المشهد والمنتج الثقافي وتنافسية المحافظات
تاريخ النشر: 14th, December 2024 GMT
تمارس التجربة (المستجدة) لتنمية المحافظات والتحول للامركزية نموها ونضجها الطبيعي في سياق العمل المؤسسي وآليات تدبير السياسة العامة في سلطنة عُمان، مستفيدة في ذلك من قوة الدعم والإرادة السياسية، وتسخير المكن التشريعية والمالية والإدارية التي تساعد على تطوير التجربة ومساعدتها في الوصول إلى مقاصدها المرجوة في إيجاد مجتمعات ممكنة، قادرة على صياغة أولوياتها، ومساهمة في التنمية، وفي وجود إدارات محلية يصار إليها في تفويض صنع القرار، وإدارة دفة التنمية المحلية بأبعادها المختلفة، والاستثمار الأمثل في الموارد المتاحة لتسخير النمو الاقتصادي خارج المركز.
في المقابل قد تكون السنوات الراهنة من هذا التحول قد فرضت بشكل أو بآخر ضرورة التركيز على ثلاثة أبعاد أساسية: وهي التمكين الإداري والتشريعي لعمل منظومة تنمية المحافظات- وهي عملية مستمرة وتحتاج إلى مراجعات مستمرة- والبعد الثاني هو تمويل التنمية وإيجاد مصادر تمويل متعددة لأعمال المحافظات ومشروعاتها، والبعد الثالث هو تسخير وتهيئة مكنة الاقتصاد المحلي للانطلاق والمساهمة في مشهد تنمية المحافظات بشكل عام. وفي تقديرنا فإن هناك بعدًا تمكينيًا رابعًا يمكن التركيز عليه واعتباره ممكنًا لكل الأبعاد السابقة وداعمًا لها، وهو بعد المنتجات الثقافية. المنتجات الثقافية عنصر أساسي يشكل الوظيفة الاجتماعية للثقافة، وهي الطريقة التي تتمكن من خلالها المجتمعات من تحويل ثقافتها المعنوية إما إلى منتجات مادية، أو إلى سلوكيات ممارسة، تضمن من خلالها تداول تلك الثقافة، وتجسيدها في كافة العناصر المعاشة اجتماعيًا، ونقلها والحفاظ عليها عبر الأجيال. وهي في الوقت ذاته تشكل مصدرًا اقتصاديًا ورافدًا مهمًا لمشهد تنمية المحافظات. وبالحديث عن أهمية المنتجات الثقافية في تشكيل الواقع المعاش نعود إلى التفسيرات النظرية التي قدمها عالم الاتصال والمجتمع هنري جينكينز الذي حاول فهم الطريقة التي يتفاعل بها المجتمع والمعجبون بالمنتجات الثقافية مع تلك المجتمعات، وأوضح أن المجتمعات تعيد تفسير المنتجات الثقافية إلى (معانٍ وروابط وسلوكيات استهلاك) جديدة ومن خلال تلك المجتمعات يتبنى الأفراد سردياتهم في الحياة اليومية. وهنا نشير إلى أن الاهتمام بإيجاد منتجات ثقافية معينة قائمة على الثقافات الفرعية أو الكلية في المحافظات، وتعزيز الصناعات الإبداعية، والاستثمار الأمثل بشكل عام في حقل الثقافة من شأنه أن يؤدي أدوارًا اجتماعية واقتصادية حاسمة لتنمية المحافظات، فعلى مستوى الأدوار الاجتماعية هو يمكن بطريقة أو بأخرى من حفظ الثقافة القائمة، وسلاسة انتقالها عبر الأجيال، وتمكين منظومة القيم الاجتماعية العامة، وحفظ التوازن الاجتماعي. وعلى الجانب الاقتصادي تتجلى أشكال مساهمة الثقافة المحلية في الاقتصاد في عدة أشكال منها: (الصناعات الإبداعية وتمكين منظومة السياحة الثقافية والتراثية وتسويق التقاليد المحلية والأماكن التاريخية، بالإضافة إلى إدماج الثقافة والتقاليد كعنصر في التطوير المكاني والحضري) كل هذه العمليات الاقتصادية تدخل الثقافة كرافعة ومكون أساسي فيها، ومن خلالها توجد القيمة الاقتصادية.
الدلائل عديدة على الدور المهم للثقافة كقيمة اقتصادية، فإذا أخذنا قطاع السياحة الثقافية على سبيل المثال تشير البيانات عالميًا؛ إلى أنه من المتوقع أن يزيد حجم سوق السياحة الثقافية بمقدار 6.67 مليار دولار أمريكي، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 17.32% بين عامي 2023 و2028. وإذا أخذنا مثالًا على دور المواقع السياحية في تحريك الاقتصادات يشار دومًا إلى «ماتشو بيتشو» في بيرو التي غدت عبر سنوات طويلة قاطرة اقتصادية مهمة من خلال توفير فرص العمل وتوليد ما يقترب من 40 مليون دولار سنويًا من (رسوم الدخول فقط ). ومثالًا على دور صناعة الأزياء (بما فيها الأزياء التقليدية) بالنسبة لقارة مثل إفريقيا تشير المعلومات إلى أن «سوق الأزياء في جنوب الصحراء الكبرى تبلغ قيمتها 31 مليار دولار، وتمثل دولة مثل نيجيريا 15% من ذلك (4.7 مليار دولار)، هذا عوضًا عن الحديث العالمي الموسع للصناعات الإبداعية ونموها حسب تقديرات الاقتصاد العالمي.
نعتقد أن هناك عينًا ثالثة يجب أن تركز على هذه المكن العالية لتطوير المنتجات الثقافية في المحافظات، وإدماجها في الدورة الاقتصادية لتنمية المحافظات، فالحرف اليدوية، وما توفره بعض الأماكن التراثية والتاريخية والطبيعية لبعض المنتجات مثل صناعة السينما والمسلسلات، والتقاليد المحلية الفريدة، وإيجاد تجارب تطوير عمراني قائمة على التراث المحلي، وتمكين دور الثقافة والأنشطة الثقافية في المحافظات، وتحريك الصناعات الإبداعية الأخرى الممكنة كلها فرص كامنة أمام نشاط تنمية المحافظات، ويستوجب أن يُدفع نحو تنافسيتها في الشق الثقافي، وعدم الاقتصار على الجوانب الإدارية والاقتصادية. نحن نحفل ببقعة جغرافية واجتماعية قائمة على إرث ثقافي مادي ومعنوي، وأمام المحافظات فرصة سانحة للاحتفاء بهذا الإرث وتحويله إلى مورد اقتصادي تنافسي، ولا ضير في الاستفادة من النماذج العالمية في سياق ذلك شريطة أن ترتكن إلى وضع استراتيجيات محلية على مستوى كل محافظة للاستثمار في المنتجات الثقافية بناء على الميز الثقافية النسبية لكل محافظة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المنتجات الثقافیة تنمیة المحافظات
إقرأ أيضاً:
فعاليات رمضان للأسبوع الثالث بحضور النائب فراس قبلان في مركز اربد الثقافي.
#سواليف
محمد الأصغر محاسنه / اربد
أقيمت مساء أمس في #مركز_اربد_الثقافي وضمن فعاليات #رمضانيات ٢٠٢٥ فعاليات ثقافية بحضور النائب فراس قبلان ومدير ثقافة اربد الدكتور سلطان الزغول وأعضاء اللامركزية ورؤساء الهيئات الثقافية وجمهور عائلي كبير . الفعالية التي أدار مفرداتها الشاعر حسين الترك بدأت بكلمة للنائب فراس قبلان تحدث فيها عن دور الجيش الأردني في معركة الكرامة والروح القتالية لدى أفراد الجيش العربي حتى انتهت المعركة باستسلام الجيش الإسرائيلي وتحقيق الانتصار الأردني، واضاف النائب قبلان عن دور جلالة الملك في السعي دوما لنيل الفلسطينيين حقهم وتقرير مصيرهم ومخاطبة المجتمع الدولي المستمر برفض الأردن تهجيرهم من أرضهم وحقهم المشروع. وفي نهاية كلمته ثمن النائب قبلان دور وزارة الثقافة ومديرية ثقافة إربد على الترتيب وتقديم برامج تليق بالمجتمع الأردني . من جانبه رحب الدكتور سلطان الزغول مدير الثقافة بالنائب فراس القبلان والحضور من المجتمع الاربدي . وقال :” ونحن نحتفل اليوم بانتصار الكرامة وعيد الأم ويوم الشعر العالمي مؤكدا على الروح القتالية للجيش العربي المصطفوي حتى تحققت فرحة النصر لتبقى الكرامة نكهة أردنية أبدية.”
واشتملت فعاليات اليوم الثاني على عرض فيلم عن معركة الكرامة من انتاح وزارة الثقافة / مديرية ثقافة اربد ، وفرقة كتاكيت للأطفال بقيادة بلال الزيتاوي قدم الأطفال عرضا رائعا رفعوا به الاعلام الاردنية رافقتها الاغاني الوطنية، كماقدم ألشعراء حربي المصري، نصر ايوب، عبدالرحيم جداية سمير قديسات، امسية شعرية عاين بها الشعراء احوال الذات والأمة واستذكار روح عرار بروح رمضانية رافقتهم بالعزف على آلة القانون الفنانة خديجة حداد . وقدمت فرقة الأغوار للفلكلور لوحة فنية رافقها اغاني من التراث ، مسحراتي، مسابقات خاصّة بذكرى معركة الكرامة وعيد الأم، معرض تراثي وبازار لسيدات المجتمع المحلي بالإضافة لمعرض منشورات وزارة الثقافة.