بعد انطلاق عمليات استبدال العملة أزمة الكاش.. مخاوف مشروعة
تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT
المحقق – نازك شمام
بعد أربعة أيام من بداية عملية استبدال العملة التي بدأت الثلاثاء الماضي، لا تزال الهواجس والمخاوف تحيط بالعملية على الرغم من الإقبال الكبير عليها من المواطنين في الولايات السبع التي حددها البنك المركزي في وقت سابق.
وتشهد المصارف إقبالاً مكثفاً من المواطنين لفتح الحسابات المصرفية وتوريد مدخراتهم من العملات فئات الـ 500-1000 جنيه بصورة غير مسبوقة، وعلى الرغم من التسهيلات التي منحها المركزي لفتح الحسابات الجديدة عبر نظام الأون لاين واعتماد الرقم الوطني كمستند إثبات إلا أن المصارف بفروعها المتعددة تزدحم بكافة شرائح المواطنين خلال ساعات الدوام والتي تم تمديدها للساعة السادسة مساء بدلاً عن الثالثة.
والخميس الماضي أكد الناطق الرسمي لاتحاد المصارف أحمد عبد الرحمن الحوري بأن عملية استبدال العملة تسير في أيامها الأولى بصورة جيدة ومنظمة وفي وضع أمني جيد في كل ولايات الاستبدال.
وقال في تصريحات صحفية إن “مجلس السيادة الانتقالي قد أصدر قراراً للمؤسسات الحكومية والخاصة بعدم استلام أي مدفوعات نقدية وأن تستلم مدفوعاتها عبر وسائل الدفع الإلكتروني والمصرفي”.
ودعا المواطن انتهاز الفرصة الراهنة في الإسراع بامتلاك الحساب المصرفي والتطبيق لأغراض الاستبدال والأغراض الأخرى وعلى رأسها التمكن من دفع الرسوم والمستحقات في مختلف معاملات الحكومة والمؤسسات العامة والخاصة. ودعا الحوري المواطنين إلى الاستفادة من فرصة فتح المصارف لأبوابها للاستبدال حتى السادسة مساء وأيام العطلات للإسراع في فتح الحسابات والتوريد تفاديا للزحمة التي تكون في الأيام الأخيرة.
وأكد بأن قرار بنك السودان المركزي هو أنه لا مد لفترة الاستبدال بعد الثالث والعشرين من ديسمبر الجاري وبعدها تصبح العملة القديمة من فئتي الألف والخمسمائة غير مبرئة للذمة في ولايات ومدن الاستبدال الأمر الذي يقتضي حرص المواطن على كسب الوقت وعدم انتظار الأيام الأخيرة وما فيها من مخاطر الازدحام.
وفي ظل الكثافة الكبيرة لعملية الاستبدال إلا أن المعوقات بدأت بالانكشاف منذ اليوم الأول عقب ظهور عملات مزورة في التوريدات التي استقبلتها المصارف في عدد من الولايات غير أن هذه العقبة انتبه لها البنك المركزي والذي شدد على لسان محافظ بنك السودان المركزي، برعي صديق الذي تفقد عدداً من المصارف العاملة بولاية البحر الأحمر، السبت، شدد على ضرورة فحص الأوراق النقدية بالمصارف التجارية قبل توريدها للبنك المركزي لافتاً الى أهمية توفير أجهزة كشف التزوير والتزييف للأوراق النقدية.
وعلى الرغم من المتابعة اللصيقة من قبل البنك المركزي إلا أن ثمة مخاوف من ظهور مشكلات أخرى وفي مقدمتها شبح شح السيولة الذي بدأ يطل على رأسه بعد أن حدد البنك المركزي سقفاً للسحوبات بمبلغ 200 ألف جنيه يومياً وأوقف كافة استثناءات السحب النقدي لجميع المؤسسات.
ويتخوف خبراء مصرفيين من ظهور أزمة سيولة خلال الأيام المقبلة تزامنا مع عملية استبدال العملات بسبب عدم تنشيط كافة وسائل الدفع الاليكتروني واقتصارها على عدد قليل من الوسائط واعتمادها شبه الكلي على تطبيق بنك واحد بما يصعب أن يحقق الشمول المالي.
ويؤكد المصرفيون فرضية هذه المخاوف بالنظر إلى التجارب المماثلة السابقة والتي كانت الدولة تبسط سيطرتها بجانب أن استخدام المواطنين للسيولة لا يزال قائماً بالاضافة إلى أن نسبة الكتلة النقدية خارج الجهاز المصرفي لا تزال مرتفعة.
وحذروا من مغبة أن تكون عملية استبدال العملة عاملاً لإحداث مشاكل اقتصادية بدلاً عن معالجتها وطالبوا المصارف بالاحتياط لمثل هذه المشاكل.
غير أن مصادر مطلعة ببنك السودان المركزي استبعدت بصورة قاطعة أن تحدث أزمة سيولة تزامناً مع العملية الاقتصادية الجارية الآن .
وأكدت في حديثها مع (المحقق) عدم وجود أي أزمة في الأوراق النقدية قاطعة بأن البنك المركزي قد قام بتوفير مبالغ كبيرة لهذه العملية.
وأشارت إلى تشجيع البنك المركزي لثقافة الدفع الاليكتروني وتقليص التعامل بالكاش في أضيق نطاق.
وأوضح تجار بأسواق بورتسودان على توفر السيولة بكثافة بالأسواق ونفوا وجود أي بوادر للأزمة في الوقت الحالي .
وقال التاجر بابكر ابراهيم بسوق بورتسودان “السيولة متوفرة بصورة كبيرة في الأسواق ولا توجد أزمة كاش”، وأوضح في حديثه مع (المحقق) أن عملية استبدال العملة التي تجرى خلال هذه الأيام لم تنعكس على توفر المبالغ النقدية في الأسواق، مشيراً إلى حركة الأسواق العادية تزامناً مع نهاية العام المالي.
وأكد على ازدحام البنوك من قبل المواطنين لتوريد المبالغ وفتح الحسابات المصرفية قبل نهاية فترة السماح المعلن عنها.
واستبعد الخبير المصرفي د. وليد دليل حدوث أزمة سيولة خلال الفترة المقبلة معولاً على التطبيقات البنكية في الاستخدام، وقال دليل لـ(المحقق) حتى وإن حدثت فيمكن أن تكون قصيرة الأجل، موضحاً أن قرار تغيير العملة يُعد من أنجع الحلول في نظر الاقتصاديين لامتصاص الأموال غير الشرعية في الاقتصاد المحلي.
وأشار إلى أن التضخم النقدي وانتشار العملات المُزورة وارتفاع معدل التهرّب وتحويل الأموال خارج البلاد من أهم الأسباب التي تدعو الدول لتغيير عملاتها للحد من الفساد المالي وبدء عصر مالي قوي جديد وجعل دفة القيادة في يد السُلطة العليا في الدولة وطرح عملة جديدة مُميزة في نوعيتها وتصميمها سببٌ مهم لتشجيع المواطن على التغيير، ويُعطيه الثقة من جديد في العملة الجديدة.
وقال دليل إن أهم المزايا التي تدعو لتغيير العملة، جلب الأموال السائلة إلى القطاع البنكي الرسمي للدولة وجذب الأموال المُتداولة في السوق المُوازي إلى القنوات الرسمية للدولة، وهذا يُساعد في معرفة حجم الأموال خارج القطاع الرسمي بدقة أكبر وإعادة توجيهها داخل الاقتصاد الوطني، وتقليل نسبة التضخم النقدي.
وأبان أن كل عملية تحويلية لابد أن يكون لها أثر مُعاكس حتى تكون عملية صحيحة، ومثال ذلك مسألة عدم ثقة المواطنين في العملة الجديدة والتوجه إلى اقتناء عملات أجنبية.
وأشار أن دعم النمو الإقتصادي وتحقيق إنطلاقة جديدة للإقتصاد وذلك عن طريق جذب الكتل النقدية من الأسواق الموازية الى الأسواق الرئيسية والرسمية، هذا بالإضافة إلى دور هذه العملية الإيجابي في جذب الأموال السائلة والمدخّرة نقدا وتشجيع حامليها على إيداعها في البنوك والمصارف وهو ما يدعم لاحقا قنوات الإستثمار المحلية بجانب محاربة التضخم والذي غالبا ما يتم بطريقة هادئة ودون آثار إقتصادية سلبية وذلك عن طريق تشجيع المتداولين وخاصة أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة على إيداع أموالهم في البنوك بعد تغييرها بالعملات الجديدة.
وأوضح أن حصر وتغيير العملات التالفة أو غير القابلة للتداول والتي في حال إرتفاعها قد تُكلّف الإقتصاد الوطني لأي دولة تبعات وتكاليف مالية إضافية تُعتبر ورقة ضغط غير مرئية عليها. إنضم لقناة النيلين على واتساب
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: عملیة استبدال العملة البنک المرکزی
إقرأ أيضاً:
"سياسات ترامب" تهدد هيمنة الدولار الأمريكي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تواجه هيمنة الدولار الأمريكي أخطر تحدٍ منذ عقود، بعدما أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موجة اضطراب عالمي بإعلانه فرض تعريفات جمركية شاملة على أكثر من 100 دولة، والتي تجاوزت تداعياتها حدود الأسواق ممتدة إلى العملة الأمريكية التي تعد منذ عقود ملاذًا آمنًا وعملة احتياطية أولى.
وانخفض الدولار الأمريكي، الليلة الماضية، بأكثر من 1% أمام سلة من العملات الأجنبية، ليصل إلى أدنى مستوى له في 3 سنوات، ما يفاقم تراجعًا بنحو 10% منذ بداية العام، وخلال أسبوع واحد فقط، فقد الدولار نحو 3 سنتات أمام الجنيه الإسترليني و4 سنتات أمام اليورو، وفقًا لصحيفة "الجارديان" البريطانية.
ورغم تراجع جزئي من جانب ترامب – بتجميد التعريفات الجمركية عند 10% على جميع الواردات الأمريكية باستثناء القادمة من الصين لمدة 90 يومًا، فإن الأسواق انتقلت من موجة ارتياح مؤقتة إلى حالة من الهلع المتجدد، وسط شكوك غير مسبوقة لدى المستثمرين حول احتمالية فقدان الدولار الأمريكي مكانته كملاذ آمن.
وقال جورج سارافيلوس، رئيس أبحاث العملات الأجنبية في بنك دويتشه الألماني: "لقد وقع الضرر بالفعل، السوق يعيد تقييم الجاذبية الهيكلية للدولار كعملة احتياطية عالمية، وهناك عملية تسارع في الابتعاد عن الاعتماد على الدولار".
وعلى عكس ما يحدث عادة في موجات البيع بالأسواق، فإن موجة التعريفات الجمركية الأمريكية، التي تم تسميتها "انهيار ترامب"، شملت الأسهم الأمريكية والسندات الحكومية لوزارة الخزانة والدولار معًا، وهي ظاهرة غير معتادة، إذ يلجأ المستثمرون عادة إلى شراء الدولار وسندات الخزانة الأمريكية في أوقات الاضطراب وعدم اليقين المالي.
وعلى مدار الثمانين عامًا الماضية، احتفظ الدولار الأمريكي بمكانته كعملة احتياطية أولى في العالم، تُستخدم كمخزن للقيمة، وأداة لتشغيل النظام المالي العالمي، ووسيط في التبادل التجاري، وذلك لإيمان المستثمرين من أن العملة تقف خلفها حكومة تقود أكبر اقتصاد في العالم، وتتمتع بأسواق رأسمالية عميقة، وقوة عسكرية كبرى، ونظام سياسي يحترم سيادة القانون.
لكن ترامب غيّر تلك القواعد، بعدما فرض تعريفات جمركية على حلفاء الولايات المتحدة وأعدائها على حد سواء، وصلت إلى 104% رسوم جمركية على الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة.
وقال راجورام راجان، المحافظ الأسبق للبنك المركزي الهندي وكبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي سابقا، إن أزمة العملة ناتجة عن قلق المستثمرين بشأن الاقتصاد الأمريكي والتقلبات المفاجئة في سياسات ترامب، مضيفا: "هناك قلق من مدى التقلب وعدم القدرة على التنبؤ بالسياسات الأمريكية، إلى جانب مخاوف متزايدة من أن استمرار ارتفاع التعريفات سيقود إلى ركود اقتصادي في الولايات المتحدة"، مشيرًا إلى أن "سياسة التعريفات لا تزال هدفًا متحركًا".
وظهرت علامات فقدان الثقة بشكل واضح في سوق السندات الأمريكية، التي تُعد الأهم عالميًا، نظرًا لاعتماد المستثمرين عليها كمعيار "خالٍ من المخاطر" لتسعير الأصول المالية الأخرى، حيث شهدت السوق أكبر حركة أسبوعية منذ عام 1982، وارتفع سعر الفائدة على السندات الحكومية الأمريكية لأجل 30 عامًا من نحو 4.4% إلى 4.8%. كما ارتفع على السندات لأجل 10 سنوات.
ويقول المستثمرون إن هناك الكثير من العوامل المؤثرة، فرغم أزمة الثقة الواضحة، إلا أن التقلبات في الدولار والسندات تعكس أيضًا الأضرار الاقتصادية المتوقعة نتيجة سياسات ترامب، بما في ذلك احتمال يتجاوز 50% لدخول الاقتصاد الأمريكي في ركود، وزيادة احتمال لجوء مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة.
وفي ظل حالة الانهيار الواسع بالأسواق الأمريكية، حيث تم محو أكثر من 5 تريليونات دولار من قيمة الأسهم، انعكس بيع سندات الخزانة أيضًا على صناديق التحوط والتي اندفعت إلى التخلص من سندات الخزانة لتقليص المخاطر، وسعي المستثمرين لتحويل الأصول إلى نقد.
وقال مارك سوبل، المسؤول السابق بوزارة الخزانة الأمريكية والذي يشغل حاليًا رئاسة فرع الولايات المتحدة في منتدى المؤسسات المالية والنقدية الرسمية: "أرى أن وجهات نظر ترامب التجارية ضرب من الجنون، إنه يضر بالاقتصاد الأمريكي وخلق أزمة لا داعي لها"، مضيفا: "رأيي الأساسي أن الدولار سيظل العملة العالمية المهيمنة في المستقبل المنظور، لعدم وجود بدائل حقيقية، لكن ترامب من خلال إضعاف الأسس الاقتصادية والمؤسساتية لأمريكا، وعدم كونه شريكًا موثوقًا، يقوّض الأساس الذي نشأت عليه هيمنة الدولار".
وتُظهر بيانات صندوق النقد الدولي أن الدولار الأمريكي لا يزال العملة الاحتياطية المفضلة عالميًا، حيث يمثل نحو 60% من الاحتياطيات الأجنبية، ويأتي اليورو في المرتبة الثانية بنسبة نحو 20%، يليه الين الياباني بنسبة تقارب 6%، والجنيه الإسترليني بنسبة تقارب 5%.
وبحسب صحيفة "الجارديان"، يعتبر بعض مسؤولي إدارة ترامب أن مكانة الدولار كعملة احتياطية دولية أمر غير مرغوب فيه، باعتبارها علامة على استغلال العالم للولايات المتحدة، مشيرة إلى أن ترامب لطالما رغب في ضعف الدولار، معتقدًا أن ذلك سيساعد على جعل السلع الأمريكية أرخص للمشترين الأجانب، ما يعزز الصناعة المحلية ويساهم في تقليص العجز التجاري الأمريكي.
وفي ظل غموض مستقبل الدولار، تبحث دول الاتحاد الأوروبي بشكل خاص عن خطط بديلة، ورأى خوسيه لويس إسكريفا، محافظ بنك إسبانيا المركزي وعضو المجلس الحاكم للبنك المركزي الأوروبي، إن الاتحاد الأوروبي قد يصبح خيارًا أكثر جاذبية، مضيفا: "بإمكاننا أن نقدم منطقة اقتصادية كبيرة وعملة قوية، تستفيد من الاستقرار وقابلية التنبؤ الناتجة عن السياسات الاقتصادية السليمة واحترام سيادة القانون".
في السياق نفسه، أشار باسكال لامي، المفوض التجاري السابق في الاتحاد الأوروبي والرئيس الأسبق لمنظمة التجارة العالمية، إلى أن حرب ترامب التجارية قد تدفع الدول الأخرى إلى تعزيز تعاونها فيما بينها، موضحا: "الاتحاد الأوروبي هو المرشح الطبيعي لتوحيد صفوف عدد من الدول، لن ينجح الأمر إذا قامت به الصين أو حتى الهند".
وختم لامي قائلًا: "إنها أزمة أمريكية وليست أزمة عالمية، الولايات المتحدة تمثل 13% فقط من الواردات العالمية، ولا يوجد سبب يدعو لأن يتأثر الـ87% الباقي بهذه السياسات الاقتصادية العبثية".