سودانايل:
2025-04-15@08:08:44 GMT

الشفشفة: التفكيك العاقب لـدولة الإنقاذ (1-2)

تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT

عبد الله علي إبراهيم

ملخص
هذه الشفشفة ممارسة في هذه الحرب لم تستقل بتحرٍّ خاص فيها لمعرفة أوثق بنظام "الإنقاذ" الذي هو ليس أطول عهود الحكم في دولة 1956 إذا شئت فحسب، بل مكّن بنيات في الدولة والسياسة والثقافة ستبقى معنا لزمن طويل.

تكرر على فيديوهات مذاعة وقفة مجند في "الدعم السريع" أمام مشهد لجماعة من المدنيين ممن يسمونهم "المتفلتين" اعتقلها وفي حوزتها مسروقات من أسواق أو أحياء.

ومع أن أخذ حق الناس مما لم يسلم منه منسوبو "الدعم السريع" أنفسهم إلا أن عبارة المجندين الذين ظهروا على تلك الفيديوهات عن نذالة الحرامية ترن صادقة. وفي بعضها اشمئزاز يمثل الخلق الديني مما يرون يجري من نهب أمامهم وباسمهم بغض النظر عن توظيف مثل هذه الفيديوهات بواسطة قيادة "الدعم السريع" لتبرئة ساحتها مما تسميه "الظواهر السلبية" التي التبست بهم جراء خسائس هؤلاء المتفلتين وخفة يدهم. بل أنشأت هذه القيادة إدارة باسم "محاربة الظواهر السلبية" لتطهر اسمها من فسوق هؤلاء المتفلتين.

فيديوهات وظواهر
وقف في فيديو أخير مجند دعامي على مشهد في سوق مدينة ود مدني التي احتلتها "الدعم السريع" يقرع جمعاً من فقيرات النساء وأطفالهن وغيرهن على كسرهن لدكاكين السوق ونهبها. فقال، وهو يمر عليهن وعلى منهوبهن بعدسة موبايله، إن هؤلاء مواطنين استباحوا السوق وسيخرج من يقول إنه من عمل "الجاهزية"، وهو اسم آخر لـ"الدعم السريع".
جاء مجند "الدعم السريع" بعبارة من شأنها أن نطالع منها صورة للحرب غير تلك التي اقتصرت على انتهاكات "الدعم السريع". فقال المجند، وهو يطوف بجماعات المدنيين الناهبة، إن المواطنين هم أنفسهم "ظواهر سلبية" لا تتورع عن أخذ ما ليس حقها متى ما سنحت السانحة وأين.
جاء ذكر مثل هذه الظواهر السلبية في الأدب التاريخي الإسلامي. فعرفوا بـ"العياريين" ومفردها "عيار" وهو في اللغة الرجل كثير الحركة. وتمدح العرب به وتذم. فيقال رجل عيار في المعاصي كما يقال إنه عيار في طاعة الله. وجاء ذكرهم عند المقريزي ك"الزعار". كما يسمونهم "الرعاع والأوباش والطرارين". كما يسمونهم "الفتيان". فظهر العيارون في بغداد بعد فتنة الأمين والمأمون (809) في شبه تنظيم عسكري ليتحولوا إلى عصابات. وسموهم "الشطار" أيضاً. ولأخذهم أموال الناس قيل عن شطارتهم إنها "شطارة فسق". أما "الزعار" فظهروا بعد فتن أعقبت وفاة السلطان الظاهر برقوق (1399) في مصر ثار فيها أهل الريف تحت وطأة الضرائب وانتشرت عصابات النهب من "الزعار وقطاع الطرق".
والأقرب إلى ظاهرة "زعار" السودان وعيارييه في يومنا الحداثي هذا هو مفهوم "فائض البشر" عن أهل المدينة الذين هم عند الاقتصاديين الكلاسيكيين منتج، أو بثور، بداية النظام الرأسمالي في بلد ما مرزؤ بالفقر والعطالة. وهم من جاء مالتس (1766-1834) بنظريته عن سبل الطبيعة في التخلص منهم كفائض عن الحاجة. أما ماركس فكان سيئ الظن بهم فسماهم الـ"بروليتاريا الرثة" ليميزهم عن طليعته الـ"بروليتاريا"، أو القاع الطبقي في معنى الرعاع، وجعلهم من أدوات الرجعية. وأعاد كلايد دبليو بارو المفهوم إلى دائرة البحث بكتابه "الطبقة الخطرة: البروليتاريا الرثة" (2020).
وهكذا فنحن حين نتكلم عن "المواطنين الظاهرة السلبية"، فإنما نتطرق إلى فئة اجتماعية حضرية ادخرت تظلمات من دولة استدبرتها لتنتهز سانحة سقوطها كما حدث لحكومة السودان على يد "الدعم السريع"، لتفرغ غبنها بيدها.
من أين جاء هؤلاء المواطنون ذوو السمعة السيئة؟
جاؤوا جسداً كنازحين من حروب السودان الأهلية في جنوب السودان وجبال النوبة ودارفور التي تفاقمت خلال فترة دولة الإنقاذ بمعدلات هندسية. وسكنوا عشوائياً حول المدن في الشمال بما عرف بـ"الحزام الأسود" الذي لم تتورع بعض الدوائر عن إرعاب الناس منه بما قد يتولد من عنف عنه. وكان ذلك دافع الحركة الإسلامية للتعاقد مع الأكاديمي عالم الاجتماع المسلم عبده ملقم سيمون لينصحها حتى في الثمانينيات حول تصميم استراتيجيتها للتعامل مع هذا الحزام. وقال سيمون إنهم لم يحسنوا الإصغاء إليه وأهملوه ثم تركوه. وكتب عن تجربته مع ذلك "الحزام الأسود" في كتاب مميزبعنوان "في أي صورة؟ الإسلام السياسي والأنشطة الحضرية" (1994).

"باسم توبة الدولة إلى الدين"
وجاؤوا في رزقهم المقتر من دولة الإنقاذ التي أسقطت عنها كل تكليف من تكاليف الولاية على الناس. فحكمت باسم توبة الدولة إلى الدين، حكماً مطلقاً أساء إلى حس الناس بمواطنتهم. وألقت بهم في فيافي الاقتصاد الهامشي لينصرف طاقمها إلى أكل أموالهم بينهم بالباطل. وجرى وصف دولة الإنقاذيين بالفساد. وهو تهوين كثير من إفراطها فيه حتى انقلب إلى شيء آخر. فالفساد يقع كجريمة في بلد ماله العام في حفظ ولاية الدولة وصونها. فيطاول القانون من خرق القانون واستولى على مال بالحرام. ولم تكن "الإنقاذ" دولة لها ولاية على المال العام. فمكّنت منه الحاكم وبطانته بالتجنيب والشركات الحكومية وسبل أخرى مما سنرى. وربما لم يصح عليها حتى وصفها بمصطلح حديث هو "الفساد المتوحش". فاستباحة المال العام على ذلك النحو شديد الإفراط جعل من الإنقاذ "دولة لصوص" kleptocracy في مصطلح علم السياسة الأفريقي. فهي ليست دولة فاسدة وكفى لأن الفساد فيها صار عاملاً من عوامل الإنتاج عن فكرة أذاعها الأكاديميان الواثق كمير وإبراهيم الكرسني في الثمانينيات سميا فيها الفساد في الدولة بـ"العامل الخامس للإنتاج" (الأرض والعمل ورأس المال وودبارة الاستثمار). وأرادا بذلك أن الفساد ليس مجرد اختلاس مال عام، بل عاملاً ينتج الثروة لطائفة من ولاة الأمر بقوة السلطة.
ونواصل

ibrahima@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع دولة الإنقاذ

إقرأ أيضاً:

الأمم المتحدة تحقق في مقتل 400 على يد قوات الدعم السريع بدارفور

لقي أكثر من 400 شخص مصرعهم في الهجمات التي نفذتها أخيرًا قوات الدعم السريع في إقليم دارفور غرب السودان، حسبما نقلت الأمم المتحدة عن مصادر موثوقة يوم الاثنين.

وكانت قوات الدعم التي تخوض حربًا ضد الجيش السوداني منذ أبريل 2023، كثفت هجماتها في الأسابيع الأخيرة على مخيمات للاجئين حول مدينة الفاشر، في محاولة للسيطرة على آخر عاصمة ولاية لا تخضع لسيطرتها في دارفور.

أخبار متعلقة بحثًا عن الأمان.. 13 مليون نازح سوداني خلال عامين من الحربأبو الغيط يشيد بتقدم الدول العربية في مسيرة التنمية المستدامة

ومنذ أواخر الأسبوع الماضي، شنت قوات الدعم السريع هجمات برية وجوية على مدينة الفاشر نفسها ومخيمي زمزم وأبو شوك القريبين للنازحين.

ارتفاع المخاطر على المدنيين

وقالت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان رافينا شامدساني لوكالة فرانس برس: "أكد فريقنا السوداني مقتل 148 شخصًا، لكن هذا العدد أقل بكثير من الواقع وعمليات التحقق التي نجريها لا تزال جارية".
وأشارت إلى أن "مصادر موثوقة أفادت بمقتل أكثر من 400 شخص".
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } 400 قتيل على يد قوات الدعم السريع في دارفور - الأناضول

وجاءت تصريحاتها بعد أن شجب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك في بيان "الهجمات واسعة النطاق التي أوضحت بشكل جلي كلفة وقوف المجتمع الدولي مكتوف اليدين، على الرغم من تحذيراتي المتكررة من ارتفاع المخاطر على المدنيين في المنطقة".

أضاف أن "المئات من المدنيين، بينهم 9 على الأقل من العاملين في المجال الإنساني، قُتلوا"، محذرًا من أن "الهجمات أدت إلى تفاقم أزمة الحماية والأزمة الإنسانية المروعة أصلًا في مدينة عانت حصارًا مدمرًا فرضته قوات الدعم السريع منذ مايو من العام الماضي".

ضمان حماية المدنيين

وأكد تورك أن "قوات الدعم السريع ملزمة بموجب القانون الإنساني الدولي بضمان حماية المدنيين، بما في ذلك من الهجمات ذات الدوافع العرقية، وتمكين المرور الآمن للمدنيين إلى خارج المدينة".

ومع دخول النزاع عامه الثالث، دعا تورك جميع الأطراف إلى "اتخاذ خطوات ذات معنى نحو حله".

مقالات مشابهة

  • ماذا يعني مقاضاة السودان لدولة الإمارات أمام محكمة العدل الدولية
  • الأمم المتحدة تحقق في مقتل 400 على يد قوات الدعم السريع بدارفور
  • الفاشر في مرمى نيران قوات الدعم السريع.. تفاصيل
  • الأمم المتحدة: 400 قتيل على يد قوات الدعم السريع في دارفور
  • مناوي يكشف عن اتفاق بتنسيق من دولة صديقة والدعم السريع لتنفيذ أمر مهم بعد كارثة معسكر زمزم ومقتل 450 شخصًا
  • السودان.. قوات الدعم السريع تتقدم في الفاشر "المأزومة"
  • قيادي إسلامي: الدعم السريع يخوض حربه بشعار “التاءات الثلاثة
  • نحو العام الثالث من الطور الثاني من معارضة الإنقاذ
  • السودان.. مقتل 100 شخص في هجمات للدعم السريع بدارفور
  • حسني بي: الإنقاذ الاقتصادي يبدأ بوقف التمويل النقدي واستبدال الدعم