كوكب الشرق أم كلثوم برؤية سينمائية ودرامية مثيرة للجدل
تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT
يمن مونيتور/القدس العربي
لا شك في أن سيدة الغناء العربي كوكب الشرق أم كلثوم قد حظيت من دون غيرها من المُطربات بقدر وفير من الاهتمام تجاوز حدود الاهتمام العادي بمطربة أو مُغنية، ولعل الشهرة الواسعة التي حققتها أم كلثوم على مستوى العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط والقارة الأفريقية كانت دافعاً قوياً لتسجيل سيرتها الذاتية وتعقب تفاصيل حياتها في العديد من الدراسات والكتابات والأعمال الإبداعية المُختلفة ما بين السينما والدراما التلفزيونية.
وبالقطع ليست الشهرة وحدها هي السبب الذي أدى إلى التركيز على أم كلثوم كظاهرة غنائية فريدة من نوعها، لكن ثمة عوامل كثيرة وقفت وراء الاهتمام بها والرغبة في توثيق حياتها وسيرتها وإبداعها بطُرق مُتباينة وبرؤى مُختلفة من حيث المنظور والشكل والتقييم الخاص للشخصية القوية المُبهرة.
في أولى التجارب السينمائية لتجسيد شخصية أم كلثوم على الشاشة كانت الفنانة فردوس عبد الحميد هي البطلة التي أدت الدور بقدر كبير من الاجتهاد وبطريقة مُختلفة ربما كانت أكثر تلقائية من فكرة المُحاكاة التامة أو الالتزام الحرفي بكل سكنات وحركات المطربة الشهيرة.
ولكن تقديم الشخصية بتصرف شخصي من البطلة والإفراط في التساهل من ناحية المخرج محمد فاضل بعدم التطابق الكامل بين الشخصية الواقعية والشخصية الدرامية، باعد المسافة بشكل كبير بين الصورتين الحقيقية والافتراضية، فخرج الفيلم ناقصاً غير مُقنع على مستوى الأداء والتوظيف الدقيق لموهبة الفنانة القديرة فردوس عبد الحميد.
كما أن الفيلم اعتنى بجوانب أخرى من حياة أم كلثوم لم تكن هي الأهم بالنسبة للجمهور الذي اغترب بشكل كبير مع بعض التفاصيل السياسية وقصص الحُب والغرام الخفية التي عاشتها البطلة من طرف واحد، فضلاً عن علاقتها بالسرايا والملك والحاشية وغير ذلك من الإضافات غير الضرورية التي اعتبرها كاتب السيناريو اكتشافاً درامياً وتاريخاً متوارياً لابد أن يُوثق في سيرتها الفنية والشخصية على حد اعتقاده.
تلك كانت الغلطة التي جعلت الشخصية تبتعد كثيراً عن الجمهور العادي الذي لم يكن مشغولاً قط بالخلفيات السياسية لمطربته المُفضلة التي أراد أن يراها كما تصورها مجرد فنانة أخلصت لفنها وجمهورها وثابرت من أجل تحقيق ذاتها حتى أتتها الشهرة وتحقق لها النجاح فصارت النموذج المثالي للعطاء الفني بلا حدود.
الرؤية الدرامية
في الرؤية الدرامية الموسعة والشاملة التي قدمتها المخرجة الكبيرة إنعام محمد علي في مسلسلها الأهم “أم كلثوم” الذي قامت ببطولته صابرين كانت المساحة تسمح بإفساح المجال لفرد السيرة الذاتية عن آخرها وتمددها إلى أقصى حيز ممكن لتشمل قصة المطربة الكبيرة وحكايتها من البداية للنهاية.
وقد كان، فالمسلسل بدأ في تسجيل وقائع حياة أم كلثوم منذ طفولتها النابهة وغرامها بالفن والموسيقى، مروراً ببداية ممارستها للغناء وهي طفلة صغيرة ترتدي العقال العربي إمعاناً في لفت النظر وإبراز سماتها البريئة كوجه باعث على التفاؤل والحُب والتأييد المُطلق للموهبة الصاعدة الواعدة.
كانت هذه البداية هي أولى حيثيات نجاح المسلسل، فالجمهور كان شغوفاً بشكل الطفلة الموهوبة وصوتها وطريقة أدائها التلقائي الفطري الصادق.
وعبر مراحل التطور الطبيعي في حياة أم كلثوم تصاعد الاهتمام تدريجياً بتفاصيل النبوغ والنضج والتعلم كمحطات رئيسية أهلت الطفلة الصغيرة للنجاح وعبور مرحلة البداية إلى ما بعدها.
وكانت هذه هي فترة البحث والتدريب والنزوح إلى القاهرة والمُضي قُدماً بخطوات ثابتة وواثقة على طريق التقدم بمعاونة الأساتذة وأساطين الفن الكبار، محمد القصبجي والسنباطي وزكريا أحمد ورامي وغيرهم من كبار الشعراء والكُتاب ورجال الفكر والصحافة، وصولاً إلى التعاون المُثمر مع عبد الوهاب والامتداد الطبيعي مع بليغ حمدي، أصغر من لحن للسيدة أم كلثوم إبان مجدها ونجوميتها الطاغية.
لم تستهلك المخرجة إنعام محمد علي الزمن الدرامي المُخصص للإبداع الكلثومي ورفاق المرحلة الغنائية الخصبة في الاستغراق داخل تفاصيل فرعية لا تهم الجمهور في شيء، بل ركزت على الجميل والمحوري في السيرة الذاتية واعتنت بشكل البطلة ومواصفاتها الجسمانية وهذا ما حققته صابرين فعلياً بإجادتها الكاملة للدور.
لم تقترب المخرجة من الصراعات أو التحديات التي واجهتها أم كلثوم في حياتها الشخصية أو الفنية بشكل مُبالغ فيه، لذا حافظت على البنيان الدرامي الإبداعي بإبهاره وتألقه وتأثيره ولم تُلق بالاً للآراء الناقدة التي أخذت عليها تجريد الشخصية تجريداً تاماً من العيوب والمساوئ، فهي لم تصنع عملاً فنياً للإثارة والتشهير.
فيلم “الست”
فيلم “الست” هو المشروع الثالث الذي يتم إنتاجه وتصويره حالياً ليُمثل نموذجاً آخر لقصة حياة أم كلثوم وفق رؤية المؤلف أحمد مراد والمخرج مروان حامد.
فرغم اعتراضات البعض على قيام منى زكي بتجسيد شخصية أم كلثوم لعدم توافر أوجه الشبه بينهما، إلا أن هناك إصراراً من جانب المخرج على نجاح التجربة الجديدة وتميزها، حيث تمت الاستعانة بخبراء عالميين لعمل المكياج اللازم للشخصية للتغلب على مُعضلة الشكل والمواصفات الجسمانية، ليبقى عنصر التمثيل والتوظيف مسؤولية المخرج والبطلة، مع التأكيد على حرفية الكتابة الدرامية للمؤلف بوصفها المقياس والعنصر التأسيسي للعمل ككل.
إلى هذه اللحظة لا يزال الفيلم مُحاطا ببعض السرية منعاً لتسرب أي من صور البطلة منى زكي وهي بمكياج الشخصية، وذلك حتى إتمام جميع مراحل التصوير والانتهاء من كافة التفاصيل الخاصة بالمشروع السينمائي الأكبر من نوعه والذي يتم الإنفاق عليه بسخاء.
ويمكن القطع في هذا السياق بأن منى زكي دخلت في تحد مع قُدراتها الفنية وتخوض حالياً أصعب امتحان لها في التمثيل برغم احترافها وخبراتها الطويلة والمتراكمة.
فيلم “الست” يشارك في بطولته محمد فراج وعمرو سعد وأحمد داود وتامر نبيل وأحمد حلمي كضيف شرف.
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: أم كلثوم كوكب الشرق حیاة أم کلثوم
إقرأ أيضاً:
كريم وزيرى يكتب: حكايات القوادم.. عندما كتبت كوكب الشرق مقالًا عن الحب
فى ستينيات القرن الماضى، وتحديدًا فى العدد رقم ١٤٤ من مجلة «آخر ساعة»، نشرت أم كلثوم مقالًا بعنوان «الحب فى الحقيقة والفن»، حيث خرجت كوكب الشرق عن إطار الأغانى والكلمات الموزونة لتخاطب قراءها مباشرة عبر قلمها، متناولة مفهوم الحب بين الواقع والفن.
المقال كان بمثابة نافذة جديدة لجمهورها، إذ أتاح لهم رؤية جديدة للفنانة التى ما دام عبرت عن مشاعرهم بأغانيها.
جاء المقال فى وقت كانت فيه مصر تمر بمرحلة سياسية واقتصادية استثنائية، إذ كانت البلاد تعيش أجواء ما بعد ثورة ٢٣ يوليو، حيث سادت الروح القومية وشهدت حركة التصنيع القومية وبناء السد العالى، رغم التحديات الاقتصادية التى فرضها التوتر السياسى فى المنطقة وحرب اليمن، وكانت هذه الحقبة مليئة بالأحداث الكبرى التى شكلت وعى المصريين ومواقفهم تجاه القيم الإنسانية الأساسية مثل الحب والتضحية والانتماء.
فى هذا السياق، قررت أم كلثوم أن تكتب عن الحب، ليس فقط بوصفه شعورًا إنسانيًا، بل كقيمة مركزية فى حياتنا اليومية وعلاقاتنا، وهذا القرار لم يكن غريبًا على فنانة عُرفت بدورها الوطنى والاجتماعى، حيث سخرت فنها ليكون صوتًا للوطن والمواطن وجعلت أغانيها يعبر عن مكنونات ما يشعر به المواطن فى وقت حزنه وفرحه وحتى انتصاراته.
وتناولت أم كلثوم فى مقالها الحب كقيمة إنسانية شاملة، مؤكدة أن الحب ليس مجرد كلمات معسولة أو مشاعر مؤقتة، بل هو كما كتبت «فعل مستمر يتطلب الصبر والإخلاص»، وطرحت تساؤلًا مهمًا «هل الحب الذى نراه فى الأفلام والأغانى يشبه الحب الذى نعيشه فى حياتنا؟».
وبواقعية شديدة، أجابت بأن الفن غالبًا ما يقدم صورة مثالية للحب، قائلة «الحب فى الفن قد يكون حلمًا ورديًا، لكنه لا يعكس كل جوانب الحقيقة، بل يلبى رغبة الإنسان فى الهروب من قسوة الواقع»، وهذا التصور الواقعى يتماشى مع فلسفتها الفنية، حيث كانت دائمًا تسعى لتقديم فن يمس القلوب ولكنه يعكس الحياة بمصداقية.
على الجانب الآخر، رأت أم كلثوم أن الحب الحقيقى فى الحياة اليومية «ليس مجرد مشاعر عابرة، بل تجربة مليئة بالتحديات تتطلب التفاهم والتضحية»، ورأت أن الحب الواقعى يتمثل فى قبول الآخر بعيوبه قبل مميزاته، وهو علاقة تقوى مع الزمن رغم الصعوبات.
ولربما يعكس التحليل العميق لكوكب الشرق فى مقالها نضجًا كبيرًا فى فهم العلاقات الإنسانية، وربما جاء نتيجة لتجاربها الشخصية والفنية الكثيرة التى خاضتها خلال رحلتها الفنية والإنسانية، حيث عاشت حياة مليئة بالتحديات والنجاحات التى جعلتها أكثر قدرة على فهم جوهر المشاعر الإنسانية.
ولم تنس أم كلثوم فى مقالها أن تربط مفهوم الحب بالوطن، معتبرة أن حب الوطن هو النموذج الأسمى للحب الحقيقى وكتبت وقالت «حب الوطن هو أصدق أنواع الحب وأكثرها تضحية، إنه حب يتطلب الإيمان بالقضية والعمل من أجلها مهما كانت التحديات»، وشددت على أن الوطن يستحق التضحية والصبر، فهو الحب الذى يربط الإنسان بجذوره وهويته.
ولا يخف على أحد ما قدمته أم كلثوم لمصر وللقوات المسلحة، من دعم معنوى ومادى فى أحلك الظروف التى مرت بها مصر أثناء نكسة ١٩٦٧ والكم الهائل من الحفلات التى وهبت أرباحها للمجهود الحربى، والتى انعكست بصورة واضحة فى كلماتها الصادقة فى مقالها.
وفى سياق الحديث عن حبها لمصر، ذكرت أم كلثوم قائلة «لم يكن صوتى يغنى لمصر فقط، بل كان ينبض بحبها، هى ملهمتى ووطنى الذى أعطيته كل ما أملك»، وتأتى هذه الكلمات كتعبير عن ارتباطها العميق بوطنها، الذى انعكس فى كل أغنية قدمتها، سواء كانت «إنت عمري» أو «مصر التى فى خاطرى».
وكتبت أم كلثوم مقالها بأسلوب بسيط، لكنه مشحون بالمعانى العميقة، ولم تستخدم لغة معقدة أو فلسفية، بل لجأت إلى أسلوبها المعتاد الذى يمزج بين الحكمة والدفء، لتصل إلى جمهورها بطريقة تشبه حديثها معهم على المسرح.
ومن خلال هذا المقال، وجهت أم كلثوم عدة رسائل مهمة حول مفهوم الحب، أولها أن الحب ليس مثاليًا، مؤكدة أن الحب الواقعى ليس قصة خيالية أو حلمًا ورديًا، بل هو علاقة تتطلب بذل الجهد والإخلاص.
كما أشارت إلى أن الحب فى الأغانى والأفلام قد يكون مبالغًا فيه، لكنه يظل وسيلة للتعبير عن أحلام الناس ورغباتهم، ودعت إلى ضرورة التمييز بين الحب كما يُقدم فى الأعمال الفنية والحب كما يُعاش فى الحياة.
ولو قرأنا مقال أم كلثوم اليوم، لوجدناه لا يزال يحمل رسائل صالحة لكل زمان، ففى العصر الحالى، يواجه الحب تحديات مختلفة، من ضغوط الحياة إلى تأثير التكنولوجيا على العلاقات وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعى تؤثر بشكل كبير على كيفية فهم الناس للحب وتوقعاتهم منه، وأصبحت العلاقات أكثر سطحية فى كثير من الأحيان، مما يجعل كلمات أم كلثوم تذكيرًا بأهمية التركيز على جوهر الحب الحقيقى الذى ينبع من القلب ويُثبت نفسه بالأفعال.
اختتمت أم كلثوم مقالها برسالة تدعو القراء إلى التفريق بين الحب المثالى الذى قد يظهر فى الفن والحب الواقعى الذى يعيشونه وقالت، «الحب ليس قصة مثالية، بل هو علاقة حقيقية تثبت نفسها بالأفعال»، مشيرة إلى أن التحديات اليومية هى ما يجعل الحب واقعيًا ومستمرًا.