لجريدة عمان:
2025-03-24@09:33:49 GMT

أضواء مكتب هيكل المطفأة!

تاريخ النشر: 14th, December 2024 GMT

صباح الأربعاء الماضي تحدث عاصم الشيدي في جامعة صحار عن كتابه الرحلي «رأيتُ الأضواء مطفأة» (صادر عن الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء بالتعاون مع دار «الآن ناشرون وموزعون» الأردنية، 2022)، دون أن يعلم أن مساء اليوم نفسه يخبئ له خبرًا سعيدًا عن هذا الكتاب، وهو فوزه بجائزة الجمعية لأدب الرحلات لهذا العام، الفوز الذي عدَّه الشيدي في تصريحه لبرنامج «المشهد الثقافي» لحظة مهمة في حياته تلقي على عاتقه مسؤولية أكبر تجاه ما سيكتبه في مقبل الأيام.

يقسّم عاصم كتابه إلى قسمين؛ يعنون الأول «نهارات الأنس» ويتحدث فيه عن يومياته في القاهرة في زيارات متباعدة، وعن رحلاته في فرنسا وإسبانيا، أما القسم الثاني «مهنة المتاعب» فكما يتبدى من عنوانه يسجل فيه الشيدي مشاهداته في رحلة صحفية له إلى لندن، إضافة إلى يومياته كصحفي يتابع أخبار جائحة كورونا أولًا بأول، وفي كلا القسمين يمزج المؤلف لغة الصحافة بلغة الأدب الراقية.

عن أول زيارة له للقاهرة في صيف عام 2001 يروي عاصم الشيدي أنه لم يكن ميدان التحرير يعني له شيئا في ذلك الوقت، وربما يكون قد مرّ به كثيرا دون حتى أن يعرف اسمه، لأنه لم يكن للميدان في ذلك الوقت أية رمزية كما يقول، وكانت أماكن نجيب محفوظ هي الأهم: الحسين وخان الخليلي والسكرية وقصر الشوق وبين القصرين، وزقاق المدق، وحيّ الجمالية. وهنا يجيب عاصم عن تساؤل كان يراودني كثيرًا وأنا أتابع هوسه بالبحث عن الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، ومحاولاته المتكررة لمقابلته وإجراء حوار صحفي معه، (وقد رافقتُه في رحلة له إلى القاهرة عام 2012 لغرض مقابلة هيكل): لماذا لم يكن يولي مقابلة الأديب الكبير نجيب محفوظ الأهمية نفسها؟ يقول عاصم: «كنت مهووسا بهذه الأماكن الروائية الأثيرة وبالمقاهي التي كان يجلس فيها محفوظ وحرافيشه، أو بالبحث عن بعض أبطاله على اعتبار أنه كان ينقل أجواء رواياته من بعض تفاصيل حياته اليومية. ولذلك بحثت عن مقهى الفيشاوي ومقهى ريش، وفي الفيشاوي سألت عنه لكن كان قد ترك هذا المقهى وغيره لسوء حالته الصحية وتقدمه في العمر. أحد أصدقاء تلك الرحلة عبدالعزيز الغافري كان يكرر في كل حين: هلكتنا بنجيب محفوظ هذا، لكنه تكرم وذهب معي إلى الحسين بحثا عن محفوظ وبحثا عن أماكنه».

لم يقابل الشيدي نجيب محفوظ قط، لكنه قابل هيكل وسرد في فصل رحلته إلى باريس حكاية لقائه الأول به صدفةً في العاصمة الفرنسية، كان ذلك في نوفمبر من عام 2014، حين كان عاصم يسير ومجموعة من أصدقائه في شارع الشانزليزيه، وإذا بهيكل يمر إلى جواره وبصحبته غسان سلامة وزير الثقافة اللبناني الأسبق، وبعد ثوانٍ من الذهول هتف عاصم: «الأستاذ هيكل!» فالتفت الأستاذ وردّ: «أهلا وسهلا يا فندم». يصف عاصم هذه اللحظة بالقول: «شعرت وكأن الدنيا لا تسعني أبدا. أي قدر هذا الذي ساقني إلى هنا في هذه اللحظة من هذا الصباح الخريفي الذي تسطع شمسه وتنير سماء مدينة الجمال والأحلام باريس. كان ذلك اليوم من الأيام التي لا يمكن أن أنساها أبدا، ولا أستطيع ذلك». دارت أحاديث مقتضبة بين عاصم وأصدقائه من جهة، وهيكل من جهة أخرى غلب عليها الفرحة والبهجة، ولاحظ الأستاذ هيكل أنهم لا يعرفون غسان سلامة فتبرع بتعريفهم به، ولثلاثة أيام لاحقة بعد ذلك اللقاء كان عاصم يتعمد التسكع على أرصفة ومقاهي باريس على أمل أن تتكرر الصدفة الجميلة مرة أخرى.

ولكن مثل هذه الصدف لا تتكرر. غير أن أهم ما في هذه الصدفة عدا تحقيق عاصم حلمه بلقاء الصحفي الكبير، هو انتزاعه وعدًا منه بحوارٍ معه، أجراه عاصم بالفعل بعد ذلك بسنتين في مكتب هيكل بالقاهرة، ولكنه كان حوارًا ودّيًا لا صحفيا، ولم ينشره عاصم إلى اليوم.

واحدة من جماليات هذا الكتاب أن عاصم الشيدي لا يتوقف فيه عن إجراء المقارنات، بين زمان حديث وآخر قديم، وبين مكان كان شيئًا فأصبح شيئًا آخر. في سرده لتفاصيل رحلته إلى قرطبة قادمًا من مدريد، وهي رحلة عائلية هذه المرة، رافقه فيها زوجته وابنته الصغرى شهد وكان إلى جوارهم طوال الرحلة، التي استغرقت حوالي أربع ساعات بالسيارة، عائلتان كولومبيتان، وسائق إسباني يدعى نيكولاس يتحدث إضافة إلى الإسبانية اللغة الإنجليزية بالقدر الذي يكاد يوصل به المعلومة إلى السياح الذين يقلهم، أما العائلتان الكولومبيتان فلا تتحدثان إلا الإسبانية، لغة كولومبيا الرسمية. يقول الشيدي: «بدا أن هدف زيارتنا متضاد تماما؛ ففي الوقت الذي جئنا فيه لرؤية بقايا حضارة أجدادنا الذين بنوا مجد هذه البلاد وكانوا ملوكها وأسيادها لأكثر من ثمانية قرون، أتى الكولومبيون لرؤية أسيادهم الذين احتلوهم لسنوات طويلة، وأعادوا تسمية بلادهم، يا للغرابة، باسم يذكرهم بأسيادهم العرب: غرناطة الجديدة». بل إن عنوان الكتاب نفسه جاء نتيجة لهذه المقارنات، ففي خلال زيارة أخرى للقاهرة سنة 2019 سكن عاصم في فندق بالزمالك. وكان أول مشوار مسائي له في هذه المدينة زيارة الحسين. وفي الطريق تذكر زيارته السابقة التي قابل فيها هيكل لمدة ساعتين حين رأى أضواء مكتب الأستاذ مطفأة هذه المرة، وكان مشهدًا مؤلمًا له. ومن هنا وُلِد عنوان «رأيتُ الأضواء مطفأة».

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

مكتب فضل الله: الأحد 30 آذار أول أيام عيد الفطر

مكتب فضل الله: الأحد 30 آذار أول أيام عيد الفطر

مقالات مشابهة

  • مكتب فضل الله: الأحد 30 آذار أول أيام عيد الفطر
  • في ذكرى ميلاد الولد الشقي.. أحمد رمزي من كلية الطب إلى أضواء السينما
  • هيكل حورية بحر على الساحل البريطاني يثير دهشة السكان المحليين (صور)
  • الأم في الرواية العربية
  • ظهور هيكل حورية البحر على أحد شواطئ بريطانيا يثير حيرة السكان.. ماذا حدث لها؟
  • لن تصدق.. العثور على هيكل حورية بحر في أحد الشواطئ البريطانية
  • وسط حضور كبير.. جمعية الفراشة تعلن إطلاق خدماتها وتدشين موقعها الالكتروني الرسمي
  • العماد هيكل: أعدكم أن يعمل الجيش على بسط سلطة الدولة على الأراضي اللبنانية كافة
  • الجلفة: إتلاف 691 هيكل للحم خروف مستورد
  • رمضان زمان.. حكايات على ضوء الفانوس| حديث الصباح والمساء.. ملحمة درامية مستوحاة من إبداع نجيب محفوظ