قراءة تحليلية لكتاب “الحرب” للكاتب بوب وودورد
تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT
بقلم: إبراهيم برسي - 10 ديسمبر 2024
الكتاب “الحرب” للكاتب الصحفي بوب وودورد يُعتبر شهادة بالغة الأهمية حول فترة عصيبة في السياسة الأميركية، حيث يغوص في التوترات السياسية (political tensions)، الاجتماعية، والأحداث العسكرية التي رسمت معالم العصر الحديث، خاصة في ما يتعلق بصعود الشخصيات المثيرة للجدل مثل دونالد ترامب.
الكتاب ليس فقط انعكاسًا للواقع السياسي المعاصر، ولكنه أيضًا عمل ينتمي إلى السرد الاستقصائي (investigative journalism)، مما يمنحه مزيجًا نادرًا من التحليل الصحفي والتأمل الفكري.
يبدأ الكتاب بتحليل شخصية ترامب كرجل أعمال محتال وطموح، نمت شخصيته على مزيجٍ من النرجسية والدقة الاستراتيجية. وصف وودورد (Woodward) لترامب بأنه شخصية “مصممة للتلاعب بالآخرين بدقة ولمسة من القسوة” يفتح النقاش أمام قراءة فلسفية أعمق. فالكاتب، وإن بدا محايدًا في عرضه، يعكس ظاهرة يمكن ربطها بمفهوم “الإرادة إلى القوة” عند نيتشه، حيث يتجسد ترامب كفرد يسعى للسيطرة على محيطه، سواء في السياسة أو الأعمال، اعتمادًا على إحساسه الداخلي بالعظمة والتفرد.
لكن هذه العظمة ليست سوى واجهة تخفي خواءً داخليًا، يظهر في لحظات المواجهة، مثلما كشف وودورد في تعامله مع الهزيمة السياسية.
في أحد الفصول، يروي الكاتب كيف قاوم ترامب قبول نتائج انتخابات 2020، معتبرًا إياها “مزورة” (fraudulent)، وهو موقف يعكس عدم قدرته على تقبل الفشل كواقع، مما يُذكر بفلسفة هيغل حول صراع السيد والعبد، حيث يرفض السيد، هنا ترامب، مواجهة لحظة الانكسار.
وودورد أيضًا يُدخل القارئ في خفايا القرارات العسكرية والدبلوماسية التي اتخذتها الإدارة الأميركية، خاصة في علاقتها مع القوى الكبرى مثل روسيا والصين. هنا، يظهر التركيز على نزعة الهيمنة، ليس فقط عند ترامب، ولكن أيضًا في بنية النظام الأميركي نفسه. التوتر بين القيم الديمقراطية المعلنة والسياسات القمعية التي تُمارس داخليًا وخارجيًا تضع الديمقراطية الأميركية في مواجهة مع ذاتها، ما يذكرنا بآراء الفيلسوف الماركسي أنطونيو غرامشي حول الهيمنة الثقافية (cultural hegemony). فالولايات المتحدة، بحسب سرد وودورد، تبدو كما لو أنها تمارس “ديكتاتورية ناعمة”، تسعى من خلالها لإقناع الداخل والخارج بشرعية سياساتها من خلال بروباغندا إعلامية (media propaganda) ودبلوماسية موجهة.
من زاوية اشتراكية، يمكن استدعاء نقد كارل ماركس للرأسمالية هنا، حيث يُبرز الكتاب كيف تُسخّر الأنظمة السياسية المؤسسات لتحقيق مكاسب اقتصادية على حساب الطبقات الدنيا.
التركيز في الكتاب على دور الشركات الكبرى في تمويل الحملات السياسية وتحكمها في الاقتصاد الأميركي يكشف مدى التواطؤ بين النخبة السياسية والاقتصادية. هذه العلاقة الملتبسة بين الدولة ورأس المال تجعل “الحرب”، سواء العسكرية أو الاقتصادية، مجرد وسيلة لإعادة إنتاج نظام الهيمنة.
وودورد يستخدم لغة مباشرة وسردًا غنيًا بالتفاصيل، لكنه يترك المجال للقارئ للتأمل والتفكير في البنية الفلسفية للظواهر التي يصفها. على سبيل المثال، تصويره للأحداث العنيفة التي وقعت في 6 يناير 2021، حين اقتحم أنصار ترامب مبنى الكابيتول، يُظهر كيف يمكن للخطاب الشعبوي أن يتحول إلى أداة تحريض للفوضى. هنا، يمكن استدعاء فكرة جان بول سارتر عن “الحرية المطلقة” (absolute freedom)، حيث تصبح الحرية غير المنضبطة قوة مدمرة حين تُستخدم كذريعة لتبرير أعمال غير أخلاقية.
كما أن الكتاب يسلط الضوء على التحولات الجيوسياسية الكبرى التي تطرأ نتيجة التغيرات في موازين القوى (balance of power) العالمية، وهو ما يعيدنا إلى مفهوم هيغل عن “روح العالم”، حيث تسعى الأمم إلى تحقيق أهدافها كجزء من حركة تاريخية أوسع. لكن في “الحرب”، هذه الحركة تبدو وكأنها فقدت وجهتها الأخلاقية، حيث يتم اختزال القيم الإنسانية في حسابات مادية بحتة.
بوب وودورد يقدم عملًا ذا قيمة عالية في توثيق الحقبة، لكنه يقع أحيانًا في فخ الحياد السطحي، حيث يغيب التحليل النقدي الجذري للبنية السياسية والاقتصادية التي يُفترض أن الكتاب يكشف عيوبها.
لا يطرح الكاتب بدائل حقيقية للواقع المأزوم، بل يكتفي بتقديم صورة تشريحية لهذا الواقع.
الكتاب يكشف في النهاية عن أزمة أعمق بكثير من السياسة أو القيادة الفردية؛ إنها أزمة نظام، أزمة قيم، وأزمة رؤية.
“الحرب” ليس مجرد كتاب عن ترامب أو أميركا، بل هو شهادة على عصر تتصارع فيه القوى العظمى على حساب مستقبل الإنسانية، مما يجعله نداءً للتأمل في طبيعة الصراع نفسه: هل هو صراع من أجل الهيمنة (dominance)، أم صراع من أجل البقاء؟
zoolsaay@yahoo.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
«فلسطين للأمن القومي»: صفقة تبادل الأسرى يمكن أن تتم قبل تولي ترامب|تفاصيل
قال الدكتور رمزي عودة، مدير وحدة الأبحاث بمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي، إن هناك أسبابا كثيرة تدفع إسرائيل الآن للوصول إلى اتفاق لتبادل الأسرى والمحتجزين، من ضمنها أن حماس تنازلت عن أحد أهم الشروط التي كانت متمسكة بها، وهي عدم اشتراط انسحاب إسرائيل من قطاع غزة أو انسحاب مؤقت من بعض المناطق وانسحاب محدود من معبر رفح وعدم تولي السلطات التابعة لحماس هذا المعبر، وهذه القضية كانت شائكة لأي مفاوضات تسوية.
وأضاف «عودة»، خلال مداخلة عبر قناة “القاهرة الإخبارية”، أن مع التطورات الأخيرة في بدأت حماس في أن تكون أكثر مرونة وتخفف من سقف تطلعاتها.
وأضاف أن حماس وإسرائيل لا يتحدثون عن صفقة دائمة بل صفقة مؤقتة مدتها من 28 إلى 60 يوما حسب عدد الأسرى الذي يمكن أن تسلمهم حماس للجانب الإسرائيلي.
وتابع: « صفقة تبادل الأسرى قد اقتربت وفي الأغلب ممكن أن تكون قبل 20 يناير موعد وصول الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض».