الاستراتيجيات الدولية تجاه الصراعات في إفريقيا, السودان نموذجا
تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT
زهير عثمان
إفريقيا، القارة التي تكتنز موارد طبيعية هائلة، تُعَدّ ساحة للتنافس بين القوى الكبرى، خاصة في ظل الصراعات الداخلية التي تُعيد تشكيل الخارطة السياسية والجيوسياسية لدولها. الصراع السوداني الأخير يبرز كحالة دراسية نموذجية لتفكيك استراتيجيات الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، روسيا، والصين تجاه القارة، ومدى تأثير تلك السياسات على مستقبل الاستقرار.
الاستراتيجيات الغربية: الحشد للتدخل الدولي
الولايات المتحدة , تركز واشنطن على منع توسع النفوذ الروسي والصيني في إفريقيا، خاصة في الدول ذات المواقع الاستراتيجية مثل السودان. سياسة الولايات المتحدة تعتمد على دعم الانتقال الديمقراطي عبر العقوبات الاقتصادية على القوى العسكرية، مثل قوات الدعم السريع (RSF) والجيش السوداني، وتعزيز المساعدات الإنسانية. تهدف هذه السياسات إلى تقويض قدرة الفاعلين غير الديمقراطيين على السيطرة وإجبارهم على الانخراط في عملية سياسية شاملة. مع ذلك، تُظهر الولايات المتحدة تحفظًا تجاه التدخل العسكري المباشر، حيث تعطي الأولوية للضغوط الدبلوماسية والشراكات الإقليمية.
الاتحاد الأوروبي يتبنى الاتحاد الأوروبي استراتيجية متعددة الأبعاد تشمل تقديم الدعم الإنساني، تمويل عمليات حفظ السلام الإفريقية، ومحاربة الهجرة غير النظامية. السودان، الذي يشكل نقطة عبور رئيسية للهجرة إلى أوروبا، يكتسب أهمية خاصة في سياسات الاتحاد الأوروبي. ورغم التزامه بالسلام، يظل الاتحاد محدود التأثير بسبب التباينات بين أعضائه حيال كيفية التعامل مع الفاعلين العسكريين مثل قوات الدعم السريع.
الاستراتيجيات الروسية والصينية: المصالح الاقتصادية والجيوسياسية
روسيا وتعتمد روسيا على بناء شراكات مع القوى العسكرية المحلية لتحقيق أهدافها الجيوسياسية، مثل الوصول إلى البحر الأحمر. تسعى موسكو إلى إنشاء قاعدة بحرية في بورتسودان، التي ستشكل أول قاعدة عسكرية لها في إفريقيا. إلى جانب ذلك، تركز على استغلال الموارد الطبيعية مثل الذهب عبر علاقات وثيقة مع قوات الدعم السريع. هذه الاستراتيجية تعزز من قدرة روسيا على مواجهة العقوبات الغربية عبر تأمين مصادر بديلة للدخل.
الصين تري الصين علىها حماية استثماراتها الاقتصادية، خاصة في قطاعي النفط والبنية التحتية. السودان يُعد جزءًا مهمًا من مبادرة الحزام والطريق، وتسعى بكين إلى ضمان استقرار الأوضاع للحفاظ على تدفق التجارة والمشاريع التنموية. رغم عدم التدخل المباشر في الصراعات، تدعم الصين سياسات عدم التدخل وتُعارض العقوبات الدولية التي قد تؤثر على مصالحها الاقتصادية.
إفريقيا بين الصراع والحياد الإيجابي
في ظل التنافس بين القوى الكبرى، تقف إفريقيا أمام خيارات صعبة. الحكومات الإفريقية غالبًا ما تُوازن بين المصالح المتضاربة للقوى الكبرى لتأمين دعم سياسي واقتصادي. إلا أن هذه الاستراتيجيات تُعرض القارة لخطر التحول إلى مسرح للصراعات الدولية بالوكالة.
تقرير مجموعة الأزمات الدولية عن السودان
وفقًا لتقرير حديث صادر عن مجموعة الأزمات الدولية، فإن الصراع في السودان يعكس تعقيدات متعددة تشمل النزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وانعكاساته على الأمن الإقليمي. التقرير يشير إلى أن غياب تسوية سياسية شاملة يزيد من احتمال تصاعد العنف وانتقاله إلى دول الجوار. يدعو التقرير إلى ضرورة تدخل دولي فاعل لدعم مفاوضات السلام وضمان وصول المساعدات الإنسانية.
المستقبل: التدخل أم الحياد؟
التدخل الدولي أتوقع أن يزداد الحشد للتدخل في إفريقيا مع استمرار الصراعات وزيادة تأثيرها على الأمن الإقليمي والعالمي. التدخل قد يأخذ أشكالاً متنوعة، مثل إرسال قوات حفظ السلام أو فرض مناطق حظر جوي لحماية المدنيين.
الحياد الإيجابي يبقي تسأؤل هل يمكن لإفريقيا أن تتبنى سياسات حياد إيجابي تعتمد على تعزيز المؤسسات الإقليمية مثل الاتحاد الإفريقي لتسوية النزاعات داخليًا ومنع التدخلات الخارجية.
الصراع في السودان يعكس تعقيدات الاستراتيجيات الدولية تجاه إفريقيا، حيث تتشابك المصالح الاقتصادية والجيوسياسية مع تحديات إنسانية وأمنية. مستقبل القارة يعتمد إلى حد كبير على قدرتها على تعزيز التعاون الإقليمي واتخاذ مواقف مستقلة تجاه القوى الكبرى
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع الاتحاد الأوروبی الولایات المتحدة فی إفریقیا خاصة فی
إقرأ أيضاً:
جرائم دارفور: محاكمة قائد ميليشيا الجنجويد علي كوشيب أمام الجنائية الدولية تدخل مرحلتها النهائية
دخلت محاكمة قائد ميليشيا الجنجويد علي كوشيب شوطها الأخير في المحكمة الجنائية الدولية، حيث يواجه اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، تشمل الاغتصاب والقتل والتعذيب. ومع تصاعد النزاع في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، تمثل هذه المحاكمة خطوة حاسمة نحو تحقيق العدالة وإصدار مذكرات توقيف جديدة لتعزيز الاستقرار والمحاسبة في البلاد.
إعداد: فرانس24
وجه مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية، الأربعاء، اتهامات لقائد سابق في ميليشيا سودانية بارتكاب جرائم حرب بشكل طوعي وعن دراسة، بما في ذلك الاغتصاب والقتل والتعذيب.
وبدأت محاكمة علي محمد علي عبد الرحمن، المعروف باسم الحركي علي كوشيب، شوطها الأخير باتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور بغرب السودان، خلال النزاع المسلح الذي اندلع قبل حوالي عشرين عاما.
وفي لاهاي، ستستمع المحكمة الجنائية الدولية إلى المرافعات الختامية على مدار ثلاثة أيام، حيث يواجه كوشيب اتهامات بارتكاب فظائع خلال النزاع في دارفور.
ويشتبه في مسؤوليته عن هجمات على قرى في منطقة وادي صالح بوسط دارفور في آب/أغسطس 2003، متهما بارتكاب 31 جريمة تشمل القتل والاغتصاب والتعذيب والنهب وسوء المعاملة. وأكد المتهم براءته من جميع التهم الموجهة إليه.
وقال المدعي كريم خان أمام القضاة، إن "المتهم كان قائدا بارزا في ميليشيا الجنجويد، وكان متورطا بنشاط في ارتكاب الجرائم بوعي وحماس". وأضاف خان: "الحقيقة القاسية هي أن الضحايا كانوا مدنيين وليسوا متمردين، تعرضوا لأبشع أنواع الانتهاكات".
واندلع الصراع في دارفور عندما حمل أعضاء من الأقليات الإثنية السلاح ضد النظام في الخرطوم، وردت الحكومة بإنشاء ميليشيات معظم أفرادها من البدو العرب، عرفت بالجنجويد.
وأسفر النزاع عن مقتل نحو 300 ألف شخص وتهجير حوالي 2.5 مليون، بحسب الأمم المتحدة.
وأكد خان أن شهود العيان خلال المحاكمة قدموا شهادات مروعة عن الفظائع، موضحا أن الميليشيات استهدفت المدنيين، وارتكبت أعمال اغتصاب جماعي وحرق ونهب للقرى. شهدت المحاكمة روايات عن استخدام العنف الجنسي كسياسة متعمدة، حيث تم اغتصاب الأطفال أمام أسرهم.
منذ أكثر من عشر سنوات، طالبت المحكمة الجنائية الدولية بتسليم عمر البشير، الرئيس السوداني المخلوع، بتهمة ارتكاب إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية في دارفور. لجأ علي كوشيب إلى جمهورية أفريقيا الوسطى في فبراير 2020، وسلم نفسه بعد أربعة أشهر، لتبدأ محاكمته.
ويشهد السودان منذ نيسان/أبريل 2023 حربا بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع التابعة لنائبه السابق محمد حمدان دقلو. وأسفر النزاع عن آلاف القتلى وأكثر من 11 مليون نازح، وفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد.
ومؤخرا، أسفرت ضربة جوية للجيش السوداني على سوق في شمال دارفور عن مقتل أكثر من 100 شخص وإصابة المئات، وفقا لمجموعة "محامو الطوارئ". نفت السلطات العسكرية هذه الاتهامات ووصفتها بالأكاذيب.
في العام الماضي، فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا جديدا بشأن جرائم الحرب في دارفور. وأعرب خان عن أمله في إصدار مذكرات توقيف جديدة متعلقة بالوضع الحالي في السودان، مشددا على أن هذه المحاكمة تمثل خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة.
فرانس24/ أ ف ب