جدة – صالح الخزمري

مع انطلاق معرض جدة للكتاب 2024، الذي يجمع تحت مظلته أكثر من 1000 دار نشر سعودية وعربية ودولية، موزعة على 450 جناحًا تُمثِّل 22 دولة،  تعيش مدينة جدة حدثًا ثقافيًّا مميزًا ليؤكد مكانة المدينة بوصفها وجهة أدبية بارزة.

تحت شعار “جدة تقرأ”، يستقبل المعرض الزوار بمزيج غني من المعرفة والإبداع، مقدمًا منصة لاكتشاف أحدث الإصدارات الأدبية، وحضور الندوات الثقافية، والانغماس في الفعاليات المصاحبة.

البرنامج الثقافي لهذا العام يشمل أكثر من 100 فعالية متنوعة يقدمها 170 متخصصًا من أبرز الأدباء والمفكرين، تشمل ندوات، وجلسات حوارية، وأمسيات شعرية، وورش عمل تغطي مختلف المجالات الفكرية والثقافية.

كما لم يغفل المعرض فلذات الأكباد حيث  خصَّص  للأطفال منطقة تفاعلية تقدم 40 فعالية متنوعة، تجمع بين الكتابة والتأليف والمسرح وصناعة الرسوم المتحركة، مما يفتح آفاق الإبداع أمام الجيل الصغير. كما يسلط الضوء على المؤلف السعودي من خلال ركن مميز يعرض أحدث إصداراته. ولتعزيز الإقبال على القراءة، جُهِّزت منطقة خاصة بالكتب المخفضة، إلى جانب مساحات مفتوحة للقراءة.

والمعرض يقدم رؤية ثقافية مستقبلية حيث لا تقتصر أهميته على كونه منصة للكتاب، بل يُمثِّل رؤية طموحة نحو المستقبل، حيث تركز النسخة الثالثة على استثمار التقنية في النشر الرقمي، وتشجيع الابتكار في صناعة الكتاب، مع اهتمام خاص بالإصدارات الإلكترونية ومنصات القراءة التفاعلية، في انسجام مع رؤية المملكة 2030 التي تسعى لتعزيز التحول الرقمي في مختلف المجالات، بما في ذلك القطاع الثقافي.

اقرأ أيضاًالمجتمعناقشا تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية بين البلدين.. وزير الاقتصاد والتخطيط يلتقي نظيره السلوفيني

كما أن معرض جدة للكتاب 2024 ليس مجرد حدث ثقافي، بل نافذة تطل منها المملكة على العالم، تُبرز أهمية الكتاب في تشكيل أجيال واعية ومجتمع معرفي رائد، وترسخ مكانة جدة بوصفها ملتقًى عالميًّا لعشاق الأدب والفكر، من ناشرين ومؤلفين إلى قراء ومثقفين، في احتفالية أدبية تعكس تطلعات السعودية الثقافية.

ومن أبرز أركان المعرض ركن “المؤلف السعودي”، حيث يشارك بعناوين متنوعة لمجموعة من المؤلفين السعوديين الشباب، يبلغ عددها 100 كتاب. وتأتي هذه المبادرة من قِبَل “هيئة الأدب والنشر والترجمة” بهدف تبني مؤلفات المواهب الشبابية من الجنسين في فن الكتابة، وتحديدًا الذين لم يتعاقدوا مع دور نشر، بحيث تُعرَض مؤلفاتهم وتُسوَّق محليًّا بمعارض الكتاب المختلفة، مع تحصيل قيمتها النقدية لهم دون أي مقابل مالي، وإيداع مستحقاتهم بعد البيع في حساباتهم الشخصية. ويُشترط لمَن يرغب في الانضمام إلى ركن “المؤلّف السعودي” أن يسجّل بياناته في الموقع الإلكتروني الخاص بالمبادرة، على أن يشمل ذلك اسمه، وعنوان الكِتاب، وشهادة الفسح، وهي بيانات تخضع للتحقق والفحص للتأكد من المعلومات المدخلة، مع الاستيثاق من عدم توقيع الكاتب عقدًا مع إحدى دور النشر، وبعد ذلك يُدرَج  الكتاب في القائمة ويُعرَض في الركن.

المصدر: صحيفة الجزيرة

كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية

إقرأ أيضاً:

تفكير المؤلف المبدع بالسينوغرافيا

فـي سياق إقامة الدورة الخامسة عشرة لمهرجان الهيئة العربية للمسرح بالسلطنة، ووجود عروض مسرحية عربية (الملجأ، ذاكرة صفراء، المؤسسة، سيرك، هاجّة (بوابة 52) ماكبث المصنع، البخارة، عد عكسي، بين قلبين، هُم، نساء لوركا، كيف نسامحنا؟، ريش، وغصة عبور)، وعرض عماني واحد هو (أسطورة شجرة اللبان)، تسير العروض جميعها فـي مسارين؛ الأول تتنافس فـيه على جائزة صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عرض مسرحي، والمسار الثاني خارج التنافس، تنافست العروض على تقديم رؤى إخراجية بصرية جاذبة، راهنت على بقاء المتفرج طيلة العرض، بينما أصاب بعض العروض الترّهل والفوضى الإخراجية والبصرية.

شغلني هذا السؤال: كيف يُفكر المؤلف الدرامي المسرحي فـي السينوغرافـيا؟ أين مكانه فـي جوهر هذا الاشتغال؟ جرت العادة فـي البداية أن التفكير فـي السينوغرافـيا هو شأن يخصّ مخرج العرض المسرحي. وهذا صحيح إلى حد كبير. أما سؤالي السابق فلا يناقش، وذلك انطلاقا من جدلية ثابتة أن علاقة المؤلف مع نصّه تنتهي بمجرد وصول النص إلى المخرج. وعلى ذلك الأساس يتمحوّر اشتغال المخرج مع مصمم السينوغرافـيا والدراماتورغ لتقديم رؤية فنية تشكيلية وبصرية فـي فضاء العرض المسرحي وغيرها من الفضاءات.

إن السينوغرافـيا علمٌ وفنٌ قوامه تبئير فنون عدة هي: الديكور والإضاءة والزّي والإكسسوار والأقنعة والمؤثرات الخاصة من إضاءة ومؤثرات سمعية وبصرية فـي رؤية زمكانية وفلسفـية وصوفـية للعالم. وأقصد بالرؤية الزمكانية هي (الآن-هنا)، أما الرؤية الفلسفـية فهي مجموع تصورات النصّ الدرامي المسرحي ومنطلقاته الفكرية وأسئلته حول العلاقات الإنسانية المعقدة، أما الرؤية الصوفـية فهي السير بالصورة المشهدية إلى جماليات يتجلى من خلالها الإخراج المسرحي كتلة واحدة لفضاء العرض الدرامي.

تنبع فعالية السينوغرافـيا وقيمتها الأساسية كما يعرّفها المعجم المسرحي من قيامها ببحث «علاقة الإنسان (الممثل والمخرج) بالفضاء المسرحي. وعلاقة العناصر المسرحية بعضها ببعض بما فـيها الخشبة والصالة». وانطلاقا من هذا فإن المؤلف المبدع يعتبر السينوغرافـيا عنصرًا مهما من عناصر العرض المسرحي، وأهميتها لا تقل عن أهمية القيم الدراماتيكية للنصّ الدرامي.

المؤلف المبدع يَبني نصه الدرامي بالكلمات، وكل كلمة لها دلالات متعددة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى السينوغرافـيا لها دلالات كثيرة، إنها توسع من ملفوظ الحوارات لتمنح فضاء العرض أبعادا جمالية للكشف عن طبيعة الشخصيات والصراع والزمان والمكان. بهذا المعنى فالسينوغرافـيا «تعمل على استثمار الفضاء المسرحي كفراغ من أجل إعطاء المسرح بعدا شعريا».

المؤلف المبدع الذي يهتم بفكرة نصّه الدرامي عليه أن يواكب التطور الحاصل فـي السينوغرافـيا وتنوعها من حيث قدرة السينوغرافـي على تكوين الصورة البصرية بأرقى المعاني الجمالية، ويتحقق ذلك عن طريق جسد الممثل فـي الفراغ، واللعب بالألوان والإضاءة والمؤثرات جميعها وخطوط العرض والطول والظل.

يعود الفضل إلى التطور الحاصل فـي سينوغرافـيا العرض المسرحي إلى ثورة التكنولوجيا بدءا مع المخرج فـيسفولد ميرهولد الذي «قدم نظرية بنائية على تناغم الخطوط الأفقية والعمودية فـي فراغ الخشبة للتوصل إلى شكل عرض يقوم على رفض الإيهام». والعبقري جوردون كريغ الذي كان «يحلم بذرات مضيئة تملأ الفراغ المسرحي، وتصطدم ببعضها لتحقق أشكالا وآلافا من النقاط الملونة»، وأدولف آبيا، وصولا إلى السينوغراف التشيكي جوزيف زفوبودا «وتصوره للصورة المسقطة على الشاشات والمسطحات»، والسينوغراف جوزيف شاينا، والمخرج روبرت ولسون «وابتكاره للمسرح البصري المعتمد على التقنيات الحديثة لإسقاط الصورة على خشبة المسرح»، وساحر المسرح روبرت ليباج.

وجود المؤلف المبدع يفترض جدلا وجود المخرج المبدع «الذي قد يستخدم المِقصّ الحّاد لقص مفردات النصّ ليفرض رؤاه الإخراجية على كل صغيرة فـي العملِ أو كبيرة». ولا شك فـي أن وجود المخرج المبدع يَفترض بالضرورة وجود السينوغراف المتطوّر الذي يُجيد التعامل مع الخشبة، وإلا فإنّ جزءا من الفشلِ أو الخَلل سَوف يؤدي إلى إصابة العرض المسرحي بالترّهل واللا انسجام وفقد الإيقاع.

الممثل المسرحي فـي أثناء تأديته للشخصية الدرامية على الخشبة تكون وسيلته هي الفعل والحوار. أما المخرجون والسينوغرافـيون والدراماتورجيون المعاصرون فإنهم -يجيدون فـي عصر هيمنة الآلة والتكنولوجيا والرقميات وعلوم البرمجيات- التضحية بالكلمة وجعلها فـي مرتبة ثانية. إنهم مؤمنون بقدرتهم على خلق عالم جديد أو مغاير لعالم النص الدرامي، ولكلمات المؤلف المسرحي. فتجدهم يؤثثون الخشبة بلغات حركية وتشكيلات ديناميكية وأصوات بشرية وموسيقية غائرة فـي العمق، يطمحون من ورائها إلى تثبيت رؤية معاصرة تصل بين زمنيّ الماضي والحاضر، وبين بعثيِّ الميلاد والموت، وبين شهقتيّ القدوم إلى الحياة أو مغادرتها.

أين هو إذن موقع المؤلف المبدع؟

إن الجهد الذي يبذله العاملون على الخشبة لإخراج العرض المسرحي المبدع، ينطلق من بذرة النص الدرامي الخلاّق. من خلال تجربتي فـي تأليف النص المسرحي وممارسة البحث النقدي، أجد أن النقطة التي ينطلق منها الكاتب المسرحي، وهو يفكر بالسينوغرافـيا يبدأ من اللغة وحوار الشخصيات وتمتع السينوغراف بتأويل الكلمات إلى معاني بصرية.

فـي تجربتي لكتابة مسرحيتي (البئر-1997م) التي أخرجها الكاتب المخرج محمد خلفان، تكوّن النصّ من ثماني شخصيات ومجموعة أطفال متفاوتي الأعمار وأغان تراثية مستوحاة من البيئة والألعاب الشعبية الظفارية فـي جنوب عُمان ولافتات كُتب عليها إرشادات بخط طفولي. يغوص النص فـي أبعاد سحيقة للميثولوجيا والتراث الحكائي للمجتمع المحلي. شخصيات المسرحية تعيش فـي عالمين متناقضين، العالم الأول يتكون مما يراه الناس، ويصطلحون عليه كشكل اجتماعي تقليدي بسيط. فالرجال يعملون فـي البحر والنساء يعملن فـي صناعة الخبز وبيعه، وفـي لحظة استعادة الرجال والنساء لماضيهم يتذكرون أنهم كانوا أطفالا يلعبون ويكبرون ويتزوجون فنسوا الغِناء. ويتكون العالم الثاني الباطني من الإيمان العميق بالطقوس والغيبيات والسحر.

انبنى الطموح السينوغرافـي لعرض المسرحية من خلال فضاء خشبة عارية بتعبير بيتر بروك، وممثلين يرتدون قمصانا بيضاء وبناطيل سوداء. كان هناك قماش أبيض بلغ طوله (12- 12) مترا. وَظف المخرج من خلاله شفافـية الأصوات القادمة من البئر: طفولة الماضي، السحرة، الألعاب الشعبية وأغاني الأطفال، والبئر التي سقط فـيها القمر. رغم فداحة مصير الشخصيات وحالات انفصالها عن الواقع واتصالها مع الميثولوجيا، إلا أن الدرس الجمالي للمخرج والسينوغرافـيا جعل الشعور النفسي بالعرض المسرحي متوترا، ومنقادًا إلى نهاية مفجعة.

أما بالنسبة إلى (البئر) فـي المسرحية، فكانت تتمدد فـي الزمان، وفـي الأغاني والأصوات الدالة على بيئات متعددة كاليابسة والبحر، ومجموعة من الأوهام والطقوس التي ستودي بحياة الشخصيات إلى الفقد والبكاء، أو إلى التجمع العائلي والفرح.

إن نغمة ذلك الغناء بنبراته الحزينة يُماثل عمق البياض الذي ظلت تبحث عنه شخصيات مسرحية (البئر)، وهو صوت النغمة التي طغت على أحداث المسرحية، إنها نغمة الأسر أو السجن.

كنتُ أفكر كيف سيحوّل المخرج ومصمم السينوغرافـيا كلمات النص إلى مجاز من الأصوات والظلال والتشكيلات الجسدية والأداءات الدرامية والرموز التعبيرية الدالة على الميثولوجيا. بإيجاز، كيف يجعل السينوغرافـي أعماق (البئر) الإنساني ساحرًا؟ وكيف يتحول هذا السحر إلى مكان واقعي سهل التخيّل؟

فـي (البئر) استخدمتُ كلمات حقيقية، دون أن يحيط بها شيء من الالتباس أو الألغاز. إن للكلمات ذاكرة. إن كل معنى يطلع على خشبة المسرح تكشف عنه جماليات السينوغرافـيا ككل، سواء فـي الإضاءة المتطورة أو المنظور العام، إنما هو ذاكرة الكلمات التي صاغها المؤلف المسرحي؛ كلمات تحتفظ بقوتها التعبيرية المكثفة.

إن الكاتب المسرحي، عندما يكتب مشهده الأول بالكلمات، يعمل على فتح بوابة المسرح/ أو العالم على الأبدية، وعلى الفضاء الحُّر الواسع الممتد اللانهائي، كما يقوم بغلقه. وما على المخرج ومصمم السينوغرافـيا والدراماتورغ سوى البحث فـي علاقة الكلمة وأحوالها الحقيقية أو المجازية فـي معاني الإبداع المسرحي الممكنة.

مقالات مشابهة

  • تفكير المؤلف المبدع بالسينوغرافيا
  • الاتحاد يضع عينه على موهبة برشلونة الشابة
  • مجمع اللغة العربية يقدم تخفيضات 30% على مطبوعاته في معرض الكتاب
  • رئيس «العامة للكتاب»: معرض الكتاب تاريخ عريق لحدث ثقافي قومي
  • أحدث إصدارات «نهضة مصر» في معرض الكتاب.. بينها مؤلفات مدحت العدل وريم بسيوني
  • أحمد بهي الدين: معرض الكتاب أطلق مبادرات بشأن تخفيض الأسعار
  • رئيس هيئة الكتاب: اختيار ضيفي المعرض للدورتين 2026 و2027 يعكس ثقة العالم
  • رئيس هيئة الكتاب: مشاركة 80 دولة و1300 دار نشر بالدورة الـ56 لمعرض الكتاب
  • د. بهي الدين: الكتاب سيظل دائمًا منارة تضيء دروب الإنسانية نحو المعرفة والتقدم
  • وزير الثقافة: شعار معرض الكتاب هذا العام «اقرأ... في البدء كان الكلمة»