تأثير سقوط الأسد على إيران ومستقبل العلاقات الإيرانية السورية
تاريخ النشر: 14th, December 2024 GMT
بالحديث عن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا وانهيار نظام حزب "البعث"، الذي هيمن على حكم البلاد لأكثر من 60 عامًا، يمكن القول إن "ضربة كبيرة وُجهت لسياسة "محور المقاومة" التي تبنتها إيران بعد غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003″.
جدير بالإشارة إلى أن سياسة "محور المقاومة" هي إستراتيجية متعددة الأوجه، وضعتها الأجهزة العسكرية والاستخباراتية الإيرانية.
وعلى الرغم من أن الجانب العسكري هو الأبرز في هذه السياسة، فإنها تشمل مجالات عديدة مثل: الاقتصاد، والثقافة، والدين.
وبعد الأحداث الأخيرة، تلقت إيران ضربة لا يمكن تعويضُها في سوريا، التي يمكن القول إنها تمثل الركيزة الأهم لسياسة "محور المقاومة"، وذلك بعد استثمارها الكبير اقتصاديًا وعسكريًا على مدى 24 عامًا.
وهذا التأثير السلبي قد يمتد ليؤثر على وجود إيران ومستقبله في دول أخرى، مثل: العراق، ولبنان، واليمن، والبحرين.
ولذلك، لا يؤثر سقوط بشار الأسد على الوجود الإيراني في سوريا فقط، بل إنه ألحق كذلك أضرارًا جسيمة بمصالح إيران في الدول الأخرى التي تُعد جزءًا من سياسة "محور المقاومة".
وفي هذا السياق، تتعامل إيران مع مسألة نهاية حكم بشار الأسد وصعود المعارضة إلى السلطة من خلال مسارين؛ الأول يتعلق برد فعل الشعب الإيراني، أما الثاني فيتعلق بالجماعات المسلحة التي تدعمها إيران في المنطقة.
إعلانوفي خطاب ألقاه المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، آية الله خامنئي، بعد سقوط نظام "البعث" بأربعة أيام، إلى جانب تصريحات المسؤولين السياسيين والعسكريين الآخرين، ظهرت رسائل واضحة موجهة إلى الشعب الإيراني والجماعات المسلحة المنضوية تحت مظلة "محور المقاومة".
ومن خلال هذه الرسائل، أظهرت إيران أنها تعتبر أولويتها الإستراتيجية هي "كبح ردود الفعل الداخلية، واحتواء التشاؤم واليأس بين الجماعات المسلحة المدعومة منها".
رسائل خامنئيلقد أثار سقوط بشار الأسد في سوريا، حيث أنفقت إيران مليارات الدولارات، وفقدت العديد من قادتها البارزين، غضب الشعب الإيراني ضد المرشد الأعلى آية الله خامنئي والحرس الثوري الإيراني.
إذ بدأ الشعب الإيراني يعبر عن رأيه بأن الادعاء الذي تروج له السلطات الإيرانية بشأن "قوة إيران وتأثيرها الحاسم في المنطقة" ليس سوى وهم وسراب.
جدير بالذكر أن هذه الآراء تُتابع من كثب من قبل القيادة الإيرانية.
وهنا، يمكن التأكيد على أن سقوط نظام الأسد تسبب في تصدعات خطيرة داخل الحرس الثوري الإيراني وقوات "البسيج"، وهي قوات تعبئة الفقراء والمستضعفين، وكذلك على المستوى السياسي في إيران.
ويبدو أن الحكومة الإيرانية قلقة بشدة من تأثير هذا التغيير في سوريا على المجتمع الإيراني.
ونتيجة لذلك، يُتعامل مع حالة الضعف وخيبة الأمل التي ظهرت بين الشعب الإيراني وفصائل المحور كأولوية قصوى في الوقت الحالي.
وفي خطاب ألقاه يوم الأربعاء، 11 ديسمبر/ كانون الأول 2024، وجّه خامنئي أصابع الاتهام بشكل صريح إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، بينما لم يذكر تركيا بالاسم، لكنه أشار إليها كمسؤولة بشكل غير مباشر عما حدث.
وأكد خامنئي أن ما جرى في سوريا لن يضعف إيران، واصفًا من يعتقدون ذلك بـ "الجهل".
وفي هذا الصدد، قال خامنئي: "هناك محللون جهلة يظنون أن سقوط النظام في سوريا سيضعف إيران، ولكن بإذن الله وقوته، إيران قوية وستصبح أقوى".
إعلانويمكن اعتبار أن هذه التصريحات تهدف إلى تقليل الانتقادات، وتعزيز الآمال المتراجعة، ورأب التصدعات.
ففي النهاية، أذهل سقوط نظام "البعث" الذي دعمته إيران اقتصاديًا وعسكريًا لمدة 13 عامًا خلال 12 يومًا فقط العالم، وأثار دهشة وغضب الشعب الإيراني.
وفي خطابه، صرح خامنئي قائلًا: "ما حدث في سوريا هو نتيجة خطة مشتركة بين الولايات المتحدة والصهاينة، ولا شك في ذلك، فنحن لدينا أدلة واضحة لا تقبل الجدل".
وبالحديث ضمنًا عن دور تركيا، قال خامنئي: "بالإضافة إلى أميركا وإسرائيل، هناك دولة مجاورة لسوريا لعبت دورًا واضحًا في هذا الأمر، وتواصل القيام به، وهذا أمر مرئي للجميع".
لقد حاول خامنئي من خلال هذه التصريحات تبرير خسارة نظام بشار الأسد، والإيحاء بأنه لم يُهزم من قبل جماعات مسلحة، بل من قبل تحالف دولي تقوده دول كبرى.
وإلى جانب ذلك، أدّى سقوط النظام السوري إلى تداعيات كبيرة على جماعات مثل الحشد الشعبي في العراق، وحزب الله في لبنان، وأنصار الله في اليمن.
وبتخصيص جزء من خطابه لتوجيه رسائل إلى الجماعات التابعة لـ "محور المقاومة"، قال خامنئي: "المستكبرون يفرحون بالأحداث في سوريا، ويظنون أن سقوط الحكومة السورية المؤيدة للمقاومة أضعف جبهة المقاومة، لكنهم مخطئون بشدة؛ من يعتقد أن جبهة المقاومة ضعفت بسبب هذه الأحداث لا يفهم المقاومة، ولا يعرف معناها".
وتابع: "إن المقاومة ليست كيانًا يمكن قطعه أو القضاء عليه، المقاومة إيمان وفكرة وقرار لا يتزعزع ومدرسة عقدية، ما تؤمن به أي جماعة لا يضعف، بل تزداد قوة تحت الضغوط، كما أن جبهة المقاومة تزداد قوة ويتسع نطاقها عندما ترى الشرور".
وبشكل جلي، تُظهر هذه التصريحات بوضوح حالة الإحباط وفقدان الأمل التي سادت بين الجماعات المسلحة المتحالفة مع إيران.
وإحدى أبرز النقاط في خطاب خامنئي كانت الإشارة إلى حزب الله كدليل على قوة جبهة المقاومة.
إعلانحيث أشار إلى أن حزب الله أصبح أقوى بعد مقتل قائده حسن نصر الله خلال هجوم إسرائيلي.
وخلال حديث مع ثلاثة أشخاص من داعمي الثورة الإسلامية في إيران: أكاديمي وصحفيين، قال الأخيران، اللذان فضلا عدم الكشف عن اسميهما، إن "تصريحات خامنئي حول سقوط النظام السوري لم تكن مقنعة لمعظم الشعب الإيراني الغاضب".
وأشار أحد الأكاديميين السياسيين إلى أن "التغيير في سوريا سبّب خيبة أمل كبيرة لدى الشعب الإيراني، وأضعف ثقته في تصريحات المسؤولين".
لكنه أعرب في الوقت نفسه عن أمله في أن "تساعد سياسات الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، التي تهدف إلى تحقيق الوحدة داخل إيران، في تهدئة الغضب وتخفيف التوترات".
تأثير التطورات في سوريا على "محور المقاومة"إن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، الذي تعتبره إيران أهم مكونات محور المقاومة، كان له تأثيرات مادية ومعنوية كبيرة على الجبهة.
ومن المعروف أن رحيل حسن نصر الله وغيره من القادة البارزين خلال الهجمات الإسرائيلية قد تسبب في ظهور خلافات داخلية في صفوف حزب الله.
إذ تعمقت هذه الخلافات بين المجموعات التي تضم أفرادًا من توجهات مختلفة، خاصة بعد مقتل نصر الله، حيث برزت اختلافات حول إستراتيجية حزب الله وعلاقته بإيران.
بالإضافة إلى ذلك، وردت تقارير عن وجود انقسامات عسكرية داخل منطقة الضاحية، التي تُعد معقل حزب الله.
وفي ظل تفاقم هذه الخلافات داخل الحزب، يمكن القول إن "تغيير النظام في سوريا قد يعزز موقف التيار الذي يدعو إلى تبني سياسة أكثر استقلالية عن إيران، على حساب التيار المؤيد للاستمرار تحت السيطرة الإيرانية".
كذلك، يمكن أن نشهد تعزيزًا لتيار داخل حزب الله يطالب بالتركيز على الأنشطة السياسية وإعطاء الأولوية لها على حساب الأنشطة العسكرية، باعتبار ذلك إستراتيجية أكثر ملاءمة لضمان استمرارية حزب الله.
ومن المتوقع أيضًا أن تتيح التطورات في سوريا فرصة للأمين العام الجديد لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، للعمل على إعادة تشكيل الحزب بشكل أكثر استقلالية عن إيران.
إعلانومن أبرز النقاط المهمة هنا أن الطريق الذي كانت إيران تستخدمه لتزويد حزب الله بالأسلحة قد انقطع بسبب التطورات في سوريا.
ورغم أن هذا يمثل عائقًا لإيران، فإنه يمكن أن يكون له تأثير مزدوج على حزب الله، فهو يشكل تحديات من ناحية، لكنه قد يدفع الحزب إلى تطوير إستراتيجيات جديدة من ناحية أخرى.
من جهة أخرى، أثرت التطورات في سوريا بشكل كبير على الحشد الشعبي في العراق وحركة أنصار الله في اليمن.
ووفقًا لمصدر داخل حركة أنصار الله اليمنية "الحوثيين"، طلب عدم الكشف عن اسمه، فإن الأحداث في سوريا أثرت بشكل كبير على الحركة، حيث ظهرت خلافات داخلية وشهدت الحركة تراجعًا في الثقة والأمل.
وأشار المصدر إلى أن حركة أنصار الله، التي تسعى للسيطرة في اليمن، قد تضطر إلى إعادة النظر في إستراتيجيتها بعد سقوط بشار الأسد في سوريا.
وفي هذه النقطة، وباعتبار أن سقوط النظام السوري قد أثر بشكل كبير على محور المقاومة بلا أدنى شك، يبقى سؤال: "ما إذا كان المحور سيستمر في مساره أو كيف سيواصل" مفتوحًا دون إجابة واضحة حتى الآن.
مستقبل العلاقات الإيرانية- السوريةمن الواضح من تصريحات آية الله خامنئي وغيره من المسؤولين الإيرانيين أنه لا توجد أي نية لإقامة علاقات مع الحكومة الجديدة في سوريا في الوقت الحالي.
ويبدو أن إيران تعطي الأولوية لمعالجة الانقسامات الداخلية – التي سببها تغيير النظام السوري – داخل إيران، وداخل "محور المقاومة".
ومع ذلك، هناك معلومات تشير إلى أن إيران تواصلت مع الحكومة الجديدة في سوريا عبر أطراف ثالثة، وذلك لتسهيل عملية إجلاء المواطنين الإيرانيين العالقين هناك.
وعند سؤال أحد الصحفيين الإيرانيين عن مستقبل العلاقات الإيرانية- السورية، قال إن: "إيران لا يمكنها أن تقطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا إلى الأبد، وإنها ستراقب من كثب المرحلة الانتقالية".
وأضاف الصحفي أن "إيران قد تفضل إقامة علاقات دبلوماسية مع الحكومة التي ستُشكل بعد الانتخابات، بدلًا من التعامل مع الحكومة الانتقالية الحالية".
إعلانوفي الوقت الراهن، يبدو أن علاقة إيران مع الحكومة الجديدة في سوريا ستظل محدودة وقاصرة على جهود إجلاء مواطنيها من خلال وسطاء.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات بشار الأسد فی سوریا التطورات فی سوریا الشعب الإیرانی جبهة المقاومة النظام السوری محور المقاومة سقوط النظام مع الحکومة سقوط نظام فی الوقت حزب الله من خلال أن سقوط إلى أن التی ت
إقرأ أيضاً:
الحرس الثوري الإيراني: من غير المنطق أن نقاتل في سوريا بينما يقف جيش النظام متفرجاً
سرايا - يوسف الطورة- رصد خاص- برر قائد "الحرس الثوري" الإيراني حسين سلامي، عدم خوض قواته المتواجدة على الأراضي السورية، في المعركة الأخيرة التي اطاحت بحكم بشار الأسد، جراء انهيار قوات النظام.
وقال سلامي، الخميس، أن البعض كان يتوقع من قواته أن تقاتل بالمعركة الأخيرة في سوريا بدلاً من جيش بشار الأسد، وأضاف: "لكن هل من المنطق أن نقاتل في بلد آخر فيما يقف جيش ذلك البلد متفرجاً؟".
وأشار سلامي إلى أن "الحرس الثوري" كان على علم بتحركات فصائل المعارضة السورية خلال الأشهر الأخيرة، وأبلغ دمشق بذلك، لكن غياب إرادة المقاومة لدى دمشق أدى إلى ما حدث.
وأكد أن "الحرس الثوري" كان آخر من غادر "جبهة المقاومة" في سوريا.
ورأى سلامي أن طرق "دعم المقاومة" بعد سقوط الأسد لا تزال مفتوحة، وليست محصورة بسوريا "وقد يتغير الوضع هناك تدريجياً".
وفي السياق، اتهم المرشد الإيراني علي خامنئي، أمس الاربعاء، إحدى الدول الجارة لسوريا، "لعبت دوراً" واضحاً في الأحداث التي تشهدها سوريا، ولا تزال تلعب هذا الدور، في إشارة إلى تركيا رغم دون تسميتها علانية.
زاعما ما وصفه الدور المتآمر والمخطط الرئيسي وغرفة التحكم الأساسية تقع في أمريكا والكيان الصهيوني، وأن وهناك أدلة قاطعة لا تدع مجالاً للشك في ذلك.
وقال خامنئي لما وصفهم المعتدين على سوريا هدف يسعى إليه، بعضهم يطمح في احتلال الأراضي، وجدد اتهامات للولايات المتحدة الأميركية السعي لتثبيت أقدامها غربي آسيا.
واضاف: "الزمان كفيل بإثبات أن لا أحد منهم سيبلغ أهدافه، وأن المناطق المحتلة من سوريا ستتحرر على أيدي السوريين أنفسهم، واضاف لا تشكوا في أن هذا الأمر سيحدث.
وختم حديثه أن أمريكا لن تتمكن من تثبيت موطئ قدم في سوريا، وسيتم طردها من المنطقة على يد ما وصفها " جبهة المقاومة".
ولعبت طهران ابرز حلفاء نظام بشار الأسد إلى جانب مليشيات عراقية وحزب الله، والقوات الروسية، دوراً محورياً في قمع التحركات الشعبية المطالبة في إسقاط نظام الاسد، في اعقاب اندلاعها عام 2011، قبل الاطاحة بنظامه والفرار إلى الحليف الروسي الذي منحه وأفراد عائلته لجوء إنساني.
تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا
وسوم: #المنطقة#الوضع#أمريكا#سوريا#تركيا#الله#علي#حسين
طباعة المشاهدات: 640
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 12-12-2024 04:22 PM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الرد على تعليق
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | تحديث الرمز أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2024
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...