سودانايل:
2025-03-25@11:28:15 GMT

الشفشفة: التفكيك العاقب لـدولة الإنقاذ (1-2)

تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT

عبد الله علي إبراهيم

ملخص
هذه الشفشفة ممارسة في هذه الحرب لم تستقل بتحرٍّ خاص فيها لمعرفة أوثق بنظام "الإنقاذ" الذي هو ليس أطول عهود الحكم في دولة 1956 إذا شئت فحسب، بل مكّن بنيات في الدولة والسياسة والثقافة ستبقى معنا لزمن طويل.

تكرر على فيديوهات مذاعة وقفة مجند في "الدعم السريع" أمام مشهد لجماعة من المدنيين ممن يسمونهم "المتفلتين" اعتقلها وفي حوزتها مسروقات من أسواق أو أحياء.

ومع أن أخذ حق الناس مما لم يسلم منه منسوبو "الدعم السريع" أنفسهم إلا أن عبارة المجندين الذين ظهروا على تلك الفيديوهات عن نذالة الحرامية ترن صادقة. وفي بعضها اشمئزاز يمثل الخلق الديني مما يرون يجري من نهب أمامهم وباسمهم بغض النظر عن توظيف مثل هذه الفيديوهات بواسطة قيادة "الدعم السريع" لتبرئة ساحتها مما تسميه "الظواهر السلبية" التي التبست بهم جراء خسائس هؤلاء المتفلتين وخفة يدهم. بل أنشأت هذه القيادة إدارة باسم "محاربة الظواهر السلبية" لتطهر اسمها من فسوق هؤلاء المتفلتين.

فيديوهات وظواهر
وقف في فيديو أخير مجند دعامي على مشهد في سوق مدينة ود مدني التي احتلتها "الدعم السريع" يقرع جمعاً من فقيرات النساء وأطفالهن وغيرهن على كسرهن لدكاكين السوق ونهبها. فقال، وهو يمر عليهن وعلى منهوبهن بعدسة موبايله، إن هؤلاء مواطنين استباحوا السوق وسيخرج من يقول إنه من عمل "الجاهزية"، وهو اسم آخر لـ"الدعم السريع".
جاء مجند "الدعم السريع" بعبارة من شأنها أن نطالع منها صورة للحرب غير تلك التي اقتصرت على انتهاكات "الدعم السريع". فقال المجند، وهو يطوف بجماعات المدنيين الناهبة، إن المواطنين هم أنفسهم "ظواهر سلبية" لا تتورع عن أخذ ما ليس حقها متى ما سنحت السانحة وأين.
جاء ذكر مثل هذه الظواهر السلبية في الأدب التاريخي الإسلامي. فعرفوا بـ"العياريين" ومفردها "عيار" وهو في اللغة الرجل كثير الحركة. وتمدح العرب به وتذم. فيقال رجل عيار في المعاصي كما يقال إنه عيار في طاعة الله. وجاء ذكرهم عند المقريزي ك"الزعار". كما يسمونهم "الرعاع والأوباش والطرارين". كما يسمونهم "الفتيان". فظهر العيارون في بغداد بعد فتنة الأمين والمأمون (809) في شبه تنظيم عسكري ليتحولوا إلى عصابات. وسموهم "الشطار" أيضاً. ولأخذهم أموال الناس قيل عن شطارتهم إنها "شطارة فسق". أما "الزعار" فظهروا بعد فتن أعقبت وفاة السلطان الظاهر برقوق (1399) في مصر ثار فيها أهل الريف تحت وطأة الضرائب وانتشرت عصابات النهب من "الزعار وقطاع الطرق".
والأقرب إلى ظاهرة "زعار" السودان وعيارييه في يومنا الحداثي هذا هو مفهوم "فائض البشر" عن أهل المدينة الذين هم عند الاقتصاديين الكلاسيكيين منتج، أو بثور، بداية النظام الرأسمالي في بلد ما مرزؤ بالفقر والعطالة. وهم من جاء مالتس (1766-1834) بنظريته عن سبل الطبيعة في التخلص منهم كفائض عن الحاجة. أما ماركس فكان سيئ الظن بهم فسماهم الـ"بروليتاريا الرثة" ليميزهم عن طليعته الـ"بروليتاريا"، أو القاع الطبقي في معنى الرعاع، وجعلهم من أدوات الرجعية. وأعاد كلايد دبليو بارو المفهوم إلى دائرة البحث بكتابه "الطبقة الخطرة: البروليتاريا الرثة" (2020).
وهكذا فنحن حين نتكلم عن "المواطنين الظاهرة السلبية"، فإنما نتطرق إلى فئة اجتماعية حضرية ادخرت تظلمات من دولة استدبرتها لتنتهز سانحة سقوطها كما حدث لحكومة السودان على يد "الدعم السريع"، لتفرغ غبنها بيدها.
من أين جاء هؤلاء المواطنون ذوو السمعة السيئة؟
جاؤوا جسداً كنازحين من حروب السودان الأهلية في جنوب السودان وجبال النوبة ودارفور التي تفاقمت خلال فترة دولة الإنقاذ بمعدلات هندسية. وسكنوا عشوائياً حول المدن في الشمال بما عرف بـ"الحزام الأسود" الذي لم تتورع بعض الدوائر عن إرعاب الناس منه بما قد يتولد من عنف عنه. وكان ذلك دافع الحركة الإسلامية للتعاقد مع الأكاديمي عالم الاجتماع المسلم عبده ملقم سيمون لينصحها حتى في الثمانينيات حول تصميم استراتيجيتها للتعامل مع هذا الحزام. وقال سيمون إنهم لم يحسنوا الإصغاء إليه وأهملوه ثم تركوه. وكتب عن تجربته مع ذلك "الحزام الأسود" في كتاب مميزبعنوان "في أي صورة؟ الإسلام السياسي والأنشطة الحضرية" (1994).

"باسم توبة الدولة إلى الدين"
وجاؤوا في رزقهم المقتر من دولة الإنقاذ التي أسقطت عنها كل تكليف من تكاليف الولاية على الناس. فحكمت باسم توبة الدولة إلى الدين، حكماً مطلقاً أساء إلى حس الناس بمواطنتهم. وألقت بهم في فيافي الاقتصاد الهامشي لينصرف طاقمها إلى أكل أموالهم بينهم بالباطل. وجرى وصف دولة الإنقاذيين بالفساد. وهو تهوين كثير من إفراطها فيه حتى انقلب إلى شيء آخر. فالفساد يقع كجريمة في بلد ماله العام في حفظ ولاية الدولة وصونها. فيطاول القانون من خرق القانون واستولى على مال بالحرام. ولم تكن "الإنقاذ" دولة لها ولاية على المال العام. فمكّنت منه الحاكم وبطانته بالتجنيب والشركات الحكومية وسبل أخرى مما سنرى. وربما لم يصح عليها حتى وصفها بمصطلح حديث هو "الفساد المتوحش". فاستباحة المال العام على ذلك النحو شديد الإفراط جعل من الإنقاذ "دولة لصوص" kleptocracy في مصطلح علم السياسة الأفريقي. فهي ليست دولة فاسدة وكفى لأن الفساد فيها صار عاملاً من عوامل الإنتاج عن فكرة أذاعها الأكاديميان الواثق كمير وإبراهيم الكرسني في الثمانينيات سميا فيها الفساد في الدولة بـ"العامل الخامس للإنتاج" (الأرض والعمل ورأس المال وودبارة الاستثمار). وأرادا بذلك أن الفساد ليس مجرد اختلاس مال عام، بل عاملاً ينتج الثروة لطائفة من ولاة الأمر بقوة السلطة.
ونواصل

ibrahima@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع دولة الإنقاذ

إقرأ أيضاً:

ما خيارات قوات الدعم السريع بعد خسارتها وسط السودان؟

الخرطوم- منذ تحوله من الدفاع إلى الهجوم قبل 6 أشهر، استمر الجيش السوداني في تقدم ميداني على حساب قوات الدعم السريع واستعاد السيطرة على وسط البلاد وجنوبها الشرقي واقترب من تحرير الخرطوم.

ويتوقع مراقبون تركيز قيادة الدعم السريع على إقليمي دارفور وكردفان لضمان وجودها العسكري والسياسي في أي تسوية محتملة، واستمرار الدعم من قوى إقليمية وتجنب الانهيار.

ومنذ الأيام الأولى لاندلاع الحرب، في منتصف أبريل/نيسان 2023، ظلت قوات الدعم السريع تسيطر على غالب ولاية الخرطوم، قبل أن تتمدد في 4 من ولايات دارفور الخمس، وولايتي الجزيرة وسنار ومواقع في ولاية النيل الأزرق وشمال ولاية النيل الأبيض.

هجوم شامل

وظل الجيش، نحو 17 شهرا، في حالة دفاع عن مواقعه العسكرية الرئيسية، وتدريب قوات جديدة واستنفار المتطوعين والحصول على أسلحة نوعية بعد تعزير علاقاته مع قوى إقليمية ودولية، مما مكنه من إعادة بناء قدراته العسكرية.

ومند 26 سبتمبر/أيلول الماضي، تحول الجيش من الدفاع إلى الهجوم الشامل، وأطلق عملية الجسور بعبوره جسور النيل الأبيض والفتيحاب والحلفاية التي تربط أم درمان مع الخرطوم والخرطوم بحري، واستعاد السيطرة على مواقع إستراتيجية في العاصمة.

إعلان

وكانت معركة جبل موية في ولاية سنار، التي حولته قوات الدعم السريع إلى قاعدة لوجيستية، نقطة تحول للجيش وفتحت الباب أمام إعادة السيطرة على ولايتي الجزيرة وسنار، وأطراف ولاية النيل الأزرق، ثم شمال النيل الأبيض.

وفي ولاية الخرطوم خسرت الدعم السريع مصفاة الجيلي لتكرير النفط التي تحيط بها مقار عسكرية مهمة، وتبع ذلك تقهقرها من محليتي الخرطوم بحري وشرق النيل وغالب جسور العاصمة العشرة، وقبلها محلية أم درمان ومعظم محلية أم بدة.

ونقل الجيش عملياته مؤخرا من الشرق إلى غرب النيل ونزع قوات الدعم السريع من القصر الجمهوري ومجمع الوزارات والمؤسسات والمصارف، والسوق العربي أكبر أسواق العاصمة وأعرقها، ومنطقة الخرطوم المركزية بوسط العاصمة ومنطقة مقرن النيلين وجزيرة توتي.

وفي غرب وسط البلاد، استعاد الجيش السيطرة على مدينتي أم روابة والرهد بولاية شمال كردفان، وفك الحصار عن الأبيض حاضرة الولاية، ويزحف لتحرير شمالها الذي لا تزال تنتشر فيه قوات الدعم السريع.

خسائر فادحة

وبإقليم دارفور صمد الجيش، والقوات المشتركة للحركات المسلحة التي تقاتل إلى جانبه، أمام أكثر من 180 هجوما لقوات الدعم السريع على الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وكبدها خسائر فادحة في محور الصحراء ودمر قاعدة الزرق الإستراتيجية، وضيق الخناق على الإمداد العسكري الذي يعبر عبر الأراضي الليبية.

وكشفت مصادر عسكرية للجزيرة نت أن هذه القوات باتت على قناعة بأنها فقدت ولاية الخرطوم ولم يعد لديها ما تدافع عنه، لكنها تحاول تأخير سيطرة الجيش على ما تبقى من العاصمة لتقديرها أن القوات الكبيرة في وسط البلاد والخرطوم ستتفرغ للزحف غربا نحو إقليمي كردفان ودارفور لطردها من المواقع التي تنتشر فيها.

وقالت المصادر، التي طلبت عدم الإفصاح عن هويتها، إن قوات الدعم السريع كانت تخطط لإعلان الحكومة الموازية من داخل القصر الجمهوري، وبعث قائدها محمد حمدان دقلو "حميدتي" أحد مستشاريه مع مجموعة أخرى لهذا الغرض وظل يحرض قواته على القتال عن القصر ومنطقة المقرن بغرب الخرطوم في خطابه الأخير قبل 5 أيام من خسارته القصر.

إعلان

وحسب المصادر ذاتها، فإن قيادة الدعم السريع تسعى إلى الدفاع عن مناطق سيطرتها في ولايات دارفور من خارج الإقليم عبر تعزيز وجودها العسكري في ولايتي غرب كردفان وشمالها، وتفعيل تحالفها مع قائد الحركة الشعبية -شمال عبد العزيز الحلو في جنوب كردفان، والسعي لإحداث فرقعة إعلامية عبر هجمات انتحارية في شمال البلاد انطلاقا من شمال دارفور.

من جانبه، قال فولكر بيرتس، المبعوث الأممي السابق إلى السودان، إن النجاحات العسكرية الأخيرة التي حققها الجيش السوداني سوف "ترغم قوات الدعم السريع على الانسحاب إلى معقلها في إقليم دارفور غرب البلاد". وأوضح في تصريح لوكالة أسوشيتد برس "لقد حقق الجيش نصرا مهما وكبيرا في الخرطوم، عسكريا وسياسيا، وسيقوم قريبا بتطهير العاصمة والمناطق المحيطة بها من الدعم السريع".

ولكن التقدم لا يعني نهاية الحرب حيث تسيطر هذه القوات على أراض في منطقة دارفور الغربية وأماكن أخرى.

وأضاف بيرتس "ستقتصر قوات الدعم السريع إلى حد كبير على دارفور. سنعود إلى أوائل العقد الأول من القرن الـ21″، في إشارة إلى الصراع بين الجماعات المتمردة وحكومة الخرطوم، في عهد الرئيس السابق عمر البشير.

كرّ وفرّ

بدوره، يرجح الباحث والخبير العسكري سالم عبد الله أن فقدان قوات الدعم السريع وسط السودان، سيدفعها إلى الاستماتة في الدفاع عن مواقعها في ولايات كردفان ودارفور لضمان بقائها في المشهد السياسي والعسكري، وخلق استقرار في مناطق سيطرتها لتشكيل حكومة موازية مع حلفائها الجدد يتيح لها تقديم نفسها في صورة جديدة بعد ما ارتكبته من انتهاكات في ولايات وسط البلاد.

ووفقا لحديث الخبير للجزيرة نت، فإن معلومات تفيد بأن هذه القوات "استقدمت خلال الأسابيع الماضية مقاتلين تابعين لها كانوا في اليمن وليبيا ومرتزقة جددا للزج بهم في الحرب للسيطرة على الفاشر".

إعلان

وبرأيه، فإن الدعم السريع تسعى بهذه الخطوة إلى ضخ روح جديدة بعد تدمير قوتها الصلبة خلال معارك ولاية الخرطوم، وضمان استمرار الدعم العسكري الخارجي، وتجنيب قيادتها تحميلها مسؤولية أخطاء الفترة السابقة، و"دائما يدفع القادة ثمنا غاليا وربما يفقدون حياتهم في حال خسروا الحروب".

من جهته، يقول مسؤول في المكتب الإعلامي لقوات الدعم السريع للجزيرة نت إن "الحرب كر وفر، وإنهم خسروا معارك ولم يخسروا الحرب".

ويوضح المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أنهم لا يزالون يحتفظون بمكاسب عسكرية في وسط السودان وغربه وستكون هناك مفاجآت خلال الفترة المقبلة.

مقالات مشابهة

  • اشتداد حدة المعارك في العاصمة الخرطوم بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع
  • لماذا يسمح الجيش بهروب مليشيات الدعم السريع من الخرطوم عبر جسر جبل اولياء
  • الخرطوم تستيقظ على انسحاب جماعي لإرتكازات الدعم السريع
  • الخرطوم تكشف عن هروب جماعي لقوات الدعم السريع
  • ما خيارات قوات الدعم السريع بعد خسارتها وسط السودان؟
  • قتلى وجرحى في استهداف الدعم السريع لمسجد في شرق النيل بمسيرة أثناء صلاة التراويح
  • مصر تدعم وحدة الدولة السودانية ومؤسساتها .. «الدعم السريع» يستولي على قاعدة «جبل عيسى» قرب الحدود الليبية
  • عقوبة رادعة فى مواجهة متعاون مع الدعم السريع
  • مجزرة مروعة في المالحة بعد سيطرة الدعم السريع على المدينة
  • عاجل | وكالة الصحافة الفرنسية: 45 قتيلا في هجوم لقوات الدعم السريع في دارفور