لجريدة عمان:
2025-02-21@12:00:54 GMT

أول تحديات ترامب في السياسة الخارجية بات واضحا

تاريخ النشر: 14th, December 2024 GMT

ترجمة: أحمد شافعي

عندي قاعدة شخصية لتقييم اضطراب بلاد الشرق الأوسط المحتمل. ويأتي في نوعين: بلاد تنفجر إلى الداخل وبلاد تنفجر إلى الخارج. أي بلاد تنهار فيها السيطرة المركزية فيتهاوى حطام الأعمدة داخل الحدود، وبلاد حينما تنهار فيها السيطرة المركزية يتهاوى حطام الأعمدة فيمتد ركامه السياسي في كل حدب وصوب.

وما من بلد في الشرق الأوسط ينفجر إلى الخارج أكثر من سوريا. فما يحدث في سوريا لن يبقى في سوريا.

ذلك أن سوريا تمثل في آن واحد حجر زاوية في الشرق الأوسط وصورة مصغرة له. فبوصفها حجر زاوية، ما إن تتداعى، حتى تستشري الآثار في كل اتجاه.

وبوصفها صورة مصغرة ـ بمن فيها من سنة وشيعة وعلويين وأكراد ومسيحيين ودروز ـ فحينما تضعف السيطرة المركزية يكون ذلك مصدر انعدام أمن لكل طائفة، فغالبا ما تطلب المساعدة من الخارج. وذلك أيضا مصدر فرصة لكل قوة إقليمية، فكثيرا ما تمتد تلك القوى إلى الداخل السوري لكي توجه سوريا في اتجاهها. ولقد كان الأمر، تاريخيا، يقتضي وجود قائد حديدي القبضة في دمشق لإبقاء سوريا تحت السيطرة في الداخل ولردع القوى الإقليمية الراغبة في السيطرة من الخارج.

وبسبب مركزية سوريا، قد يكون للتغيير الإيجابي هناك إشعاعه أيضا في كل اتجاه. وذلك ما يمضي بي إلى الغرض من هذا المقال، وهو أن يكون مذكرة إلى المرشح لوزارة الخارجية مارك روبيو: لعلك لم تتول بعد، لكن إذا ما تأكد هذا، فإن أول تحد لك بوصفك الدبلوماسي الأول في فريق الرئيس ترامب قد يتمثل في إقناعه بالعدول عن خطاب الانعزالية الذي يشتهر به ترامب ويقوم على أن «أمريكا أولا» وعلى فكرة عدم اليقين من الرغبة في البقاء في الناتو والتساؤل عن جدوى الحلفاء وعمن يكترث لأمر البلاد المنهارة، فتستطيع أن تساعد ـ إذا ما أسعفتني الجرأة وقلتهاـ في بناء سوريا.

لأن إطاحة «المعارضين» السوريين بالرئيس بشار الأسد تمثل واحدا من أكبر التحديات التي يحتمل أن تكون إيجابية ومؤثرة في قواعد اللعبة في الشرق الأوسط منذ أكثر من خمسة وأربعين عاما. وشأن الفرص في مجال السياسة الخارجية أنها قد تأتي من العدم تماما، والرؤساء العظماء هم الذين ينتهزون هذه الفرص حتى لو استدعت اعترافهم بأنهم كانوا مخطئين في تقديراتهم.

إنصافا لترامب، حينما لاحت فرصة الاتفاقات الإبراهيمية سنة 2020، ولاحت هي الأخرى من العدم، انتهزها الرجل وساعد في صياغة التطبيع بين إسرائيل وأربع دول عربية، فكان ذلك في صالح المنطقة وفي صالح الولايات المتحدة. واللحظة الآن مماثلة. فرص النجاح منخفضة، والمردود قد يكون هائلا، والمخاطرة بالنسبة لأمريكا غير شديدة الارتفاع، لكنها سوف تقتضي من القيادة الأمريكية الكثيفة أكثر مما اقتضته الاتفاقات الإبراهيمية.

وفهما للسبب، عليّ أن أرجع بك إلى عام 2003. لقد كان لغزو الولايات المتحدة للعراق في ظل حكم الرئيس جورج دبليو بوش هدفان. أحدهما التخلص من أسلحة الدمار الشامل التي تبين أنها أكذوبة. والثاني، الذي دعمته أنا، هدف طموح لكنه في النهاية مستحيل: وهو إحلال ديمقراطية تعددية متعددة الأعراق في عاصمة عربية عظيمة ـ أي بغداد ـ بدلا من صدام حسين، على أمل أن يكون هذا مثالا في قلب العالم العربي يمكن أن ينتشر ويساعد في علاج الأمراض التي أدت إلى هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وأصف هذا الهدف بـ«المستحيل» لأنه من غير الممكن مثلما تعلمنا أن تفرض الديمقراطية من أعلى إلى أسفل ومن الخارج إلى الداخل. إذ لا بد أن تنمو عضويا من القاع إلى القمة.

في العراق، كانت القوات الأمريكية بالأساس هي التي أوقعت تمثال صدام حسين في بغداد، وليس العراقيين، حتى لو أن كثيرا منهم استمتعوا بمشاهدة سقوطه. وفي النهاية، أنتج العراقيون ديمقراطيتهم الدستورية القائمة على اقتسام السلطة، ولكنها تترنح على شفا حالة الدولة الفاشلة، وهي مخترقة بعمق من العملاء والنفوذ الإيراني فضلا عن الفساد الداخلي. وفي حين أن العراق أجرى ستة انتخابات عادلة إلى حد كبير منذ الغزو الأمريكي الذي أطاح بصدام سنة 2003، فإن البرلمان عديد الأحزاب الذي أفرزته تلك الانتخابات خاضع لسيطرة أحزاب أساسها الطائفة والعرق، لا روح المواطنة العراقية الحقة القادرة بما لها من قوة واتساع على مقاومة إيران.

ويعاني العراق أيضا منذ عام 2003، لأن سوريا وإيران قد فعلا كل ما في وسعهما لضمان عدم وجود مثال ديمقراطي لائق في بغداد قد يمثل إلهاما يحتذيه شعباهما. ولكن في نهاية المطاف، انتشر الربيع العربي الذي بدأ في تونس ومصر إلى سوريا في عام 2011 ـ بلا غزو أمريكي فعليا ـ ولكن الأسد كان على أتم استعداد لأن يقتل مئات الآلاف من شعبه ويشرد الملايين في الخارج لكي يبقى في السلطة ـ وذلك حتى نهاية الأسبوع الماضي.

والسؤال الضخم الذي يدور في عقلي هو هذا: هل ينال الشرق الأوسط فرصة أخرى لظهور حكم تعددي توافقي في عاصمة عربية عظيمة أخرى هي دمشق، ولكنه يظهر في هذه المرة مدفوعا من الشعب نفسه، وليس من أي قوة أجنبية؟ لو استطاع السوريون على مدى السنين القادمة أن يشقوا طريقهم من القاع إلى القمة ليعيشوا معا في مجتمع تعددي، بوصفهم مواطنين، لا طوائف فقط، يتلاحمون بقوة توافق طوعي لا بقوة قبضة حديدية استبدادية، فسوف يشيع هذا إلى العراق ولبنان وإيران وليبيا والسودان وكل مكان.

ومن شأن هذا أن يكون الحدث الأكثر إيجابية في الشرق الأوسط منذ أن ركب أنور السادات الطائرة وذهب إلى إسرائيل لإبرام السلام سنة 1977، ومن شأنه أن يكون الحدث الأهم في السياسة العربية الحديثة.

لست بحاجة إلى أي محاضرة في مدى استبعاد هذا. فقد عشت الحرب الأهلية اللبنانية لأكثر من أربع سنوات وكتبت كثيرا من العراق. والنهاية السعيدة بعيدة الاحتمال في سوريا، لكن المردود هائل بالنسبة للشعب السوري والمنطقة برمتها. وخلافا لغزو الولايات المتحدة للعراق، سوف تكون التكلفة بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها أموالا قليلة وقوات قليلة لمحاولة المساعدة.

لكن هذا لن يحدث بغير مساعدة وقيادة أمريكية وبعض الدبلوماسية الثابتة الحازمة المستعدة للمجازفة بالفشل ولفهم أن الإهمال الحميد قد يكبد حلفاءنا تكاليف هائلة. فالتنافس داخل سوريا ـ وعليها من أطراف خارجية ـ سوف ينتشر في المنطقة كلها. ستكون حربا أبدية تفتح الطريق لمعاودة ظهور داعش وقد تزعزع بسهولة استقرار الديمقراطية الهشة في العراق والملكية في الأردن، وتجعل إسرائيل تعلق في سوريا ـ بمعنى أن يسيطر سبعة ملايين يهودي على كامل غزة وأجزاء من لبنان وسوريا، وكذلك على إسرائيل والضفة الغربية. فتجد إسرائيل نفسها مرهقة تماما وبحاجة إلى مليارات الدولارات من المساعدات الأمريكية الإضافية.

لا أعرف ماذا يدور في عقل أبو محمد الجولاني أو قلبه. لقد قرأت أنه قضى سنين يحاول تغيير صورته، مدينا صلاته القديمة بالقاعدة وطارحا نفسه بوصفه زعيما يدعم التعددية والتسامح. وأعلم أننا يجب أن نفعل كل ما في وسعنا من الخارج لمساعدة الجولاني والضغط عليه وتحفيزه ليستقيم مع هذه الصورة. وقد سرني بروز وزير الخارجية أنطوني بلينكن إلى الواجهة بتصريحه في العاشر من ديسمبر:

«إن الولايات المتحدة تجدد تأكيد دعمها الكامل للتحول السياسي السوري قيادةً وامتلاكا. ويجب أن تؤدي عملية التحول هذه إلى حكم مضمون احتوائي غير طائفي... ولا بد لعملية التحول والحكم الجديد أن تلتزم التزامات واضحة باحترام كامل لحقوق الأقليات وتيسير تدفق المساعدات الإنسانية لكل من يحتاج إليها، وتمنع استغلال سوريا فلا تكون قاعدة للإرهاب أو مصدر تهديد لجيرانها».

أعتقد أن المشكلة السورية سوف تكون صورة مصغرة للتحدي الأساسي الذي سوف يواجهه فريق سياسة ترامب الخارجية على المستوى العالمي، وهو كيفية إدارة الضعف وليس القوة. كيفية إدارة دول تسقط فيهدد انهيارها العالم، وليس دولا صاعدة تهدد العالم بقوتها. فباستثناء الصين، سوف تكون الدول الضعيفة لا الدول القوية هي التي تزعج أمريكا وحلفاءها، ومن ثم فإن التحدي المركزي لفريق ترامب سوف يتمثل في كيفية بناء الدول أو إصلاح الدول بتكلفة يتقبلها الشعب الأمريكي.

ومثلما قال الكاتب الاقتصادي ديفيد روزنبرج في صحيفة ها آرتس في ما يتعلق بسوريا: «سوف تكون تكلفة إعادة إعمار سوريا سبعة أمثال الاقتصاد السوري كله في الأقل، وسوف يقتضي العمل نفسه نوعا من الخبرة التقنية لا يمكن إلا لدول قليلة أن تقدمه... والمشكلة هي أن سوريا مفلسة، ومن المستبعد أن يمدها ترامب بمساعدة مالية ذات شأن. وهي أيضا خاضعة لعقوبات غربية سيكون على ترامب أن يرفعها... ولكي تتعافى سوريا ويعاد بناؤها، سوف يتعين أن يتوافر حظ سعيد وقيادة جيدة، ووحدة وطنية وإرادة دولية جيدة».

بوسع ترامب أن يبتعد عن سوريا، مثلما حاول أن يفعل ذلك من قبل، حينما كان رئيسا، ويشهد الشرق الأوسط إذ يتفكك تماما ويقول ما قال نائب الرئيس المنتخب جيه دي فانس ذات مرة بحق أوكرانيا: «أنا فعلا لا أكترث بما يجري».

أو بوسع ترامب أن يعترف بأن السبيل الوحيد الذي يمكننا أن نساعد سوريا به في الانعطاف إلى وجهة إيجابية بثمن مقبول هو أن نقيم تحالفا مع حلفائنا في الناتو واليابان وكوريا وأستراليا ـ وربما الصين والهند ـ سعيا إلى دفع السوريين إلى النهوض ومنحهم أفضل فرصة ممكنة للنجاح.

لقد ابتعد الرئيس بايدن عن أفغانستان بعيد توليه السلطة، وكان ذلك قبيحا منه ومؤسفا للأفغان، لكن سوريا غير أفغانستان.

فأفغانستان تنفجر في الداخل، وسوريا تنفجر في الخارج.

توماس فريدمان كاتب رأي في الشؤون الخارجية في نيويورك تايمز منذ 1981

خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط من الخارج سوف تکون فی سوریا أن یکون

إقرأ أيضاً:

ما الذي يدور في عقل ترامب؟

قال المجاهد العربي العظيم عمر المختار مرة: إن الضربات التي لا تقصم ظهرك تقويك. وبالتأكيد أن الضربات المتتالية التي يتلقاها العرب لم تقصم ظهورهم ولا نالت منهم، ورغم كل مؤامرات الكون لا زلنا واقفين وصامدين إلى أن تقوم الساعة.. هذا ما أراده الله لهذه الأمة. مهما حصل فما يؤلمك اليوم قد يكون السبب في كونك قوياً غدا، كما قال نجيب محفوظ. صخرة ألقاها دونالد ترمب في بحيرة العرب الراكدة لتعكر صفوها وتخلطها رأساً على عقب، معلنًا عن رغبته في تهجير أهل غزة من القطاع إلى الخارج وتحديدا إلى مصر والأردن ودول أخرى بادياً رغبته في تملكها بأي طريق سواء كان بالشراء أو الاستيلاء أو الاستعمار وطرد أهلها منها. والوعد بتحويلها إلى جنات تجري من تحتها الأنهار ومزارع من عنب ورمان (ريفييرا الشرق الأوسط) ينعم الساكنون فيها بفلل وملاعب جولف ومسابح، كل ذلك ولا يحق للفلسطينيين العودة إليها أو السكن فيها.

ما يمتاز به ترامب هو الصراحة والشفافية ولا يجيد المراوغة أو الدبلوماسية، وفي نفس الوقت الغرور والصلف والمكابرة والتباهي بالنفس، هذه الصفات تزعج الكثيرين بالطبع وتحرج آخرين من الزعماء أمام شعوبهم. يريد ترامب اللعب على المكشوف، وربما المرحلة تتطلب ذلك لتدفع العرب إلى التفكير أيضاً بشكل مختلف وبصوت مسموع بما يتوافق مع ذلك، لتدخل القضية الفلسطينية مرحلة جديدة من الصراع العربي الصهيوني.

الأفكار التي أطلقها ترامب كانت كفيلة بإشعال الأوساط وما زالت ارتداداتها تتفاعل ولم تنتهِ بعد، وما أن يشعر ساكن البيت الأبيض بخفوتها يشعلها بإطلاقه مزيدا من التهديد والوعيد وفتح أبواب جهنم. يحلو لساكن البيت الأبيض ترديد سرياليته المقيتة وأحلامه الغريبة. ذلك الساكن لا يراعي ذمة ولا أخلاقا ولا قانونا أو عرفا ولا حتى إنسانية، فهو ليس إلا تاجر سمسار ومرابٍ لا يهمه في الأمر شيئا غير جمع المال، العالم في فكره ليس إلا مصرف كبير يجمع منه الأموال، والعالم العربي ليس في فكره إلا أكوام من المال والثروة التي تقع تحت أيادي من لا يحسنون التصرف بها ولا يستحقونها وله الحق وحده في الاستيلاء على تلك الثروة دون شفقة أو مبرر.

تلك الأفكار الجهنمية التي طرحها في لحظة عنفوان تلقفها رئيس وزراء إسرائيل وزبانيته المتطرفون وصفقوا وهللوا لما يسمعون مما تجاوز حتى أحلامهم، بل وصل تماديه إلى إعلانه بشكل مستفز عن مقترح نقل أهل غزة إلى المملكة العربية السعودية و«إقامة دولة فلسطينية على أراضيها الواسعة» وهي بلا شك نظرة لا أخلاقية واستعلاء وخرق فظ لكل الأعراف وللقانون الدولي.

وفي الحقيقة ترامب رغم مغامراته النزقة إلا أنه لو افترضنا أنه يريد حل القضية الفلسطينية وغزة إلا أنه لم يقدم خطة مدروسة، كل ما قدمه تصريحات عنترية وتهديدات ووعيد. وعندما شعر بعدم قبولها طالب العرب بالبديل قائلا لهم «إذا رفضتم الخطة، فعليكم طرح أفكاركم». وأن يقدموا خطة متكاملة لترامب كما صرح بذلك وزير خارجيته روميو. العرب بدورهم تفاعلوا مع تلك الأفكار وسارعوا إلى الإعلان عن إقامة سلسلة من القمم العربية والإسلامية للرد على تلك الخطة الزئبقية. ما يتم تداوله الآن من خطة عربية أو خطة مصرية أو الورقة المصرية لحل قضية غزة رغم أن تفاصيلها لم تعلن بعد إلا أنه هناك بعد الوشوشات عن اقتراح تم تنسيقه مع الأردن وقطر والإمارات والسعودية، يقوم على رفض فكرة تهجير أهل غزة وإعادة توطينهم في الخارج. والخطة تشمل أيضاً إعادة إعمار القطاع على مراحل تستمر 5 - 10 سنوات بتمويل عربي (دول الخليج) وبتنفيذ شركات مصرية وأمريكية. على أن يتم تشكيل إدارة فلسطينية في القطاع تتحمل المسؤولية عن إدارة وتنسيق نشاطات الأجهزة المدنية الحيوية، والخدماتية، وتكون مسؤولة عن معبر رفح.

تلك الخطة الظاهرة التي يتم تسريبها واضحة تماماً، لكن الخشية من المخفي منها أو العبارات القابلة للتأويل والتفسيرات المختلفة ومراوغتها وهنا الخطورة. والسؤال الذي بات يطرح على نطاق واسع وبشكل متسارع هو، هل يلدغ العرب من نفس الجحر مرتين؟ وهل يبتلع العرب الطعم الذي رمي لهم؟

لا نريد الخوض فيما يعتقده المرتجفون ويعتقدون أن تدمير غزة جاء بسبب حماس والمقاومة. في المقابل يعتقد الكثيرون أن ما عجز عنه الصهاينة وداعموهم طوال الخمسة عشر شهراً من تدمير ومذابح لا يجب على العرب تقديمه على طبق من ذهب وما لم يستطعه نتنياهو من أهداف أعلنها في بداية عدوانه سيتحقق بشكل آخر.

على أمل أن يدرك العالم أجمع بما فيهم العرب بأنهم من حاصروا غزة ومنعوا عن أهلها الدواء والغذاء ووضعوهم في سجن كبير فقط بدون سقف ومنطقياً طال الزمن أو قصر سيأتي يوم وينفجر الوضع، والعالم كله يدرك أنه ليس طوفانا بل طوفانات كثيرة سوف تأتي إن ظلت غزة محاصرة للأبد.

يدرك المرتجفون أنهم سبب كل البلاوي والتراجع وأنهم قدموا خدمات جليلة للصهيونية والغرب. وإن ما يقدمونه كخطة للترامب (إن كان ذلك ضروريا) عن غزة تتضمن التخلص من حماس والمقاومة وذلك بالضبط ما يريده نتنياهو والغرب أجمع. الشيء الآخر، أغلب العرب الفاعلون على الساحة الآن الذين يتصدرون المشهد ويطلب منهم تقديم خطة لغزة هم بالأساس يضعون حماس والمقاومة في صف الأعداء وصنفوها في خانة الإرهاب ووسموها بالحركة الإرهابية، أي منطق هذا؟ هل ستكون الضمائر والنخوة العربية ومعاناة الفلسطينيين والأمهات الثكلى ودماء الشهداء حاضرة في أذهانهم وهم يفكرون في تقديم خطتهم. شيء آخر، أيضا، إن ارتفعت الأصوات منذ بداية الحرب على غزة أن العرب لديهم الثروة لإعادة بناء غزة، لا يهم ذلك فليفعل نتنياهو تدميراً وقتلاً ويرتكب المذابح طالما هناك من يعيد البناء. لماذا لا يتصدى العرب ويطالبون العالم بأجمعه وخصوصاً تلك الدول التي ساهمت في تدمير غزة وأرسلت الأسلحة، لماذا لا يتحملون ما اقترفته أيديهم من إجرام؟

ها هو ترامب يطلب من أوكرانيا تقاسم معادنها وثرواتها كتعويض عن الأسلحة والدعم المالي الذي دفعوه لهم. لماذا العرب لا ينطلقون من هذا طالما هذا هو منطق الغرب.

إسرائيل ليست بتلك القوة المتصورة التي كانت تروج لها، المقاومة الفلسطينية الشجاعة كسرت هذه الغطرسة ومرغت أنوفهم في وحل ورمال غزة ولم تعد سردية القوة وما يروجونه قائمة ولن تصمد، فإسرائيل والغرب لم يستطيعوا تدمير «حماس»، وبات العالم كله يدرك أن قوتها تلك مصنوعة وبمساعدة وحماية الغرب.

الابتزاز الأمريكي للعرب لا يتوقف عند حد معين، فمن المطالبة بدفع مبالغ على شكل استثمارات أو شراء أسلحة أو إعادة تعمير ما تدمره إسرائيل إلى التهديد بقطع المساعدات عن مصر والأردن والكل يعرف أن الرابح الوحيد ليس هذه الدول فقط إذ أن الأمريكيين لم يمنوا بتلك المساعدات لسواد عيون هذه الدول أو بنوايا صافية في الرغبة بالمساعدة، الأهداف من تلك المساعدات هو الحفاظ على الاستقرار في المنطقة وتخدم أمريكا أكثر، وأن الأموال الأمريكية التي تدفع للأردنيين ليست مساعدات بقدر ما هي «بدل خدمات لا يفيد» كما علق أحد الأردنيين. وفي مجمل الحال لا تشكل المساعدات الأمريكية الموسمية ما تزيد قيمتها التأثير على الميزانية عن 5-7% فقط، ما يعني أنه يمكن بقليل من الترشيد والتفكير خارج الصندوق الاستغناء عنها. على حد رأي خبير أردني.

المطلوب من القمم العربية هو ترسيم استراتيجية عربية للتعامل مع هذه الدول العربية، بالتأكيد تملك الكثير من الأوراق وتستطيع استخدامها عند الضرورة وليس أفضل من هذا الوقت فإذا حيدنا سلاح النفط عن العملية فأننا بالتأكيد أمام أوراق أخرى وفاعلة جداً وأهمها هي وحدة العرب ورص صفوفهم وتكتلهم في كلمة واحدة. ناهيك عن ورقة التطبيع التي تلهث خلفها إسرائيل وترامب ويريدونها دون ثمن بالإضافة إلى وقف الاتفاقيات الموقعة مع هذا الكيان الذي لم تلتزم هي بها، ماذا لو لوحت الدول المطبعة بوقف التطبيع وقطع تلك العلاقة؟

الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وهي الدولة الرائدة والقائدة في عالمنا العربي هي لوحدها تملك الكثير من الأوراق التي لا يملكها غيرها من الدول وما يتميز به الأمير محمد بن سلمان من قدرة على القيادة بلا شك سيكون له الأثر الفعال في وقوف هذا التخبط العربي، بالإضافة إلى أن نوايا السعودية قد تكون أكثر صدقاً من غيرها من الدول وذلك لما لها من قداسة ورمزية لدى المسلمين والعرب. بمجرد ما تعلن المملكة عن موقفها القاطع غير القابل للمفاوضات والنقاش وغير المساومة في تحقيق سلام عادل ودائم لن يكون ممكناً دون تحقيق الشعب الفلسطيني حقوقه الشرعية، وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، ولن توافق على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بدون تحقيق هذه الحقوق المشروعة. مجرد هذا الإعلان وبنوايا صادقة سوف تتداعى معه دول عربية أخرى وإسلامية ويخلق زخما وديناميكية مختلفة.

مقالات مشابهة

  • مدير غرفة التجارة الأمريكية للشرق الأوسط تشيد بالتطور الذي يشهده الاقتصاد المصري
  • في 4 أسابيع فقط.. ترامب يمحو إرث 80 عاماً من السياسة الأمريكية
  • دور المصريين في الخارج وتأثيرهم على السياسة الدولية.. فيديو
  • الحُكم الذاتي لكُرد سوريا بانت ملامحه: السياسة والضغوط الأمريكية ستفرض نفسها في النهاية
  • الحُكم الذاتي لكُرد سوريا بانت ملامحه: السياسة والضغوط الأمريكية ستفرض نفسها في النهاية - عاجل
  • ما الذي يدور في عقل ترامب؟
  • "نيويورك تايمز": تقارب ترامب مع بوتين يعكس أجيالا من السياسة الأمريكية ويُنهي عزلة روسيا
  • وزير الخارجية الأمريكي يصل الإمارات ضمن جولته في الشرق الأوسط
  • وزير الخارجية الأمريكي يختتم جولته للشرق الأوسط في الإمارات
  • خبير علاقات دولية: السياسة الخارجية لمصر تشهد توسعا في علاقاتها مع الشركات الإقليمية