أول تحديات ترامب في السياسة الخارجية بات واضحا
تاريخ النشر: 14th, December 2024 GMT
ترجمة: أحمد شافعي
عندي قاعدة شخصية لتقييم اضطراب بلاد الشرق الأوسط المحتمل. ويأتي في نوعين: بلاد تنفجر إلى الداخل وبلاد تنفجر إلى الخارج. أي بلاد تنهار فيها السيطرة المركزية فيتهاوى حطام الأعمدة داخل الحدود، وبلاد حينما تنهار فيها السيطرة المركزية يتهاوى حطام الأعمدة فيمتد ركامه السياسي في كل حدب وصوب.
وما من بلد في الشرق الأوسط ينفجر إلى الخارج أكثر من سوريا. فما يحدث في سوريا لن يبقى في سوريا.
ذلك أن سوريا تمثل في آن واحد حجر زاوية في الشرق الأوسط وصورة مصغرة له. فبوصفها حجر زاوية، ما إن تتداعى، حتى تستشري الآثار في كل اتجاه.
وبوصفها صورة مصغرة ـ بمن فيها من سنة وشيعة وعلويين وأكراد ومسيحيين ودروز ـ فحينما تضعف السيطرة المركزية يكون ذلك مصدر انعدام أمن لكل طائفة، فغالبا ما تطلب المساعدة من الخارج. وذلك أيضا مصدر فرصة لكل قوة إقليمية، فكثيرا ما تمتد تلك القوى إلى الداخل السوري لكي توجه سوريا في اتجاهها. ولقد كان الأمر، تاريخيا، يقتضي وجود قائد حديدي القبضة في دمشق لإبقاء سوريا تحت السيطرة في الداخل ولردع القوى الإقليمية الراغبة في السيطرة من الخارج.
وبسبب مركزية سوريا، قد يكون للتغيير الإيجابي هناك إشعاعه أيضا في كل اتجاه. وذلك ما يمضي بي إلى الغرض من هذا المقال، وهو أن يكون مذكرة إلى المرشح لوزارة الخارجية مارك روبيو: لعلك لم تتول بعد، لكن إذا ما تأكد هذا، فإن أول تحد لك بوصفك الدبلوماسي الأول في فريق الرئيس ترامب قد يتمثل في إقناعه بالعدول عن خطاب الانعزالية الذي يشتهر به ترامب ويقوم على أن «أمريكا أولا» وعلى فكرة عدم اليقين من الرغبة في البقاء في الناتو والتساؤل عن جدوى الحلفاء وعمن يكترث لأمر البلاد المنهارة، فتستطيع أن تساعد ـ إذا ما أسعفتني الجرأة وقلتهاـ في بناء سوريا.
لأن إطاحة «المعارضين» السوريين بالرئيس بشار الأسد تمثل واحدا من أكبر التحديات التي يحتمل أن تكون إيجابية ومؤثرة في قواعد اللعبة في الشرق الأوسط منذ أكثر من خمسة وأربعين عاما. وشأن الفرص في مجال السياسة الخارجية أنها قد تأتي من العدم تماما، والرؤساء العظماء هم الذين ينتهزون هذه الفرص حتى لو استدعت اعترافهم بأنهم كانوا مخطئين في تقديراتهم.
إنصافا لترامب، حينما لاحت فرصة الاتفاقات الإبراهيمية سنة 2020، ولاحت هي الأخرى من العدم، انتهزها الرجل وساعد في صياغة التطبيع بين إسرائيل وأربع دول عربية، فكان ذلك في صالح المنطقة وفي صالح الولايات المتحدة. واللحظة الآن مماثلة. فرص النجاح منخفضة، والمردود قد يكون هائلا، والمخاطرة بالنسبة لأمريكا غير شديدة الارتفاع، لكنها سوف تقتضي من القيادة الأمريكية الكثيفة أكثر مما اقتضته الاتفاقات الإبراهيمية.
وفهما للسبب، عليّ أن أرجع بك إلى عام 2003. لقد كان لغزو الولايات المتحدة للعراق في ظل حكم الرئيس جورج دبليو بوش هدفان. أحدهما التخلص من أسلحة الدمار الشامل التي تبين أنها أكذوبة. والثاني، الذي دعمته أنا، هدف طموح لكنه في النهاية مستحيل: وهو إحلال ديمقراطية تعددية متعددة الأعراق في عاصمة عربية عظيمة ـ أي بغداد ـ بدلا من صدام حسين، على أمل أن يكون هذا مثالا في قلب العالم العربي يمكن أن ينتشر ويساعد في علاج الأمراض التي أدت إلى هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وأصف هذا الهدف بـ«المستحيل» لأنه من غير الممكن مثلما تعلمنا أن تفرض الديمقراطية من أعلى إلى أسفل ومن الخارج إلى الداخل. إذ لا بد أن تنمو عضويا من القاع إلى القمة.
في العراق، كانت القوات الأمريكية بالأساس هي التي أوقعت تمثال صدام حسين في بغداد، وليس العراقيين، حتى لو أن كثيرا منهم استمتعوا بمشاهدة سقوطه. وفي النهاية، أنتج العراقيون ديمقراطيتهم الدستورية القائمة على اقتسام السلطة، ولكنها تترنح على شفا حالة الدولة الفاشلة، وهي مخترقة بعمق من العملاء والنفوذ الإيراني فضلا عن الفساد الداخلي. وفي حين أن العراق أجرى ستة انتخابات عادلة إلى حد كبير منذ الغزو الأمريكي الذي أطاح بصدام سنة 2003، فإن البرلمان عديد الأحزاب الذي أفرزته تلك الانتخابات خاضع لسيطرة أحزاب أساسها الطائفة والعرق، لا روح المواطنة العراقية الحقة القادرة بما لها من قوة واتساع على مقاومة إيران.
ويعاني العراق أيضا منذ عام 2003، لأن سوريا وإيران قد فعلا كل ما في وسعهما لضمان عدم وجود مثال ديمقراطي لائق في بغداد قد يمثل إلهاما يحتذيه شعباهما. ولكن في نهاية المطاف، انتشر الربيع العربي الذي بدأ في تونس ومصر إلى سوريا في عام 2011 ـ بلا غزو أمريكي فعليا ـ ولكن الأسد كان على أتم استعداد لأن يقتل مئات الآلاف من شعبه ويشرد الملايين في الخارج لكي يبقى في السلطة ـ وذلك حتى نهاية الأسبوع الماضي.
والسؤال الضخم الذي يدور في عقلي هو هذا: هل ينال الشرق الأوسط فرصة أخرى لظهور حكم تعددي توافقي في عاصمة عربية عظيمة أخرى هي دمشق، ولكنه يظهر في هذه المرة مدفوعا من الشعب نفسه، وليس من أي قوة أجنبية؟ لو استطاع السوريون على مدى السنين القادمة أن يشقوا طريقهم من القاع إلى القمة ليعيشوا معا في مجتمع تعددي، بوصفهم مواطنين، لا طوائف فقط، يتلاحمون بقوة توافق طوعي لا بقوة قبضة حديدية استبدادية، فسوف يشيع هذا إلى العراق ولبنان وإيران وليبيا والسودان وكل مكان.
ومن شأن هذا أن يكون الحدث الأكثر إيجابية في الشرق الأوسط منذ أن ركب أنور السادات الطائرة وذهب إلى إسرائيل لإبرام السلام سنة 1977، ومن شأنه أن يكون الحدث الأهم في السياسة العربية الحديثة.
لست بحاجة إلى أي محاضرة في مدى استبعاد هذا. فقد عشت الحرب الأهلية اللبنانية لأكثر من أربع سنوات وكتبت كثيرا من العراق. والنهاية السعيدة بعيدة الاحتمال في سوريا، لكن المردود هائل بالنسبة للشعب السوري والمنطقة برمتها. وخلافا لغزو الولايات المتحدة للعراق، سوف تكون التكلفة بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها أموالا قليلة وقوات قليلة لمحاولة المساعدة.
لكن هذا لن يحدث بغير مساعدة وقيادة أمريكية وبعض الدبلوماسية الثابتة الحازمة المستعدة للمجازفة بالفشل ولفهم أن الإهمال الحميد قد يكبد حلفاءنا تكاليف هائلة. فالتنافس داخل سوريا ـ وعليها من أطراف خارجية ـ سوف ينتشر في المنطقة كلها. ستكون حربا أبدية تفتح الطريق لمعاودة ظهور داعش وقد تزعزع بسهولة استقرار الديمقراطية الهشة في العراق والملكية في الأردن، وتجعل إسرائيل تعلق في سوريا ـ بمعنى أن يسيطر سبعة ملايين يهودي على كامل غزة وأجزاء من لبنان وسوريا، وكذلك على إسرائيل والضفة الغربية. فتجد إسرائيل نفسها مرهقة تماما وبحاجة إلى مليارات الدولارات من المساعدات الأمريكية الإضافية.
لا أعرف ماذا يدور في عقل أبو محمد الجولاني أو قلبه. لقد قرأت أنه قضى سنين يحاول تغيير صورته، مدينا صلاته القديمة بالقاعدة وطارحا نفسه بوصفه زعيما يدعم التعددية والتسامح. وأعلم أننا يجب أن نفعل كل ما في وسعنا من الخارج لمساعدة الجولاني والضغط عليه وتحفيزه ليستقيم مع هذه الصورة. وقد سرني بروز وزير الخارجية أنطوني بلينكن إلى الواجهة بتصريحه في العاشر من ديسمبر:
«إن الولايات المتحدة تجدد تأكيد دعمها الكامل للتحول السياسي السوري قيادةً وامتلاكا. ويجب أن تؤدي عملية التحول هذه إلى حكم مضمون احتوائي غير طائفي... ولا بد لعملية التحول والحكم الجديد أن تلتزم التزامات واضحة باحترام كامل لحقوق الأقليات وتيسير تدفق المساعدات الإنسانية لكل من يحتاج إليها، وتمنع استغلال سوريا فلا تكون قاعدة للإرهاب أو مصدر تهديد لجيرانها».
أعتقد أن المشكلة السورية سوف تكون صورة مصغرة للتحدي الأساسي الذي سوف يواجهه فريق سياسة ترامب الخارجية على المستوى العالمي، وهو كيفية إدارة الضعف وليس القوة. كيفية إدارة دول تسقط فيهدد انهيارها العالم، وليس دولا صاعدة تهدد العالم بقوتها. فباستثناء الصين، سوف تكون الدول الضعيفة لا الدول القوية هي التي تزعج أمريكا وحلفاءها، ومن ثم فإن التحدي المركزي لفريق ترامب سوف يتمثل في كيفية بناء الدول أو إصلاح الدول بتكلفة يتقبلها الشعب الأمريكي.
ومثلما قال الكاتب الاقتصادي ديفيد روزنبرج في صحيفة ها آرتس في ما يتعلق بسوريا: «سوف تكون تكلفة إعادة إعمار سوريا سبعة أمثال الاقتصاد السوري كله في الأقل، وسوف يقتضي العمل نفسه نوعا من الخبرة التقنية لا يمكن إلا لدول قليلة أن تقدمه... والمشكلة هي أن سوريا مفلسة، ومن المستبعد أن يمدها ترامب بمساعدة مالية ذات شأن. وهي أيضا خاضعة لعقوبات غربية سيكون على ترامب أن يرفعها... ولكي تتعافى سوريا ويعاد بناؤها، سوف يتعين أن يتوافر حظ سعيد وقيادة جيدة، ووحدة وطنية وإرادة دولية جيدة».
بوسع ترامب أن يبتعد عن سوريا، مثلما حاول أن يفعل ذلك من قبل، حينما كان رئيسا، ويشهد الشرق الأوسط إذ يتفكك تماما ويقول ما قال نائب الرئيس المنتخب جيه دي فانس ذات مرة بحق أوكرانيا: «أنا فعلا لا أكترث بما يجري».
أو بوسع ترامب أن يعترف بأن السبيل الوحيد الذي يمكننا أن نساعد سوريا به في الانعطاف إلى وجهة إيجابية بثمن مقبول هو أن نقيم تحالفا مع حلفائنا في الناتو واليابان وكوريا وأستراليا ـ وربما الصين والهند ـ سعيا إلى دفع السوريين إلى النهوض ومنحهم أفضل فرصة ممكنة للنجاح.
لقد ابتعد الرئيس بايدن عن أفغانستان بعيد توليه السلطة، وكان ذلك قبيحا منه ومؤسفا للأفغان، لكن سوريا غير أفغانستان.
فأفغانستان تنفجر في الداخل، وسوريا تنفجر في الخارج.
توماس فريدمان كاتب رأي في الشؤون الخارجية في نيويورك تايمز منذ 1981
خدمة نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط من الخارج سوف تکون فی سوریا أن یکون
إقرأ أيضاً:
ترامب يتغيّر بعد 100 يوم… فما نصيب الشرق الأوسط من ذلك؟
"دخل ترامب ولايته الثانية كأسد، لكنه الآن يبدو أقرب إلى الحمل"، هكذا علّق ستيفن كوك في Foreign Policy على الأشهر الثلاثة التي أعقبت تنصيب ترامب. لكن السؤال هو: هل يسعى ترامب للاحتفاظ بهذا الاستئساد في الشرق الأوسط، الذي بات يشغل موقع "المسرح الثانوي" في السياسة الأميركية؟
تتسم سياسة ترامب في المنطقة بتوجهات متعددة. فقد دعا إلى تهجير الفلسطينيين من غزة، سواء بالقوة أو طوعًا، ويؤيد البيت الأبيض حاليًا هجومًا إسرائيليًا متجددًا على القطاع، بهدف الضغط على حماس لتسليم الرهائن المتبقين أو القضاء عليها.
وفيما يتعلق بإيران، يجمع نهجه بين التفاوض، والتهديد باستخدام القوة، وممارسة أقصى الضغوط.
كما شن حربًا واسعة على الحوثيين في اليمن، معلنًا هدفه: تأمين إسرائيل وضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر، وأصدر تعليمات لوزير خارجيته بالعمل على عبور السفن الأميركية التجارية والعسكرية من قناة السويس مجانًا. وبالتوازي مع ذلك، منح إسرائيل حرية التحرك عسكريًا في لبنان، على الرغم من جهود مبعوثه للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بينها وبين حزب الله.
لا يمتلك ترامب إستراتيجية متماسكة وشاملة للشرق الأوسط، بل مجموعة من الأولويات والاتجاهات، والاهتمام ببعض الملفات التي ترسم معالم نهجه في المنطقة.
إعلانتتسم أهدافه بقدر من التضارب؛ فالأهداف التي أعلنها، مثل دعم الهيمنة الإقليمية الإسرائيلية، والرغبة في الوقت نفسه في إنهاء الحرب في غزة، والتوصل إلى اتفاق مع إيران، وتوسيع اتفاقات التطبيع، تبدو متعارضة إلى حد كبير.
ويُضاف إلى ذلك أن تركيز ترامب على العلاقات الشخصية قد يسفر عن سياسة تفتقر إلى الاتساق، وتتسم بقدر من المفاجأة، بناءً على تفاعلاته مع القادة الأفراد.
يتسم نهجه بتيارات متضاربة تتأرجح بين الانعزالية والتدخلية. ففي حين يرفض التدخلات العسكرية الواسعة ويسعى للانسحاب من الشرق الأوسط، فإنه ينخرط في الوقت نفسه في ضرب الحوثيين دون وجود رؤية واضحة لنهاية هذه الحملة.
تجعل هذه السياسات من الصعب على الأطراف الإقليمية توقّع الإجراءات الأميركية والتخطيط على أساسها.
قد تجد بعض الإجراءات تفسيرها في تفضيلاته الشخصية، مثل التفاوض مع "قادة أقوياء" أو السعي للحصول على جائزة نوبل للسلام. يُوصف بأنه "لديه نفاد الصبر"، ورغبة في أن يكون "زعيمًا قويًا وحاسمًا"، لكنه يفتقر إلى التفكير طويل الأمد بشأن العواقب الأوسع لأفعاله.
ينطلق ترامب في تحركاته من إطار واقعي محدد قوامه مبدأ "أميركا أولًا". ولكن تطبيقه لهذا الإطار على منطقة الشرق الأوسط يبدو ضيقًا للغاية، ويفتقر إلى المشاركة الدبلوماسية والمدنية الشاملة، ولا يستثمر فاعلية العمل مع الحلفاء، وهو ما عزّز النفوذ الأميركي على مر التاريخ.
ترامب: نهج مختلف للسياسة الخارجيةيشكّل نهج ترامب في السياسة الخارجية في ولايته الثانية تحولًا عن النظام الدولي الليبرالي الذي ساد بعد الحرب الباردة، حيث يعطي الأولوية للمصلحة الوطنية "أميركا أولًا" في إطار المنافسة بين القوى العظمى.
هذا النهج يقوّض الأعراف والتقاليد الدولية والقيم الإنسانية المشتركة مثل تهجير الفلسطينيين ودعم الإبادة الجماعية لهم. ينحرف هذا النهج عن الدبلوماسية الأميركية التقليدية من خلال إعادة توجيه التحالفات، وتجاهل الشركاء التقليديين في كثير من الأحيان، وإعطاء الأولوية لأسلوب التفاوض القائم على الصفقات والرافعة المالية، وهو أسلوب يتجاوز التشاور الدولي.
إعلانكما تُستخدم الأدوات الاقتصادية، وعلى رأسها التعريفات الجمركية والعقوبات الاقتصادية، كأسلحة إستراتيجية، بما في ذلك التوجه نحو الانفصال الاقتصادي. وإلى جانب ذلك، يبرز التركيز على الولاء، والتجاهل الواضح لإجماع الخبراء والمعايير المؤسسية في صياغة السياسات.
ويمكن رصد الملامح التالية لنهج ترامب في السياسة الخارجية:
1- التحول من النظام العالمي الليبرالي إلى الواقعية والمنافسة بين القوى العظمىيرتكز نهج ترامب على تقليد واقعي راسخ يمثّل خروجًا عن نموذج النظام العالمي الليبرالي الذي ميّز حقبة ما بعد الحرب الباردة في ظلّ الهيمنة الأميركية.
ترى إدارته أن النظام الدولي تهيمن عليه المنافسة بين القوى العظمى، وليس الصداقة الدولية. ويعتبر المستشارون الرئيسيون أن النظام العالمي الليبرالي "وهْم خطير"، ويدعون إلى تبنّي سياسة خارجية تركز على المصلحة الوطنية.
وهذا التركيز على "أميركا أولًا"، والذي يقسم العالم على طول خط الصدع بين الولايات المتحدة، وجميع الدول الأخرى، يتناقض مع نماذج أخرى مثل التقسيم بين الديمقراطية، والاستبداد الذي كان سائدًا في خطاب بايدن.
يُوصف نتنياهو بأنه يدرك أن "الحرب الدائمة" هي "صديقته"، مما يسمح له بقمع المعارضة السياسية، وتجنّب التحقيقات في الإخفاقات التي تؤدي إلى الصراع، والحفاظ على تماسك حكومته. وهذا يجعل ترامب ونتنياهو متوافقين في الإجراءات التي يُنظر إليها على أنها تستفيد من استمرار الحرب على غزة.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الموقف من إيران يبدو مختلفًا. ففي الوقت الذي يحرص ترامب على التنسيق مع إسرائيل؛ فإنه يواجه اختبارًا لإعطاء الأولوية لـ"أميركا أولًا" على "إسرائيل أولًا"، نظرًا للتكلفة العالية للصراع المحتمل مع إيران. يعتقد قطاع من النخبة الأميركية أن السياسة الخارجية الأميركية غالبًا ما تعطي الأولوية للمصالح الإسرائيلية.
إعلانمبدأ ترامب "أميركا أولًا"، الذي يعطي الأولوية للمصالح الأميركية على غيرها، قد يؤدي إلى احتكاك أو صدامات مع المصالح الإسرائيلية، خاصة إذا كان تحقيق الأهداف الأميركية (مثل إنهاء حرب غزة أو مواجهة إيران) يتطلب اتباع نهج يختلف عن موقف إسرائيل أو يستفيد منه.
2- إعادة توجيه التحالفات وتجاهل الشراكات التقليديةيتضمّن نهج إدارة ترامب إعادة توجيه الدبلوماسية والتحالفات الأميركية بعيدًا عن الشراكات القديمة لصالح شراكات جديدة. وينتقد المسؤولون التحالفات التقليدية مثل حلف شمال الأطلسي (NATO).
تشمل هذه الإستراتيجية تقليص الالتزامات في مناطق تعتبر ثانوية مثل أوروبا والشرق الأوسط، بهدف تركيز الموارد على المناطق الإستراتيجية الرئيسية مثل منطقة آسيا والمحيط الهادئ لاحتواء الصين. وغالبًا ما يتعامل هذا النهج مع الحلفاء الديمقراطيين بقدر من "التجاهل" و"الازدراء".
ويُلاحظ نقص الاهتمام بالحفاظ على القوة الناعمة للولايات المتحدة، أو تعزيزها، وهي القدرة على حشد الحلفاء وجذب الكفاءات. تاريخيًا، كانت الولايات المتحدة أكثر فاعلية عندما تحشد دعم أصدقائها، وهي أداة يتجاهلها ترامب إلى حد كبير، مفضّلًا "صدمة الحلفاء والشركاء" على كسب تأييدهم.
هو يقلل من شأن الموارد الدبلوماسية، ويفشل في حشد الدعم الدولي، مثلما جرى مع إيران.
تتضمّن إستراتيجية التفاوض المفضّلة لدى ترامب التهديدات والمطالب المبالغ فيها؛ بهدف تضليل الطرف الآخر ودفعه في النهاية إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق، فيما يمكن وصف طريقته المفضلة غالبًا بأنها "التصعيد من أجل التهدئة".
يُوصف بأنه يجيد استخدام "النفوذ"، الذي يمكن أن يكون قسريًا. ويمكن ملاحظة هذا النهج في محاولات ممارسة الضغط على دول مثل دول أميركا اللاتينية فيما يتعلق بقضايا مثل الهجرة.
وعند التعامل مع قضايا مثل إيران، تمضي الإدارة قدمًا في تكتيكات الضغط دون حشد الدعم الدولي أولًا، أو التشاور مع الحلفاء والشركاء الإقليميين، وهو ما يمثل تكرارًا لأخطاء الماضي.
يسعى إلى إبرام صفقات، حتى وإن كانت مشابهة للصفقات السابقة أو تلك التي تخلى عنها سابقًا حتى ينسبها إلى ذاته، مثل الوصول لصفقة الاتفاق النووي الإيراني (خطة العمل الشاملة المشتركة)، ربما تحت اسم جديد مثل "خطة العمل الشاملة المشتركة لترامب". يبدو أنه يهتم بالتوصل إلى اتفاقيات لأغراض خاصة به.
وَفق نهج الصفقات، يعتبر أنه: "لا يوجد للولايات المتحدة حلفاء أبديون، وليس لدينا أعداء دائمون.. مصالحنا أبدية ودائمة".
4- الاستخدام الإستراتيجي للجيو-اقتصاد والانفصال الاقتصاديتولي إستراتيجية ترامب اهتمامًا كبيرًا للجيو-اقتصاد ودور القوة المالية في السياسة العالمية. ويُنظر إلى الصفقات التجارية والاستثمار والطاقة والتكنولوجيا من منظور المنافسة على النفوذ الإستراتيجي بين القوى العظمى، وليس فقط الكفاءة الاقتصادية أو التقدم العلمي.
وتُستخدم التعريفات الجمركية في المقام الأول كسلاح اقتصادي ضد الصين؛ بهدف تعزيز المصالح الجيو-اقتصادية الأميركية، وتوجيه الشركات بعيدًا عن الاستثمار في الصين.
يدعو هذا النهج إلى انفصال اقتصادي تدريجي، ولكن متعمّد عن الصين، في تحوّل عن المعايير السابقة للتعايش الاقتصادي على الرغم من الخلافات الإستراتيجية. ويتم دمج سياسة الطاقة في الإستراتيجية الكبرى بهدف تحقيق "الهيمنة العالمية على الطاقة".
5- تجاهل المؤسسات والخبرة والسياسة القائمة على الحقائقتُوصف الإدارة الأميركية الآن بأنها تضع ولاء العاملين على رأس الأولويات. هناك حالات تظهر فيها السياسات بناءً على افتراضات خاطئة بشكل واضح، مثل الادعاء بأن التعريفات الجمركية تمثل تخفيضًا للضرائب. شملت التعيينات في المناصب الرئيسية "متشددين ومبتدئين". وهناك شعور بأن المؤسسات والقيم المهنية تتعرض للتقويض.
يشير هذا النهج إلى الابتعاد عن نماذج الحكم التقليدية التي تعتمد على الخبرة والمؤسسات القائمة والدقة الواقعية في صنع السياسات.
إعلانتُعزى الفوضى جزئيًا إلى الصراعات الداخلية في الحزب الجمهوري بشأن السياسة الخارجية، بما في ذلك وجهات النظر المختلفة بشأن روسيا وإيران وإسرائيل.
إنّ المعيّنين والمرشحين للتعيين يحملون آراء أكثر تدخلية ومؤيدة بشدة لإسرائيل، وهو ما قد يتعارض مع رغبة الرئيس المعلنة في الانسحاب من المنطقة. هذه الديناميكيّة الداخلية تخلق نتائج سياسية غير متوقّعة.
باختصار، ترتكز رؤية إدارة ترامب للشرق الأوسط على إطار واقعي يُعطي الأولوية للمصالح الوطنية الأميركية في عصرٍ يشهد تنافسًا بين القوى العظمى، مُعتبرةً المنطقة ذات أهمية إستراتيجية، لكنها قد تكون ثانوية مقارنةً باحتواء الصين.
يتضمّن هذا النهج تقليص الالتزامات التقليدية، مع استخدام الضغط والنفوذ بشكل انتقائي للسعي إلى إبرام صفقات، لا سيما فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني ونفوذها الإقليمي، والتعامل مع علاقات معقدة مع شركاء مثل إسرائيل.
بيدَ أن السياسات الداخلية وغياب المشاركة متعددة الأطراف، وقلة استخدام الموارد الدبلوماسية والمدنية قد يُعيق الفاعلية الأميركية في المنطقة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline