د. الشيماء المشد تكتب: الهوية والتراث.. كيف نستثمر القيم الثقافية لتحقيق النجاح؟
تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT
في عالم مليء بالمنافسة والابتكار، تتطلع العلامات التجارية إلى بناء روابط أعمق وأكثر ديمومة مع جمهورها. وإحدى الاستراتيجيات التي أثبتت نجاحها في تحقيق هذا الهدف هي تسويق القيم الثقافية، حيث يلتقي التراث بالحداثة ليخلق تجربة ذات معنى وأصالة.
التراث الثقافي ليس مجرد ماضٍ محفوظ في الذاكرة، بل هو جزء حي من هوية المجتمع.
لكن العلاقة بين القيم الثقافية والتسويق تتجاوز المظاهر الخارجية. إنها تشمل أيضًا تبني قيم أصيلة مثل التوازن والاستدامة، وهي مفاهيم لطالما شكلت جزءًا من الحكمة الشعبية. عندما تطلق الشركات حملات تستلهم هذه القيم، فإنها لا تعزز صورتها ككيان مسؤول اجتماعيًا فقط، بل تسهم في إحداث تأثير إيجابي يدوم لدى جمهورها.
ويمثل التعاون مع الحرفيين المحليين والمجتمعات الثقافية أحد أنجح أساليب تسويق القيم الثقافية. مثل هذه الشراكات لا تضيف فقط لمسة أصيلة إلى المنتجات، بل تدعم أيضًا الاقتصاد المحلي وتحافظ على التراث من الاندثار. وعندما تشارك العلامات التجارية في مبادرات كهذه، فإنها تبني علاقة قائمة على الثقة المتبادلة مع جمهورها وتخلق قيمة تتجاوز الربح المادي. وبالطبع، هناك تحديات تفرضها هذه الاستراتيجية. أبرزها ضرورة التعامل مع التراث باحترام وأصالة بعيدًا عن الاستغلال التجاري. فالاستهتار بالقيم الثقافية قد يؤدي إلى فقدان الثقة بين العلامة التجارية وجمهورها. لذا، فإن الفهم العميق للثقافة المحلية والبحث الدقيق يعدان خطوات أساسية قبل اعتماد هذه القيم في التسويق.
في النهاية، تسويق القيم الثقافية ليس مجرد صيحة عابرة، بل هو استثمار في المستقبل. عندما تصبح هذه القيم جزءًا أصيلًا من هوية الشركة، فإنها تجذب العملاء وتعزز ولاءهم. إنها رسالة تعكس التزام الشركات بالحفاظ على الهوية الثقافية وبناء عالم أكثر استدامة، حيث يتلاقى التراث مع الابتكار لخلق تجربة فريدة ومؤثرة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: التراث الثقافي القيم الثقافية القيم المحلية المزيد القیم الثقافیة
إقرأ أيضاً:
شيخة الجابري تكتب: تجليّات شارع الأعشى
مسلسل مثير للجدل، ليس لأنه ضعيف أو مرتبك أو أن فكرته لم تصل للناس، بل لأنه حقق المعادلة الصعبة التي تتمثل في تقديم عمل كبير ملهمٍ ومثير للأسئلة، وفيه من التحديات والتشويق ما يحقق المعادلة الأخرى وهي إرضاء الجمهور، وفي الحالتين الرضا من عدمه فقد استطاع المسلسل، وقبل نهاية الشهر، تحقيق النجاح الجماهيري الذي لم يتوقعه طاقم العمل نفسه المكوّن من مجموعة كبيرة من الفنانين السعوديين الأشقاء، بالإضافة إلى الدعم التركي في كتابة السيناريو ورسم الحوارات الداخلية والرؤية الفنية للأحداث.
الملفت في أمر هذا العمل الضخم أنه قد حقق النجاح ليس على مستوى المملكة، بل تجاوز ذلك إلى خارج نطاق منطقة الإنتاج، وهو وإنْ لم يطرح فكرة جديدة كُليّةً غيرَ أن الحدث داخل الفكرة هو الجديد، وكذلك التصوير السينمائي الماتع، وطريقة التنقل بين المشاهد رغم صعوبة الربط أحياناً بين الحدث والتحول الفجائي في إدارته، كالذي حدث لسعد بعد أن حاد عمّا كان عنه، ليصبح شخصاً آخر ينبذ المجتمع الذي كان يحبّه، ليصير عدواً له، هناك نقلة وحبكة درامية مهمة في حالة التحول تلك، أما «وضحى» فتلك حكاية أخرى.
«شارع الأعشى»، الذي أُخذ عن رواية «غراميات شارع الأعشى» للدكتورة بدرية البشر، حمل أحلام الكثيرين في داخله في حقبة زمنية عاشها جيل شاب تعلّق فيه بقصائد الشعراء المبدعين وبأم كلثوم، وعبدالحليم، وبالإنتاج السينمائي والتلفزيوني حينما دخلت التلفزيونات الأبيض والأسود والتيلفونات إلى بعض المنازل، زمن جميل ظهر في حلّة إنتاجية رائعة.
الخليج العربي في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي كان متشابها ليس مناطقياً واجتماعياً وثقافياً فقط، بل إن تفاصيل الحياة اليومية تكاد تكون متشابهة، ونحن نذكر كيف كان الرجال يسافرون إلى الدول المجاورة للعمل والبحث عن مصادر الرزق، وكيف وفد على مجتمعاتنا المعلمون والأطباء والمهندسون وغيرهم، ممن جاؤوا واختلطوا بالناس في تمازج اجتماعي وعاطفي يقوم على الاحترام والتراحم والتواصل، كل ذلك أثر في عمق تلك العلاقات التي تشابكت في بعض الأحيان، هذا ما لامسهُ المسلسل ببراعة متناهية.
كان الفتيان والفتيات في ذلك الزمان يتعارفون في وضع طبيعي جداً وكم من الحبّيبة فشلت مشاريعهم العاطفية بسبب القيود الاجتماعية والأسرية التي لم يتجاوزها أحدهم في سلوكه الطبيعي، وتعلقه العاطفي، لذا كان الفشل حليف أغلب تلك العلاقات الجميلة التي عاشتها بإتقان شخصيات «عواطف وسعد، عزيزة وأحمد، مزنة ورياض»، والتي يتبرأ منها اليوم بعض الذين عاشوها بتفاصيلها الحلوة في تلك الأيام.