وأشارت نازحة أخرى إلى وجود أطفال بالمعسكر يحتاجون إلى رعاية صحية ضرورية.

ووثقت لقطات مصورة قيام مجموعة من النساء ببناء خيامهن باستخدام الأخشاب والحصير، كما اتهمن المنظمات الدولية بتجاهل معاناتهم في المخيمات التي تفتقر لأبسط  مقومات الحياة.

وتستمر الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الفاشر، رغم تحذيرات دولية من المعارك في المدينة، التي تعد مركز العمليات الإنسانية لكل ولايات دارفور.

وتزايدت دعوات أممية ودولية لتجنيب السودان كارثة إنسانية قد تدفع الملايين إلى المجاعة والموت، جراء نقص الغذاء بسبب القتال في البلاد.

المصدر : الجزيرة

مقالات مشابهة

  • «الدعم السريع» تسيطر على حامية للجيش السوداني بغرب كردفان
  • السودان: مقتل مواطن إثر هجوم الدعم السريع على ريفي مدينة الرهد
  • تقرير حديث لشبكة «صيحة» يرصد انتهاكات قوات الدعم السريع بولاية سنار
  • اشتباكات في أم درمان وآلاف السودانيين يفرون من الفاشر
  • الهجرة الدولية: نزوح أكثر من «328» ألف شخص من مدينة الفاشر
  • حمدوك:نضغط طرفي الصراع للجلوس والحوار
  • نازحات سودانيات يواجهن الجوع والمرض
  • بالبرهان السودان في كف عفريت
  • مصر ومؤتمر الأزمة السودانية.. 5 تحديات ملحّة تدفع للتحرك الفوري
  • البرهان: الحرب لن تنتهي إلا بتطهير السودان من مليشيا “الدعم السريع”