لجريدة عمان:
2025-03-18@18:05:04 GMT

لغتنا العربية لبُّ الهوية ومَعدِن الحضارة

تاريخ النشر: 14th, December 2024 GMT

كلما مررت على «معهد السلطان قابوس لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها»، وبينها وبين منزلي في «مَنَح» مسافة خطوات، ومرمى إكليل من القُبُلات، أشعر في داخلي بفخر واعتزاز، فأنا ابن اللغة التي يتعلمها طلاب المعهد، التقوا في صفوفه من مدن وعواصم أجنبية شتى، ورأوا من الخير أن يتعلموا العربية، آملين أن يتحدثوا بها في المحافل، ويترجموا لغاتهم الأم إلى العربية، فهل سيكون منهم العالم اللغوي مثلما كان الأوائل، وهل قادتهم أقدارهم، ليعيشوا داخل رحاب معهد تعليم العربية، ليصبحوا بعد حين من الزَّمان، من الناطقين بها في أوطانهم؟

أم هو الشغف بلغة الضاد، التي تأخذ محاسنها بمجامع القلوب، وتملأ العقول محبة في جمالها، يعبِّر عن هذا المعنى، البيت الشعري لأحمد شوقي: (إن الذي ملأ اللغات محاسنا.

. جعل الجمال وسرَّه في الضَّاد)، وهل سر جمال العربية كما قال شوقي، في «الضَّاد» ذاته، أم فيما يأتلف معه من حروف، لتصبح الكلمة أشبه بالدرَّة والجوهرة؟، وكأنما كتبه شوقي ليكون عنوانًا لاحتفالية قادمة بعد سنين من وفاته، احتفالية «اليوم العالمي للغة العربية»، الثامن عشر من شهر ديسمبر من كل عام، لعل شوقي كشاعر مطبوع، وجد في لغة الضَّاد، ما لم يجده صديق عمره حافظ إبراهيم، حين كتب قصيدة على لسان لغة الضاد ذاتها: (رَجَعْتُ لِنَفسِي فاتَّهَمْتُ حَصَاتِي/ وَنادَيْتُ قَوْمِي فاحْتَسَبْتُ حَياتِي)، (رَمُونِي بعُقْمٍ في الشَّبابِ وَليْتَنِي/ عَقِمْتُ فلَمْ أجْزَعْ لِقَوْلِ عِداتِي).

ويبدو أن «شاعر النيل» كتب قصيدته تلك على لسان العربية، في زمن كانت الأمية القرائية تسود بين الناس، في كل بلدان الوطن العربي، فلم يعرف الآباء القراءة والكتابة، إلا في عدد القليل منهم، من تعلم في مدارس تحفيظ القرآن، وقرأ على يد شيخ، وفي عُمان لم يتوقف تعليم العربية، ففي الزمن الماضي ظهرت في كل قرية مدرسة لتعليم وتحفيظ القرآن الكريم، مكانها بين مسجد أو تحت ظلال الشجر، أو مبنى خاص بها، فخرَّجت جيلا قادرًا على القراءة والكتابة، وأصبح منهم الأدباء والشعراء والفقهاء.

ومع أن حرف الضَّاد نادر، لا يستحسنه الشعراء في تقفية قصائدهم، لصعوبة أن يجدوا قافية تنتهي به، إلا للمطبوعين منهم، لكن من الشعراء الفحول من أبدع في كتابة قصائد ضاديَّة القافية، من أشهرها «ضاديَّة عمارة بن عقيل»، بالقافية المرفوعة: (عَصْرُ الشَّبيبةِ ناضِرٌ غَضُّ/ فيه يُنال اللينُ والخَفْضُ)، (مثل الشَّبيبةِ كالرَّبيعِ إذا/ ما جيْدَ فاخْضَرَّتْ له الأرْضُ).

وإذا ما تباركنا بالمصحف الشريف، وشممنا أريج حروفه الإلهية، فلن نجد حرف الضاد ضمن الحروف المقَّطَّعة، التي تظهر في فواتح 29 سورة من سور القرآن، لتبدو تلك الفواتح أشبه بالمفاتيح السرية لعالم السور الكريمة، لكن لن نجد من بينها حرف «الضَّاد»، إلا إن إشراقاته تظهر في سورة «الضُّحَى»، حيث شمس النهار تبسط دفئها على الأرض، وتجعل من وقت الضُّحَى، دافئًا ومشرقًا وناعمًا، كضحوات الشتاء التي ننعم بها هذه الأيام، وكأنَّ رَسْم حرف الضَّاد في كلمة «الضُّحَى»، جعل منه وقتًا نضِرًا بالحياة، ولو حذفنا هذا الحرف، واستبدلناه بآخر من حروف العربية، لما ظهر للكلمة جمال، مثلما يظهر في ائتلاف الضاد مع الحاء والألف المقصورة: «الضُّحَى»، منسابًا في سلامة نطقه، وسلاسة إحساسه، وسناء جماله.

حاولت أن أرى اللغة العربية في الحياة المعاصرة الآن، فرأيتها تنمو كشجرة وارفة، وتطرح ثمرًا طيبَا، وحسبتها بين اللغات فاكهة أُنْزلَتْ من الجَنَّة، ولمحتها في صفحات الكتب التي صدرت خلال قرن الزمان، وما تزال تتصدر أحاديثنا ومقالاتنا كلما كتبنا عن العربية، والحقيقة أن العربية تستعيد حيويتها بين جيل وآخر، وتزداد انتشارًا، بدخول مجموعات هائلة من الناس إلى الإسلام، وتعلمهم للغة العربية، وقاموسها يكبر يومًا بعد آخر، فهذه الكتب التي ترزح بها المكتبات، قديمها وجديدها، ما كتبت إلا بالعربية، وما تزال العربية لسانًا مبينًا يُفصِحُ عن مكنونات الإنسان العربي والمستعرب، ويصور بها مشاعره، فيكتب الشعر والرواية وكتب الأدب الكثيرة، ويوثق بها أفكاره وفلسفته ومعارفه.

وأبدت السلطنة اهتمامًا بتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، بافتتاح معهد السلطان قابوس بمنح، ومنذ تأسيس هذه المعهد تحت إشراف مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم، التابع لديوان البلاط السلطاني، خرَّج دفعات كثيرة من الدارسين، منذ افتتاحه في عام 2012م، وفي جامعة نزوى أوجد قسم لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، يحمل اسم: «معهد الضاد لتعليم العربية للناطقين بغيرها»، أنشئ عام 2014م، ووضعت له الجامعة منهجا دراسيًا، وهناك معاهد أخرى في سلطنة عمان، تسير على ذات النهج، وتطعم شهد العربية لسان من يتذوَّقها.

وستظل العربية حية وتتمتع بالحيوية، ما بقي القرآن الكريم، والشعر العربي، وأمهات الكتب، تتناقل من جيل إلى آخر، فقد ترك المؤلفون الأوائل عناوين كثيرة من المعاجم والقواميس، ودواوين الشعر، وكُتب الأدب والنقد وغريب اللغة، ما يجعل العربية من اللغات الخالدة، فهي لبُّ الهوية ومَعدِن الحضارة، فيا لغتنا العربية، لا تجلدي ذاتك، وتتهمي «حَصَاتِك» بالتقصير، فعقلك يبدع عِلمًا وأدبًا وفكرًا.

وإن كانت احتفالية اليوم العالمي للغة العربية، تكريمًا من منظمة «اليونسكو» وهذا العام رفعت شعار: «اللغة العربية والذكاء الاصطناعي»، فهل أرادت «اليونسكو» أن تدق ناقوس الخطر، أم كما ورد في بيانها المنشور: (استكشاف سُبل سد هذه الفجوة الرقمية، عن طريق الذكاء الاصطناعي، وتعزيز حضور اللغة العربية على شبكة الإنترنت، ودعم الابتكار)!

فما أحرانا أن نحتفل باليوم العالمي للغة العربية في محيطنا الأسري، بتشجيع أبنائنا على القراءة، ونجرِّب معهم تذوق قصيدة من الشعر العربي، حتى تعلق كلماتها في الأذهان، وتحيا معانيها في المُهَج، منذ شعر المعلقات في عصر ما قبل التدوين، وحتى آخر قصيدة يكتبها شاعر موهوب.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العربیة للناطقین بغیرها اللغة العربیة للغة العربیة

إقرأ أيضاً:

دعوى قضائية بحظر صفحات معلمة ومنعها من التدريس لتطاولها على الحضارة الفرعونية

أقام محام دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري تحمل رقم 45788 لسنة 79 قضائية، طالب فيها بحظر ومنع صفحات فدوى مواهب على وسائل التواصل الاجتماعي، ومنعها من التدريس في المدارس، واتخاذ الإجراءات القانونية لمعاقبتها على ممارسة الدعوة الدينية والفتوى دون ترخيص واستغلال الدين لأغراض تجارية، وذلك في إطار مواجهة الفكر الرجعي الذي يسيء للحضارة الفرعونية الخالدة.

تعرف على وسائل التواصل مع منظومة الشكاوى ومكافحة الفساد بالنيابة الإداريةمتحدث النيابة الإدارية يوضح لـ«صدى البلد» كيفية حماية مقدم البلاغ عن الفساد بجهة حكومية


في دعواه، أكد أن الحضارة الفرعونية تمثل معلمًا إنسانيًا خالدًا تقف أمامه البشرية بإجلال، وتعد من أهم ركائز الاقتصاد المصري ومصدرًا لجذب السياحة الدولية. 


وأوضح أن الحضارة المصرية كانت ولا تزال رمزًا للحداثة والعلم، وقدمت للبشرية إنجازات لا تزال مبهرة للعلماء والمتخصصين في مختلف المجالات.

وأشار إلى أن فدوى مواهب، بعد اعتزالها العمل الفني، حولت نشاطها ، حيث اتخذت من صفحاتها على وسائل التواصل الاجتماعي منصة لنشر الأفكار الرجعية والمتطرفة المسيئة للفنون المصرية والفكر الحداثي، مع التعدي على الحضارة الفرعونية العظيمة. 


كما مارست الدعوة الدينية والتدريس في بعض المدارس دون الحصول على ترخيص رسمي من الجهات المختصة، مما يشكل مخالفة صريحة لقانون تنظيم ممارسة الخطابة والدروس الدينية.

 وأشار إلى أن تلك التصرفات تتنافى مع مبادئ الجمهورية الجديدة، التي تسعى إلى إرساء قيم التنوير والحداثة على غرار رواد النهضة المصرية من قاسم أمين إلى نجيب محفوظ.


استندت الدعوى إلى عدة مواد قانونية من بينها قانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018، الذي يحظر نشر أو بث أي مواد إعلامية تدعو إلى الكراهية أو العنف أو التمييز الديني. كما استند إلى قانون 51 لسنة 2014 الذي ينظم ممارسة الخطابة والدروس الدينية، ويشترط حصول الدعاة على ترخيص رسمي من وزارة الأوقاف أو الأزهر الشريف.


وأكد المحامي في دعواه أن نشاط فدوى مواهب يخالف الدستور والقوانين التي تمنع تأسيس مواقع إلكترونية أو وسائل إعلامية ذات طابع ديني متطرف أو محرض على الكراهية. وطالب بحظر صفحاتها على منصات التواصل الاجتماعي مثل "إنستاجرام" وغيرها، ومنعها من التدريس في المدارس لتورطها في استغلال الدين لأغراض تجارية وترويجها لأفكار رجعية تتنافى مع الهوية الحضارية المصرية.

جاءت الدعوى بطلبين رئيسيين اولهما حظر صفحات فدوى مواهب على وسائل التواصل الاجتماعي وذلك بسبب نشرها لمحتوى ديني يستغل الدين لأغراض تجارية ويخالف قيم الدولة المدنية ، والثاني منعها من التدريس في المدارس وحظر ممارستها الدعوة الدينية دون ترخيص لما يشكله ذلك من انتهاك للقوانين المنظمة لممارسة الخطابة والدعوة الدينية.

مقالات مشابهة

  • «أبوظبي للغة العربية».. باقة فعاليات مجتمعية خلال شهر القراءة الوطني
  • مركز أبوظبي للغة العربية يطرح باقة فعاليات مجتمعية خلال شهر القراءة الوطني بالإمارات
  • "أبوظبي للغة العربية" يطرح فعاليات خلال شهر القراءة الوطني
  • شاهد | العدوان الأمريكي على اليمن يعكس الفشل المتراكم على لسان مسؤوليه
  • الهوية الوطنية والهوية العربية: جدلية التداخل ومسارات المشروع الثقافي الأردني
  • “الشؤون الإسلامية” تقيم مأدبة إفطار في كلية اللغة العربية للبنات بسريلانكا
  • الشؤون الإسلامية” تقيم مأدبة إفطار في كلية اللغة العربية للبنات بسريلانكا
  • دعوى قضائية بحظر صفحات معلمة ومنعها من التدريس لتطاولها على الحضارة الفرعونية
  • «تطاولت على الحضارة».. دعوى لحظر صفحات فدوى مواهب ومنعها من التدريس
  • الصين والدول العربية.. ازدهار التبادلات الثقافية وتعزيز العلاقات الاستراتيجية | تفاصيل