عربي21:
2024-12-15@11:24:57 GMT

ناشونال إنترست: لماذا تنهار الجيوش القوية ظاهريا؟

تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT

ناشونال إنترست: لماذا تنهار الجيوش القوية ظاهريا؟

سلطت مجلة "ناشونال إنترست" الضوء على أسباب انهيار الجيوش القوية ظاهريا، مستشهدا بتفكك الجيش السوري المفاجئ أمام هجوم المعارضة، وموضحا أن هذا الانهيار يرتبط بعوامل مثل الفساد والإقصاء العرقي والاعتماد على الدعم الخارجي.

وقالت المجلة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إنه بحلول 2017، وبعد ست سنوات من الحرب، كانت نظما بشار الأسد قد استقر في وضع طبيعي جديد، لم يكن هذا الوضع الطبيعي هو الذي كان يتمتع به آل الأسد قبل الربيع العربي، ولكن بمساعدة روسيا وإيران وحزب الله - وللغرابة، الولايات المتحدة التي كانت تهاجم تنظيم الدولة - نجحت قوات الأسد في دحر المعارضة، ومع مرور السنوات، أصبح نظامه يسيطر على ما يقرب من ثلثي سوريا.



وبدأ الأسد الآمن في السلطة بالسفر إلى الخارج، وبدا أن الجميع يتقبل أن الرجل الوحشي موجود ليبقى، وكان "التطبيع" هو كلمة السر بين دبلوماسيي الشرق الأوسط وحتى بين بعض الدبلوماسيين الغربيين، وفي أيلول/سبتمبر، عينت إيطاليا أول سفير لها في سوريا بعد 13 سنة من وقف العلاقات الدبلوماسية.



ولكن هذا الاستقرار تلاشى يوم السبت الماضي بعد هجوم مفاجئ استمر عشرة أيام من قبل هيئة تحرير الشام؛ حيث انهار جيش النظام، وتخلى جنوده عن مواقعهم وخلعوا زيهم العسكري، واستولى المتمردون على دمشق دون قتال، وهرب الأسد إلى موسكو.

ولفتت إلى أن الاستسلام المفاجئ وغير المتوقع لجيش النظام هو جزء من تاريخ طويل للجيوش القوية ظاهريا والهشة داخليا التي تنهار بسرعة أمام تقدم الثوار، فقد انهار الجيش الأفغاني في أفغانستان سنة 2021 في غضون أشهر مع صعود طالبان إلى السلطة، وقبل ذلك انهار الجيش العراقي مع استيلاء تنظيم الدولة على معظم أنحاء البلاد سنة 2014، وفي العام نفسه، استولى الحوثيون في اليمن على العاصمة صنعاء في غضون أيام فقط وسرعان ما أطاحوا بحكومة عبد ربه منصور هادي.

وحدثت نفس الظاهرة في جمهورية أفريقيا الوسطى سنة 2013، عندما أطاح ائتلاف سيليكا للمتمردين بالحكومة في غضون أشهر، واستولى على العاصمة بانغي دون مقاومة تذكر، وهرب رئيس البلاد المحاصر، فرانسوا بوزيزيه، إلى الكاميرون، وفي الجنوب في زائير، انهارت قوات موبوتو سيسي سيكو سنة 1997 عندما اجتاح تمرد من الشرق البلاد، ومع اقتراب المتمردين من قصره في الغابة، فر موبوتو إلى المغرب.

وأفادت المجلة أنه من المستحيل التنبؤ بتوقيت الانهيار؛ ولكن يمكن دائما فهرسة أسبابه؛ حيث تتكرر نفس العوامل التي تهدم الجيوش التي تحارب حركات التمرد.

وبحسب المجلة؛ العامل الأول هو الإقصاء العرقي، فغالبا ما تملأ الحكومات جيوشها بأبناء عرقهم، ورغم مزايا هذا النهج في "حماية الأنظمة من الانقلابات"، ولكن في الحروب الأهلية ذات البعد العرقي، غالبا ما تكون القوات الحكومية من مجموعة والمتمردون من مجموعة أخرى، وتؤدي هذه الممارسة حتما إلى استياء متزايد بين تلك المجموعات الأخرى المهمشة.

ففي زائير في أوائل التسعينيات، كان نصف جنرالات الجيش ينحدرون من مقاطعة موبوتو نفسها، وثلث هؤلاء كانوا من أبناء مجموعته العرقية الصغيرة نسبيا، وفي جمهورية أفريقيا الوسطى، كانت إحدى المظالم الرئيسية للمتمردين هي أن الحكومة رفضت دمج بعض المجموعات العرقية في الجيش، وقد شعر الحوثيون في اليمن أن مخاوفهم تم تجاهلها في عهد هادي، وقبل ظهور تنظيم الدولة كان الجيش العراقي في عهد رئيس الوزراء نوري المالكي يهمش السنة، وفي الجيش الوطني، كان الطاجيك يمثلون أكثر من ثلثي القادة، رغم أنهم كانوا يشكلون ربع السكان فقط.

وفي سوريا، كان حوالي 70 بالمئة من جميع الجنود و80 بالمئة من جميع الضباط من الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد، رغم أن هذه الطائفة لا تشكل سوى 13 بالمئة من السكان، وكانت هيمنة العلويين شبه كاملة في الحرس الجمهوري، وهي مجموعة الحماية الخاصة التي كان يقودها أحد أشقاء الأسد.

وأضافت المجلة أن العامل الثاني هو الفساد، وهو عامل أساسي في تآكل الجيوش، فالحكومات الضعيفة لا تستطيع في كثير من الأحيان تحمل الرواتب اللازمة لشراء ولاء قواتها، لذا فهي تتسامح مع الكسب غير المشروع أو تشجعه عن غير قصد.

ففي الجيوش اليمنية والعراقية والأفغانية، لم تذهب الترقيات إلى الأكثر تأهيلا بل إلى أولئك الذين لديهم علاقات أو على استعداد لدفع رشوة، وكانت جداول الرواتب مليئة بآلاف "الجنود الوهميين"، وهي مناصب غير موجودة تم إنشاؤها للسماح للقادة باختلاس الرواتب، وفي أفغانستان، اشتبه في قيام ضباط فاسدين في القوات الجوية بتهريب الأفيون والأسلحة، وكان العديد من قادة الجيش الأفغاني من أمراء الحرب الذين كانوا متحالفين مع طالبان في السابق وكان ولاؤهم للبيع لمن يدفع أكثر.

وقد كان جيش النظام أيضا مليئا بالفساد، بدءا من جمع الرشاوى الصغيرة من سيارات المارة، إلى مؤسسة بمليارات الدولارات تنتج وتبيع الكبتاغون.

وقد أدى فساد الجيوش إلى تفاقم مشاكل السكان الذين يعتمد المتمردون على دعمهم، كما أنه جعل الجيوش أقل فعالية مع تحول الموارد بعيدا عن الاستثمار في الأسلحة والمعدات ورواتب الجنود، وكما قال مسؤول أفغاني حول انهيار الجيش الأفغاني: "لم يكن أحد يريد أن يموت من أجل أشخاص يسرقون البلاد"، وقد ثبتت صحة الأمر نفسه في سوريا؛ حيث لم يكن الوعد الذي قطعه الأسد في اللحظة الأخيرة بمنح الجنود السوريين زيادة في الرواتب بنسبة 50 بالمئة كافيا لإحياء الروح المعنوية.

وأشارت المجلة إلى أن العامل الأكثر تأثيرا وراء الانهيارات العسكرية الأخيرة هو فقدان الرعاة الأجانب، فعادة ما تحتاج الحكومات الضعيفة إلى المساعدة في الحفاظ على السيطرة على الأراضي، وعندما ينسحب الرعاة الخارجيون من المشهد يكون هذا هو المسمار الأخير في نعش تلك الحكومات.



فلم يكن من قبيل المصادفة أن ينهار جيش زائير بعد الحرب الباردة عندما لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية بحاجة إلى موبوتو، وفي جمهورية أفريقيا الوسطى، وعندما كان الجيش اليمني على وشك الانهيار، رفضت الولايات المتحدة توسيع نطاق دعمها لمكافحة الإرهاب ليشمل محاربة الحوثيين. وبالمثل، في كل من العراق وأفغانستان، كان انسحاب القوات الأمريكية هو ما عجل بانهيار الجيش.

وقد كان السبب المباشر لانهيار الجيش السوري هو الانخفاض الحاد في الدعم الخارجي؛ فقد كانت روسيا مشغولة في أوكرانيا، ولم تكن قواتها الجوية قادرة على تكرار وابل الضربات الجوية التي أنقذت الأسد في 2015، أما حزب الله فكان يترنح من الضربات الإسرائيلية ضده في لبنان، ولم يعد قادرا على توفير المقاتلين الذي كان لديه من قبل، وكانت إيران أيضا تلعق جراحها من الضربات الإسرائيلية وسرعان ما سحبت قواتها العسكرية من سوريا.

وختمت المجلة التقرير بقولها إن جيوش الحكومات غالبا ما تكون نماذج مصغرة لأنظمتها، ومثلها مثل جيش النظام السوري، حيث كانت الدولة السورية هشة بسبب سنوات من الفساد والإقصاء، وبالكاد كان الدعم الخارجي يساندها، وإذا أعدنا النظر، فإن اللافت لم يكن سرعة سقوط النظام بل المدة التي تمكن فيها من الصمود.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الجيش المعارضة الأسد النظام الأسد المعارضة جيش النظام صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جیش النظام لم یکن

إقرأ أيضاً:

لماذا تخلت إيران وروسيا عــــــــن بشار؟.. وكواليس اللحظات الأخيرة من حـــــــــــــكم الأسد

إيران اعتبرت أنه لا يمكن الاعتماد على بشار بعد الهجمات الإسرائيلية على أصولها فى سوريا

لم يفعل الداعمان الرئيسيان لبشار الأسد–روسيا وإيران–الكثير لمساعدة الرئيس السورى السابق مع اقتراب نهاية اللعبة. فقد انشغلت روسيا بحربها فى أوكرانيا، وانشغلت إيران بصراعها مع إسرائيل الذى تحول من عمليات الظل إلى مواجهة مفتوحة.

وقد ضاعف هذا الصراع مشاكل إيران إلى جانب أكثر من عقد من العقوبات الأمريكية المنهكة التى استنزفت مواردها المالية والعسكرية.

ورغم ذلك فإن كواليس الأيام الأخيرة من حكم الأسد تحمل الكثير من التفاصيل عن العلاقات المتشابكة التى جمعت بين حاكم سوريا وموسكو وطهران، كما تقدم إجابة كافية على السؤال الذى شغل الجميع: لماذا تخلت إيران وروسيا عن الأسد؟

فى الماضى، وفرت روسيا دعمًا دبلوماسيًا كبيرًا للنظام السورى فى المحافل الدولية، بما فى ذلك استخدام حق النقض (الفيتو) فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمنع قرارات قد تستهدف النظام عسكريا، وبدأت تدخلها المباشر فى سبتمبر ٢٠١٥ بشن ضربات جوية لدعم الجيش السورى، وركزت عملياتها على استعادة المناطق الاستراتيجية من المعارضة المسلحة والجماعات المتطرفة، مثلما حدث مع حلب عام ٢٠١٦، مما قلب موازين الصراع لصالح الأسد. علاوة على ذلك، أقامت روسيا قواعد عسكرية دائمة هناك، مثل قاعدة حميميم الجوية وميناء طرطوس، مما يؤكد ارتباطها العميق بالنظام.

ولم يختلف الوضع بالنسبة لإيران، فدعمت طهران النظام السورى باعتباره حليفا استراتيجيا فى المنطقة، ووفرت تمويلا ماليا كبيرا ومستشارين عسكريين من «الحرس الثورى الإيرانى»، كما دعمت مجموعات مثل «حزب الله» اللبنانى للقتال إلى جانب الجيش السورى. وهو ما كان حاسما فى تمكين الأسد من الحفاظ على السلطة وإعادة السيطرة على مساحات واسعة من الأراضى السورية.

فماذا حدث؟ ولماذا تحول الدعم إلى تخلٍ؟موسكو تنسحب

هل تخلت روسيا عن الأسد؟ أجاب الرئيس الأمريكى المنتخب على هذا السؤال، وقال ترامب يوم الأحد الماضى: إن الرئيس السورى بشار الأسد «فر من بلاده» بعد أن فقد دعم روسيا، وأضاف على منصة Truth Social الخاصة به: «لقد رحل الأسد. لم تعد روسيا التى يقودها فلاديمير بوتين، مهتمة بحمايته بعد الآن».

ماذا حدث؟ حسب تقرير وول ستريت جورنال، فى مواجهة انهيار حكمه، طار الأسد فى الأيام الأخيرة إلى موسكو طالبا المساعدة من داعميه العسكريين القدامى.

وقال مسؤولون أمنيون سوريون ومسؤولون عرب آخرون مطلعون على المناقشات: إنه خرج خالى الوفاض. شنت روسيا غارات جوية ولكن بوتيرة أبطأ مما كانت عليه فى السنوات الماضية.

وقال بسام باراباندى، وهو دبلوماسى سورى كبير سابق غادر لدعم المعارضة: «هذه الدائرة المقربة من بشار، لقد اختفوا وغيروا أماكنهم وغيروا أرقام هواتفهم المحمولة».

«لم يعودوا يتواصلون مع أحد بعد الآن».

وحسب رواية وول ستريت جورنال، اتصلت زوجة مسؤول استخباراتى كبير بمستشار حكومى هذا الأسبوع وهى تبكى لأنها أرادت الفرار إلى الإمارات العربية المتحدة، ورفض زوجها. وقالت، وفقا للمستشار: «أرجوك أخبره أن علينا المغادرة».

«البلد فى طريقها إلى الانتهاء».

توقفت التدخلات الروسية فى السادس من ديسمبر بعد فشل غارة جوية فى قطع جسر الرستن الرئيسى بين حمص وحماة (وأدت إلى إتلافه فقط) –وبالتالى استولت قوات المعارضة على حمص بسهولة. وفى أعقاب هذا، لم تتمكن روسيا من مساعدة قوات الأسد أكثر من ذلك، وبدأت قواتها فى إجلاء أسطولها العسكرى من القواعد فى غرب سوريا، كما أغلقت السفارة الروسية فى دمشق بعد استيلاء المتمردين على المدينة؛ وأمرت روسيا مواطنيها أيضا بمغادرة البلاد.

لم تكن روسيا تشعر بالقلق من سقوط الأسد، والدليل إعلانها على الفور أن قواعدها العسكرية فى سوريا فى حالة تأهب قصوى، مؤكدة أنه لا يوجد تهديد جدى لها، مع سقوط نظام بشار الأسد، وأضافت وزارة الخارجية الروسية فى بيان لها: «فى هذا الصدد، فإن روسيا الاتحادية على اتصال مع جميع الجماعات فى المعارضة السورية».

وكان مدونون حربيون روس قد حذروا من أن منشأتين عسكريتين روسيتين مهمتين استراتيجيا فى سوريا تتعرضان لتهديد خطير من فصائل المعارضة المسلحة.

بدا الأمر وكأن روسيا كانت مهتمة فقط بتأمين منشآتها العسكرية. لكن يبدو فى نفس الوقت أنها لم تتخل عن بشار الأسد بالكامل، فبعد سيطرة هيئة تحرير الشام على دمشق ظل مكان بشار الأسد مجهولا إلى أن أعلنت روسيا أنه متواجد فى موسكو بعد أن قرر التخلى عن السلطة بشكل سلمى. كما قال المتحدث باسم الكرملين دميترى بيسكوف للصحفيين يوم الإثنين: إن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين قرر شخصيا منح اللجوء لبشار الأسد وعائلته.

وأضاف بيسكوف: «لا يمكن اتخاذ مثل هذه القرارات بالتأكيد دون رئيس الدولة. كان هذا قراره»، بينما رفض التعليق رسميا على مكان وجود الأسد.

صدمة إيران

بدورها، تخلت إيران عن بشار قبل سقوطه من السلطة، وفقا لمحللين ومطلعين، وأبلغه وزير خارجيتها أن طهران الضعيفة لم تعد قادرة على إرسال المزيد من القوات لدعم نظامه.

وحسب فايننشال تايمز، عندما زار وزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجى دمشق الأسبوع الماضى، بعد أيام من سقوط حلب ثانى أكبر المدن السورية فى يد الثوار، زعم الرئيس السورى بشار الأسد أن «انسحابه من حلب كان تكتيكيا وأنه لا يزال مسيطرا»، حسب ما قال أحد المطلعين فى حكومة طهران، ورد عراقجى إن إيران لم تعد فى وضع يسمح لها بإرسال قوات لدعمه على أى حال.

وحسب المصدر المطلع فى إيران، أن لا أحدًا لم يكن يتوقع أن يأتى الانهيار بهذه السرعة أو أن ينكشف هذا الخواء فى نظام الأسد، مؤكدا «كان ذلك بمثابة صدمة لنا أيضا».

وقال سعيد ليلاز، وهو محلل مقرب من حكومة الإصلاحى مسعود بيزشكيان: لقد أصبح الأسد عائقا أكثر من كونه حليفا، ما يعنى أن وقته قد انتهى. لم يعد الدفاع عنه مبررا، حتى وإن كان ذلك يمثل انتكاسة كبيرة لإيران.

إن الاستمرار فى دعمه ببساطة لم يكن منطقيا وكان سيؤدى إلى تكاليف لا يمكن تحملها».

لقد ضعف نفوذ إيران فى المنطقة بشكل كبير بسبب الهجمات الإسرائيلية على موظفيها وأصولها فى سوريا وعلى حزب الله، الجماعة المسلحة الموالية لها فى لبنان، مما أدى إلى استنزاف قدرتها على دعم نظام الأسد.

فى الوقت نفسه، اعتبر المسؤولون الإيرانيون أن الأسد لا يمكن الاعتماد عليه بشكل متزايد، إن لم يكن خائنا بشكل صريح، فى حين اتهمه محللون ومطلعون من الداخل بالفشل فى منع الضربات الإسرائيلية على أهداف إيرانية فى بلاده.

وقال المطلعون: كان هناك إحباط طويل الأمد من الأسد فى طهران. وأضافوا: «منذ أكثر من عام، كان من الواضح أن وقته قد ولى. لقد أصبح عائقا حتى أن البعض وصفه بالخائن. لقد كلّفنا تقاعسه عن العمل ثمنا باهظا».

وفى أعقاب سقوط الأسد فى أيدى المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام، وهى جماعة سنية، تصاعدت الاتهامات داخل قيادة طهران، فقال مصدر مطلع من إيران: «كان أشخاص داخل نظامه يسرّبون معلومات عن مكان وجود القادة الإيرانيين».

وأضاف: «لقد أدار الأسد ظهره لنا عندما كنا فى أمس الحاجة إليه».

ويأتى سقوط الأسد، الذى حكمت عائلته لأكثر من خمسة عقود، كضربة مدمرة للسياسة الخارجية الإيرانية على مدى عقود، رسخت طهران استراتيجيتها على «محور المقاومة» ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، مستفيدة من شبكة من الوكلاء فى جميع أنحاء المنطقة.

وكانت سوريا حلقة حاسمة فى هذه السلسلة، حيث كانت بمثابة بوابة لإيران لإمداد وتمويل حزب الله فى لبنان والميليشيات الشيعية فى العراق والحوثيين فى اليمن.

وقد انقطعت هذه الحلقة الآن، بعد أن استولت هيئة تحرير الشام على دمشق فيما ثبت أنه الفصل الأخير من نظام الأسد. وقد صدمت سرعة الهجوم المراقبين، حيث حققوا فى أقل من أسبوعين ما فشلت قوات المعارضة فى تحقيقه خلال ١٣ عاما من الحرب المدمرة. لطالما سخرت طهران من هيئة تحرير الشام ووصفتها بـ«الإرهابية» المتحالفة مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية.

والقول بأن إيران تتراجع فى سوريا، أو أن حزب الله يهرب، هو قول سابق لأوانه، كما يؤكد العديد من المحللين.

وقد دفع المتشددون فى إيران باتجاه رد عدوانى. واقترح أحمد نادرى، وهو نائب متشدد، أن على طهران «إحياء جبهة المقاومة الجريحة» وإجراء تجربة أسلحة نووية لإعادة تأكيد مكانتها الإقليمية. وحث آخرون على توخى الحذر.

وقال ليلاز: «لا يمكن لإيران أن تفعل الكثير فى المنطقة فى الوقت الراهن».

«إن إعادة بناء حزب الله وتقييم النظام الشرق أوسطى الجديد سيستغرق وقتا. وحتى ذلك الحين، يجب على إيران أن تخطو بحذر».

ففى سوريا، أدت الغارات الجوية الإسرائيلية خلال العام الماضى إلى مقتل ما لا يقل عن ١٩ قائدا إيرانيا واستهدفت منشآت حيوية لعمليات طهران الإقليمية. أما فى لبنان، فقد تضرر حزب الله -وكيلها الإقليمى الأقوى فى المنطقة- بشدة من الحملة الإسرائيلية التى اغتالت كبار قادته واستهدفت بنيته التحتية وأسلحته وأذرعه المدنية قبل وقف إطلاق النار الذى تم الاتفاق عليه الشهر الماضى. وقد أصر وزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجى يوم الأحد على أن حزب الله سيبقى صامدا. وقال للتليفزيون الرسمى إن الحزب لديه ما يكفى من الأسلحة ليصمد «لمدة عام أو عامين» بينما يستكشف طرق إمداد بديلة.

وتشعر طهران بنفس القدر بالقلق بشأن الامتداد المحتمل إلى العراق، جارتها الغربية، حيث تظل الميليشيات الشيعية محورا لسياستها الإقليمية. قال أصغر زارعى، المحلل المقرب من النظام، إن الأسد «أساء التصرف» منذ حرب حماس وإسرائيل فى أكتوبر ٢٠٢٣، دون إعطاء تفاصيل.

وأضاف زارعى على التليفزيون الحكومى: «لسوء الحظ، كل ما بنيناه على مدى ٤٠ عاما انهار بين عشية وضحاها». «ستكون إعادة بناء موقفنا صعبة للغاية. يجب أن نضمن عدم حدوث ذلك فى العراق أو اليمن. لقد حان الوقت لشد أحزمتنا فى أماكن أخرى».

ويجادل بعض المحللين الإيرانيين بأن التعاون مع هيئة تحرير الشام، على الرغم من التوجه الإسلامى السنى للجماعة، يمكن أن يساعد إيران فى الحفاظ على بعض النفوذ. ودعا على مطهرى، وهو نائب برلمانى سابق، إلى المشاركة البراغماتية. وقال: «يجب أن نتفاوض مع هيئة تحرير الشام»، مشيرا إلى أن الجماعة المتشددة، رغم معارضتها للشيعة، إلا أنها تشارك إيران معارضتها لإسرائيل.

وفى الوقت الراهن، تتخذ طهران نهجا حذرا بانتظار تقييم نوايا حكام سوريا الجدد. وقد دعت وزارة الخارجية الإيرانية إلى احترام «وحدة الأراضى السورية» وأبدت استعدادها للعمل مع الأمم المتحدة لمعالجة الأزمة. وستكون استعادة النفوذ فى سوريا ولبنان مهمة هائلة بالنسبة لطهران.

فى تلك اللحظة من المهم تذكر مقولة رئيس وزراء بريطانيا الأسطورى ونستون تشرشل: «ليس هناك أصدقاء دائمون أو أعداء دائمون، فقط مصالح دائمة».

هذا الاقتباس يعكس الطبيعة الديناميكية للسياسة الدولية، حيث تتغير التحالفات بناء على المصالح والظروف المتغيرة، وليس بناء على الروابط أو العداوات الثابتة.

مقالات مشابهة

  • لوبوان: هل انتهت دولة المخدرات السورية بعد سقوط نظام الأسد؟
  • قصة سقوط نظام امتد نصف قرن.. لماذا فر الأسد إلى روسيا؟
  • لماذا تخلت إيران وروسيا عــــــــن بشار؟.. وكواليس اللحظات الأخيرة من حـــــــــــــكم الأسد
  • فورين بوليسي: واشنطن تحتاج إلى استراتيجية جديدة لسوريا ما بعد الأسد
  • "فورين بوليسي": واشنطن تحتاج إلى استراتيجية جديدة لسوريا ما بعد الأسد
  • لماذا قرر جنود الجيش السوري عدم القتال من أجل الأسد؟
  • لماذا تخلّت إيران عن حليفها الأكثر كلفة؟
  • لماذا فشلت روسيا في إعادة بناء جيش الأسد؟
  • شاهد بالفيديو.. قائد حراسات “كيكل” يتهمه بالتسبب في اغتيال “البيشي” على الرغم من العلاقة القوية التي تربطهما ويكشف التفاصيل الكاملة