الجيش يتقدم على الدعم السريع.. هل لا يزال الحل السلمي خيارًا؟
تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT
تصاعدت مرة أخرى الدعوات المطالبة بتشكيل حكومة منفى من عدد من القوى المنضوية تحت لواء تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية المعروفة بـ (تقدم) برئاسة عبدالله حمدوك رئيس الوزراء السابق المستقيل.
وكان هذا المقترح قد طُرح من قِبل بعض أعضاء "تقدم" في اجتماعات هيئتها القيادية التي انعقدت في مدينة عنتيبي الأسبوع الماضي، لكنه لم يجد رواجًا بل عارضته بعض القوى داخل التنسيقية نفسها، ومن ثَم خلا البيان الختامي للاجتماعات من أي إشارة إليه ضمن مخرجات ما تم الاتفاق عليه، وهو ما اعتبره المراقبون وقتها استبعادًا للاقتراح.
لكن وعلى نحو مفاجئ تجددت هذا الأسبوع الدعوات لتشكيل حكومة منفى.
ويبدو أنّ الوضع العسكري الميداني قد دفع بشكل ما بهذا المقترح إلى الواجهة مرة أخرى، حيث تشير التقارير الواردة في هذا الصدد إلى تقدم كبير ومتسارع للجيش السوداني والقوات المتحالفة معه في كل جبهات المواجهة مع قوات الدعم السريع، خاصة في الجبهات الساخنة كالفاشر، ونيالا، والجنينة، والخرطوم بحري، وولاية الجزيرة، وهي الأكثر سخونة، حيث تتقدم القوات الحكومية فيها من 3 جهات؛ لتطوق قوات مليشيا الدعم السريع المتواجدة بكثافة في مدينة (ود مدني) عاصمة ولاية الجزيرة، منذ ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي.
إعلانوتزامن مقترح تشكيل حكومة المنفى مع مقترح آخر لتشكيل سلطات إدارية في مناطق سيطرة الدعم السريع. قدم هذا المقترحَ عددٌ من مستشاري قوات الدعم السريع المتحالفة مع تنسيقية (تقدم)، وقد تم تنفيذه بالفعل في بعض المناطق في نيالا والجنينة وبعض قرى ومدن ولاية الجزيرة.
ولكن هذه السلطات بلا فاعلية وتستند إلى شرعية الأمر الواقع فحسب، وتديرها عناصر عسكرية تابعة للدعم السريع، ليست مؤهلة لممارسة العمل الإداري، فضلًا عن تورط عناصرها في انتهاكات وعمليات قتل وتعذيب واعتقال في حق المدنيين بهذه المناطق والتجنيد القسري للشباب، ومصادرة ممتلكات الأهالي، وإجبارهم على مغادرة منازلهم، واتخاذها ثكنات عسكرية ومخازن للسلاح.
ويأتي تجدد الدعوة لهذين المقترحين متزامنًا مع تزايد الحديث عن مفاوضات مزمعة بين الدعم السريع والجيش على خلفية "اتفاق جدة" الذي تمَّ التوقيع عليه في 11 مايو/ أيار 2023، والذي ألزم الدعم السريع بالخروج من الأعيان المدنية ومنازل المواطنين والتجمع في نقاط تم تحديدها مسبقًا، وهو ما لم تنفذه الدعم السريع، فأصبح الاتفاق معلقًا، وفي حكم المجمد، وتحول إلى عقبة تواجه كل المحاولات اللاحقة لتسوية الأزمة، حيث تصرّ الحكومة السودانية على تنفيذ الدعم السريع لهذا التعهد كشرط للدخول في أي صيغة تسوية.
ويبدو المشهد الآن غاية في التعقيد، والخيارات أكثر ضيقًا أمام الدعم السريع بالنظر إلى وضعها العسكري الحرج. فالقبول بتنفيذ اتفاق جدة يبدو صعبًا للدعم السريع في هذا التوقيت لسببين:
الأول هو أن الحكومة السودانية تتمسك بتطبيق اتفاق جدة فقط على المناطق والأعيان المدنية التي كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع وقت توقيع الاتفاق (قبل أكثر من عام ونصف)، بينما تستثني المناطق التي سيطرت عليها القوات لاحقًا، مما يعني عدم شمول هذه المناطق في الاتفاق، وهو ما تعتبره قوات الدعم السريع خسارة كبيرة لمكاسبها الميدانية التي حققتها خلال الحرب. والثاني هو الوضع الميداني الضعيف للدعم السريع بحيث سيكون قبولها بتنفيذ اتفاق جدة وهي في هذا الحال استسلامًا وإذعانًا يشبه الهزيمة. إعلانويأتي تعقيد إضافي يمثل قيدًا آخر على خطوات الحكومة السودانية نحو القبول بخيار التفاوض مع الدعم السريع وجناحها المدني "تقدم"، ألا وهو تنامي تيار جماهيري شعبي آخذ في التصاعد يدعو إلى خيار الحسم العسكري على الأرض، ويعتبر أن أي ميل للتفاوض والتسوية بمثابة طوق نجاة للدعم السريع ينقذها من هزيمة وشيكة.
كما أنه يعيد قوات الدعم السريع وحليفها المدني إلى المشهد السياسي والحياة العامة في السودان بعد كل تلك الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها في حق المدنيين، والدمار الذي أحدثته في البنية الأساسية، للدولة طال حتى الموروث التاريخي القومي للسودان، والشرخ الاجتماعي العميق الذي خلفته هذه الجرائم، مما أحدث حاجزًا نفسيًا كبيرًا يصعب معه القبول بأي دور محتمل لهذا التحالف في مستقبل الحياة العامة بالسودان.
في ضوء ما سبق، فإن دعوات تشكيل حكومة منفى تضيف تعقيدًا جديدًا يجعل التوصل إلى حل سلمي للأزمة احتمالًا بعيد المنال؛ فتشكيل حكومة منفى يعني نزع الشرعية عن الحكومة السودانية وإغلاق الباب في وجه أي مساعٍ للحل التفاوضي.
وكما قلنا، فقد وُوجهت هذه الدعوة بالرفض حتى من بعض مكونات تنسيقية "تقدم"، التي ترى أن تشكيل حكومة منفى في هذا التوقيت هو مغامرة غير محسوبة النتائج، وستواجه بتحدٍّ كبير، وهو نيل الاعتراف الدولي في ظل وجود حكومة معترف بها دوليًا بالفعل وتسيطر على معظم إقليم الدولة.
كما أن الاعتراف الدولي بحكومة كهذه يعني عدم وصول المساعدات الإنسانية الدولية إلى مستحقيها، حيث لا قدرة لحكومة منفية أن تقدم تسهيلات ودعمًا لوجيستيًا لمنظمات الإغاثة.
هناك مخاوف أيضًا أن يفضي تشكيل حكومة منفى في نهاية المطاف إلى تقسيم البلاد، وبالتالي حدوث فوضى غير مرغوب فيها، وتصعب السيطرة عليها، مما يهدد الاستقرار الإقليمي، ويمتد أثره إلى السلم والأمن الدوليين، خاصة أن المنطقة تمور بالمشاكل وفي حالة غليان ولا تحتمل المزيد.
إعلانأما تشكيل إدارة مدنية في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، فهو خيار غير عملي، ولن يكون مجديًا في ظل استمرار القتال والحصار الذي يضربه الجيش على هذه المناطق، وتفوقه الواضح عبر سلاح الطيران، وبالوضع الهجومي الذي يتخذه هو والقوات المتحالفة معه، كما أنه من البديهي ألا تقبل الحكومة بوجود سلطة داخل الدولة تنازعها شرعيتها، وبالتالي ستكون هذه المناطق أهدافًا مشروعة لنيران أسلحتها المختلفة.
وهكذا يبدو المشهد السوداني قاتمًا، تزداد تعقيداته يومًا بعد يوم، وتأخذ الأزمة فيه شكل مباراة صفرية تتضاءل فيها فرص التسوية السياسية والحل السلمي، ويبرز بقوة خيار الحسم العسكري على الأرض.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الحکومة السودانیة قوات الدعم السریع تشکیل حکومة منفى للدعم السریع هذه المناطق اتفاق جدة خیار ا فی هذا
إقرأ أيضاً:
الجزيرة نت ترصد مناطق المعارك الساخنة بالخرطوم
الخرطوم- تشهد العديد من محاور القتال بالعاصمة الخرطوم اشتباكات يُمسك فيها الجيش السوداني بزمام المبادرة في معارك "كسر العظم" ضد قوات الدعم السريع التي أصبحت في تراجع مستمر أمام ضربات الجيش والقوات المساندة.
وفيما يلي نقاطٌ شارحةٌ لأهم مسارح العمليات النشطة بالخرطوم:
وسط الخرطوم
يمكن تقسيم نطاق المعارك "الضارية" في الخرطوم، والتي تدور بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة، لعدة قطاعات من أكثرها أهمية وسخونة قطاع وسط الخرطوم الذي يشهد معارك عنيفة حتى صبيحة اليوم الخميس.
ومن أهم مسارح العمليات وسط الخرطوم مناطق الوزارات والأعيان الحكومية والسوق العربي وقاعة الصداقة التي شهدت حريقاً هائلاً، مما يشير إلى انسحاب الدعم السريع على طريقة انسحابه ذاتها من مصفاة الخرطوم للنفط تاركاً خلفه الحرائق وأكوام الرماد.
وتستمر المواجهات وسط الخرطوم كذلك في القصر الجمهوري ومحيطه الذي ظل مسرحاً لأشرس المعارك منذ فك الحصار عن القيادة العامة للقوات المسلحة في 24 يناير/كانون الثاني الماضي وذلك لرمزيته العالية وما تعنيه السيطرة عليه.
جنوب الخرطوم
من المناطق التي ما زالت تشهد اشتباكات متفرقة جنوبي الخرطوم هي الأحياء التي لا تبعد كثيراً عن سلاح المدرعات مثل مناطق "الرميلة، جبرة، والصحافات" حتى تخوم جبل أولياء. بينما يتوقع أن تتسع رقعة الاشتباكات الأيام القادمة لتمتد إلى مناطق "الكلاكلات، الشقيلاب، مايو، الأزهري، الاحتياطي المركزي الذي تعني سيطرة الجيش عليه تمهيد الطريق لتحرير العديد من المناطق في الحدود الفاصلة بين ولايتي الخرطوم والنيل الأبيض".
إعلانوأدى التقدم المحرز للجيش السوداني في محاور القتال المختلفة بصورة مباغتة لحالة إرباك وسط قوات الدعم السريع المنتشرة جنوب وشرق ووسط الخرطوم وهو ما تسبب -وفقاً لشهود عيان- في هروب وانسحاب الآلاف من المقاتلين عن طريق جبل أولياء باتجاه ولايات دارفور.
وتدور معارك نشطة في مناطق مختلفة شرق النيل بولاية الخرطوم، حيث يحتضن الجيش جسر سوبا من الناحية الشرقية بينما تتمترس قوات الدعم السريع من الناحية الغربية. في حين يستميت الجيش في إحكام السيطرة على جسر سوبا لأنه يُعد من أهم الجسور المؤثرة في مسار العمليات العسكرية الحالية باعتباره مدخلاً لجنوب الخرطوم.
ويخوض الجيش الاشتباكات على جسر سوبا بإسناد متقدِّم من قوات درع السودان بقيادة اللواء أبو عاقلة كيكل الذي شكل انضمامه المفاجئ للجيش في أكتوبر/تشرين الأول 2024 دفعاً كبيراً لصالح العمليات العسكرية، حيث تمكنا الأيام الماضية من السيطرة على مناطق ود أبو صالح وأم ضوابان والعسيلات والعيلفون بمحلية شرق النيل التابعة لولاية الخرطوم.
وتعني سيطرة الجيش على جسر سوبا وضع يده على أحد أهم الجسور بولاية الخرطوم مما يمكنه من تضييق الخناق على قوات الدعم السريع ومحاصرتها في رقعة جغرافية محدودة يصعب وصول الإمدادات إليها، ويجعلها في مرمى نيران الجيش من أكثر من اتجاه.
على تخوم العاصمة
ويدقُّ الجيش القادم من ولاية الجزيرة بقوة على أبواب الخرطوم من ناحية ضاحية سوبا في وقت يقترب فيه اللواء الأول شمال الجزيرة من الحد الفاصل بين ولايتي الجزيرة والخرطوم.
وتدور الاشتباكات المتقطعة في منطقة بتري، وهي آخر نقطة شمالي ولاية الجزيرة في حدودها مع ولاية الخرطوم، وذلك وسط توقعات بحسم الجيش للمعارك الدائرة الآن على مشارف الخرطوم في أي لحظة.
إعلانوكان الجيش قد استكمل الأيام القليلة الماضية تحرير مناطق "الباقير، المسعودية، التكينة، النوبة، المعيلق، ود الترابي، ومدينة جياد الصناعية".
مواجهات أم درمان
وأدت الانتصارات الأخيرة والمطردة -التي حققتها القوات المسلحة السودانية على قوات الدعم السريع- إلى حصر المعارك في مناطق بعينها على مستوى ولاية الخرطوم.
وفي مدينة أم درمان التي حقق فيها الجيش السوداني انتصارات عسكرية مُبكرة، انحصرت المعارك هذه الأيام في مناطق غرب الحارات بمحلية كرري، ومحيط سوق ليبيا وأجزاء أخرى وعدد من الحارات بمحلية أمبدة، بجانب مناطق الصالحة جنوبي أم درمان التي يوجد بها أحد أكبر معسكرات قوات الدعم السريع.
وفي الخرطوم بحري سيطر الجيش السوداني على مناطق بحري القديمة والعديد من الأحياء الأخرى كالحلفايا والدروشاب والسامراب وشمبات، بينما تدور المعارك حالياً في الأجزاء الشرقية لمدينة بحري في المربعات الشرقية بمنطقة كافوري وبعض الأحياء المتاخمة لشرق النيل.
ويرى عسكريون أن قوات الدعم السريع فقدت الفترة الماضية الكثير من قوتها الصلبة في الخرطوم، ولم تعد قادرة على الالتفاف وعلى تكتيك "الفزع" الذي ظلت تنتهجه طوال فترة الحرب بتوفير الكثير من القوات والتعزيزات العسكرية لإسناد قواتهم المحاصَرة أو للاستيلاء على مناطق جديدة.
لكن من سير الاشتباكات المستمرة الآن في محاور القتال المختلفة بالعاصمة الخرطوم، بدا واضحاً أن قوات الدعم السريع مازالت قادرة على ضرب محطات المياه والكهرباء والبنية التحتية بالمسيرات، بينما ظل سلاح الطيران التابع للجيش السوداني يسجل ميزة نسبية وتفوقاً ميدانياً حيث وفّر غطاءً للقوات المتقدمة في المحاور المختلفة.
بعد هدوء دام أربعة أيام.. عودة المعارك المحتدمة بين الجيش وقوات الدعم السريع حول تخوم ولاية الخرطوم | تقرير: هيثم أويت #الأخبار pic.twitter.com/5XVuveXykF
— قناة الجزيرة (@AJArabic) February 13, 2025
إعلان مناطق سيطرة متحركةوباستعراض أهم مناطق الاشتباكات والمعارك التي تدور في العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث "الخرطوم، الخرطوم بحري، وأم درمان" نجد أن القوات المسلحة تُحكم حصارها على الخرطوم شيئاً فشيئاً مما يجعل أمر اجتياحها بالكامل مسألة وقت على الأرجح، في وقت لا يستبعد فيه البعض إقدام قوات الدعم السريع على مغامرات عسكرية وإشعال الحرائق التي تستهدف مرافق الدولة الحيوية للتأكيد على أنها مازالت في دائرة الفعل العسكري.
ومن جهة أخرى، تبدو مناطق الاشتباكات والسيطرة الميدانية في حالة سيولة وتمدد مستمر ولديها قابلية كبيرة للحركة والتغيير في أي وقت، خاصة أن وتيرة تقدم الجيش السوداني الأخيرة تجعل من حسمه لأيٍّ من المعارك في مناطق العاصمة المختلفة عسكرياً وارداً بشكل كبير وفقاً للمعطيات العسكرية الراهنة بالعاصمة.