سياسي: أوكرانيا تحاول دعم الجماعات الإرهابية في السودان
تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT
قال رامي زهدي، الخبير في الشؤون الإفريقية، ان العالم يتجه إلى الى البحث عن بدائل اقتصادية وسياسية جديدة، بينما وجدت بعض الدول ضالتها داخل الصراعات والحروب التي تندلع في بعض الدول الإفريقية، حيث أججت تلك القوى الغربية الصراعات بهدف السيطرة على مقدرات الشعوب داخل القارة السمراء الغنية بالموارد والمواد الخام أمثال السودان ومالي والصومال والكونجو وغيرهم.
وأضاف أن السودان يمر بأزمة هي الأخطر منذ عقود، حيث لا يقتصر الأمر على كونه صراعًا داخليًا بين الجيش السوداني ومليشيات الدعم السريع، بل يمتد ليكشف عن أبعاد إقليمية ودولية معقدة تستهدف وحدة السودان واستقراره، وتهدد قدرته على بناء مؤسسات دولة قوية.
وأوضح زهدي أن هناك دعماً غربياً واضحاً لمليشيات الدعم السريع، يظهر من خلال إمدادات الأسلحة والتمويل والمعلومات الاستخباراتية، إلى جانب دعم سياسي وإعلاميظ وأن هذا الدعم يعكس أهدافاً استراتيجية تهدف إلى تفكيك الدولة السودانية، وإضعاف جيشها الوطني، والسيطرة على مواردها الطبيعية الضخمة مثل الذهب والنفط والمعادن والأراضي الزراعية، واستمرار حالة الفوضى بما يخدم مصالح القوى الغربية.
وأشار إلى أن الدور الأوكراني في دعم المليشيات يرتبط بمساعيها للحصول على موارد جديدة مثل الذهب السوداني، خاصة في ظل أزمتها الاقتصادية الناتجة عن صراعها مع روسيا، موضحا أن إسرائيل تسعى لتعزيز نفوذها في القارة الإفريقية، خاصة في منطقة البحر الأحمر، من خلال تقديم دعم تقني وعسكري للمليشيات، بما يخدم مصالحها الاستراتيجية ويضعف استقرار السودان.
مسؤولية الأطراف السودانية
وأكد أن هذا الدعم الخارجي يضعف الحكومة المركزية ويعزز احتمالية تقسيم السودان، كما يؤدي إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة نتيجة النزوح الجماعي وارتفاع معدلات الفقر والجوع، بالإضافة إلى زعزعة الاستقرار في دول الجوار وفتح المجال أمام نشاط الجماعات الإرهابية نتيجة إضعاف الجيش السوداني.
وشدد زهدي على أن المسؤولية لا تقع فقط على الأطراف الخارجية، بل يتحمل السودانيون أنفسهم جزءاً كبيراً من المسؤولية، حيث إن استمرار انقسام النخب السياسية وغياب الإرادة الوطنية يعزز التدخلات الأجنبية.
ودعا القوى السودانية إلى التوحد والعمل على تحقيق توافق وطني يعلي مصلحة البلاد، بالإضافة إلى دعم الجيش باعتباره العمود الفقري للدولة، مع تكثيف الجهود الإعلامية والدبلوماسية لكشف الدور الخارجي الذي يغذي الصراع، مؤكدا أن المرحلة الحالية تتطلب وعياً كاملاً بخطورتها والعمل الجاد على إنقاذ السودان من الانزلاق نحو مزيد من الفوضى.
واستطرد أنه خلال الأسابيع الماضية، تمكن الجيش السوداني من السيطرة على مواقع ونقاط عديدة لقوات "الدعم السريع" في مناطق مختلفة بالسودان، واكتشف مخازن أسلحة أجنبية ومسيّرات أوكرانية في محور ود الحداد، واستجابة لذلك، أصدر القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، تعليمات بنقل هذه الأسلحة بسرية إلى المخازن العسكرية في بورتسودان، مع التأكيد على عدم نشر أي صور أو تفاصيل عنها.
وفي سياق متصل، كشفت تقارير استخباراتية عن تعاون أوكرانيا مع ميليشيات متطرفة في السودان ودول أخرى، ضمن أجندات غربية، وأن هذا التعاون شمل جماعات إرهابية مثل "نصرة الإسلام والمسلمين" في مالي، و"هيئة تحرير الشام" في سوريا، حيث أرسلت أوكرانيا طائرات مسيّرة ومشغلين ذوي خبرة لدعم هذه الجماعات، بما في ذلك 150 طائرة FPV إلى المعارضة السورية المسلحة في إدلب قبل الإطاحة بنظام الأسد.
ثروات السودان مطمع
وفي السياق ذاته قال الدكتور أحمد عبدالله إسماعيل، الباحث والخبير في الشأن الدولي والإفريقي، إن العالم يشهد تحولاً ملحوظاً نحو البحث عن بدائل اقتصادية تسهم في تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي، وخاصة في الدول الغربية التي تواجه تحديات كبيرة في تأمين موارد الطاقة والبترول والمواد الكيميائية اللازمة لمقومات الحياة اليومية.
وأضاف أن السودان، باعتباره دولة ذات موارد طبيعية هائلة وموقع جغرافي واستراتيجي مميز، بات محط أنظار المجتمع الدولي، مفيدا أن الاهتمام العالمي شهد السودان وبها تدخلات خارجية واسعة النطاق تسهم في تأجيج الصراعات والنزاعات الداخلية.
وأوضح أن هناك أكثر من 13 دولة تقدم الدعم لقوات الدعم السريع، رغم علمها بعدم قدرة هذه القوات على قيادة البلاد أو تحقيق نهضتها، وهو ما يعكس أهدافاً خفية لهذه القوى، مشيرا إلى أن الهدف الرئيسي للدول التي تدعم قوات الدعم السريع يتمثل في السيطرة على مقدرات السودان من بترول وذهب وموارد زراعية وطبيعية، عبر تقسيم البلاد إلى دويلات ضعيفة.
وأوضح إسماعيل أن اختيار هذه الدول لدعم قوات الدعم السريع تحديداً يرجع إلى سهولة السيطرة عليها وتوجيه قراراتها بما يخدم المصالح الخارجية، حتى لو كان ذلك على حساب إرادة الشعب السوداني وسيادة الدولة، وفيما يتعلق بمستقبل إفريقيا، أكد الدكتور أحمد عبدالله، أن الحل الوحيد للدول الإفريقية، وخاصة السودان، يكمن في التوحد والعمل من خلال الاتحاد الإفريقي والمؤسسات الإفريقية بعيداً عن التدخلات الغربية، التي لا تبدي أي اهتمام بمستقبل القارة أو شعوبها.
وقال إن التمسك بالتحرر من الإرهاب والجماعات المسلحة والمتطرفة يعد خطوة أساسية لتحقيق الاستقرار والسلام في القارة الإفريقية، مشيراً إلى تجارب دول مثل مالي والكونغو التي تعمل على التخلص من الهيمنة الغربية واستعادة سيادتها.
وأكد على ضرورة أن تدرك الدول الإفريقية أهمية الاعتماد على نفسها وتعزيز استقلالية قرارها السياسي والاقتصادي، باعتباره السبيل الأمثل لتحقيق نهضة مستدامة وسلام شامل في القارة، موضحا أن هناك تقارير ومعلومات نشرتها سائل إعلام محلية ودولية في نوفمبر الماضي، نقلاً عن مصادر عسكرية سودانية، كشفت رصد الجيش السوداني لأسلحة خطيرة تمّ توريدها من إحدى الدول الأوروبية عبر تشاد إلى دارفور لاستخدامها في السودان.
وبحسب المصادر، أبرز تلك الأسلحة الطائرة المسيّرة "أي أي هيرو"، وهي طائرة بدون طيار، تُستخدم لأغراض الاستطلاع، طورتها شركة IAI الإسرائيلية في منتصف عام 2012، وكانت الطائرة بدون طيار الأكثر مبيعا، بالإضافة لطائرات درون من طراز Danger Propellers برقم تسلسلي J/DF24-23-01-043A، الطائرات من إنتاج شركة Woodcomp Propellers في جمهورية التشيك بوسط أوروبا، معدّلة للأغراض العسكرية.
وكانت صحيفة "هآرتس" العبرية قد كشفت منذ أسابيع قليلة أن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الملقب بـ "حميدتي"، حصل على أجهزة تجسس متطورة، نقلتها إلى الخرطوم طائرة مرتبطة ببرنامج التجسس "الإسرائيلي"، تجلب تكنولوجيا المراقبة من الاتحاد الأوروبي.
وبحسب الصحيفة، فقد تم نقل الشحنة على وجه السرعة إلى منطقة "جبل مرة" بدارفور التي تقع تحت سيطرة "الدعم السريع" بالكامل.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الجیش السودانی الدعم السریع السیطرة على
إقرأ أيضاً:
هل اقترب الجيش السوادني من السيطرة على الخرطوم وهزيمة الدعم السريع؟
عاد السودان إلى واجهة الأحداث مع استعادة الجيش السيطرة على مدينة ود مدني ثاني أكبر مدن البلاد، وعاصمة ولاية الجزيرة مركز النشاط الزراعي السوداني، وعقدة الطرق بين شمال البلاد وجنوبها، وشرقها وغربها. وقد عززت استعادة السيطرة على المدينة اندفاع قوات الجيش رفقة القوات الرديفة، نحو الخرطوم وبحري اللتين تشكلان مع أم درمان العاصمة السودانية.
السقوط المزلزللم يكن سقوط ود مدني في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023 حدثا عاديا في مسيرة الصراع الذي بدأ منتصف أبريل/نيسان 2023، بل كان أشبه بزلزال هزّ كيان السودان جيشا وشعبا، بعد أن انتشر القلق من أن قوات الدعم السريع غير قابلة للهزيمة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كيف يحاول جنرالات الحرب تهميش الإنسان ومحاربة الزمن؟list 2 of 2إرادة التعليم تتحدى الحرب في امتحانات الثانوية العامة بالسودانend of listفالمدينة سقطت من قبل دون قتال عنيف، بشكل تضمن انسحاب قادة الفرقة العسكرية الأولى المكلفة بالدفاع عن المدينة؛ مما دفع القوات المسلحة إلى فتح تحقيق بشأن ما جرى وإحالة سبعة ضباط من بينهم قائد الفرقة للمحاكمة العسكرية. وقد تداعت جموع المواطنين لتشكيل كتائب مقاومة شعبية، والتسلح بما تيسر من عتاد للدفاع عن مناطقهم في ظل التخوف من تكرار ما حدث في ود مدني وعدم قدرة الجيش على الدفاع عنهم.
ولفهم الأثر النفسي لسقوط ود مدني بيد الدعم السريع بعد ستة أشهر من اندلاع القتال في الخرطوم وغيرها من مناطق السودان، لا بد من استحضار المقولات التي ترددت في الساعات الأولى من اندلاع الحرب.
إعلانفقد قيل "لن تهزم مليشيا جيشا"، و"الجيش السوداني سيقضي بواسطة استخدام الأسلحة الثقيلة من دبابات وطيران على تمرد الدعم السريع خلال أيام معدودة"، لكن تبين أن الحرب سجال، وأن قوات الدعم السريع استعدت مسبقا للحرب بشكل جيد، وأنها استفادت من انتشار وحشد قواتها في العاصمة بمكوناتها الثلاثة الخرطوم وبحري وأم درمان لفرض هيمنتها، والسيطرة على المعسكرات والمنشآت السيادية مثل القصر الجمهوري ومقر جهاز المخابرات العامة ومقر قيادة الكتيبة الإستراتيجية ومصنع اليرموك لصناعة الأسلحة، وحاصرت مقرات الجيش بما فيها مقر القيادة العامة للقوات المسلحة ومقر قيادة سلاح المدرعات في منطقة الشجرة العسكرية، ومقرات قيادة أسلحة الإشارة والمهندسين وغيرها.
بررت مصادر عسكرية هيمنة الدعم السريع على العاصمة بأنها تحصيل حاصل من الناحية العسكرية، فقوات الدعم السريع كانت موجودة بالفعل مسبقا لحماية الأماكن التي سيطرت عليها، أما انتشار الجيش في الخرطوم فكان إداريا داخل معسكراته وحول مقراته القيادية، وكانت أغلبية قواته القتالية منتشرة في أنحاء السودان لحماية المناطق الحدودية، التي تشهد اشتباكات متكررة مع جماعات متمردة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق أو مع عصابات من دول الجوار مثلما هو الحال مع عصابات الشفتة في منطقة الفشقة على الحدود مع إثيوبيا.
ولذلك بشرت تلك المصادر آنذاك بأن الجيش سيعيد تجميع قواته ويشن هجوما مضادا يستعيد به الخرطوم. ولكن وقعت المفاجأة بعد ستة أشهر من القتال، حيث تمدد الدعم السريع إلى ولاية الجزيرة وسيطر على عاصمتها ود مدني؛ مما أثار الشك في قدرات الجيش العسكرية، ومدى ولاء كبار الضباط للقيادة العسكرية في ظل تسليم المدينة دون مقاومة تكافئ حجم قوات الجيش بالمدينة، في حين تصاعدت عمليات النزوح، ووصل عدد من يحتاجون في عموم السودان إلى مساعدات إنسانية إلى نحو 30 مليون شخص بحسب وزارة الخارجية الأميركية.
إعلان تدشين معركة وسط السودانساد الظن بداية الحرب بأنها ستقتصر على العاصمة الخرطوم نظرا إلى انتشار قوات الدعم السريع بها، وفي إقليم دارفور الذي يمثل الحاضنة الاجتماعية الرئيسية لقادة هذه القوات، وأن مناطق الوسط والشمال والشرق ستظل بعيدة عن تداعيات القتال نظرا إلى افتقاد الدعم السريع لحواضن اجتماعية في تلك المناطق وضعف وجوده بها، وانتشار الجيش القوي هناك.
لكن السيطرة على ود مدني فتحت الباب أمام الدعم السريع للتمدد في وسط السودان وصولا إلى جنوب شرق البلاد على الحدود مع إثيوبيا؛ فسيطر على ولاية سنار، وعاصمتها سنجة. كما تسللت أرتال منه إلى النيل الأزرق، وامتد القتال إلى نحو اثنتي عشرة ولاية من ولايات السودان الثماني عشرة، وبدا أن قيادة الجيش ستتعرض للحصار في شرق السودان، وأن الأمور تتجه حتى لفقدان الشرعية السياسية، حيث واكبت التطورات الميدانية جولة إقليمية زار خلالها حميدتي قائد قوات الدعم السريع دولا إفريقية مثل أوغندا وكينيا، وحاز خلالها استقبالا حافلا، رافضا هو وعدة مكونات مدنية أسست حركة "تقدم" بقيادة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، الاعتراف بشرعية الحكومة التي أعلنها الجيش انطلاقا من مدينة بورتسودان.
مع الشعور بالخطر، والعجز عن استعادة الخرطوم، وفقدان ولاية الجزيرة، وتمدد الدعم السريع إلى جنوب شرق السودان، فضلا عن سيطرته على أربع ولايات من ولايات دارفور الخمس، وحصاره المشدد لمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، والضغوط الدولية للتفاوض باعتبار ما يحدث صراعا بين مؤسستين متنازعتين، وليس بين الجيش وقوة متمردة عليه؛ غيرت قيادة القوات المسلحة السودانية سياساتها بهدف كسر الحصار، وتغيير المعادلات على الأرض.
فبحسب ياسر العطا عضو مجلس السيادة الانتقالي ومساعد القائد العام للقوات المسلحة، رُصد تدفق شحنات أسلحة من إحدى دول الخليج لصالح قوات الدعم السريع عبر دول الجوار، وبالأخص تشاد، وهو ما أكده تقرير فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بالسودان، الصادر في يناير/كانون الأول 2024، في حين لم تقدم أيٌّ من دول الجوار دعما ملموسا للجيش السوداني.
إعلانولمواجهة هذا الواقع بدأت قيادة الجيش البحث عن مصادر خارجية للحصول على سلاح نوعي وذخائر، فانفتحت على موسكو، واستقبلت بمدينة بورتسودان في أبريل/نيسان 2024 وفدا بقيادة ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الخاص للرئيس بوتين إلى الشرق الأوسط وأفريقيا في سياق التنسيق مع موسكو لدعم الجيش السوداني وتحجيم علاقة فاغنر بالدعم السريع، كما أعادت الخرطوم العلاقات الدبلوماسية مع طهران بعد قطيعة استمرت منذ عام 2016 في عهد الرئيس السابق عمر البشير، وطلبت قيادة الجيش السوداني من تركيا أن تبيع لها طائرات مسيّرة وتُدرّب الجيش على استخدامها.
مع حصوله على أسلحة نوعية، وفي مقدمتها طائرات مسيّرة، بدأ الجيش السوداني في تجهيز خطة عسكرية طويلة الأمد لاستنزاف قوات الدعم السريع قبل شن هجمات برية كبيرة عليها، فكثف الضربات الجوية على ارتكازات هذه القوات في الخرطوم، وعلى قوافل الإمداد حول الخرطوم وعلى الحدود مع ليبيا وتشاد.
كما ركزت هجمات الجيش على استهداف القادة الميدانيين للدعم السريع، ومن أبرزهم عبد الرحمن البيشي قائد عمليات الدعم السريع في ولاية سنار وإقليم النيل الأزرق الذي قُتل بغارة جوية في يوليو/تموز الماضي؛ مما ساهم في نجاح هجوم الجيش الواسع في ولاية سنار، وتُوِّج ذلك باستعادة جبل موية الإستراتيجي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ثم مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
كذلك نجح الجيش في استمالة "أبوعاقلة كيكل" قائد قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة، وشجعه على الانشقاق رفقة الموالين له ضمن قوات "درع الجزيرة"؛ مما دفع الدعم السريع إلى الرد بالانتقام من الحاضنة الاجتماعية لكيكل في ولاية الجزيرة، فاستباح قرى بأكملها قتلا وأسرا لسكانها فضلا عن حوادث اغتصاب جماعي، ووصل الحال إلى نزوح نحو خمسة ملايين سوداني من الولاية، وهو ما أثار الهلع في بقية أنحاء السودان، وأعطى الحرب بعدا ثأريا.
إعلان معركة ود مدنيتتميز قوات الدعم السريع بسرعة الحركة، والقدرة على الانتشار الواسع في أراضي السودان المترامية الأطراف والمنبسطة في أغلبها؛ مما يتيح الانتشار الواسع لهذه القوات، ويُصعب على الجيش مطاردتها وحصارها. ولذا اعتمد الجيش بعد استعادته لولاية سنار، على الإعداد لمعركة ولاية الجزيرة ثم العاصمة، عبر الاستنزاف، وقطع خطوط الإمداد.
قبل بدء معركة ود مدني شنت قوات الجيش في نهاية سبتمبر/أيلول 2024 هجوما مفاجئا من أم درمان عبرت خلاله نهر النيل إلى الخرطوم من جسري الفتيحاب والنيل الأبيض، كما عبرت إلى "الخرطوم بحري" باستخدام جسر الحلفاية، في أكبر عملية هجومية شنها الجيش بالعاصمة منذ بداية الحرب، محاولا فك الحصار عن مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، ومشتتا دفاعات الدعم السريع التي اضطرت إلى سحب بعض قواتها من ولاية الجزيرة.
وبالتزامن مع ذلك، كثفت القوة المشتركة، وهي قوة حليفة للجيش مُشكًّلة من جماعات متمردة سابقا في إقليم دارفور، هجماتها على طرق إمداد الدعم السريع على الحدود السودانية الليبية، وحظيت بدعم من طيران الجيش السوداني الذي قصف المطارات التي يسيطر عليها الدعم السريع بدارفور، وصولا إلى نجاحها في اجتياح قاعدة الزرق قرب الحدود مع ليبيا وتشاد في ديسمبر/كانون الأول 2024، التي تعد أكبر قاعدة عسكرية للدعم السريع ومركز عملياته في إقليم دارفور، فدمرت منشآتها بما فيها مخازن الوقود ومدارج الطيران، واستولت على بعض العتاد الموجود بها، ثم انسحبت سريعا.
وهدفت عمليات "القوة المشتركة" لتخفيف الحصار عن مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور، كما ساهمت أيضا في إشغال الدعم السريع عن إرسال تعزيزات إلى الخرطوم وولاية الجزيرة.
سرّع الجيش السوداني والقوات الرديفة له وتيرة تحركهم باتجاه مدينة ود مدني في ديسمبر/كانون الأول 2024، وتقدم من ثلاثة محاور في جنوب وشرق وغرب المدينة لتتوج هذه المعارك باستعادة المدينة يوم السبت الماضي 12 يناير/كانون الثاني الحالي، وانهيار دفاعات الدعم السريع، وهرب عناصره نحو الحصاحيصا ومدن وقرى شمال ولاية الجزيرة، باتجاه الخرطوم.
إعلانوسارع حميدتي لبث تسجيل صوتي اعترف فيه بخسارة ود مدني وشدد فيه على أنهم خسروا جولة ولم يخسروا المعركة، وتعهد بمواصلة القتال، واتهم الجيش السوداني باستخدام طائرات مسيّرة إيرانية، وبالاستعانة بمقاتلين من عرقية التيغراي الإثيوبية ليقاتلوا مع الجيش، وطالب أنصاره بمراجعة تنظيمهم وصفوفهم.
خريطة السودان (الجزيرة) ما القادم؟إن السيطرة على مدينة ود مدني بعد استعادة ولاية سنار، والعبور من أم درمان إلى الخرطوم وبحري، تمثل انتصارات معنوية كبيرة للجيش السوداني وعموم السودانيين الذين وقفوا معه، وتشير إلى استعادة الجيش زمام المبادرة، وتحوله من الدفاع إلى الهجوم، مع تحقيق زخم انتصارات يضعف الطرف المقابل.
ويُرجح مع مواصلة استعادة مدن وقرى شمال ولاية الجزيرة، أن يحشد الجيش قواته لمعركة الخرطوم فضلا عن التجهّز لإحكام السيطرة على المناطق الباقية تحت سيطرة الدعم السريع في أم درمان. وقد بدأ الجيش بالفعل شن هجوم على المنطقة المحيطة بمصفاة الجيلي شمال الخرطوم بحري، كما تقترب قواته من دفاعات الدعم السريع في خزان جبل الأولياء الإستراتيجي.
لقد أوشكت معركة السيطرة على وسط السودان على الانتهاء، وستبدأ معركة الخرطوم الكبرى، التي ستتيح للجيش بعد استعادته للعاصمة، نقل المؤسسات الحكومية إلى الخرطوم مجددا، وفتح الباب لعودة السكان النازحين، وعودة السفارات الأجنبية؛ مما سيعزز شرعية القوات المسلحة، ويثقل أسهمها إذا جرت مفاوضات جديدة رغم أن الجيش يرفضها حاليا ويصر على الحسم العسكري.
ونظرا إلى اتساع مساحة السودان، وصعوبة إحكام السيطرة على أراضيه، فسيظل بإمكان الدعم السريع تنفيذ هجمات خاطفة هنا وهناك، فضلا عن سيطرته الحالية على أربع ولايات من ولايات دارفور الخمس، وحصاره للفاشر عاصمة الولاية الخامسة.
ويتوقع أن يكثف الدعم السريع بعد انسحابه من الخرطوم جهوده للسيطرة على سائر إقليم دارفور، الذي تبلغ مساحته نحو نصف مليون كيلومتر مربع أي أكثر من ربع مساحة السودان. كذلك قد يلجأ حميدتي إلى الإعلان عن تشكيل حكومة في دارفور لعله ينازع بها شرعية حكومة الخرطوم، أو ينخرط في عملية تمرد تتمركز في غرب السودان، وربما في نهاية الأمر يقبل بضغط الأمر الواقع خوض مفاوضات يتخلى فيها عن طموحه بالسيطرة على السودان. لكن من المؤكد أن معادلات الميدان هي التي ستحدد مصير الدعم السريع وقائده.
إعلان