سودانايل:
2025-01-15@13:39:06 GMT

الشفشفة: التفكيك العاقب لـدولة الإنقاذ (1-2)

تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT

عبد الله علي إبراهيم

ملخص
هذه الشفشفة ممارسة في هذه الحرب لم تستقل بتحرٍّ خاص فيها لمعرفة أوثق بنظام "الإنقاذ" الذي هو ليس أطول عهود الحكم في دولة 1956 إذا شئت فحسب، بل مكّن بنيات في الدولة والسياسة والثقافة ستبقى معنا لزمن طويل.

تكرر على فيديوهات مذاعة وقفة مجند في "الدعم السريع" أمام مشهد لجماعة من المدنيين ممن يسمونهم "المتفلتين" اعتقلها وفي حوزتها مسروقات من أسواق أو أحياء.

ومع أن أخذ حق الناس مما لم يسلم منه منسوبو "الدعم السريع" أنفسهم إلا أن عبارة المجندين الذين ظهروا على تلك الفيديوهات عن نذالة الحرامية ترن صادقة. وفي بعضها اشمئزاز يمثل الخلق الديني مما يرون يجري من نهب أمامهم وباسمهم بغض النظر عن توظيف مثل هذه الفيديوهات بواسطة قيادة "الدعم السريع" لتبرئة ساحتها مما تسميه "الظواهر السلبية" التي التبست بهم جراء خسائس هؤلاء المتفلتين وخفة يدهم. بل أنشأت هذه القيادة إدارة باسم "محاربة الظواهر السلبية" لتطهر اسمها من فسوق هؤلاء المتفلتين.

فيديوهات وظواهر
وقف في فيديو أخير مجند دعامي على مشهد في سوق مدينة ود مدني التي احتلتها "الدعم السريع" يقرع جمعاً من فقيرات النساء وأطفالهن وغيرهن على كسرهن لدكاكين السوق ونهبها. فقال، وهو يمر عليهن وعلى منهوبهن بعدسة موبايله، إن هؤلاء مواطنين استباحوا السوق وسيخرج من يقول إنه من عمل "الجاهزية"، وهو اسم آخر لـ"الدعم السريع".
جاء مجند "الدعم السريع" بعبارة من شأنها أن نطالع منها صورة للحرب غير تلك التي اقتصرت على انتهاكات "الدعم السريع". فقال المجند، وهو يطوف بجماعات المدنيين الناهبة، إن المواطنين هم أنفسهم "ظواهر سلبية" لا تتورع عن أخذ ما ليس حقها متى ما سنحت السانحة وأين.
جاء ذكر مثل هذه الظواهر السلبية في الأدب التاريخي الإسلامي. فعرفوا بـ"العياريين" ومفردها "عيار" وهو في اللغة الرجل كثير الحركة. وتمدح العرب به وتذم. فيقال رجل عيار في المعاصي كما يقال إنه عيار في طاعة الله. وجاء ذكرهم عند المقريزي ك"الزعار". كما يسمونهم "الرعاع والأوباش والطرارين". كما يسمونهم "الفتيان". فظهر العيارون في بغداد بعد فتنة الأمين والمأمون (809) في شبه تنظيم عسكري ليتحولوا إلى عصابات. وسموهم "الشطار" أيضاً. ولأخذهم أموال الناس قيل عن شطارتهم إنها "شطارة فسق". أما "الزعار" فظهروا بعد فتن أعقبت وفاة السلطان الظاهر برقوق (1399) في مصر ثار فيها أهل الريف تحت وطأة الضرائب وانتشرت عصابات النهب من "الزعار وقطاع الطرق".
والأقرب إلى ظاهرة "زعار" السودان وعيارييه في يومنا الحداثي هذا هو مفهوم "فائض البشر" عن أهل المدينة الذين هم عند الاقتصاديين الكلاسيكيين منتج، أو بثور، بداية النظام الرأسمالي في بلد ما مرزؤ بالفقر والعطالة. وهم من جاء مالتس (1766-1834) بنظريته عن سبل الطبيعة في التخلص منهم كفائض عن الحاجة. أما ماركس فكان سيئ الظن بهم فسماهم الـ"بروليتاريا الرثة" ليميزهم عن طليعته الـ"بروليتاريا"، أو القاع الطبقي في معنى الرعاع، وجعلهم من أدوات الرجعية. وأعاد كلايد دبليو بارو المفهوم إلى دائرة البحث بكتابه "الطبقة الخطرة: البروليتاريا الرثة" (2020).
وهكذا فنحن حين نتكلم عن "المواطنين الظاهرة السلبية"، فإنما نتطرق إلى فئة اجتماعية حضرية ادخرت تظلمات من دولة استدبرتها لتنتهز سانحة سقوطها كما حدث لحكومة السودان على يد "الدعم السريع"، لتفرغ غبنها بيدها.
من أين جاء هؤلاء المواطنون ذوو السمعة السيئة؟
جاؤوا جسداً كنازحين من حروب السودان الأهلية في جنوب السودان وجبال النوبة ودارفور التي تفاقمت خلال فترة دولة الإنقاذ بمعدلات هندسية. وسكنوا عشوائياً حول المدن في الشمال بما عرف بـ"الحزام الأسود" الذي لم تتورع بعض الدوائر عن إرعاب الناس منه بما قد يتولد من عنف عنه. وكان ذلك دافع الحركة الإسلامية للتعاقد مع الأكاديمي عالم الاجتماع المسلم عبده ملقم سيمون لينصحها حتى في الثمانينيات حول تصميم استراتيجيتها للتعامل مع هذا الحزام. وقال سيمون إنهم لم يحسنوا الإصغاء إليه وأهملوه ثم تركوه. وكتب عن تجربته مع ذلك "الحزام الأسود" في كتاب مميزبعنوان "في أي صورة؟ الإسلام السياسي والأنشطة الحضرية" (1994).

"باسم توبة الدولة إلى الدين"
وجاؤوا في رزقهم المقتر من دولة الإنقاذ التي أسقطت عنها كل تكليف من تكاليف الولاية على الناس. فحكمت باسم توبة الدولة إلى الدين، حكماً مطلقاً أساء إلى حس الناس بمواطنتهم. وألقت بهم في فيافي الاقتصاد الهامشي لينصرف طاقمها إلى أكل أموالهم بينهم بالباطل. وجرى وصف دولة الإنقاذيين بالفساد. وهو تهوين كثير من إفراطها فيه حتى انقلب إلى شيء آخر. فالفساد يقع كجريمة في بلد ماله العام في حفظ ولاية الدولة وصونها. فيطاول القانون من خرق القانون واستولى على مال بالحرام. ولم تكن "الإنقاذ" دولة لها ولاية على المال العام. فمكّنت منه الحاكم وبطانته بالتجنيب والشركات الحكومية وسبل أخرى مما سنرى. وربما لم يصح عليها حتى وصفها بمصطلح حديث هو "الفساد المتوحش". فاستباحة المال العام على ذلك النحو شديد الإفراط جعل من الإنقاذ "دولة لصوص" kleptocracy في مصطلح علم السياسة الأفريقي. فهي ليست دولة فاسدة وكفى لأن الفساد فيها صار عاملاً من عوامل الإنتاج عن فكرة أذاعها الأكاديميان الواثق كمير وإبراهيم الكرسني في الثمانينيات سميا فيها الفساد في الدولة بـ"العامل الخامس للإنتاج" (الأرض والعمل ورأس المال وودبارة الاستثمار). وأرادا بذلك أن الفساد ليس مجرد اختلاس مال عام، بل عاملاً ينتج الثروة لطائفة من ولاة الأمر بقوة السلطة.
ونواصل

ibrahima@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع دولة الإنقاذ

إقرأ أيضاً:

بالفيديو .. الشرع: عقل الثورة لا يبني دولة وسيكون لجواز السفر السوري وزنه في العالم

سرايا - أعلن قائد الإدارة السورية المؤقتة أحمد الشرع أنه سيكون لجواز السفر السوري وزنه في العالم خلال السنوات القادمة. مؤكدا ضرورة العمل بعقلية الدولة وبناء مؤسسات تحقق العدالة بين الناس.

وقال الشرع خلال حديثه مع مجموعة من الناشطين والحقوقين: "الأولوية لبناء مؤسسات تحقق مستوى جيدا من العدالة بين الناس وتمنع تكرار ما حدث في المستقبل".

وأضاف: "كل حقوق الناس في عنقي وعلى رأسي من فوق، وحاشا لله أن أتهرب من حق أحد حتى لو على نفسي، لكن يجب علينا أن نعمل بعقلية الدولة".

وشدد على أن "عقل الثائر لا يبني دولة وعقل الثورة لا يبني دولة".

وتابع: "الثورة صفتها الهيجان والثوران وردود الأفعال، تصلح في إزالة حكم لكنها لا تصلح في بناء دولة".

بالفيديو.. الشرع: عقل الثورة لا يبني دولة وسيكون لجواز السفر السوري وزنه في العالم #سرايا #سوريا #عاجل https://t.co/WUZqu72Jlb pic.twitter.com/Fn2qDLaYty

— وكالة أنباء سرايا الإخبارية (@sarayanews) January 12, 2025





تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا


طباعة المشاهدات: 2870  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 12-01-2025 08:43 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
فيروس تنفسي انتشر وأثار الهلع .. الصين: يتراجع وليس بجديد "تزوج عليها" .. سيدة تقتل زوجها في ليبيا باستخدام كلاشنكوف استلفته من جارتها مطعم يقلي البرجر بنفس الزيت منذ أكثر من 100 عام .. ما القصة؟ حرائق كاليفورنيا تهدد منزل كامالا هاريس والمشاهير تعيين مدير عام جديد للجمارك .. و إحالات على... المنسف الأردني يخسر بسباق أفضل 100 طبق في العالم الحكومة تبدأ برفع تعرفتي المياه والصرف الصحي ..... تحذير عاجل لسكان لوس أنجلوس .. "لا تخرجوا من... كواليس الانتخابات تُكشف عبر "سرايا" ..... مقتل 7 أشخاص وإصابة 65 بانفجار محطة غاز في اليمنمع اقتراب تنصيب ترامب .. تحذير إيراني...تحذير عاجل لسكان لوس أنجلوس .. "لا تخرجوا من...جو وجيل بايدن «خارج البيت الأبيض» .. هذا ما سيفعلانهأطفال سوريا المفقودين .. العثور على ملفات...رئيس كوريا الجنوبية لن يحضر الجلسة الأولى من محاكمتهأبرز ردود الفعل على مقتل 4 جنود إسرائيليين شمال غزةالعدوان على غزة يدخل يومه 464 والاحتلال يتكبد الخسائرردة فعل طريفة لأردوغان بعدما قبلت نائبة تركية يده -...تسجيل 14700 حالة إصابة مؤكدة بجدري القردة في إفريقيا ضرب حتى الإغماء .. القصة الكاملة للتعدي على الفنان... يارا صبري تعلق على حادثة عبد المنعم عمايري أنجلينا جولي تفتح منزلها لأصدقائها المتأثرين بحرائق... صور مخيفة .. بيلا حديد تبكي منزلها المحترق في لوس... نجل شقيقة عادل إمام "متورط" بإهانة فنان... لاعب يصلح عطلا كهربائيا وينقذ مباراة من الإلغاء ! كايل ووكر يطلب مغادرة مانشستر سيتي منهم الأردني راشد صويصات .. ملاكمون فقدوا حياتهم بسبب نزالات قاتلة كواليس الانتخابات تُكشف عبر "سرايا" .. زياد شلباية: "أنا سر نجاح أي رئيس ونصف الانجازات حُققت في عهد خوري" هل يرحل كايل ووكر عن مانشستر سيتي؟ .. غوارديولا يجيب "الطب الشرعي" في لوس أنجلوس يكشف أماكن العثور على قتلى الحرائق عائلة جزائرية تختفي في عرض البحر إسبانيا .. نادلة تسمم الزبائن انتقاماً من قرار الإدارة إعلامي مصري يحذر من توظيف الذكاء الاصطناعي لمخطط فوضى في 25 يناير مركز المناخ: اضطراب جوي في الشرق الاوسط قريبا "لا تمرضوا" .. بلدة إيطالية تواجه أزمة صحية بقرار غريب وفاة مؤثرة مغربية ورضيعها في يوم واحد هزات أرضية متتالية تضرب مدينة سوتشي الروسية تنمروا عليها .. طالبة كورية تنقض على زملائها اليابانيين بمطرقة باغته بعد الامتحانات .. طالب يقتل زميله داخل معهد تعليمي بمصر

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • مجلس القيادة.. اقرار خطة الإنقاذ الإقتصادي وخطة إعلامية وتوجيهات أخرى تخص حضرموت
  • مساعد لبوتين: أوكرانيا ستزول هذا العام ومولدوفا ستصبح تابعة لدولة أخرى
  • مدني عباس: تجربة الدعم السريع مع ولاية الجزيرة كانت تجربة مريرة
  • عواطف: إسم جديد لدولة عربية
  • هل من مشروع سياسي للدعم السريع؟
  • هزائم متتالية لمليشيات الدعم السريع
  • متاوى يرد على قائد الدعم السريع
  • بالفيديو .. الشرع: عقل الثورة لا يبني دولة وسيكون لجواز السفر السوري وزنه في العالم
  • الشرع: عقل الثورة لا يبني دولة وسيكون لجواز السفر السوري وزنه في العالم
  • المحكمة تحدد مصير متعاون مع الدعم السريع