د. شوقي ابو قوطة

“تكون برامج التدريب والتطوير الموجهة للموظفين برامج نوعية تسهم في رفع سويتهم وتنمية خبراتهم”
بهذه الكلمات التي أطلقها جلالة الملك عبد الله الثاني، وضع الأساس لرؤية إصلاحية متجددة، تؤكد أن حماية المال العام لا يمكن أن تتحقق دون إصلاح إداري جذري، كما شدد جلالته على ضرورة أن “تنعكس برامج الإصلاح الإداري بشكل إيجابي على تطوير وتحسين أداء مؤسسات ودوائر القطاع العام وتجذير ثقافة التميز”، مشيرًا إلى أهمية التغيير في النهج الإداري لمواكبة التحديات والتحولات العالمية.

لا شك أن الإدارة العامة، كحاضنة للموارد والمال العام، تعاني من تحديات متراكمة أفرزتها أنماط إدارية تقليدية، تقوم على البيروقراطية والمركزية المفرطة، وهذه الأنماط أثرت سلبًا على مرونة الأداء الحكومي وكفاءته، مما أدى إلى تباطؤ عجلة التنمية، واستنزاف الموارد، وتفاقم التحديات المتعلقة بالنزاهة وحوكمة المال العام.
هنا تأتي ثورة التغيير الإداري كضرورة ملحة، تهدف إلى تجاوز هذه العقبات وضمان حماية المال العام وتحقيق التنمية المستدامة.

مقالات ذات صلة دمشق تهتف بالحرية 2024/12/15

ان النمط الإداري التقليدي، الذي وصفه جلالة الملك في خطاب العرش عام 1999 بأنه يعاني من “الترهل والتسيب والشللية”، ولذا محدوديته في مواكبة التغيرات المتسارعة في العالم، وعليه فإن الاستمرار في هذا النمط يشكل خطراً على استدامة الموارد العامة، ويفتح المجال أمام سوء استغلال السلطة واستنزاف المال العام، في ظل غياب التخطيط المؤسسي والتقييم المستمر للأداء جعل من المؤسسات العامة عاجزة عن تقديم خدمات نوعية تلبي تطلعات المواطنين.

وهذه الإدارة التقليدية، التي تفتقر إلى الديناميكية والابتكار، تعيق تحقيق الشفافية والمساءلة، كما أنها تعرقل استخدام الأدوات الحديثة مثل التحول الرقمي، الذي يعد اليوم ركيزة أساسية في تحسين الكفاءة الإدارية وتقليل الفاقد المالي.

ومن هنا، تأتي أهمية التحول الجذري في النهج الإداري، حيث أن الإصلاح الإداري الذي دعا إليه جلالة الملك يرتكز على منهجية واضحة وشاملة تعيد هيكلة المؤسسات العامة، وتعزز من دورها في حماية المال العام، على سبيل المثال لا الحصر، تأسيس “هيئة الخدمة والإدارة العامة”، كبديل لديوان الخدمة المدنية، يمثل خطوة جريئة نحو تغيير قواعد اللعبة، حيث تسعى هذه الهيئة إلى تحسين إدارة الموارد البشرية وضمان الامتثال لمعايير الشفافية والنزاهة.

لذا فإن خارطة طريق تحديث القطاع العام، التي تنفذها الحكومة ضمن رؤية استراتيجية تمتد لعشر سنوات، تؤكد أن الإصلاح الإداري ليس مجرد خيار، بل هو شرط أساسي لحماية المال العام، وتتضمن هذه الخارطة أهدافًا طموحة، من بينها أتمتة الخدمات الحكومية وتحسين الحوكمة، بما يضمن توظيف الموارد بكفاءة ويقلل من فرص الهدر المالي.

ولا يمكن لحماية المال العام أن تتحقق من خلال إصلاحات سطحية، بل تتطلب تغييرا جوهريا في العقليات والأساليب الإدارية، وهنا، يتجلى الدور المحوري للتدريب النوعي وبناء القدرات، الذي أشار إليه جلالة الملك كوسيلة لتعزيز كفاءة الموظفين الحكوميين، لذا فإن التغيير الإداري يجب أن يركز على تعزيز ثقافة التميز المؤسسي، وإعلاء قيم الشفافية والمساءلة.

وما من شك بأن الانتقال من النمط التقليدي إلى نموذج إداري حديث يستوجب مواجهة التحديات بشجاعة، ومنها مقاومة التغيير والاعتماد على البيروقراطية كملاذ آمن، في المقابل، يمثل التحول الرقمي، وإدخال التكنولوجيا الحديثة في العمل الحكومي، أدوات قوية لدعم هذه الثورة الإدارية، حيث تسهم في تقليل فرص الفساد، وتعزز من كفاءة الإنفاق الحكومي.

إن حماية المال العام ليست مجرد شعار يُرفع، بل هو التزام وطني يتطلب جهودًا حثيثة لتغيير النهج الإداري التقليدي الذي أصبح عبئًا على مسيرة التنمية، إن ثورة التغيير الإداري، التي يقودها جلالة الملك برؤية واضحة وشاملة، هي السبيل لتحقيق هذا الهدف، وضمان أن تبقى موارد الدولة في خدمة مواطنيها، بعيدًا عن أيدي المستغلين والمفسدين، كما ان النهوض بالإدارة العامة ليس مجرد خيار، بل هو واجب وطني لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة، تحفظ المال العام وتعزز من ثقة المواطن بمؤسساته.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: حمایة المال العام جلالة الملک

إقرأ أيضاً:

ما الاختلاف الذي لمسه السوريون في أول رمضان بدون الأسد؟

دمشق – "كل شيء قد اختلف، حركة الناس والمحلات والوضع المعيشي، يشعر المرء وكأن الناس في الشام أصبحت تتنفس بشكل أفضل"، بهذه العبارة يشرح خالد السلوم (43 عاما) الاختلاف الذي لمسه بعد مضي 15 يوما على شهر رمضان الأول الذي يشهده السوريون بعد رحيل نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي.

ويضيف السلوم، في حديث للجزيرة نت، "كان هناك الكثير من الشبان المطلوبين للخدمة الإلزامية في الجيش أصبح بإمكانهم اليوم التحرك بحرية، ومن الاختلافات الملحوظة أيضا أن أعداد الناس في رمضان هذا العام وكأنها قد تضاعفت".

ويؤكد الرجل الأربعيني شعوره بالفرحة الغامرة لتمكنه من مواكبة أجواء رمضان هذا العام في سوريا بعد سقوط النظام السابق، وهو الشعور المشترك الذي رصدته الجزيرة نت لدى كثير من السوريين في دمشق.

الأنشطة الدينية الإسلامية كانت قد شهدت تضييقا ممنهجا في عهد الرئيسين حافظ وبشار الأسد (الجزيرة) حرية دينية

أجمع بعض السوريون في دمشق ممن تواصلت معهم الجزيرة نت على أن الحرية الدينية ربما تكون أبرز ما لمسوه من اختلاف بين شهور رمضان في ظل حكم النظام السابق ورمضان هذا العام.

وحول ذلك تقول لينا العجلوني (26 عاما) للجزيرة نت "نتمتع في رمضان هذا العام بالحرية، أن يستمع الإنسان للقرآن الكريم أينما كان وأن يصلي أمام جميع الناس من دون أن يمنعه أحد"، وتضيف "هذه الحرية لم تكن موجودة في السابق، وأعتقد أن ذلك يمثل فرحة لنا ولكل المسلمين حول العالم".

ومن جهته، يشير الطالب الجامعي أحمد الحلبي إلى جانب آخر يتمثل في زيادة إقبال الناس على زيارة الجوامع بدمشق في رمضان هذا العام، وزيادة إقبالهم على صلوات التراويح والقيام.

إعلان

بالإضافة إلى ذلك تخلص السوريون من ظواهر عديدة كـ"بسطات الدخان أمام الجوامع" والتي كانت تعود بالغالب إلى "مخابرات النظام"، وظاهرة المجاهرة بالإفطار في الشوارع التي كانت تستفز مشاعر الصائمين و"تقلل من هيبة الإسلام"، على حد تعبير الحلبي.

مشاعر الخوف والقلق اختفت من ملامح الناس في دمشق (الجزيرة) زيارة مختلفة

ضبط كثير من السوريين المغتربين توقيت زيارتهم إلى بلدهم هذا العام مع حلول الشهر الفضيل، ليتسنى لهم معايشة أجواء رمضانية استثنائية في سوريا الوليدة، ومن بينهم سمير صابونجي، وهو مغترب سوري في الولايات المتحدة الأميركية، قدم إلى سوريا لمعانقة هذه الأجواء.

وعن ذلك يقول صابونجي للجزيرة نت "إنه أول رمضان لي في سوريا بعد غياب 15 عاما، وأشعر بسعادة لا توصف، ويبدو لي أن الناس قد استعادت بلدها وأرضها، وهي تجربة مختلفة جدا عن كل تجاربي التي عشتها في الشام سابقا".

ويضيف صابونجي "رغم أن الأجواء أخفّ من المعتاد بسبب أزمتي الكهرباء والسيولة، فإن الخوف الذي كان يسيطر على الناس قد اختفى، ولمست أُلفة وطاقة إيجابية تعم الشوارع والجوامع، وأنا ممتن لكل ذلك".

مشاهد الأسواق في رمضان مختلفة تماما عن آخر 15 سنة (الجزيرة)

 

بدوره، عبّر المهندس حذيفة الشهابي، المغترب في ألمانيا، عن مشاعره المختلطة بزيارة بلده في رمضان بالقول "فرحة ونشوة وحب ورغبة بالبقاء في الشارع والحكي مع الناس، والكثير من المشاعر الأخرى التي تنتابني كلما خرجت من المنزل لأتجول في حارات دمشق وشوراعها".

ويتابع الشهابي في حديث للجزيرة نت "رغم ضيق أحوال الناس والفقر الذي خلفه حكم الأسد، فإن إيمانهم الثابت بالله وبهجتهم بالأجواء الرمضانية تعطيني الأمل في هذه البلاد التي شبعت من القسوة والدمار".

وكانت الأنشطة الدينية الإسلامية قد شهدت تضييقا ممنهجا في عهد الرئيسين حافظ وبشار الأسد منذ عام 1970 حتى 2024، وتحكمت الأجهزة الأمنية في مفاصل المؤسسة الدينية الرسمية، ومُنعت الصلوات في الجيش، وفُرض تشديد على الخطب والدروس الدينية في المساجد.

إعلان

مقالات مشابهة

  • الملك الأردني يؤكد ضرورة تكثيف جهود التوصل لتهدئة شاملة في المنطقة  
  • محافظ قنا يؤكد ضرورة التواصل المباشر مع المواطنين وحل مشكلاتهم
  • الغلوسي يحذر من المس باستقلالية النيابة العامة وتحويلها إلى مؤسسة صورية
  • سلطنة عمان تحذر من تداعيات استمرار النهج العسكري الأمريكي الذي يستهدف مليشيا الحوثي
  • ركوب القطارات والمواصلات دون دفع التذكرة .. اعرف حكم الشرع
  • متحدث النيابة الإدارية يوضح لـ«صدى البلد» كيفية حماية مقدم البلاغ عن الفساد بجهة حكومية
  • أبو شقة يشدد على ضرورة حماية الملكية الخاصة وتيسير إجراءات تسجيل العقارات
  • ما الاختلاف الذي لمسه السوريون في أول رمضان بدون الأسد؟
  • اليوم العالمي للكلى.. الصحة تضيء مبنى الديوان العام في العاصمة الإدارية باللونين الأزرق والأحمر
  • الاختلاف في حصص توزيع سرقات المال العام وراء تعطيل اجتماعات مجلس ديالى