لماذا تخلت إيران وروسيا عــــــــن بشار؟.. وكواليس اللحظات الأخيرة من حـــــــــــــكم الأسد
تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT
إيران اعتبرت أنه لا يمكن الاعتماد على بشار بعد الهجمات الإسرائيلية على أصولها فى سوريا
لم يفعل الداعمان الرئيسيان لبشار الأسد–روسيا وإيران–الكثير لمساعدة الرئيس السورى السابق مع اقتراب نهاية اللعبة. فقد انشغلت روسيا بحربها فى أوكرانيا، وانشغلت إيران بصراعها مع إسرائيل الذى تحول من عمليات الظل إلى مواجهة مفتوحة.
وقد ضاعف هذا الصراع مشاكل إيران إلى جانب أكثر من عقد من العقوبات الأمريكية المنهكة التى استنزفت مواردها المالية والعسكرية.
ورغم ذلك فإن كواليس الأيام الأخيرة من حكم الأسد تحمل الكثير من التفاصيل عن العلاقات المتشابكة التى جمعت بين حاكم سوريا وموسكو وطهران، كما تقدم إجابة كافية على السؤال الذى شغل الجميع: لماذا تخلت إيران وروسيا عن الأسد؟
فى الماضى، وفرت روسيا دعمًا دبلوماسيًا كبيرًا للنظام السورى فى المحافل الدولية، بما فى ذلك استخدام حق النقض (الفيتو) فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمنع قرارات قد تستهدف النظام عسكريا، وبدأت تدخلها المباشر فى سبتمبر ٢٠١٥ بشن ضربات جوية لدعم الجيش السورى، وركزت عملياتها على استعادة المناطق الاستراتيجية من المعارضة المسلحة والجماعات المتطرفة، مثلما حدث مع حلب عام ٢٠١٦، مما قلب موازين الصراع لصالح الأسد. علاوة على ذلك، أقامت روسيا قواعد عسكرية دائمة هناك، مثل قاعدة حميميم الجوية وميناء طرطوس، مما يؤكد ارتباطها العميق بالنظام.
ولم يختلف الوضع بالنسبة لإيران، فدعمت طهران النظام السورى باعتباره حليفا استراتيجيا فى المنطقة، ووفرت تمويلا ماليا كبيرا ومستشارين عسكريين من «الحرس الثورى الإيرانى»، كما دعمت مجموعات مثل «حزب الله» اللبنانى للقتال إلى جانب الجيش السورى. وهو ما كان حاسما فى تمكين الأسد من الحفاظ على السلطة وإعادة السيطرة على مساحات واسعة من الأراضى السورية.
فماذا حدث؟ ولماذا تحول الدعم إلى تخلٍ؟موسكو تنسحبهل تخلت روسيا عن الأسد؟ أجاب الرئيس الأمريكى المنتخب على هذا السؤال، وقال ترامب يوم الأحد الماضى: إن الرئيس السورى بشار الأسد «فر من بلاده» بعد أن فقد دعم روسيا، وأضاف على منصة Truth Social الخاصة به: «لقد رحل الأسد. لم تعد روسيا التى يقودها فلاديمير بوتين، مهتمة بحمايته بعد الآن».
ماذا حدث؟ حسب تقرير وول ستريت جورنال، فى مواجهة انهيار حكمه، طار الأسد فى الأيام الأخيرة إلى موسكو طالبا المساعدة من داعميه العسكريين القدامى.
وقال مسؤولون أمنيون سوريون ومسؤولون عرب آخرون مطلعون على المناقشات: إنه خرج خالى الوفاض. شنت روسيا غارات جوية ولكن بوتيرة أبطأ مما كانت عليه فى السنوات الماضية.
وقال بسام باراباندى، وهو دبلوماسى سورى كبير سابق غادر لدعم المعارضة: «هذه الدائرة المقربة من بشار، لقد اختفوا وغيروا أماكنهم وغيروا أرقام هواتفهم المحمولة».
«لم يعودوا يتواصلون مع أحد بعد الآن».وحسب رواية وول ستريت جورنال، اتصلت زوجة مسؤول استخباراتى كبير بمستشار حكومى هذا الأسبوع وهى تبكى لأنها أرادت الفرار إلى الإمارات العربية المتحدة، ورفض زوجها. وقالت، وفقا للمستشار: «أرجوك أخبره أن علينا المغادرة».
«البلد فى طريقها إلى الانتهاء».
توقفت التدخلات الروسية فى السادس من ديسمبر بعد فشل غارة جوية فى قطع جسر الرستن الرئيسى بين حمص وحماة (وأدت إلى إتلافه فقط) –وبالتالى استولت قوات المعارضة على حمص بسهولة. وفى أعقاب هذا، لم تتمكن روسيا من مساعدة قوات الأسد أكثر من ذلك، وبدأت قواتها فى إجلاء أسطولها العسكرى من القواعد فى غرب سوريا، كما أغلقت السفارة الروسية فى دمشق بعد استيلاء المتمردين على المدينة؛ وأمرت روسيا مواطنيها أيضا بمغادرة البلاد.
لم تكن روسيا تشعر بالقلق من سقوط الأسد، والدليل إعلانها على الفور أن قواعدها العسكرية فى سوريا فى حالة تأهب قصوى، مؤكدة أنه لا يوجد تهديد جدى لها، مع سقوط نظام بشار الأسد، وأضافت وزارة الخارجية الروسية فى بيان لها: «فى هذا الصدد، فإن روسيا الاتحادية على اتصال مع جميع الجماعات فى المعارضة السورية».
وكان مدونون حربيون روس قد حذروا من أن منشأتين عسكريتين روسيتين مهمتين استراتيجيا فى سوريا تتعرضان لتهديد خطير من فصائل المعارضة المسلحة.
بدا الأمر وكأن روسيا كانت مهتمة فقط بتأمين منشآتها العسكرية. لكن يبدو فى نفس الوقت أنها لم تتخل عن بشار الأسد بالكامل، فبعد سيطرة هيئة تحرير الشام على دمشق ظل مكان بشار الأسد مجهولا إلى أن أعلنت روسيا أنه متواجد فى موسكو بعد أن قرر التخلى عن السلطة بشكل سلمى. كما قال المتحدث باسم الكرملين دميترى بيسكوف للصحفيين يوم الإثنين: إن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين قرر شخصيا منح اللجوء لبشار الأسد وعائلته.
وأضاف بيسكوف: «لا يمكن اتخاذ مثل هذه القرارات بالتأكيد دون رئيس الدولة. كان هذا قراره»، بينما رفض التعليق رسميا على مكان وجود الأسد.
صدمة إيرانبدورها، تخلت إيران عن بشار قبل سقوطه من السلطة، وفقا لمحللين ومطلعين، وأبلغه وزير خارجيتها أن طهران الضعيفة لم تعد قادرة على إرسال المزيد من القوات لدعم نظامه.
وحسب فايننشال تايمز، عندما زار وزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجى دمشق الأسبوع الماضى، بعد أيام من سقوط حلب ثانى أكبر المدن السورية فى يد الثوار، زعم الرئيس السورى بشار الأسد أن «انسحابه من حلب كان تكتيكيا وأنه لا يزال مسيطرا»، حسب ما قال أحد المطلعين فى حكومة طهران، ورد عراقجى إن إيران لم تعد فى وضع يسمح لها بإرسال قوات لدعمه على أى حال.
وحسب المصدر المطلع فى إيران، أن لا أحدًا لم يكن يتوقع أن يأتى الانهيار بهذه السرعة أو أن ينكشف هذا الخواء فى نظام الأسد، مؤكدا «كان ذلك بمثابة صدمة لنا أيضا».
وقال سعيد ليلاز، وهو محلل مقرب من حكومة الإصلاحى مسعود بيزشكيان: لقد أصبح الأسد عائقا أكثر من كونه حليفا، ما يعنى أن وقته قد انتهى. لم يعد الدفاع عنه مبررا، حتى وإن كان ذلك يمثل انتكاسة كبيرة لإيران.
إن الاستمرار فى دعمه ببساطة لم يكن منطقيا وكان سيؤدى إلى تكاليف لا يمكن تحملها».
لقد ضعف نفوذ إيران فى المنطقة بشكل كبير بسبب الهجمات الإسرائيلية على موظفيها وأصولها فى سوريا وعلى حزب الله، الجماعة المسلحة الموالية لها فى لبنان، مما أدى إلى استنزاف قدرتها على دعم نظام الأسد.
فى الوقت نفسه، اعتبر المسؤولون الإيرانيون أن الأسد لا يمكن الاعتماد عليه بشكل متزايد، إن لم يكن خائنا بشكل صريح، فى حين اتهمه محللون ومطلعون من الداخل بالفشل فى منع الضربات الإسرائيلية على أهداف إيرانية فى بلاده.
وقال المطلعون: كان هناك إحباط طويل الأمد من الأسد فى طهران. وأضافوا: «منذ أكثر من عام، كان من الواضح أن وقته قد ولى. لقد أصبح عائقا حتى أن البعض وصفه بالخائن. لقد كلّفنا تقاعسه عن العمل ثمنا باهظا».
وفى أعقاب سقوط الأسد فى أيدى المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام، وهى جماعة سنية، تصاعدت الاتهامات داخل قيادة طهران، فقال مصدر مطلع من إيران: «كان أشخاص داخل نظامه يسرّبون معلومات عن مكان وجود القادة الإيرانيين».
وأضاف: «لقد أدار الأسد ظهره لنا عندما كنا فى أمس الحاجة إليه».
ويأتى سقوط الأسد، الذى حكمت عائلته لأكثر من خمسة عقود، كضربة مدمرة للسياسة الخارجية الإيرانية على مدى عقود، رسخت طهران استراتيجيتها على «محور المقاومة» ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، مستفيدة من شبكة من الوكلاء فى جميع أنحاء المنطقة.
وكانت سوريا حلقة حاسمة فى هذه السلسلة، حيث كانت بمثابة بوابة لإيران لإمداد وتمويل حزب الله فى لبنان والميليشيات الشيعية فى العراق والحوثيين فى اليمن.
وقد انقطعت هذه الحلقة الآن، بعد أن استولت هيئة تحرير الشام على دمشق فيما ثبت أنه الفصل الأخير من نظام الأسد. وقد صدمت سرعة الهجوم المراقبين، حيث حققوا فى أقل من أسبوعين ما فشلت قوات المعارضة فى تحقيقه خلال ١٣ عاما من الحرب المدمرة. لطالما سخرت طهران من هيئة تحرير الشام ووصفتها بـ«الإرهابية» المتحالفة مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية.
والقول بأن إيران تتراجع فى سوريا، أو أن حزب الله يهرب، هو قول سابق لأوانه، كما يؤكد العديد من المحللين.
وقد دفع المتشددون فى إيران باتجاه رد عدوانى. واقترح أحمد نادرى، وهو نائب متشدد، أن على طهران «إحياء جبهة المقاومة الجريحة» وإجراء تجربة أسلحة نووية لإعادة تأكيد مكانتها الإقليمية. وحث آخرون على توخى الحذر.
وقال ليلاز: «لا يمكن لإيران أن تفعل الكثير فى المنطقة فى الوقت الراهن».
«إن إعادة بناء حزب الله وتقييم النظام الشرق أوسطى الجديد سيستغرق وقتا. وحتى ذلك الحين، يجب على إيران أن تخطو بحذر».
ففى سوريا، أدت الغارات الجوية الإسرائيلية خلال العام الماضى إلى مقتل ما لا يقل عن ١٩ قائدا إيرانيا واستهدفت منشآت حيوية لعمليات طهران الإقليمية. أما فى لبنان، فقد تضرر حزب الله -وكيلها الإقليمى الأقوى فى المنطقة- بشدة من الحملة الإسرائيلية التى اغتالت كبار قادته واستهدفت بنيته التحتية وأسلحته وأذرعه المدنية قبل وقف إطلاق النار الذى تم الاتفاق عليه الشهر الماضى. وقد أصر وزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجى يوم الأحد على أن حزب الله سيبقى صامدا. وقال للتليفزيون الرسمى إن الحزب لديه ما يكفى من الأسلحة ليصمد «لمدة عام أو عامين» بينما يستكشف طرق إمداد بديلة.
وتشعر طهران بنفس القدر بالقلق بشأن الامتداد المحتمل إلى العراق، جارتها الغربية، حيث تظل الميليشيات الشيعية محورا لسياستها الإقليمية. قال أصغر زارعى، المحلل المقرب من النظام، إن الأسد «أساء التصرف» منذ حرب حماس وإسرائيل فى أكتوبر ٢٠٢٣، دون إعطاء تفاصيل.
وأضاف زارعى على التليفزيون الحكومى: «لسوء الحظ، كل ما بنيناه على مدى ٤٠ عاما انهار بين عشية وضحاها». «ستكون إعادة بناء موقفنا صعبة للغاية. يجب أن نضمن عدم حدوث ذلك فى العراق أو اليمن. لقد حان الوقت لشد أحزمتنا فى أماكن أخرى».
ويجادل بعض المحللين الإيرانيين بأن التعاون مع هيئة تحرير الشام، على الرغم من التوجه الإسلامى السنى للجماعة، يمكن أن يساعد إيران فى الحفاظ على بعض النفوذ. ودعا على مطهرى، وهو نائب برلمانى سابق، إلى المشاركة البراغماتية. وقال: «يجب أن نتفاوض مع هيئة تحرير الشام»، مشيرا إلى أن الجماعة المتشددة، رغم معارضتها للشيعة، إلا أنها تشارك إيران معارضتها لإسرائيل.
وفى الوقت الراهن، تتخذ طهران نهجا حذرا بانتظار تقييم نوايا حكام سوريا الجدد. وقد دعت وزارة الخارجية الإيرانية إلى احترام «وحدة الأراضى السورية» وأبدت استعدادها للعمل مع الأمم المتحدة لمعالجة الأزمة. وستكون استعادة النفوذ فى سوريا ولبنان مهمة هائلة بالنسبة لطهران.
فى تلك اللحظة من المهم تذكر مقولة رئيس وزراء بريطانيا الأسطورى ونستون تشرشل: «ليس هناك أصدقاء دائمون أو أعداء دائمون، فقط مصالح دائمة».
هذا الاقتباس يعكس الطبيعة الديناميكية للسياسة الدولية، حيث تتغير التحالفات بناء على المصالح والظروف المتغيرة، وليس بناء على الروابط أو العداوات الثابتة.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: ايران روسيا بشار الأسد سقوط نظام الأسد سوريا اسرائيل الغارات الاسرائيلية حزب الله الحرس الثوري الإيراني المعارضة السورية هيئة تحرير الشام مرتفعات الجولان العقوبات الأمريكية الحرب في أوكرانيا المحور الإيراني محور المقاومة موسكو دمشق حزب البعث المصالح الدولية صراع النفوذ الفوضى في الشرق الأوسط الغارات الجوية القوات الروسية التحالفات الإقليمية الازمة السورية الحروب بالوكالة الحوثيون العراق اليمن الانسحاب الروسي السياسة الخارجية الإيرانية الازمة اللبنانية توازن القوى الغارات الجوية الإسرائيلية تقسيم سوريا التطورات الإقليمية معارضة الأسد هیئة تحریر الشام فى المنطقة بشار الأسد حزب الله فى سوریا الأسد فى لا یمکن أکثر من
إقرأ أيضاً:
ترامب يفاوض إيران عبر الإمارات
16 مارس، 2025
بغداد/المسلة:
ترامب يفاوض إيران عبر الإمارات.. من يُبدّد “الشروط المسبقة”؟
محمد صالح صدقيان
أعادت رسالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى القيادة الإيرانية والتي حملها المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الامارات أنور قرقاش إلى طهران، فتح صفحة جديدة من التفاوض الإيراني الأمريكي بشأن البرنامج النووي الإيراني وبقية القضايا العالقة بين البلدين.
حتى الآن لا توجد معلومات دقيقة عن مضمون الرسالة الأمريكية التي تسلمتها إيران يوم الأربعاء الماضي، لكن المصادر الإيرانية تتحدث عن لغة مختلفة للسلام في منطقة الشرق الأوسط استخدمتها الرسالة وإن كانت هذه المصادر تتحدث عن “شروط مسبقة للحوار” تضمنتها رسالة ترامب!
وتشي الأجواء الإيرانية بالارتياح لما تُسميها طهران “الخطوة الأميركية الأولی” في مسار المفاوضات، وبالتالي قرّرت إيران الرد علی رسالة ترامب “وهذه نقطة ايجابية، لأن أجواء طهران لا تشي بوجود إجماع على الرد والتعامل إيجاباً مع الرسالة الأميركية”، وتعتبر المصادر أن تصريحات المرشد الإيراني الأعلی الإمام علي خامنئي الأخيرة “كافية للرد علی أي رسالة تحمل شروطاً مسبقة، وهو الأمر الذي يُعارضه الإيرانيون الذين يطالبون بمفاوضات من دون شروط مسبقة لتحقيق الأهداف التي يتطلع إليها الجانبان”.
رسالة الرئيس ترامب خضعت للدراسة والبحث من قبل ثلاث لجان تابعة لمجلس الأمن القومي الأعلی؛ الأولی، لجنة خبراء؛ الثانية، لجنة اقتراح مضمون الرد؛ الثالثة، لجنة اتخاذ القرار النهائي قبل رفعه إلى مجلس الأمن القومي الأعلی الذي يرأسه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان.
وحسب مناخات طهران، ثمة اتجاهان في تقييم رسالة ترامب التي تزامنت مع فرض عقوبات أمريكية جديدة شملت هذه المرة وزير النفظ الإيراني محسن باكنجاد.
الاتجاه الأول يعتبر أن الرسالة الأميركية “تفتقد للجدية كونها تحتوي شروطاً مسبقة للدخول في المفاوضات وتصريحات المرشد الأعلی الأخيرة التي تزامنت مع وصول الرسالة كانت كافية لا بل حدّدت الموقف الإيراني بشكل كامل حيال المفاوضات التي يدعو إليها ترامب”.
أما الاتجاه الثاني فيعتبر أن الرسالة وإن كانت تتضمن شروطاً مسبقة “إلا أنها تضمنت لغة جديدة التزم بها الرئيس ترامب حيال السلام في منطقة الشرق الأوسط”، وتضيف المصادر أن هذه الشروط المسبقة التي تحدثت عنها الرسالة “يُمكن توضيحها في رد إيراني سيتم تضمينه روحية التعاطي الإيجابي مع الرسالة الأميركية وذلك بهدف رمي الكرة في ملعب ترامب، وفي هذه الحالة فإن واشنطن لها الخيار في قبول وجهة النظر الإيرانية أو رفضها”.
ما هي طبيعة “الشروط المسبقة” التي تضمنتها رسالة ترامب؟ تدعو واشنطن الإيرانيين إلى إعادة صياغة علاقاتهم مع حلفائهم في كل من لبنان والعراق واليمن، وهذه الدول (مع سوريا التي سقط نظامها السابق) تعتبرها طهران جزءاً من جبهة مواجهة موحدة مع الكيان الإسرائيلي؛ وجرت العادة أن يُردّد الإيرانيون أنهم رسموا خطوطاً حمراء للتعامل مع حلفائهم، بحيث لا أحد يُصادّر قرارهم أو يتحدث أحد بالنيابة عنهم أو يفاوض باسمهم، وهذا الأمر لمسه القريب والبعيد في التعامل الإيراني مع العديد من الملفات في المرحلة السابقة.
هذا الموقف المبدئي لا يمنع من القول إن طهران لم تحدد آلية واضحة حتى الآن في التعامل مع الشروط الأمريكية، فضلاً عن عدم وجود معلومات دقيقة حول المضمون النهائي للرد الإيراني لكن الأكيد أن طهران قرّرت الرد وإن كان المرشد قد صرّح أن ترامب لا يريد حل المسألة الإيرانية بقدر ما هو يريد تشديد العقوبات عليها.
وفي مسار مواز، احتضن قصر “دياويوتاي” غرب العاصمة الصينية بكين، اجتماعاً ثلاثياً صينياً إيرانياً روسياً علی مستوی معاوني وزراء خارجية الدول الثلاث وهم الروسي سيرغي ريابكوف؛ الصيني ما تشاو شو؛ الإيراني كاظم غريب آبادي، وذلك بهدف اتخاذ موقف موحد حيال العقوبات الأحادية التي تفرضها الولايات المتحدة علی إيران. نتائج الاجتماع الذي عقد أمس الأول (الجمعة) في بكين، “كانت مهمة جداً لإيران خصوصاً ما يتعلق بإدانة العقوبات الأمريكية والمطالبة برفعها؛ والتأكيد علی القرار الأممي رقم 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي؛ ودعم حق إيران بامتلاك الدورة الكاملة للتقنية النووية في إطار معاهدة حظر الانتشار النووي الموقعة من قبل إيران.
هذا الموقف الثلاثي هدفه إقامة حائط صد بوجه موقف دول الترويكا الأوروبية التي دعت مجلس الأمن الدولي لمناقشة البرنامج النووي الإيراني في جلسة عقدت الخميس الفائت، برغم معارضة إيران التي انتقدت قرار عقد الجلسة واعتبرته “سابقة في تاريخ مجلس الأمن”..
واللافت للإنتباه أن كل هذه التطورات في الملف الإيراني حدثت خلال الأسبوع المنصرم، ما يؤشر علی حراك إيراني وإقليمي ودولي يتصل بإدارة المرحلة الانتقالية المقبلة مع الأخذ في الاعتبار الأحداث التي شهدتها ساحات كل من لبنان وفلسطين وسوريا.
تبقی الإشارة إلى أن تطوع دولة الإمارات للعب دور الوسيط بين واشنطن وطهران وضعه مصدر إماراتي رفيع المستوی في “في إطار العلاقات الثنائية بين البلدين ووقوف الإمارات بجانب إيران الجارة؛ والعمل معاً علی التهدئة وتجاوز المرحلة الصعبة جداً علی الجميع”.
ويبدو أن الخيار وقع علی دولة الإمارات بعدما تطوّعت عدد من الدول للدخول علی خط الوساطة مثل روسيا والسعودية وقطر والمنصة التقليدية لهذا العمل سلطنة عُمان. وهذا ما دفع دولة الإمارات إلی اختيار أنور قرقاش الذي يُمثّل رئيس الدولة محمد بن زايد لنقل رسالة ترامب. ومن المتوقع أن يقوم رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بحمل الرسالة الأخيرة للقيادة الإيرانية، إذا نجح الجانبان في تحريك المياه الراكدة بينهما، وذلك بما يُهيء الأرضية لاستئناف المفاوضات بين طهران وواشنطن في حال تطور مسار تبادل الرسائل بشكل ايجابي ولا سيما إذا نجح ترامب في ترميم حاجز عدم الثقة الكبير الموجود حالياً بينه وبين القيادة الإيرانية علی خلفية انسحابه من الاتفاق النووي في العام 2015 وفرض المزيد من العقوبات علی إيران كان آخرها في الأسبوع الماضي.
وحسب المصادر الإيرانية، “يجب أن يُدرك ترامب أن القيادة الإيرانية ليست الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي ولا أي رئيس أو زعيم آخر؛ إنها تختلف في المضمون وفي الشكل وفي التاريخ وفي الجغرافية؛ وما يستخدمه الرئيس ترامب من سلوك مع الآخرين لا يمكنه استخدامه مع القيادة الإيرانية. فلكل مقام مقال ولكل حادث حديث؛ والحكيم الذي ينجح في وضع الشيء في محله”.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts