الحرب في السودان: وفرة الموارد واحتمالات التفكك التشظي
تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT
بروفيسور حسن بشير محمد نور
1.
ما حصل في سوريا لا يبشر بخير لشعوب المنطقة الساعية للانعتاق من الديكتاتوريات والظلم التاريخي المتطاول، الشعوب الطامحة للحرية والعدالة والسلام واللحاق بركب الحداثة والازدهار. البديل أو سيناريوهات التغيير المتوقعة سيئة وليست في مقام شعب الشام. إذا كانت سوريا قبل انهيار نظام الاسد الديكتاتوري تعاني من تدخلات واحتلال اجنبي مركب أمريكي/ روسي/ ايراني/ تركي فهي الان تحت احتلال أمريكي/ تركي/ اسرائيلي، علي طريق (الشرق الاوسط الجديد)، مع ايادي روسية ايرانية خفية لن تغيب عن المشهد كما تعتقد المشهدية الشعبوية السطحية.
لكن لنترك سوريا بأنسانها ومواردها وموقعها وفي القلب غصة ولنذهب للنكبة السودانية، رغم اننا كلنا في الهم شرق.
2.
يتمتع السودان بكم هائل من الموارد والثروات الطبيعية التي لم تجد حظها من الاستغلال الامثل والتوظيف في التنمية. من ضمن تلك الموارد الاراضي الخصبة الشاسعة ومصادر الري المتنوعة وتعدد البيئات الجغرافية. يمكن ذلك من ضمان الامن الغذائي بشكل تام، اضافة لتكوين قاعدة صناعية ضخمة وتنافسية وانتاج الوقود الحيوي، اضافة طبعا لموارد فريدة من نوعها مثل حزام الصمغ العربي الذي يمتد لمساحات دول، وحتي انواعا من الرمال تشكل مدخلات لانتاج صناعات بالغة الدقة والجودة، مثل رقائق الحواسيب والهواتف النقالة والشاشات والصناعات العسكرية وصناعات الفضاء. الا ان السودان وعلي طول تاريخه لم يحظي بحكم رشيد يوظف تلك الموارد لصالح شعبه وللبشرية بشكل عام، ويبدو ان هناك مغذى من كل ذلك كما تقول التحليلات الموضوعية الناضجة ونظريات المؤمرة معا.
بالاضافة للموارد الزراعية في الارض، المياه، الثروة الحيوانية والغابات، هناك وفرة من الموارد المعدنية مثل الذهب (السودان ثالث اكبر منتج له في افريقيا)، اليورانيم، الكروم، الحديد، النحاس والنفط، هذا طبعا غير الموارد غير المكتشفة وهناك الكثير من الدراسات والمعلومات تمتليء بها المكتبات في هذا الشأن، لا يقل عن ذلك شأنا الموارد البشرية، اذ ان 67% من سكان السودان من الفئة النشطة اقتصاديا.
هل مع كل هذه الموارد يمكن القول ان الحرب الجارية الان في السودان (حربا عبثية)؟ وانها قد اشتعلت فجأة في صدفة تاريخية؟ يبدو ان الواقع والوقائع تشير الي ما هو ابعد واعقد من ذلك بكثير.
3.
اذن ما هي اسباب عدم استغلال تلك الموارد وتوظيفها؟
اذا استبعدنا نظريات المؤامرة والعوامل الخارجية (وهي طبعا موجودة بشكل لا يمكن نفيه لكنها ليست حكرا علي السودان)، سنجد العديد من العوامل الداخلية ومن اولها انواع الحكم غير الرشيد والديكتاتوريات العسكرية التي حكمت السودان الا قليلا، منذ الاستقلال وحتي تاريخ الحرب هذا. تميزت حقب الحكم العسكري بالفساد وسؤ الادارة وقصر النظر، اما ديكتاتورية الانقاذ فبالاضافة لتلك الصفات تميزت عن غيرها بالادلجة وما عرف (بالتمكين) للمنتمين اليها من (الاسلامويين) وبعض حلفائهم وشركائهم في الداخل والخارج. هذه الديكتاتورية الاخيرة التي حكمت بشكل مباشر لمدة ثلاثين عاما، واستمرت ممسكة بزمام الامور والقوة الاقتصادية حتي بعد التغيير الذي حدث في ابريل 2019، الي ان اوصل عناصرها وصنائعها بالبلاد الي الحرب الراهنة بين الجيش الذي خضع للتسيس والتمكين والدعم السريع الذي يعتبر (براءة اختراع) حصرية للمؤتمر الوطني وجيش عمر البشير.
منذ الاستقلال وحتي الان تم تمركز التنمية (علي محدوديتها)، والسلطة والثروة في ايدي نخبة محدودة مما ادي لاهمال سياسات حقيقية للتنمية عبر الادارة الرشيدة للموارد واستغلالها بالشكل الامثل، بما يحقق التقدم الاقتصادي والتوازن وقسمة عادلة للمخرجات. فوق ذلك تميزت حقب الحكم العسكري بالنزاعات المسلحة كالحروب الأهلية والفتن القبلية، الامر الذي ارهق البلاد واهدر مواردها واخرج مناطق كاملة خارج النسيج الاجتماعي والاقتصادي، مثل حالة الجنوب الذي انتهي بالانفصال، ثم لحقت به في الحروب وعدم الاستقرار دارفور ومناطق جنوب كردفان وجنوب النيل الازرق، وللمفارقة هي اغني مناطق السودان بالموارد واجملها من حيث البيئة الطبيعية. اثر كل ذلك بشكل سلبي علي الاستقرار السياسي والاوضاع الامنية وادى لعزلة السودان بسبب العقوبات الدولية الامر الذي اقعد البلاد وجعلها من اكثر الدول تخلفا رغم وفرة الموارد.
تصاحب ما اوردنا اعلاه مع غياب البنية التحتية: ضعف شبكات النقل والطاقة، اضافة لاحجام الاستثمار الاجنبي وعدم الوصول لتكنولوجيا الانتاج المناسبة، مما قلل من القدرة على استغلال الموارد.
اتاح كل ذلك المجال للتدخلات الخارجية من القوى الإقليمية والدولية التي استخدمت السودان لتحقيق مصالحها على حساب التنمية، بل وحتي ما عرف (بعقد البترول من 1999 وحتي 2011)، لم يستفاد منه في التنمية، بل تم نهب تلك الموارد بشكل ممنهج، اضافة للاعتماد علي الصين بسبب العقوبات وهو امر اضر بالانتاجية والكفاءة لحد كبير.
4.
جميع الدلائل تشير الي علاقة الموارد غير المستغلة بالحرب الجارية ومن ضمن ذلك:
التنافس على الموارد: النزاعات، خاصة في دارفور وكردفان والنيل الأزرق، ومناطق مثل (الفشقة) ترتبط بالرغبة في السيطرة على الأراضي الخصبة والثروات المعدنية.
التدخلات الخارجية من أطراف إقليمية ودولية تدعم أطرافًا داخلية لضمان السيطرة على موارد السودان، خاصة الذهب والثروات الاخري.
مشاكل الامن المائي والامن الغذائي في ظل التغيرات المناخية المحتملة
إذا استمرت هذه الحرب بامتداداتها الخارجية، فهناك سيناريوهات محتملة لتقسيم السودان من ضمن ذلك:
سيناريو التفكك إلى دويلات إقليمية: وتشير التقديرات هنا لدارفورالتي قد تنفصل كدولة قائمة بذاتها نظرًا لتاريخ النزاع، واحتوائها على موارد طبيعية ومعدنية هائلة اضافة لاتساع مساحتها.
حتى كردفان ليس من المستبعد ان تصبح كيانًا مستقلًا يعتمد على الزراعة والمعادن مع الوضع في الاعتبار جنوبها المشتعل اصلا.
النيل الأزرق مرشح ايضا للانفصال بسبب خصوصيته الإثنية والجغرافية وثرواته الزراعية والمائية.
الاطماع تحيط بشرق السودان كممر استراتيجي بسبب وقوعه علي ساحل البحر الأحمر بموانيه وموارده.
يبقي هناك الوسط والشمال اللذان قد يرثا الدولة السودانية التقليدية ويشكلان نواة لدولة تعتمد على النيل والتاريخ الثقافي للسودان.
تلك اكثر السيناريوهات تشائما مع وجود امكانية ان يخرج السودان من الحرب بشكل متماسك او بفقدان جزء قليل من اراضيه ويسعى بالتالي لتكوين نظام فيدرالي يمنح أقاليمه استقلالية أكبر لتجنب سيناريوهات الانفصال.
اذا استمر هذا النزاع دون حسم لوقت طويل فان الوضع سيؤدي الي تآكل سلطة الدولة المركزية وتزايد نفوذ الفصائل الجهوية والإقليمية.
مع جميع تلك السيناريوهات ما هي الدول المستفيدة والمتضررة من تشظي السودان؟
من الصعب بالطبع الجزم بذلك خاصة مع التهديدات الامنية وعدم الاستقرار التي قد يسببها حدوث فوضى كبرى في السودان علي دول المنطقة والامن العالمي. الا ان التوقعات تشير الي استفادة بعض الدول الاقليمية من تقسيم السودان من ناحية الحصول علي جزء من اراضيه من جهة ومن ميلاد دويلات ضعيفة لا تملك زمام امرها مما يمكن الاستيلاء علي مواردها.
بالتأكيد إسرائيل لا تخرج عن المشهد من ناحية الاستفادة من ضعف السودان وتقسيمه لإضعاف الموقف دول المنطقة، بالاضافة لما يثار حول الدول السبعة المستهدفة بالاحتواء والسيطرة (العراق، سوريا، لبنان، اليمن، الصومال بالاضافة الي ايران وان كان بشكل مختلف).
تشير التوقعات والنظريات الي الولايات المتحدة والغرب بحكم انها القوى المؤثرة والفاعلة عالميا في الحرب والسلام العالمي، اذ يمكن أن تدعم تقسيم السودان لإضعاف النفوذ الصيني والروسي في المنطقة ولاكمال مخطط هندسة المنطقة بشكل جديد.
هناك بالطبع حديث عن دول الجوار وبعض الدول الخليجية، وكل من الدولتين بالكثافة السكانية الضخمة مصر واثيوبيا، مع ذلك فان مصرقد تكون اكثر الدول تضررا من تقسيم السودان، علي خلاف ما يعتقد الكثيرون، بحكم ان السودان يشكل العمق الاسترتيجي لمصر واي تشظي قد يسبب مخاطر امنية خطيرة لها قد تهدد امنها القومي وتعقّد قضية الامن المائي، خاصة وان هنك مناطق ستكون بمعزل عن التماس المباشر مع مصر. كذلك قد تتضرر كل من تشاد وليبيا وجنوب السودان بسبب انتشار النزاعات والسلاح وربما الارهاب، اضافة لمشاكل اللجؤ والهجرة غير الشرعية.
5.
اذا اخذنا جميع تلك الاعتبارات والسيتاريوهات في الحسان فيمكن القول ان الدول الاقليمية بالتحديد معنية بالعمل علي الضغط بجميع الوسائل لانهاء الحرب في السودان باسرع وقت ممكن، ان لم يكن لمصلحة السودان فلمصلحة امنها القومي واستقرارها والحد من التدخلات الاجنبية السالبة، التي تزيد من تأجيج الصراع في السودان، كما يجب فيما اري علي المكونات السودانية تكثيف جهودها علي الجانب الاقليمي اكثر من اعتمادها علي وهم التدخلات الاجنبية الايجابية، مع الاخذ في الحسبان ما حدث في الدول الاخرى واخرها سوريا. ذلك باعتبارالحرب في السودان ليست فقط نزاعًا داخليًا بل أيضًا صراع على الموارد تتحكم فيه أطراف داخلية وخارجية، واستمرار الحرب لفترة طويلة قد يؤدي إلى تقسيم البلاد، وهو ما سيغير موازين القوى في المنطقة ويؤثر على استقرارها الجيوسياسي والاقتصادي.
6.
في سياق التشظي والانقسامات وعدم الرشد السياسي لا يغيب عن المشهد الخلاف المحتدم في اروقة (تقدم) حول تشكيل (حكومة سلام) لنزع الشرعية عن حكومة بورتسودان الانقلابية. اذا ادي النقاش في اروقة (تقدم) لتشكيل تلك الحكومة، فسيكون ذلك خطأ استراتيجي قاتل في رأي، وقد يعني اخراج (تقدم) عن أي معادلة سياسية مستقبلية مقبولة، اضافة لانهاء وحدتها الهشة اصلا، اذ ان تلك الحكومة اذا مارست نشاطها في مناطق الدعم السريع فلن تكون الا خرقة تحت عباءة مليشيا الدعم، اما اذا بقيت في الخارج فستكون رهينة للداعمين والممولين الاجانب، وسيكون مصيرها ليس افضل من حكومة (كرازاي)، الذي ان كان حيا، فسيكون ينعم بشيخوخة هانئة في (بوسطن)، بعيدا لالاف الكيلومترات عن كابول من حيث المسافة، وعلي برازخ من حيث القيم ونمط الحياة، بعد ان ترك جيش بايدن افغانستان مثل روح معذبة تبحث عن جسد ترتاح فيه. مثل هذا السيناريو لن ينقذ السودان من نكبته وهو لا يعدو كونه نزقا نخبويا تجاه المناصب والسلطة سواء ان كانت حقيقية او متوهمة، اذ ان ما يجب البحث عنه الان هو وحدة مكونات الشعب السوداني حول مشروع وطني متوافق عليه، بدلا عن السير في مشارع تؤدي لمزيد من الانقسامات والتشظي، كحالة سودانية مستعصية علي العلاج.
mnhassanb8@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: تقسیم السودان تلک الموارد السودان من فی السودان
إقرأ أيضاً:
جدّة – ميتر لرصد الانتهاكات في السودان
زوايا
حمّور زيادة
بينما تضرب الخلافات تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية (تقدّم) حول تكوين حكومة موازية، في المنفى أو داخل السودان، تزداد معاناة المواطنين من الآثار غير المباشرة للحرب، ومن الانتهاكات المباشرة من طرفي الصراع.
ظل تاريخ القوى السياسية المدنية دوماً هو تاريخ الخصام، والبحث عن نقطة تلاقٍ. منذ اندلاع ثورة ديسمبر/ كانون الأول (2018)، ظلت القوى المدنية تروّج فكرة "أوسع/ أكبر تحالف في تاريخ السودان السياسي". هذا الهدف المراوغ عطّل الأحزاب السياسية عن العمل لانشغالها بمحاولة تسوية الخلافات والوصول إلى نقاط تفاهم. ورغم اللحظات التاريخية المشرقة في مناسباتٍ ثوريةٍ ماضية، إلا أن التحالفات السودانية عادة ما تكون هشّة، ولا تصمد زمناً طويلاً قبل أن تتحوّل عداءات، مثلما حدث مع قوى إعلان الحرية والتغيير التي انقسمت إلى ثلاثة كيانات بأسُها بينها شديد. وها هي تنسيقية القوى الديمقراطية تواجه اختلافاً حاسماً بعد شهور من وقوعها تحت ضغوط اتهامات الانحياز، فهي تواجه ضغوطاً من الرأي العام الموالي للجيش (استجابة لاتهامات الجيش الرسمية) بأنها غطاء سياسي لقوات الدعم السريع، بينما تواجه ضغوطاً من عدة كيانات قبلية في غرب السودان والقيادات الأهلية داخل التنسيقية ذاتها تتّهمها بالميل الإثني إلى الجيش، والتغاضي عن انتهاكات الطيران. ويمكن تخيّل كيف تكبّل التهمتان المتعارضتان حركة التنسيقية التي يبدو أن دورها سيضعُف أكثر كلما استمرّت الحرب. لأن مطلب الحكم المدني ذي المصداقية الذي كان يتردّد قبل الحرب لم يعد يصدق على القوى السياسية. إذ تغيّرت المصداقية عن قبل، بعد أن كانت سلطة معبّرة عن الشارع الثوري الراغب في التغيير. لكن الأزمة اليوم أصبحت مسلحة، وتحتاج توافق حملة السلاح أكثر من توافق القوى المدنية التي لا تملك إلا بياناتها الرسمية بينما تآكل رأس مالها الرمزي في المدن المحترقة. ... هكذا يطارد المكون المدني ذيله في دوائر مفرغة، بينما يتفرّغ طرفا الحرب لممارسة الانتهاكات المتبادلة.
كانت الضغوط الدولية والمحلية قد نجحت في دفع المتقاتلين للتفاوض عبر منبر جدّة في الأسابيع الأولى للحرب. ما أنتج بعد أقل من شهر إعلان جدّة للالتزام بحماية المدنيين. لكن الاتفاق ظل كسيحاً، لرفض الطرفين في "جدّة 2" التوافق على آليات لتنفيذ ومراقبة ما اتفقا عليه سابقاً.
ورغم انهيار "جدّة 2" في ديسمبر/ كانون الأول 2023، لكن "الدعم السريع" وقع لاحقاً، في يناير/ كانون الثاني (بعلم الجيش)، إعلان أديس أبابا مع تنسيقيّة القوى الديمقراطية والمدنية. وتالياً، رفض الجيش أي تفاهم مع المدنيين، ورفض العودة إلى أي تفاوض، واكتفى باختزال إعلان جدّة في إخلاء "الدعم السريع" لمنازل المواطنين.
في متاهة المفاوضات والتوقيعات هذه، يمكن للقوى المدنية أن تستند إلى إعلان جدة لرصد الانتهاكات اليومية التي يرتكبها المسلحون. فبين القصف المدفعي واحتجاز المدنيين رهائن مقابل فدية مالية ونهب الممتلكات وتهجير السكان وغيرها من "الدعم السريع" وبين قصف الطيران الأسواق والتجمعات المدنية والاعتقال التعسفي والتعذيب وغيرها من الجيش يجد المواطن نفسه بلا سند لمواجهة الويلات اليومية.
ورغم رفض سابق لبعض قيادات "التنسيقية" المدنية لرصد الانتهاكات، بحجّة أنهم تحالف سياسي وليسوا جهة حقوقية، يظل الاحتكام لإعلان جدّة أنجع السبل الحالية لرصد جدّية (أو للدقة: عدم جدّية) طرفي القتال في حماية المدنيين. رصد الانتهاكات ومحاكمتها بمرجعية إعلان جدّة يساعد على توسيع دائرة رؤية الفاعلين السياسيين، ما قد يعينهم على إيجاد تصور قابل للتنفيذ يساعد على تقصير مدّة الحرب التي تواصل إعادة تشكيل نفسها وحمولاتها. ... تبدو هذه الوظيفة الوحيدة التي يمكن للقوى المدنية أن تقوم بها لتكون صوت المواطنين، بعدما تعقّد مسار الحرب وتعدّد فاعليها الدوليين، مع صعوبة (إن لم يكن استحالة) ممارسة القوى المدنية للعمل السياسي داخل السودان، سواء في مناطق سيطرة الجيش أو مناطق سيطرة "الدعم السريع".
لعلّ القوى المدنية السودانية تحتاج للاعتراف بأنها في أضعف حالاتها في تاريخ السياسة السودانية. وأنها تعرّضت لعملية شيطنة غير مسؤولة من الأصدقاء قبل الأعداء، تضافرت مع أخطاء وضعف وارتباك ظاهر في الأداء نتجت عنه حالة سوء ظن وتشكّك في أحسن الأحوال، واتهامات بالخيانة والعمالة والعنصرية في أغلب الأحوال. ربما بهذا الاعتراف يمكنها البحث عن وسيلةٍ لإعادة التموضع في ظل صراع مسلّح لا تبدو نهايته قريبة، رغم تحديد الجيش مراراً مواعيد النصر النهائي، جديدها أخيراً شهر ديسمبر/ كانون الأول الحالي. ويبدو الانشغال برصد الانتهاكات، والقبول بدور "الصوت المعبّر عن ضحايا الحرب"، قد يكون وسيلة إنقاذ السياسة والسياسيين في مستقبل البلاد الذي تحدّده البنادق في هذه اللحظة.
نقلا عن العربي الجديد