فرشاة «جيروم بوش».. تجاوز حدود الخيال
تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT
بقلم: ميشال لويلييه
ترجمة: أحمد حميدة
في مثل تلك البيئة المنغلقة، التي باتت منتهبة للغلو والإفراط، نشأ جيروم بوش سنة 1450 في «بوا لي دوك»، في الطرف الجنوبي من هولندا، في أسرة كان جميع أفرادها يحترفون الرسم، وكان الرسم يحظى يومئذ، وعلى غرار فن الموسيقى، برعاية الكنيسة. غير أن الرسامين باتوا يومها ملزمين فحسب بإنجاز رسومات دينية لتوشية الكنائس، حتى أنه بات من النادر أن نجد مبنى كنسياً لا تزدان جدرانه وأحياناً أسقفه، بحشد من اللوحات المستلهمة من الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد.
لهذه الاعتبارات بات الفن التشكيلي وخاصة فن الرسم، بشقيه الأيقوني البيزنطي.. والطبيعي الغربي، موسوماً بطابع ديني صرف، وغدا أسلوب التشكيل المستوحى من نصوص الإنجيل في هذا المضمار، هو الذي يمنح اللوحة الفنية صفاتها المشهدية، فجعلها وسيلة لتجسيم مشاهد كاملة من صور وأحداث مقتبسة من العهدين القديم والجديد.. غير مقتصرة فحسب على تمثيل شخصيات مقدسة، كما منحها مثل ذلك التوجه.. ووفقاً لقواعد المنظور وتوازن الكتل والمبنى التكويني، عمقها وبعدها الثالث.
من ناحيته، أقدم جيروم بوش على خرق قواعد الرسم المألوفة تلك، ولم تعد أعماله لترتبط بالكتاب المقدس إلا من حيث الأسماء التي كانت تطلق على لوحاته، ولوجود تلك اللوحات في أروقة الكنائس. بل إن هذا الفنان ذهب إلى حد خرق حدود الوعي السائد وحدود المخيلة، وهي الملكات التي بدت في أعمال غيره من فناني العصر، مصفدة بقيود المرجعية النصية، فاستطاع بمخيلته الخصبة والخلاقة، وببصيرته الحادة، أن يكتسح حد التخوم.. خيال الإنسان، وأن يتوغل حد الأغوار في دهاليز النفس البشرية وفي عوالم التخييل والتمثل، وقد أتاح له كل ذلك، الانغمار عميقاً في عوالم الباطن، والنفاذ إلى خافية السر في طبائع البشر، في علاقتهم بالكائنات الأخرى، الحقيقية كالحيوانات، أو المتخيلة كالشياطين والمسوخ، أو أشباه الشياطين التي تلبست البشر، أو تلبسها البشر. وبالنتيجة لن يكون المظهر البشري لتلك الكائنات في لوحاته غير قناع خارجي يحجب فظاعة القبح المتخفي في النفس البشرية. وغدا الكائن المسخ أو الحيوان المشوه هكذا، تجسيداً مادياً لقبح سري صارخ متأصل في طبيعة الإنسان ومنذر بسوء المآل.
ويبدو من الواضح أن شخصياته المثيرة للسخرية كانت مستلهمة من كتب الحيوانات القروسطية، ومن خرافات وكوابيس ذلك العصر. تبدو لوحاته دوماً عامرة ببشر متهتكين.. غارقين في المعاصي، وبكائنات منفرة. وجاءت المشاهد في لوحاته مروعة حقاً، قد نلمس أبعادها المفزعة في لوحات شهيرة مثل «موت البخيل»، وغيرها من الأعمال الفنية الأخرى، التي بقدر ما كانت أعمالاً باذخة ومشرقة على المستوى الشكلي (التكوين والتلوين)، بقدر ما ظلت ولا تزال غريبة ومنغمرة في سديم من الأسرار.
كما نجده في كل تلك الأعمال لا يني يشهر بغوايات النفس التي تنخر الجوانب الخيرة في الإنسان، ومن تلك الغوايات الصفات المذمومة كالجشع والكبر والقسوة والتوحش.. وخاصة الإمعان في التبذل.. والإقبال دون رادع على الملذات، وهي الغوايات التي متى استسلم لها الإنسان، غدا في نظر بوش منذوراً لا محالة للجحيم، وموعوداً بعذاب مقيم.
أب السريالية
لا شك في أن أعمال بوش ساهمت في تغذية المد السريالي الذي عرفته أوروبا في بداية القرن العشرين، وهي الأعمال التي أنتجها الرسام قبل ما يزيد على أربعمائة سنة على ظهور الحركة السيريالية، وتنخرط تلك الأعمال في ما أكسب السريالية أبعادها الفكرية والفنية والفلسفية. وإن لم تنطو أعمال بوش بشكل صريح على مفاهيم السريالية وعلى فضاءاتها الدلالية التي لم تكن معروفة في عصر النهضة، فإن السمة السريالية تتجلى بوضوح في سعي هذا الرسام إلى استكشاف دواخل الإنسان المظلمة، وفي استغراقه العميق في الحلم، واستلهامه صور الموجودات والكائنات من أعماق اللاوعي، في هيئاتها المتخيلة، وكيفية حضورها في أحلام الناس وكوابيسهم.. ولا من خلال وجودها الواقعي. ويكفي تأمل أعمال سلفادور دالي وغيره من الرسامين السيرياليين، حتى ندرك أن لتلك الأعمال جذوراً ثابتة في التحف الفنية التي تركها لنا جيروم بوش.
أمام الأعمال المهيبة لبوش يتساءل البعض: ولكن.. أين يكمن الجانب الإيجابي في أعمال بوش؟ أين تراه يكون موطن الجمال والخير في تلك الأعمال؟ مرة أخرى وكما الفنان الإسباني غويا في القرن التاسع عشر، في أعماله المعروفة بـ «أهواء»، يكون بوش قد عمل على إرباك مركز حواسنا بصور، غايتها الوحيدة إبراز نموذج من الجمال الأسمى، لا على قماش اللوحة وإنما في أرواحنا، أي ذلك الجمال الذي لا تطاله غير الروح، والذي سوف يظل مخفياً بصورة أبدية.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الرسم الثقافة الموسيقى الفن التشكيلي الفن الفلسفة تلک الأعمال
إقرأ أيضاً:
محافظ الشرقية يتفقد أعمال رد الشيء لأصله بمنطقة فلل الجامعة بطول 1750متر
أكد المهندس حازم الأشموني محافظ الشرقية أن المحافظة جادة في تنفيذ خطة التطوير والتجميل بمختلف مراكز ومدن المحافظة وتسعى لفتح محاور مرورية جديدة تُساهم في فك الإختناقات المرورية داخل المدن وتعمل على تخفيف حدة الزحام بها فضلاً عن تكثيف أعمال النظافة ورفع الإشغالات وتقديم أفضل الخدمات للمواطنين.
جاء ذلك خلال تفقده أعمال رصف شوارع أبو بكر الصديق والمعز والإمام علي بمنطقة فلل الجامعة بمدينة الزقازيق ، وذلك بعد أن تم الإنتهاء من رصف ورفع كفاءة شارع ترعة المسلمية ومنطقة كنيسة الأنبا انطونيوس ضمن خطة رد الشيء لأصله للعام المالي الحالي 2024/ 2025 بإجمالي أطوال 1750 م متر وبتكلفة 9 مليون و57 ألف جنيه ، وذلك تماشياً مع خطه التطوير والتجميل التي تشهدها شوارع مدينة الزقازيق.
قدم المهندس نادر سليمان المسئول عن تنفيذ المشروع شرحاً تفصيلياً لمحافظ الشرقية عن طبيعة الأعمال الجارية وتمت الإشارة إلى أنه جاري الإنتهاء من أعمال رصف شارع أبو بكر الصديق بطول 400 م ومتوسط عرض 18 متر وبتكلفة 3 مليون و 957 ألف جنيه ، وكذلك شارعي المعز والإمام علي بطول 250 متر ومتوسط عرض 17 متر وبتكلفة 3 مليون جنيه ، وذلك بعد أن تم الانتهاء من أعمال رصف منطقة كنيسة الأنبا أنطونيوس بطول 350م ومتوسط عرض 9.5 متر وبتكلفة مليون و 500 ألف جنيه وكذلك إقامة ترنش غاز طبيعي بطول 1 كم ومتوسط عرض 50 سم بشارع ترعة المسلمية بتكلفة 600 ألف جنيه.
وأضاف المهندس المسؤول عن المشروع أن الأعمال الجارية شملت تكسير الأسفلت المعيب وإنشاء طبقة تأسيس للأسفلت ووضع طبقة الاسفلت النهائية وجاري إستكمال باقي الأعمال طبقاً للمواصفات الهندسية المحددة .
شدد المحافظ على محمد ابو هاشم رئيس حي ثان بالتنسيق مع وكيل وزارة الطرق والنقل بمتابعة الشركة المسند لها تنفيذ الأعمال وتذليل كافة العقبات أمامها لسرعة الإنتهاء من تنفيذ أعمال الرصف والتطوير وفتح الطرق أمام عبور السيارات والمواطنين.