هل تعلّم الجولاني من دروسَ العراق؟
تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT
تناول مايكل إيفانز، الكاتب الصحافي المتخصص في الشؤون الدفاعية والعسكرية، كيفية استخدام أبو محمد الجولاني، زعيم "هيئة تحرير الشام"، دروساً من التاريخ الحديث لفرض سيطرته على دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد.
أوجدت تصرفات الجولاني فرصة للمشاركة، لكن الشكوك في نواياه ما تزال عالية
وسلط إيفانز الضوء على النهج البراغماتي الذي يتبناه الجولاني في الحكم، وقارنه بخطوات قديمة خاطئة مثل قرار اجتثاث حزب البعث الذي أقدمت عليه الولايات المتحدة في العراق في 2003، والذي كانت له عواقب وخيمة.نهج مدروس للحكم
وقال الكاتب في مقاله بموقع مجلة "سبكتاتور" البريطانية إن الجولاني، الذي يفضل الآن اسمه الحقيقي أحمد الشرع، فاجأ الكثيرين باختياره عدم تفكيك الهياكل المؤسسية للدولة السورية عند توليه السلطة. وبدلاً من تنفيذ تطهير شامل للخدمة المدنية التي دعمت سلالة الأسد التي استمرت 53 عاماً، دعا إلى استمرارية العمليات الحكومية. ودُعي الموظفون المدنيون إلى البقاء في مناصبهم لضمان الاستقرار والوظائف خلال هذه المرحلة الانتقالية الحرجة.
وعقد الكاتب مقارنة بين قرارات الجولاني والسياسات المثيرة للجدل التي تم إقرارها في العراق بعد سقوط صدام حسين. في عام 2003، نفذ بول بريمر، المسؤول الأمريكي في العراق بعد الحرب، سياسة شاملة لاجتثاث البعث، فقام بتفكيك الخدمة المدنية وحل الجيش العراقي.
'Provided pragmatism wins and ideology is contained, the lessons of the past in Iraq and Libya will guide the new Syrian leaders, as the world comes to terms with the downfall of what foreign secretary David Lammy called ‘a monster’.'
✍️ Michael Evans https://t.co/FkrcwQQe9R
وقد أدى هذا إلى خلق فراغ هائل في السلطة، مما أدى إلى الفوضى والبطالة على نطاق واسع، وعزل جزء كبير من السكان العراقيين. وأصبح البعثيون السابقون الساخطون والجنود المسرحون أرضا خصبة للتمرد، مما مهد الطريق لصعود جماعات متطرفة مثل داعش.
اختار الجولاني، الحريص على تجنب هذه الأخطاء، استراتيجية أكثر دقة. وفي حين يخطط لمقاضاة المسؤولين العسكريين والأمنيين المتورطين في جرائم حرب، بما يتماشى مع إطار قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، فإنه يؤكد على الحفاظ على الآلية الإدارية الأوسع سليمة. ويعمل هذا النهج البراغماتي على التخفيف من مخاطر السخط الجماعي والانهيار المؤسسي خلال فترة متقلبة من التغيير السياسي.
التعلم من أخطاء العراق
وأكد الكاتب أهمية الدروس التاريخية في تشكيل سياسات الجولاني. وتوفر لنا عواقب الغزو الأمريكي للعراق قصة تحذيرية. فعلى الرغم من تحذيرات وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وقادة الجيش الأمريكي، أدى قرار بريمر بطرد كبار البعثيين وحل القوات المسلحة لصدام إلى شل أجهزة الحكم والأمن في العراق. وأدى عدم الاستقرار الناتج عن ذلك إلى سنوات من التمرد والعنف الطائفي وظهور تنظيم "داعش"، مع عواقب مدمرة على المنطقة.
في لحظة ثاقبة قبل غزو عام 2003، تصور اللواء البريطاني روبن بريِمز، قائد الفرقة المدرعة البريطانية الأولى، نهجاً مختلفاً. واقترح أن الجنود العراقيين غير الراغبين في القتال يمكنهم البقاء في ثكناتهم، مما يساهم في استقرار العراق بعد الحرب. لكن هذه الرؤية تم تجاهلها، وبدلاً من ذلك اتبع التحالف سياسات أدت إلى تنفير قطاعات رئيسة من المجتمع العراقي.
وقال الكاتب إن الجولاني ربما استوعب هذه الدروس، وأدرك أهمية الحفاظ على جهاز الدولة العامل لتجنب فوضى مماثلة.
تحديات وفرص
في دمشق، قد يخشى العديد من الموظفين الحكوميين الموالين للأسد الانتقام ويترددون في العودة إلى العمل. ومع ذلك، فإن تأكيدات الجولاني على الاستمرارية قد تشجعهم على استئناف أدوارهم. وفي الوقت نفسه، فإن السعي إلى تحقيق العدالة ضد أقرب حلفاء الأسد يعكس الحملة الأمريكية للقبض على شخصيات رئيسية من نظام صدام. وسيكون هذا التوازن الدقيق ــ محاسبة الأفراد على الفظائع مع الحفاظ على سلامة المؤسسات ــ حاسماً في تحديد استقرار سوريا في المستقبل.
وسلط إيفانز الضوء على الآثار الأوسع نطاقاً لأفعال الجولاني. إن الفترة الانتقالية في دمشق تقدم فرصة محورية للجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لتشكيل مسار سوريا. ويتعين على الدول العربية والقوى الغربية وإسرائيل أن تبحر في هذه اللحظة بعناية، وأن تزن إمكانات التعاون مع القيادة الجديدة في مواجهة مخاطر تجدد الصراع. بالإضافة إلى ذلك، فإن سقوط الأسد له عواقب بعيدة المدى على داعميه، روسيا وإيران، اللتين أصبح نفوذهما في سوريا الآن مهدداً.
براغماتية مقابل أيديولوجيا
وأضاف الكاتب أن براغماتية الجولاني لا تمحو ماضيه النضالي أو ميوله الأيديولوجية. وفي حين نال نهجه موافقة حذرة من بعض الأوساط، فما زال من غير الواضح ما إذا كان قادراً على الحفاظ على هذا التوازن بين الحكم العملي والالتزام الأيديولوجي؛ فالاستقرار في الأراضي التي كانت تحت سيطرة الأسد سابقاً ستتوقف على قدرة الجولاني على قمع الاتجاهات المتطرفة داخل صفوفه مع تعزيز الثقة بين الشعب السوري.
Cautiously optimistic and useful take on #Syria by @MikeEvansTimes in the @spectator: if al-Shar’a has learned the lessons of Iraq, then at least someone has. Hope for the best and prepare for the worst, as usual in international politics.https://t.co/qZOSjc9bXs
— Eliot Wilson (@EliotWilson2) December 11, 2024وتابع الكاتب "المجتمع الدولي يواجه أيضاً منعطفاً حاسماً. أوجدت تصرفات الجولاني فرصة للمشاركة، لكن الشكوك في نواياه ما تزال عالية".
ولفت إيفانز النظر إلى أن الاستجابة العالمية ستلعب دوراً حاسماً في تشكيل مستقبل سوريا. وإذا سادت البراغماتية وتم احتواء التطرف الأيديولوجي، فهناك إمكانية للتقدم. ومع ذلك، فإن الفشل في اغتنام هذه اللحظة قد يدفع سوريا إلى المزيد من الاضطرابات.
واختتم الكاتب مقاله بالقول: "في حال تمكن الجولاني من الوفاء بالتزامه بالاستقرار والمساءلة، فقد تصبح دمشق رمزاً للصمود في مواجهة عقود من الاستبداد. وعلى العكس من ذلك، إذا تغلبت الأيديولوجية على البراغماتية، فقد تصبح سوريا قصة تحذير أخرى في سجلات تاريخ الشرق الأوسط".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية سقوط الأسد الحفاظ على فی العراق
إقرأ أيضاً:
باحث: هناك حالة من الصدمة بين الأوساط الشعبية العراقية تجاه الأوضاع في سوريا
قال الدكتور كاظم ياور، الباحث في السياسات الاستراتيجية، بأن توجهات الدولة العراقية شهدت تغييرًا جذريًا بعد عام 2003، مشيرًا إلى أن الحكومة العراقية كانت داعمة لحكومة بشار الأسد ومساندة لوضع معين، إلا أن التقديرات العراقية بشأن الأوضاع في سوريا اتضح أنها كانت خاطئة.
وأضاف ياور، خلال مداخلة عبر شاشة قناة «القاهرة الإخبارية»، أن السياسة الاستراتيجية العراقية كانت بحاجة إلى رؤية أوضح وأكثر دقة، موضحًا، أن العراق يسعى لبناء حالة ديمقراطية واحترام لحقوق الإنسان، وهي أمور كانت غائبة أو مفقودة تمامًا في سوريا.
وتابع: «هناك حالة من الصدمة بين الأوساط الشعبية العراقية تجاه الأوضاع في سوريا، والتساؤلات تُثار حول ما إذا كانت مساندة العراق لنظام الأسد فعلًا لدعم المقاومة ضد إسرائيل ومنع تمددها على الأراضي العربية ودعم القضية الفلسطينية، أم أن تلك الجهود والأموال ذهبت في الحقيقة لقمع أبناء الشعب السوري. فلم نرَ إسرائيليًا واحدًا في السجون السورية».
اقرأ أيضاًبلينكن: يجب تأمين الأسلحة الكيماوية في سوريا.. ومنع عودة داعش
مصطفى بكري: سوريا تتعرض لمؤامرة حقيقية وإسرائيل تنتهز الفرصة
حزب البعث في سوريا يعلق كافة نشاطاته حتى إشعار آخر (تفاصيل)