سودانايل:
2025-03-26@11:05:05 GMT

قراءة تحليلية لكتاب “الحرب” للكاتب بوب وودورد

تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT

بقلم: إبراهيم برسي - 10 ديسمبر 2024

الكتاب “الحرب” للكاتب الصحفي بوب وودورد يُعتبر شهادة بالغة الأهمية حول فترة عصيبة في السياسة الأميركية، حيث يغوص في التوترات السياسية (political tensions)، الاجتماعية، والأحداث العسكرية التي رسمت معالم العصر الحديث، خاصة في ما يتعلق بصعود الشخصيات المثيرة للجدل مثل دونالد ترامب.


الكتاب ليس فقط انعكاسًا للواقع السياسي المعاصر، ولكنه أيضًا عمل ينتمي إلى السرد الاستقصائي (investigative journalism)، مما يمنحه مزيجًا نادرًا من التحليل الصحفي والتأمل الفكري.

يبدأ الكتاب بتحليل شخصية ترامب كرجل أعمال محتال وطموح، نمت شخصيته على مزيجٍ من النرجسية والدقة الاستراتيجية. وصف وودورد (Woodward) لترامب بأنه شخصية “مصممة للتلاعب بالآخرين بدقة ولمسة من القسوة” يفتح النقاش أمام قراءة فلسفية أعمق. فالكاتب، وإن بدا محايدًا في عرضه، يعكس ظاهرة يمكن ربطها بمفهوم “الإرادة إلى القوة” عند نيتشه، حيث يتجسد ترامب كفرد يسعى للسيطرة على محيطه، سواء في السياسة أو الأعمال، اعتمادًا على إحساسه الداخلي بالعظمة والتفرد.

لكن هذه العظمة ليست سوى واجهة تخفي خواءً داخليًا، يظهر في لحظات المواجهة، مثلما كشف وودورد في تعامله مع الهزيمة السياسية.
في أحد الفصول، يروي الكاتب كيف قاوم ترامب قبول نتائج انتخابات 2020، معتبرًا إياها “مزورة” (fraudulent)، وهو موقف يعكس عدم قدرته على تقبل الفشل كواقع، مما يُذكر بفلسفة هيغل حول صراع السيد والعبد، حيث يرفض السيد، هنا ترامب، مواجهة لحظة الانكسار.

وودورد أيضًا يُدخل القارئ في خفايا القرارات العسكرية والدبلوماسية التي اتخذتها الإدارة الأميركية، خاصة في علاقتها مع القوى الكبرى مثل روسيا والصين. هنا، يظهر التركيز على نزعة الهيمنة، ليس فقط عند ترامب، ولكن أيضًا في بنية النظام الأميركي نفسه. التوتر بين القيم الديمقراطية المعلنة والسياسات القمعية التي تُمارس داخليًا وخارجيًا تضع الديمقراطية الأميركية في مواجهة مع ذاتها، ما يذكرنا بآراء الفيلسوف الماركسي أنطونيو غرامشي حول الهيمنة الثقافية (cultural hegemony). فالولايات المتحدة، بحسب سرد وودورد، تبدو كما لو أنها تمارس “ديكتاتورية ناعمة”، تسعى من خلالها لإقناع الداخل والخارج بشرعية سياساتها من خلال بروباغندا إعلامية (media propaganda) ودبلوماسية موجهة.

من زاوية اشتراكية، يمكن استدعاء نقد كارل ماركس للرأسمالية هنا، حيث يُبرز الكتاب كيف تُسخّر الأنظمة السياسية المؤسسات لتحقيق مكاسب اقتصادية على حساب الطبقات الدنيا.
التركيز في الكتاب على دور الشركات الكبرى في تمويل الحملات السياسية وتحكمها في الاقتصاد الأميركي يكشف مدى التواطؤ بين النخبة السياسية والاقتصادية. هذه العلاقة الملتبسة بين الدولة ورأس المال تجعل “الحرب”، سواء العسكرية أو الاقتصادية، مجرد وسيلة لإعادة إنتاج نظام الهيمنة.

وودورد يستخدم لغة مباشرة وسردًا غنيًا بالتفاصيل، لكنه يترك المجال للقارئ للتأمل والتفكير في البنية الفلسفية للظواهر التي يصفها. على سبيل المثال، تصويره للأحداث العنيفة التي وقعت في 6 يناير 2021، حين اقتحم أنصار ترامب مبنى الكابيتول، يُظهر كيف يمكن للخطاب الشعبوي أن يتحول إلى أداة تحريض للفوضى. هنا، يمكن استدعاء فكرة جان بول سارتر عن “الحرية المطلقة” (absolute freedom)، حيث تصبح الحرية غير المنضبطة قوة مدمرة حين تُستخدم كذريعة لتبرير أعمال غير أخلاقية.

كما أن الكتاب يسلط الضوء على التحولات الجيوسياسية الكبرى التي تطرأ نتيجة التغيرات في موازين القوى (balance of power) العالمية، وهو ما يعيدنا إلى مفهوم هيغل عن “روح العالم”، حيث تسعى الأمم إلى تحقيق أهدافها كجزء من حركة تاريخية أوسع. لكن في “الحرب”، هذه الحركة تبدو وكأنها فقدت وجهتها الأخلاقية، حيث يتم اختزال القيم الإنسانية في حسابات مادية بحتة.

بوب وودورد يقدم عملًا ذا قيمة عالية في توثيق الحقبة، لكنه يقع أحيانًا في فخ الحياد السطحي، حيث يغيب التحليل النقدي الجذري للبنية السياسية والاقتصادية التي يُفترض أن الكتاب يكشف عيوبها.
لا يطرح الكاتب بدائل حقيقية للواقع المأزوم، بل يكتفي بتقديم صورة تشريحية لهذا الواقع.

الكتاب يكشف في النهاية عن أزمة أعمق بكثير من السياسة أو القيادة الفردية؛ إنها أزمة نظام، أزمة قيم، وأزمة رؤية.
“الحرب” ليس مجرد كتاب عن ترامب أو أميركا، بل هو شهادة على عصر تتصارع فيه القوى العظمى على حساب مستقبل الإنسانية، مما يجعله نداءً للتأمل في طبيعة الصراع نفسه: هل هو صراع من أجل الهيمنة (dominance)، أم صراع من أجل البقاء؟

zoolsaay@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

المبعوث الأمريكي: يمكن لحركة الفصائل الفلسطينية الاحتفاظ بدورها السياسي دون سلاح

الولايات المتحدة – أكد الممثل الخاص للرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، إنه “يمكن لحركة الفصائل الفلسطينية أن تظل فاعلا سياسيا في غزة إذا نزعت سلاحها”.

جاء ذلك في لقاء أجراه المسؤول الأمريكي، السبت، عبر الإنترنت مع الصحفي الأمريكي تاكر كارلسون.

وانتقد ويتكوف، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لعدم امتلاكه خطة استراتيجية تتعلق بغزة، قائلاً: “لا توجد خريطة ولا أفق. وهذا يسبب عدم الاستقرار”.

وشدد على أهمية فهم دوافع حركة الفصائل، وقال إنها “ليست حركة عنيدة أيديولوجياً، ويمكن إنهاء الصراع في غزة من خلال الحوار”.

وفي حديثه عن المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة، أكد ويتكوف، أن نتنياهو لا يهتم بالسجناء الإسرائيليين.

وقال: “الشعب الإسرائيلي يريد عودة الأسرى، ونتنياهو يخالف الرأي العام بشأن الأسرى. حتى وإن لم أتفق معه (نتنياهو) دائمًا أنا أتفهم منتقديه في هذا الخصوص”.

ولفت فيتكوف، إلى أهمية دور قطر في المفاوضات، مشددا على ضرورة أن تدرك الحكومة الإسرائيلية أهمية المفاوضات إلى جانب الضغط العسكري.

وأضاف أن غزة لا يمكن أن يكون لها مستقبل مستدام بالمساعدات وحدها، وأن الفلسطينيين لديهم الحق أيضا في أن يحلموا بالمستقبل.

وفجر الثلاثاء الماضي، استأنفت إسرائيل حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة ما أسفر حتى السبت، عن مقتل 634 فلسطينيا وإصابة 1172 آخرين معظمهم من النساء والأطفال، وفق وزارة الصحة في غزة.

ويمثل هذا التصعيد، الذي قالت تل أبيب إنه يتم بتنسيق كامل مع واشنطن، أكبر خرق لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة الذي بدأ سريانه في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، والذي امتنعت إسرائيل عن تنفيذ مرحلته الثانية بعد انتهاء الأولى مطلع مارس/ آذار الجاري.

ورغم التزام حركة الفصائل بجميع بنود الاتفاق، رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المضي قدما في المرحلة الثانية، استجابة لضغوط المتطرفين في حكومته.

رسالة ترامب إلى خامنئي

وفي المقابلة، تطرق ويتكوف، أيضًا إلى محتوى رسالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المرشد الإيراني علي خامنئي، مذكّرًا بأنه غير مخول له بالكشف عن تفاصيل الرسالة.

وقال إنّ الرسالة جاء فيها بشكل تقريبي ما يلي (على لسان ترامب): “أنا رئيس سلام. وهذا ما أريده. لا داعي لحل هذه المسألة عسكريًا. علينا الحوار. علينا إزالة أي سوء فهم. علينا إنشاء برنامج تحقق، حتى لا يثير قلق أي أحد بشأن استخدام المواد النووية في الأسلحة”.

وأوضح ويتكوف، أن ترامب يعتقد أن المفاوضات والاتفاقات مع إيران ممكنة وأنه “يريد بناء الثقة وتجنب الحرب” مع طهران.

وفي مقابلة مع شبكة “فوكس بيزنس” الاثنين الفائت، كشف ترامب، أنه أرسل رسالة إلى خامنئي، قائلاً: “كتبت لهم رسالة قلت فيها، آمل أن تتفاوضوا لأن دخولنا عسكريا سيكون شيئا مروعا”.

 

الأناضول

مقالات مشابهة

  • مصدر سياسي: بوجود ترامب المعادلة السياسية في العراق ستتغير
  • بين تاريخين قراءة في رواية «ج» للكاتب عبدالله الزماي
  • ماذا قال حزب الإصلاح في ذكرى تأسيس المكتب السياسي للمقاومة الوطنية وماهي الرسائل السياسية التي بعثها إليهم ؟
  • كيف يمكن فهم استراتيجية ترامب الخارجية؟
  • قراءة في موقف تقدم من جرائم الحرب .. هل كانت ظهيرا سياسيا للمليشيا.؟
  • حرب لا يمكن الفوز بها.. وواشنطن تضع نهاية "اللعبة" في أوكرانيا!
  • تطور جديد بالأزمة السياسية التي تعصف في كوريا الجنوبية
  • ماهي المكاسب التي تنتظرها واشنطن من مفاوضات إنهاء الحرب في أوكرانيا ؟
  • من تعثر في رمال غزة.. لا يمكن أن يصعد جبال اليمن!!
  • المبعوث الأمريكي: يمكن لحركة الفصائل الفلسطينية الاحتفاظ بدورها السياسي دون سلاح