صهاينة ما بعد الأسد: حسافات وحسابات
تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT
يعيش المرء حفنة أيام، أو شهر رجب واحداً كما تقول الحكمة العتيقة، فيرى عجباً؛ وراهنوا أنّ غرائب شتى سوف تنتظره إذا تابع ما يكتبه صهاينة من كلّ فجّ ضحل أو عميق، حول سوريا ما بعد فرار بشار الأسد وانهيار ركائز نظام “الحركة التصحيحية”، صناعة الأب والوريث، واحدة تلو الأخرى.
وليس الأقلّ نُطقاً بالعجيب أن تقرأ كتابات أقرب إلى “حسافات”، كما قد يقول أشقاؤنا العراقيون، على رحيل طاغية وابن سفاح وسليل عائلة مجرمي حرب عتاة؛ بل لعلّ أصحاب السبق هم أولئك الصهاينة الذين يتباكون على “تقصير” الديمقراطيات الغربية في حماية نظام ظلّ حارس احتلال الجولان الأمين طوال 50 سنة ونيف.
المفضّل في يقين هذه السطور، حتى الساعة على الأقلّ، صهيوني إسرائيلي يُدعى أرييل بئيري، يعرّف عن نفسه هكذا (نعم، صدّقوا!): “ستراتيجي وباني مؤسسات يكرّس نفسه لمستقبل أفضل لإسرائيل والشعب اليهودي. ويتفانى في حلّ المشاكل التي تواجه الإنسانية”؛ وهو الرئيس التنفيذي لخمس مجموعات عمل واستشارة، وصاحب مدوّنة تتخذ مفردة “المنارة” عنواناً لها. فما الذي يحزنه في رحيل آل الأسد، نظاماً ومافيات وعصابات وقتلة، أي بالجملة والمفرّق كما قد يصحّ القول؟
نقطة أولى هي أنّ العائلة الأسدية، وآخر رجالاتها بشار، كانت تسير حثيثاً نحو تحطيم “كذبة” صنعها الإنكليزي مارك سايكس والفرنسي فرانسوا جورج ـ بيكو بموجب الاتفاقية الشهيرة التي خلقت كيانات زائفة مثل العراق وسوريا؛ وهضمت، استطراداً، حقوق أقليات من الكرد واليزيديين والسريان والآشوريين وسكان الأهوار والعلويين والدروز… وكما أخطأ الغرب في العراق قبل 20 سنة، فظنّ أنّ هذا البلد يحتمل إقامة نظام ديمقراطي يتساوى فيه الأفراد، أو أنّ مسمى “العراق” له أيّ معنى فعلي خارج التخيّل أساساً؛ فإنّ الغرب سوف يخطئ مجدداً حين ينتظر من مسمى “سوريا” أيّ حظّ مماثل.
الخبر السيء لأمثال بئيري هو أنّ السوريين، مثل العراقيين، متجذرون في أرضهم منذ قرون، لا عاقل يضعها في مقارنة مع عقود استيطان الصهاينة في فلسطين
تفريع هذه النقطة، وربما عمود ارتكازها، هو أنّ آل الأسد كانوا على وشك ردّ سوريا إلى مكوّناتها الفعلية بعيداً عن مجموع البلد الذي رسمته “كذبة” سايكس وبيكو، أي إلى دويلات لأقليات إثنية ودينية حرمها المشروع الاستعماري الغربي (نعم، صدّقوا هنا أيضاً!) من حقوقها في الاستقلال والسيادة. وفي مناطق سوريا الساحل والوسط والشمال وشرق الفرات والجنوب، كان ممكناً إقامة كيانات تتأسس على مزيج من الأمر الواقع والتقسيم غبر المعلَن؛ ولقد فات هذا الصهيوني، “الستراتيجي” حسب توصيفه لذاته، أن يقتبس مقولة الأسد الفارّ حول “سوريا المفيدة”، لأنها كانت ستضيف إلى رأيه مطمحاً تنفيذياً على الأرض، وعيّنة على مكوّن ديمغرافي وجغرافي ألحق به الاستعمارُ الغبن والإجحاف.
“حسافات”، إذن، بعد الحسابات على اختلاف أصنافها، الجيو ـ سياسية أو التاريخية أو الديمغرافية أو الثقافية أو الأخلاقية؛ لا تغيب عنها، مع ذلك، جرعة تفلسف ركيكة سطحية، تستهدف تبرئة الكيان الصهيوني من مسارات هذه المعادلة؛ غير المنفصلة عن إرث سايكس ــ بيكو، في أوّل المطاف كما في نهايته. فارق دولة الاحتلال، حسب تفلسف بئير، هي التالية (صدّقوا أيضاً، للمرّة الثالثة!): أنها “ولدت حين كانت الجالية اليهودية القاطنة في أرض الأسلاف قد حاربت الجيوش الغازية التي أرادت فرض رؤيتها عن الحدود الاستعمارية”؛ وحيث “شاءت جماعة بشرية الحفاظ على استقلالها داخل كيان سياسي يعكس تاريخها، وثقافتها، وتقاليدها”؛ بالنظر إلى أنها “التعبير الوحيد في المنطقة عن شعب قديم ولد من جديد بعد الغزو”.
الخبر السيء لأمثال بئيري هو أنّ السوريين، مثل العراقيين، متجذرون في أرضهم منذ قرون، لا عاقل يضعها في مقارنة مع عقود استيطان الصهاينة في فلسطين، وبالتالي فإنّ سقوط نظام آل الأسد يتوجّب أن يستدعي الكثير من الحسابات الإسرائيلية؛ حتى حين لا يجبّ التباكي والحسرات، مع ذلك.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا الأسد الصهاينة سوريا الأسد الصهاينة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
بالصور.. كيف حول نظام الأسد مخيم اليرموك إلى أطلال؟
لطالما أعلن نظام الأسد الابن والأب دعمه الكامل للقضية الفلسطينية والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، لكن زيارة موفد الجزيرة نت إلى مخيم اليرموك الذي يعد أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في سوريا، وثقت ما جرى للمخيم وأهله منذ اندلاع الثورة السورية في الثامن من مارس/آذار 2011، وحتى هروب الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد الشهر الماضي، والحال المأساوية التي تركت فيها قواته المخيم.
حيث دفع القصف المتواصل للمخيم عشرات الآلاف للنزوح إلى المناطق المجاورة هربا من القتل.
ويقع مخيم اليرموك على بعد 8 كيلومترات جنوب مركز العاصمة دمشق، وتقدر مساحة المخيم بنحو كيلومترين مربعين. ويكتسب المخيم أهمية إستراتيجية بسبب موقعه الجغرافي، حيث يحده شمالا حيا الميدان والشاغور، ومن الشرق يشرف على امتداده حي التضامن، ومن الجنوب الحجر الأسود، وحي القدم غربا.
مدخل مخيمي اليرموك وفلسطين على أطراف العاصمة السورية دمشق (الجزيرة نت) إعلان مشاهد الدمار والركام كانت الأبرز أثناء جولة فريق الجزيرة نت في المخيم (الجزيرة)جدارية رسمها أهالي مخيم اليرموك في الشارع الرئيسي بعد مدخل المخيم تخليدا للفلسطينيين الذين قتلوا على يد شبيحة الأسد في حي التضامن المجاور (الجزيرة)حتى المساجد لم تسلم من القصف الهمجي لجيش الأسد (الجزيرة)ما تبقى من مصحف، هذا ما وجده فريق الجزيرة نت بين الركام في أحد المنازل المدمرة بمخيم اليرموك (الجزيرة)من يتجول بين المباني التي تحولت إلى ركام يجد الممتلكات والذكريات التي تركها أصحابها قبل أن يغادروا منازلهم بالقوة والإجبار (الجزيرة) إعلان كلما تجولت في مخيم اليرموك تكتشف المساحات الواسعة التي دمرها قصف نظام الأسد بالبراميل والصواريخ (الجزيرة)ما تبقى من مدينة فلسطين الرياضية وسط مخيم اليرموك (الجزيرة)فداء الأقصى عبارة بقيت على جدار أحد المنازل التي تعرضت للقصف من قبل قوات النظام السوري في عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد (الجزيرة)من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية