الصراع على الثور الأبيض
تاريخ النشر: 14th, December 2024 GMT
حاتم الطائي
◄ سقوط سوريا جزء من مخططات الاستراتيجية الأمريكية لضمان أمن إسرائيل
◄ إسرائيل شنّت أكبر عملية جوية هجومية في تاريخها بُعيد سقوط النظام السوري
◄ سوريا هي الثور الأبيض كما كانت العراق وليبيا والسودان واليمن
لا يُمكن أن نحصُر ما حدث في سوريا قبل أيام، على أنَّه فقط "نجاح للثورة الشعبية" التي انطلقت قبل 13 عامًا؛ فالشعب الذي ثار قبل هذه السنوات إما لقي حتفه نتيجة الصراع الدموي (حيث تشير تقديرات إلى وفاة أكثر من مليون سوري منذ 2011)، أو مُهجَّر ولاجئ في دول العالم، أو يئن تحت وطأة الفقر والعوز داخل هذا البلد العزيز على قلب كل إنسان عربي حقيقي، وربما قبل أيام قليلة من سقوط النظام في دمشق، لم يكن ليُفكر أحد أن ثمَّة تغيُّر سيحدث في رأس النظام.
الذي حدث في سوريا هو أكبر مُخطط استخباراتي تآمري مُسلَّح للتخلص من النظام الحاكم، هو مُخطط مفضوح لدرجة الدهشة، فلا أحد قادر على فهم ما جرى، ولماذا انهار التحالف السوري الإيراني الروسي فجأة وبهذه السرعة؟ ولماذا جرى ذلك بينما تغلي المنطقة حرفيًا فوق فوهة بركان ثائر، أشعلته العربدة الصهيونية بدعم وتأييد أمريكي وغربي غير مسبوق. ما حدث في سوريا لم يكن سوى حلقة من حلقات الاستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدًا ضد الدول العربية، هذه الاستراتيجية التي بدأت واشنطن في تطبيقها بعد حرب أكتوبر 1973، بهدف حماية إسرائيل، عندما أدركت الولايات المتحدة أنَّ العرب إذا اتحدوا سيقضون على هذا الكيان الغاصب غير الشرعي. ومنذ ذلك الحين تحرص واشنطن على تنفيذ مُخططها بلا كلل أو ملل، مهما تعاقب الرؤساء من ديمقراطيين أو جمهوريين؛ إذ لا اختلاف بينهما على الاستراتيجيات الكبرى، الاختلاف فقط ينصب على السياسات المُنفِّذة للاستراتيجيات، والأدوات التي يستعملونها؛ فهُم يهتمون بالنتائج لا الوسائل، بالنهايات لا بالتفاصيل، سواء تحقق الأمر بالحروب أو باتفاقيات إخضاع ونهب للثروات، عبر الطرق الدبلوماسية أم الاستخباراتية، من خلال منظمات مجتمع مدني مشبوهة ومموَّلة أو عبر عملاء وجواسيس، لا يُهم سوى النتائج!
الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط العربي، تضع هدفين رئيسين لها؛ الأول: حماية أمن الكيان الصهيوني، والثاني: ضمان أقل سعر لبرميل النفط. وتعتمد واشنطن لتحقيق الهدف الأول على إضعاف الدول المُحيطة بإسرائيل، سواء القريبة منها أو البعيدة، وفي أفضل الأحوال تحييدها، عبر اتفاقيات سلام تضمن ألا تنطلق رصاصة واحدة من هذه الدول باتجاه إسرائيل مهما حدث. أو تلجأ إلى اتفاقيات تطبيع لإغراء الدول المُطبِّعة بصفقات عسكرية أو منحها تكنولوجيا متطورة أو حتى بدون ثمن!
أما الدول التي لم يتم تحييدها، فمصيرها معروف، عداء مُتواصل وحصار اقتصادي ظالم وعدوان لا يتوقف بين الفينة والأخرى، وسوريا كانت واحدة من الدول التي استعصت على أمريكا وإسرائيل، فكان العقاب لها تنفيذ عملية موت بطيء، حتى تسقط سقوطًا مدويًا، مثلما حدث قبل أيام.. وعندما سقطت سوريا انقضت عليها إسرائيل، وشنّت 500 غارة في "أكبر عملية جوية هجومية في تاريخها" حسب وصفها، وضربت في يوم واحد 250 هدفًا شملت قواعد عسكرية وطائرات مُقاتلة وأنظمة صواريخ سورية، علاوة على تدمير كامل الأسطول البحري السوري، لتكون المحصلة الآن القضاء على الجيش العربي السوري بالكامل، واحتلال جبل الشيخ أهم بقعة استراتيجية في الجولان السوري، علاوة على التهديد بالزحف نحو دمشق.
بينما الهدف الثاني من الاستراتيجية الأمريكية، يتمثل في ضمان أسعار نفط بثمنٍ بخسٍ دولارات معدودة؛ لأنَّ الخام الأسود هو عصب الاقتصاد الأمريكي، والولايات المتحدة أكبر مستهلك للنفط في العالم.
إذن الحقيقة التي لا يجب أن نغفلها أنَّ سوريا سقطت.. سقطت الدولة المحورية في منظومة الأمن القومي العربي، الدولة التي مثَّلت بجغرافيتها الاستراتيجية نقطة مركزية وحلقة رئيسية في عمليات المقاومة ضد دولة الاحتلال الصهيوني. سقطت سوريا بعد عقود من إضعافها، ولا نُنكر أنَّ الولايات المتحدة في استراتيجياتها تستفيد من نقاط ضعف الأنظمة، لا سيما إذا كانت أنظمة مُستبدة وديكتاتورية، أنظمة لا تُقيم للمواطن حقًا؛ بل تدعس عليه، وتُذيقه المرارات كؤوسًا، وتُنكِّل به أيما تنكيل، حتى يفقد كرامته، فيحيا في وطنه غير مُنتمٍ له، ولا مؤمنًا بقضيته، ولا حريصًا عليه.
سوريا هي الثور الأبيض، كما كانت العراق، وكما هي الآن ليبيا والسودان واليمن.. الجميع وقع في الفخ، فخ السُلطة والصراع عليها، فخ وهم القوة والاستبداد، ومن المؤسف أنَّ الأنظمة التي يجري الإطاحة بها تمنح أمريكا والغرب كل المُبرِّرَات لكي يُقضى عليها فتموت!
قبل عقود طويلة سقط العراق في ذلك الفخ أكثر من مرة، رغم أنَّه "لا يلدغ المؤمن من جُحر مرتين"، فبعد أن كان العراق مؤهلًا ليكون قوة إقليمية كبرى يمتد خيره لجميع أقطار الوطن العربي؛ إذ كان العراق سلة غذاء متنوعة ومَصدَرًا كبيرًا للموارد المائية بما يملكه من نهري دجلة والفرات، علاوة على ما يزخر به من الذهب الأسود في باطن الأرض؛ حيث يمتلك واحدًا من المخزونات النفطية الهائلة في المنطقة والعالم. لكن هذا الثور الأبيض، سقط في مستنقع الحروب، بين حرب الخليج الأولى المُدمِّرة مع إيران، وحرب الخليج الثانية عندما اعتدى على دولة الكويت. وتفاقمت مُعاناة العراق مع مساعي الولايات المتحدة لخنق الثور الأبيض، تمهيدًا لذبحه على الملأ في يوم النحر. تعرَّض العراق منذ مطلع التسعينيات لاستهداف مُمنهج بدأ بحصار اقتصادي خانق تسبب في شح الموارد، وعقوبات عنيفة عزلت العراق عن محيطه العربي والآسيوي والدولي، حتى وصل إلى مرحلة وضعه على المقصلة مع بدء الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق، والاستيلاء على مقدراته ونهب ثرواته، وأخيرًا إعدام رئيسه!
اليوم، سوريا هي ثور أبيض ثانٍ، لم يختلف السيناريو معها مُطلقًا؛ بل استُخدِمَت نفس الأدوات، وذات الوسائل، "كلاكيت ثاني مرة" أو ربما ثالث أو رابع أو عاشر! استبداد الحاكم وبطشه بأبناء شعبه، ثم حصار خانق ثم عقوبات ثم عدوان عسكري مُمنهج، ثم انقضاض على النظام، وسقوط الدولة بالكامل في أيدي أولئك الذين استولوا فجأة بين عشية وضحاها على كُل سوريا، في عملية أشبه بـ"تسليم المدن" لا استسلامها، فلا طلقة واحدة انطلقت من فوهات البنادق الأمريكية الصُنع، ولا قذيفة مدفع ضَربت حصنًا أو فجّرت مُعسكرًا للجيش السوري، كان الأمر أشبه بوميض الكاميرا، يضيء فجأة في عينيك، وتشعر لثوانٍ أو أجزاء من الثانية بالعمى، ثم فجأة ترى لتكتشف ماذا حدث!
من المؤسف استمرار تنفيذ مُخطط الشرق الأوسط الجديد، الخالي من المقاومة، المُتجاهل للقضية المحورية والأولى للعرب؛ فلسطين، يضم دولًا ضعيفة حد الهوان، لا صوت لها، ولا تأثير، بينما التركيز ينصب على 3 دول غير عربية لتقويتها، وهي إسرائيل وتركيا وإيران.
ويبقى القول.. إنَّ الحقيقة التي لا ينبغي أن يغفلها أحد، أنَّ فلسطين ستظل محور الصراع في الشرق الأوسط، والقضية المركزية التي تدور في فلكها أي قضية أخرى، وإذا كُنَّا خسرنا المعركة هذه المرة، فحتمًا لم ولن نخسر الحرب. وليعلم الجميع، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، ورئيسها الجديد القديم دونالد ترامب، أنَّه لا سلام في الشرق الأوسط دون إعلان دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة على أراضيها، ووفق الشرعية الدولية التي ترى إسرائيل دولة احتلال غير قانوني. والمنطقة العربية لن تخرج من دوامة العنف والحروب والصراعات ما دامت فلسطين أسيرة لكيان غاصب مُجرم، ولن تُحقق الإدارة الأمريكة أي "صفقة قرن" في عهد ترامب، ما لم تتحرر فلسطين ويحكمها أبناؤها الذي قدموا تضحيات تاريخية، من المؤكد أنها لن تضيع هدرًا.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: الاستراتیجیة الأمریکیة الولایات المتحدة الشرق الأوسط ما حدث حدث فی سقوط ا
إقرأ أيضاً:
التلال الـ5 التي تحتلها إسرائيل.. هذا ما يجب أن تعرفه عنها
كتب موقع "الجزيرة نت": استكمل الجيش الإسرائيلي، اليوم الثلاثاء، انسحابه الجزئي من جنوب لبنان، وأبقى على وجود عسكري دائم لقواته في 5 مواقع إستراتيجية داخل الأراضي اللبنانية، وذلك بالتزامن مع انتهاء المهلة الثانية لتنفيذ وقف إطلاق النار مع حزب الله.وأتى الإبقاء على قوات عسكرية إسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية، تحت ذريعة "منع عودة حزب الله للمناطق الحدودية"، وذلك بالتنسيق مع إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، رغم رفض واعتراض دولة لبنان على ذلك، وإصرارها على تنفيذ كافة بنود اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 27 تشرين الثاني 2024.
وامتنعت إسرائيل عن سحب كامل قواتها من لبنان بحلول اليوم الثلاثاء 18 شباط الحالي، حيث كان من المفروض أن يستكمل الجيش الإسرائيلي سحب قواته في 26 كانون الثاني، وفقا للمهلة المحددة في الاتفاق بين إسرائيل ولبنان، قبل أن يتم الإعلان عن تمديدها بضوء أخضر من البيت الأبيض.
واستمر انتشار قوات الاحتلال في 5 مواقع رئيسة على طول الحدود، والتي حددتها قيادات عسكرية في رئاسة هيئة أركان الجيش، ووصفتها بـ"الإستراتيجية" و"الحيوية من ناحية أمنية".
تجربة الحزام الأمني
وأوضح المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوآف زيتون، أن الإبقاء على قوات إسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية تم بالتنسيق مع الولايات المتحدة وبموافقتها، مشيرا إلى أن جيش الدفاع الإسرائيلي يعتزم العودة إلى صيغة جزئية من الوجود الدائم للقوات على الجانب اللبناني من الحدود، بعد 25 عاما من الانسحاب من المنطقة الأمنية.
وهذه المرة، يقول المراسل العسكري: "هناك 5 مواقع عسكرية فقط، وهو ما يعكس إمكانية تكرار تجربة الحزام الأمني، فالمواقع ستكون على بعد مئات الأمتار فقط من السياج الحدودي، ولكنها ستكون مأهولة بمئات الجنود حتى يتم اتخاذ قرار آخر من قبل المستوى السياسي بإسرائيل".
وأضاف المراسل العسكري أن المواقع الإستراتيجية التي سيبقى بها الجيش الإسرائيلي، ستكون خارج القرى الشيعية القريبة من الحدود، لكنها ستسيطر على مناطق مهمة في الخط الطبوغرافي الذي كان يشكل تحديات ومشكلة بالنسبة للجيش الإسرائيلي حتى الحرب، من الغرب إلى الشرق، ومن البحر إلى الجبل، خاصة في المهام الدفاعية".
مواقع إستراتيجية بالجنوب
وبحسب ما كشف عنه الجيش الإسرائيلي فإن المواقع الخمسة التي سيبقي على قواته بها داخل الأراضي اللبنانية، هي تلال اللبونة وهي منطقة مرتفعة في قضاء صور عند راس الناقورة، وبلدة البرج الشمالية قبالة مستوطنة شلومي الإسرائيلية، وتم السيطرة عليها بهدف تمكين قوات حرس الحدود الإسرائيلي من مراقبة الممرات والطرقات المؤدية إلى وادي حامول وخراج الناقورة والجبين. تلال اللبونة قبالة مستوطنة شلومي
يرى الجيش الإسرائيلي أن تلال اللبونة، التي كانت توجد فيها مواقع للجيش اللبناني وكذلك لحزب الله، من أهم المواقع الإستراتيجية داخل الأراضي اللبنانية، وذلك بسبب إشرافها على مناطق واسعة في جنوب لبنان، وكذلك كونها تطل على الكثير من المستوطنات في الجليل الغربي راس الناقورة مرورا إلى شلومي وصولا إلى نهاريا.
جبل بلاط قبالة مستوطنة "زرعيت".
يدور الحديث عن موقع "كركوم" سابقا في منطقة الحزام الأمني التي أقامها الجيش الإسرائيلي بالسابق في جنوب لبنان، ويهدف الجيش من تحديث هذا الموقع الموجود على قمة جبل بلاط الذي يعتبر من المرتفعات الإستراتيجية جنوب لبنان، السيطرة على طول المنطقة الحدودية بين مستوطنة شتولا بالوسط حتى مستوطنة زرعيت باتجاه الشمال.
ويقع جبل بلاط الذي يبعد مسافة 800 متر عن منطقة "الخط الأزرق"، بين بلدتي مروحين ورامية، في القطاع الغربي من الجنوب اللبناني، ويطل على مساحات واسعة من القطاع الأوسط للحدود اللبنانية حيث يطل ويكشف على العديد من المستوطنات في الجليل الأعلى.
جبل الدير المحاذي لمستوطنتي "أفيفيم" و"مالكيا"
يعتبر جبل الدير أو ما يعرف أيضا بجبل الباط أحد المرتفعات الإستراتيجية في جنوب لبنان كونه يطل ويكشف مناطق واسعة في عمق الجليل الأعلى، كما أنه يوجد خارج بلدة عيترون بالقطاع الأوسط من الجنوب لبنان.
وهو أحد المواقع الإستراتيجية في المنطقة الجنوبية من لبنان، حيث يوفر مدى رؤية واسع يشمل وادي السلوقي وبنت جبيل وعيتا الشعب، كما أنه يطل على مساحات واسعة ومناطق كبيرة من شمال إسرائيل، ويطل بالأساس على مستوطنات "أفيفيم" و"يفتاح" و"مالكيا".
تلة الدواوير قبالة كيبوتس مرغليوت
ويدور الحديث عما يعرف بمنطقة "نقطة الدواوير" وهي المرتفعات المطلة على كيبوتس مرغليوت، حيث يهدف الجيش الإسرائيلي -من خلال التمركز فوق هذه المنطقة- إلى التحكم والسيطرة على جبل المنارة والتلال المقابلة ومنع الاطلاع ورصد المستوطنات بالجانب الشرقي وتقييد البلدات الجنوبية في المنطقة. وتعتبر "الدواوير" التي تموضع الاحتلال الإسرائيلي فوقها، منطقة إستراتيجية وعالية في القطاع الشرقي من جنوب لبنان، وتقع على الطريق بين بلدتي مركبا وحولا، وتكشف أجزاء واسعة من الجليل الأعلى، وتطل تحديدا على مستوطنة "مرغليوت" منطقة وداي هونين باتجاه مدينة صفد.
تلة الحماميص- قرب مستوطنة المطلة
يعتبر تل الحماميص الذي توجد فيه قرية صغيرة جدا تعرف باسم سردا، وترتفع 500 متر عن سطح البحر، منطقة إستراتيجية تطل على جنوب منطقة سهل الخيام قضاء مرجعيون، ويهدف الجيش الإسرائيلي من التموضع بالمكان للسيطرة على مناطق سهل الخيام وكفركلا.
وتبقى الأهمية الإستراتيجية للتل من وجهة نظر جيش الاحتلال الإسرائيلي أن "الحماميص" تطل وتكشف مستوطنة المطلة، ومعسكرات الجيش الإسرائيلي في المنطقة. (الجزيرة نت)